مصطفى فتحي في صالة أيام
16 كانون الثاني 2010
عين مفتوحة على العين!
وأنت تنظر إلى أعماله تغوص في عوالم مجردة تتحرك، أشكال بصرية لا تعرف لوهلة إن كانت تنتمي إلى مكان أو زمان أو لا شيء، سوداء مسننة تخفي فيها شيئاً ما، وتدعوك لفتح عينيك أكثر لتستطيع أن ترى، والرؤية هنا هي تواصل حميمي جارف أقامه فتحي نحو إشارات الأرض والإنسان الذي يعيش عليها، ولا يزال يحمل هذه الإشارات في الأطراف القصية والبعيدة من الريف السوري، هذا الريف الذي لا يزال يولد هذه الأسرار وامتداد الطقوس على أيدي أبنائه وذقونهم أوشاماً خضراء تتعتق مع الأيام.
لوحة الفنان مصطفى فتحي تحمل أسرار لغات شعوب وحضارات سورية باحتكاك خفي مع السرة الأولى وبتظهير خفي أيضاً لبصماتنا الأُوَل، وهذا كله لا يزال في ذاك الريف بشرط وجود العيون العاشقة التي تستطيع الرؤية.
فتحي بقي أميناً حتى آخر لحظة من حياته على لغته التشكيلية الصعبة (الحفر)، تلك الطريقة التي تتطلب تعاملاً خاصاً مع الحموض والأكاسيد، والتي كانت سبباً في مرضه، ومع ذلك استمر يتواصل مع الخشب حفراً وحواراً بين غائره ونافره ليكون الختم (الشيفرة) بعد ذلك، الذي يؤرخنا ويؤرخه، ولهذا ما كان منه إلا أن ترك باريس ليلتحق بميدان دمشق وتراب حوران، فالجذور لا يقاوم إغواؤها! ومن هذه الجذور ارتفعت لوحات فتحي لتكون شجرة باسقة، ولذا كان أن اختاره الغرب بجدارة كأهم الفنانين في مجال الفن الطباعي على القماش.
مفردات فتحي المنثورة بأكثر من طريقة وأسلوب على سطوح لوحاته وبتونات لونية تميل في أغلبها إلى الحيادية، وهذا اصطلاحياً لكنها ليست كذلك بعد حضورها الذي يوقد الشعلة في القلب، لا يمكن القول أن مصطفى فتحي قد فك أسرار هذه الإشارات بل ربما زادها غموضاً وإبهاراً فلم تكن مهمته تفسيرها بقدر ما كان جمعها ورقشها والتغني بها شغفاً لم تحكمه ضابطة، لقد استطاع فعلا أن يفتح أعين العالم على تلك الجذوة والجذور من الغناءات التي تنطوي في دواخل أرض وشعب سورية، وقبل الدخول في قراءة لوحة فتحي تشكيلياً يمكن القول أن مصطفى فتحي قد عّرف العالم على هذه الجذور ويدعونا أيضاً إلى التعرف إليها أكثر.
المعرض مستمر حتى 28 من هذا الشهر (كانون الثاني 2010).
مصطفى فتحي في سطور (1942 –2009 ):
مصطفى فتحي من مواليد درعا في سورية، في 11 نيسان 1942. درس فن الحفر في كلية الفنون الجميلة في جامعة دمشق وتخرّج منها عام 1966. وفي العام 1978 نال الدبلوم في فن الحفر والطباعة من المدرسة الوطنية العليا للفنون الجميلة في باريس. وفي العام 1975، عرض بعضاً من لوحاته في المعرض الدولي للرسم في باريس. كما عرض فيها أيضاً، في العام 1986، في صالة الفن الشبابي. في العام 1987 باشر عمله مدرساً في كلية الفنون الجميلة في دمشق (سورية)، إلى أن حصل في العام 1988 على بعثة دراسية حول الفنون التقليدية والشعبية السورية، فأنجز أعمالاً مستوحاة من تقنيات الطباعة على الأقمشة بواسطة ألواح خشبية خاصة. كان يقوم بإعداد الرسوم ليحفرها على هذه الألواح، وليضعها بعد ذلك في الأصباغ، ثم يستخدمها في الطباعة على القماش الخام وأحياناً المصبوغ مسبقاً. وانطلاقاً من بضع قطع خشبية وقماش قطني بسيط، أبدع أعمالاً فنية مبتكرة ومرهفة امتزجت فيها تقاليد بلده الفنية مع الروح المعاصرة.
اتضحت نتائج مسيرة الفنان فتحي عبر معرضه الشخصي الذي أقيم في غاليري نيل في باريس، والذي نظمه متحف ثقافات العالم في باريس، ومتحف الطباعة على القماش في مولوز (فرنسا) بين شهري شباط ونيسان 1989 .
في تموز 1989 أقام معرضاً في متحف الفنون الجميلة في آنغوليم في فرنسا. وعرض كذلك في بيت الثقافة في الهافر، بين تشرين الأول وتشرين الثاني عام 1989. كما أقام معرضاً آخر بين كانون الأول 1989 وكانون الثاني1990 في متحف الطباعة على الأقمشة في مولوز.
في شهر آذار 1990، عرض المركز الثقافي الفرنسي في عمّان (الأردن) بعضاً من أعماله. ليعرضها من ثم المركز الثقافي الفرنسي في دمشق (سورية) ما بين نيسان وأيار 1990. ثم أقام معرضاً شخصياً ما بين تشرين الثاني وكانون الأول 1991 في ملتقى الفنون في مدينة ميتز (فرنسا).
في العام 1991 اقتنى متحف بيكاسو في الآنتيب (فرنسا) أحد أعماله. أقام بعدها معرضه الشخصي في رومبا (فرنسا)، بمناسبة مهرجان طريق الحرير، ما بين نيسان وأيار 1991.
كما شارك في معرض جماعة «ورق – قماش» الذي نظمه المركز الثقافي للفنون التشكيلية في شوازي لو روا (فرنسا)، ما بين أيار وحزيران 1991. اختير فتحي، ما بين عامي 1991 و 1992، مع خمسة عشر فناناً آخرين، ليمثّل فن صناعة النسيج الأوروبي، وأقام إثر ذلك معرضاً في شتوتغارت (ألمانيا). اختير أيضاً مع أربعة فنانين آخرين لمعرض «كتابة بالنسيج» الذي نظمته فيلا حديقة آنماس (فرنسا)، ما بين عامي 1992 و 1993، تلاه معرض دوار أقيم في متحف الورق في آنغوليم.
انطلق الفنان فتحي ما بين الأعوام 1995 و2007 باتجاه البحث والدراسات، مختبِراً أفكاراً وتقنيات جديدة ومسافراً حول العالم.
في نهاية عام 2008 أقام معرضين الأول في متحف اللاذقية في سورية والثاني في أيام غاليري في دبي.
توفي مصطفى فتحي عام 2009.
عمار حسن
اكتشف سورية