كونشيرتو الفارابي : مشروع موسيقي واعد

26 10

يستمر مشروع «كونشرتو الفارابي» منذ عدة سنوات والذي يهدف إلى تقديم الموسيقيين العرب (مؤلفين ومغنين) إلى أوروبا وبقية العالم، من خلال مشاركتهم في عدد من الأمسيات الموسيقية التي تقام في الصالات والمؤسسات المختصة بالموسيقى في مختلف أنحاء العالم.

وقد تميز عاما 2008 و2009 بمشاركة عربية فاعلة ومميزة وخصوصاً للموسيقيين والمغنين السوريين الذي أبرزوا ما يختزنه التراث الموسيقي العربي من إمكانيات فذة، تجعل منه مشروعاً قادراً على الوقوف إلى جانب التأليف الموسيقي الغربي والمساهمة في رسم لوحة متكاملة للفن الموسيقي في العالم.

ومن هنا تظهر مشاركات موسيقيين سوريين في نشاط فني على هذا المستوى وفي واحدة من الدول العريقة في مجال الفن والموسيقى – المملكة البريطانية المتحدة – وانطلاقاً منها إلى بقية دول العالم، على المستوى الذي وصلت إليه هذه الموسيقى، والسوية الإبداعية والتقنية العالية التي يتمتع بها فنانونا، مما يسلط الضوء مرة أخرى على ضرورة التعامل بجدية مع مختلف مناحي الإبداع الفكري والفني والعلمي والثقافي، ضمن صيرورة إطلاق طاقات وإمكانات ما تزال واعدة، وتستعد لأن تأخذ مكانها الذي تستحقه.

ولو نظرنا إلى برنامج الحفلات والأماكن التي أقيمت بها لوجدنا الآتي:

في شهر حزيران 2008 في قاعة «كادوغان هول Kadogan Hall» في لندن، ومن أداء فرقة «نيو إنسيمبل Nieuw Ensemble»: نجد عدداً من الفنانين العرب مثل راشدة إبراهيم وسعيد حداد وهبة القواص ورشيد البوجايلي، وكذلك المؤلف الموسيقي السوري نوري إسكندر في عمل له بعنوان «موال كورديلي» (1990).

في شهر تشرين الأول 2008 في قاعة «كادوغان هول Kadogan Hall» في لندن، ومن أداء «أوركسترا الحجرة الإنكليزية English Chamber Orchestra»: نجد كلاً من اللبنانيين بوغوس جلالي ووليد حوراني، وكذلك المؤلف الموسيقي السوري زيد جبري في عمل له بعنوان «أغنيتان للسوبرانو» (1998).

ونجد نشاط «كونشيرتو الفارابي» يمتد للخليج العربي، حيث شهد مركز المسرح والفنون في دبي في تشرين الثاني 2008، ومن أداء «أوركسترا الحجرة الإنكليزية»، أمسية موسيقية عزف فيها إضافة لأعمال بيتهوفن وموتزارت وهايدن، أعمال لكل من اللبناني بوغوس جلالي والمؤلف الموسيقي السوري زيد جبري في مقطوعة «موسيقى الحجرة».

واختتمت نشاطات عام 2008 في «قاعة الملكة إليزابيث» في لندن، بأعمال لفنانين عرب من أمثال سمير عودة- تميمي، أحمد السيد وعمرو عقبة.

كما تتضمن نشاطات كونشيرتو الفارابي للعام 2010 استضافة الموسيقي السوري ضياء السكري، بالتعاون مع «أوركسترا الحجرة الإنكليزية».


ولتصور أفضل عن عمل «كونشيرتو الفارابي» وطبيعة نشاطاته، وعن نظرة المجتمع الموسيقي الغربي للموسيقى الشرقية، ينشر «اكتشف سورية» نصاً من تأليف السيد أوليفر باترورث، المدير الفني لكونشيرتو الفارابي، يلقي فيه الضوء على هذا المشروع الموسيقي المهم.

الموسيقى الكلاسيكية والعالم العربي
أعمل منظماً لحفلات «كونشرتو الفارابي» التي تهدف إلى تقديم الموسيقيين العرب (مؤلفين وفنانين) للمستمعين في أوروبا وبقية العالم الغربي، والتعريف بهم إعلامياً.
يمكن القول إننا حينما بدأنا بحثنا في المشهد الموسيقي الكلاسيكي الحالي في الدول العربية كان العديد من الزملاء يظنون أن لا وجود له، ووجهة النظر هذه تتماشى مع الجهل الغربي العام بالأنشطة الموسيقية الكلاسيكية السائدة في العالم العربي.

وكانت مفاجأة كبيرة بالنسبة لهم أن يكتشفوا وجود معاهد موسيقية ممتازة في دمشق وبيروت وعمّان وفلسطين ومصر، والتعرف على فرق سيمفونية ممتازة في مصر ولبنان وسورية والأردن، وكانت هذه الظاهرة مثار دهشة بعد استماعهم إلى أعمال موسيقية حديثة في منطقة الخليج حيث تأسست هناك فرق سيمفونية مثل «أوركسترا قطر السيمفونية» مع سلسلة من الحفلات الموسيقية الجادة في أبو ظبي ودبي. وكانت أكبر مفاجأة لهم اكتشافهم وجود ملحنين شباب يتمتعون بمواهب عالية مع أصوات غنائية متميزة تمتلك كل المواصفات التي تجعلها أهلاً لأن تُسمع في شتى أنحاء العالم.

ومنذ بداية بحثنا في العام 2004 اكتشفنا الكثير من الملحنين العرب الذين يستحقