ملتقى دمشق الدولي للنحت .. عندما يُغرد الحجر

14 12

تحت المطر، كانت الكاميرا تتوثب لتعانق سطوح الحجر التدمري وهو يتخلى عن آخر خجله تحت مطارق عرفت دروب الجمال فيه.


الحجر كان ينثر غباره، والسماء كانت تنثر مطرها، ليستمر هذا الحوار بين الفنان والحجر تحت زخات المطر، كي ترتوي العيون بعد ذلك من هذا الجمال. وكانت عدسة «اكتشف سورية» ترصد كل هذا، ليكون الفرح هو ما يبللنا نهاية المطاف.


«اكتشف سورية» زار الملتقى وتحدث إلى بعض المشاركين لنتعرف منهم على هذه الخصوصيات الإبداعية التي يهديها هؤلاء الفنانون إلى سورية.



الفنان مصطفى علي في حواره
مع عمار حسن مندوب «اكتشف سورية»

الفنان مصطفى علي منظم الملتقى:
الوقفة الأولى كانت مع الفنان مصطفى علي منظم الملتقى الذي استبق السؤال بالشرح: «كانت كتلاً من حجر، صناديق مقفلة، لكن حين بدأ الحوار وانسالت المشاعر على كتل الصخر هذه، بدأ التفاعل، وصار الطريق لعيون الفنانين واضحاً إلى الموضوع والشكل، إنه حوار الحس والحدس والعقل مع العمل الموجود ضمن الحجر، وعندما يبدأ في الظهور والتكشف، يكون كما الولادة المبهجة من رحم الصلابة، ولكن بحرارة الإبداع والرؤى والحلم، وهذا الحلم يأخذ شكل اللغة ومعناها وشاعريتها، إنها لغة حجرية يعود تاريخها إلى تاريخ وجود الشام العريقة بتراثها الفني والحضاري.

بعد مضي أكثر من نصف الزمن على انطلاق الملتقى، ما الجميل الذي وجدته قد حدث عند الفنانين، والخاص الذي يمكن أن تحدثنا به؟
عندما بدأت الأعمال تتوالد وتصبح موجودة غمرتني السعادة كانعكاس لسعادة داخلية بأننا استطعنا تحقيق هذا العمل بالفعل، أعمال فنية من المستوى الرفيع التي تليق بمدينتنا التي احتضنت هذه التظاهرة العالمية. ومما يزيدني بهجة أن عدداً كبيراً من الأطفال واليافعين الذين بدؤوا بتعلم لغة النقش على الحجر، بمحبة تدعو إلى التفاؤل باتساع حلمنا الذي نصنعه لبلدنا، فالفن أقوى وسيلة للتأثير والتواصل بين الأمم.

لو أردنا الحديث عن خصوصية هذا الملتقى، فماذا يمكن أن نقول؟
ما ميز هذا الملتقى روح التعاون الذي توج بوجود عدد كبير من المتطوعين السوريين والعالميين كمشاركين في الإدارة والتنفيذ، وفي مواكبة وتسهيل العمل نرى أنكم تقومون بدور هام في هذا المجال. الجديد هو حجم وعدد الأعمال الكبير والاتجاهات الفنية المختلفة في التقنيات والرؤى والأساليب التي تميز كل فنان، ويمكنك أن تلاحظ الروح الإيجابية في العمل رغم ظروف الجو الماطرة والبرد، هذا من قبل الفنانين ومن المساعدين من جيل الشباب السوريين الذين لم ينقطعوا أيضاً رغم هذا المطر الغزير. ومن الجدير بالانتباه وجود المرأة القوي كمشاركات عالميات وكنحاتات سوريات من الجيل الشاب وربما تجاوز عددهن 15 مشاركة من الفنانات والمشاركات. ومن اللافت أيضاً في الملتقى هذا الحوار الفكري والفني الذي يدور يومياً بين الفنانين مما يعزز ثقافة الفن ونشر الذائقة الفنية.

أعتقد أنه من اللافت والهام وجود محافظة دمشق إلى جانبكم في هذا العمل، كيف تقيم الدور الرسمي في دعم هذه التظاهرة الفنية؟
لقد أخذت المحافظة على عاتقها تقديم كل الرعاية والدعم لهذا الملتقى مادياً ومعنوياً، ولا يمكن إغفال أنهم يستحقون كل الشكر والتقدير.


المخرج السينمائي محمد ملص
في حديثه مع اكتشف سورية

السينمائيون أيضاً يحبون التشكيل:
وإبان تجوال «اكتشف سورية» في الملتقى التقينا بالمخرج السينمائي السوري محمد ملص الذي أجاب على سؤال «اكتشف سورية» بمودة.

وجودك في هذا الملتقى دليل على اهتمام، حبذا لو تعرفنا إليه؟
دعني أبدأ من هذا المكان الذي نحن فيه (خيمة الأطفال أثناء قيامهم بمحاولات النحت) فالمطر الغزير في الخارج يمنحنا شعوراً بأهمية الانجذاب إلى هذا المكان حيث تتداخل طرقات المطارق على الصخر مع أهازيج الأطفال، إنه شيء مفرح. أنا موجود هنا لأن ابني هو واحد من هؤلاء الأطفال المتواجدين لاكتشاف عالم الصخر وكيفية القدرة على تشكيله، قبل أن آتي إلى هذه الخيمة كنت بصحبة ابني أحاول أن أريه وكما في زيارة سابقة كيف يشكل النحاتون أحلامهم من الصخر وكيف سيهدوننا هذه الأحلام على شكل ٍ اختاروه ليزين هذه المدينة التي تبدو أحياناً موحشة. سرني جداً هذا الملتقى النحتي لأني أصبحت أكثر إيماناً اليوم بالملتقيات ذات الممارسة الفعلية بدلاً من ملتقيات الكلام.


النحات البلغاري كمن تاني

نحات من بلغاريا:
ثم التقى اكتشف سورية النحات البلغاري كمن تاني « Kamen Taney»، وتوجه إليه بالسؤال التالي: بعد أكثر من 15 يوماً على مشاركتك بهذا الملتقى ما هي الانطباعات الجديدة التي توالدت لديك؟
عملي يشكل مجموع انطباعاتي عن سورية، فقد كانت لدي فكرتي، ولكن بعد وصولي إلى دمشق وتعرفي على حاراتها والزيارة التي قمنا بها إلى تدمر تغيرت هذه الفكرة، فقد تعرفت من خلال هذه الزيارة أكثر إلى سورية، وأعطتني تدمر هذه الرغبة في الحوار وتلك الرؤى المتبادلة بين رؤاي الشخصية والحجر التدمري أو النحت التدمري، وهو إحساس لا يمكنني التحدث عنه. هذا الملتقى منظم جداً بالمقارنة مع الملتقيات التي شاركت بها من قبل، وانطباعي موجود هنا في عملي الذي يتحدث عن الشجرة التي تخرج من الصخر وتنمو وارفة الأغصان.


الفنان أكثم عبد الحميد

أكثم عبد الحميد، فنان ونحات سوري:
والتقى «اكتشف سورية» الفنان أكثم عبد الحميد للتعرف منه على انطباعاته حول هذا الملتقى ومشاركته فيه.

أنت من الأشخاص القلائل الذين يأخذون على عاتقهم تنظيم وإقامة الملتقيات النحتية والمشاركة بها داخل وخارج سورية، وخصوصاً في مدينة النحت السورية في مدينة المونيكار الإسبانية، كيف نتعرف على انطباعاتك في هذا الملتقى الذي تشارك به؟
سعادتي كبيرة لأن الملتقيات مستمرة في كل عام، ومن المهم جداً لسورية استمرار هذه الملتقيات النحتية لأن هذا يعني استمراراً لوجود سورية في الثقافة البصرية العالمية، إذ أن الملتقيات أصبحت حاضرة على اتساع العالم، وأقرب مثال على ذلك تركيا فحصيلة الملتقيات بها على مدار العام تقارب 25 ملتقى عالمياً. إن هذا الملتقى مهم جداً لأن كل فنان قادم من ثقافة مغايرة، ومشاركته هنا ستكون محطة للتعرف على الشعب السوري وحضارته وتقاليده، وهذا الفنان ومن واقع معرفته الجديدة بسورية سيكون سفيراً لسورية في بلده وبلدان أخرى يشارك في ملتقياتها، وسوف يدافع عن سورية أمام أي معلومة ضد سورية وحضارتها، وهذا ما حدث فعلاً أكثر من مرة. والمشاركة في هذا الملتقى كبيرة ونوعية وأغلب الأعمال متجهة إلى التجريد وهذا النوع من الثقافة البصرية متداولٌ في كل أنحاء العالم، كما أن الناتج الإبداعي لهؤلاء الفنانين سيكون معرضاً دائماً للمنحوتة في مدينة دمشق، وسيكون لها تأثير إيجابي على الشعب السوري وزوار سورية على حد سواء، لاسيما وأن النحاتين المشاركين يحظون بشهرة عالمية واسعة.

تعملون في ظرف جوي غير ملائم نسبياً، كيف تستمرون رغم هذا؟
في العادة تكون هذه الملتقيات في الربيع أو الصيف لكن ظروف هذا الملتقى كانت خاصة. نحن كنحاتين سوريين نعمل تحت الثلج حتى، من أجل تعزيز واستمرار هذه الثقافة الفنية والإنسانية والجمالية في بلدنا.

قبل أكثر من سنتين حدثتني عن أمنيتك بأن يأخذ المسؤولون على عاتقهم دعم هذه الملتقيات النحتية، يبدو أن أمنيتك قد تحققت، بماذا تعلق؟
لسنوات طويلة كنا محرجين أمام تساؤل الفنانين الأوربيين، لماذا لا يوجد في سورية ملتقيات عالمية؟ علماً - والحديث للفنانين الأوروبيين - أننا عندما ندرس فن النحت، ندرس تاريخ النحت العريق في سورية! اليوم نرى اهتماماً خاصاً من المعنيين يترجم دعماً غير محدود لهذه النشاطات، وما نتمناه من جديد بعد تقدير ما يقومون به وتقديم خالص الشكر أن تكون إقامة مثل هذه الملتقيات دورية ويخصص لها الميزانية المناسبة.


الفنان بطرس الرمحين

بطرس الرمحين - فنان ونحات سوري:
كما التقى «اكتشف سورية» الفنان والنحات السوري بطرس الرمحين الذي يعيش في إيطاليا ويمارس فنه من هناك، حيث سألناه: رغم شهرتك الواسعة إلا أننا نراك لأول مرة تشارك في ملتقى نحتي في سورية، لو تحدثنا عن مشاركتك وانطباعك؟
نعم هذا صحيح، لكني أشارك في أغلب الملتقيات النحتية السورية وإن كان بشكل غير مباشر، فالكثير من النحاتين الذين يأتون للمشاركة في سورية تربطني بهم علاقات خاصة ويعلمون بالتعاون مع المؤسسة التي أديرها «Arco Arte» والتي تهتم باستقبال ومساعدة النحاتين بالإضافة إلى تعليم النحت على الحجر، وأغلب النحاتين المشاركين في هذا الملتقى وغيره أصدقاء لهذه المؤسسة، فكرارة - المدينة التي أعيش بها - هي مركز عالمي للقاء النحاتين.

وقد تولد لدي انطباع رائع وسعادتي كبيرة لكون التنظيم والتنفيذ تم بسرعة كبيرة، حيث تعاونت كل الجهات والأطراف بشكل حقيقي وسريع لإنجاح هذا الملتقى وهو ما يحدث، والفنانون المشاركون هنا يلتقون بخبراتهم المعمارية وهذا المقصود من وراء اختيارهم لأن أعمالهم النصبية ستزين شوارع دمشق. وحتى اللحظة لم ينقص النحاتين المشاركين أي شيء مما يحتاجونه وهذا ما يؤكده النحاتون أنفسهم، إذ من النادر - وهذا رأيهم أيضاً - أن تقام ملتقيات بهذه الحميمية والنوعية.


النحاتة البولونية دمنيلكا كري كرام برد

نحاتة من بولونيا:
كذلك التقى «اكتشف سورية» النحاتة البولونية دمنيلكا كري كرام برد والتي تحدثت جواباً على السؤال التالي: كيف لنا أن نتحدث عن مشاركتك وانطباعك في هذا الملتقى وخصوصاً وأنتم تعملون بهذا الجو الماطر، ثم كيف تقارنين هذا الملتقى بملتقيات أخرى شاركت بها؟
بعد هذه المدة أصبح المشاركون مثل العائلة الكبيرة، أنا مسرورة جداً بهذه التجربة، ومسرورة أيضاً من الحماس الذي يبديه المساعدون السوريون الذين يتناوبون على مساعدتي، فأنا لم أتوقع أن أجد في سورية نحاتين مساعدين بهذه الخبرات العالية. هذا الملتقى بمستواه من أعلى المستويات التي شاركت بها من حيث التنظيم والانسجام ومن حيث نوعية الإبداع، وهذا يحفزني لأكون على ذات المستوى العالمي، فمشاركتي هنا أضافت إلي الكثير وسمحت لي بالتعرف إلى سورية التي أمدتني بالعديد من الخبرات البصرية والموضوعات الحميمية التي ستظهر في أعمالي في المستقبل.


النحات الياباني يوشين أوكاتا

رجل المطر، نحات من اليابان:
كذلك شارك في الملتقى النحات الياباني يوشين أوكاتا «Yoshin Ogata» الذي تحدث عن مشاركته في هذا الملتقى.

هلا حدثتنا بداية عن انطباعك عن سورية، وهذا الملتقى بالخصوص؟
هذه أول مرة أشارك فيها بملتقى في سورية، وانطباعي أكثر من رائع من كل ما عايشته هنا، فمن ناحية التنظيم الأمر مثالي، وهكذا الأمر أيضاً بالنسبة للمنظمين والمساعدين، فالكل هنا لديه الرغبة في العمل بجدية كبيرة. انطباعي عن سورية كبلد حيوي يمتلك الحميمية جيد جداً، وهذا الأمر ينطبق على الناس هنا، فالمعاملة والضيافة التي تلقيناها هنا أكثر من رائعة.

إنها تمطر في دمشق، وعملك له علاقة بنقطة الماء، هذا التقاطع ماذا يعني لك؟
بعد ضحكة طويلة يجيب يوشين: أغلب أعمالي متركزة على الماء ونقطة الماء، فنقطة الماء موجودة على القسم العلوي من العمل، ولكن بعد أيام من العمل فضلت أن تكون نقطة الماء على قاعدة العمل، وهذا شيء خاص أقوم به هنا. كلما ذهبت إلى مكان تمطر، فمرة كنت أشارك في ملتقى في جزر الكناري ونادراً ما تمطر هناك، لكن في اليوم الذي وصلت فيه أمطرت لعدة أيام بغزارة، وهذا تكرر معي أكثر من مرة لدرجة أن أصدقائي راحوا يلقبونني برجل المطر.

عند التعامل مع الماء نعتقد أن الماء يأخذ الشكل الأفقي، بينما في عملك يأخذ هذا المفهوم شكله العمودي؟
لأني أريد أن يكون العمل عمودياً وليس مسطحا، فأعمالي مستوحاة من فكرة وفلسفة أن قطرة الماء خلال دورانها بين الأرض والسماء تحمل هذا البعد العمودي وهي فلسفة شرقية. أحد النقاد الإيطاليين وإن كنت لا أعترض على تحليله لهذه المسألة يقول أن الإنسان يعود في البداية إلى نقطة الماء هذه.


عمار حسن
تصوير: عبد الله رضا

اكتشف سورية

Share/Bookmark

مواضيع ذات صلة:

صور الخبر

من أجواء مشاركة الأطفال في الملتقى

من أجواء ملتقى دمشق الدولي للنحت

من أجواء العمل في الملتقى

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق

الطاهر جميعي:

تحية الي الصديق مصطفي علي وكل المشاركين في الملتقي واكتشف سوربة

الطاهر جميعي


المغرب

المغرب

مصطفى مخلص حردان:

النحت فن وعراقه وحضاره

سوريا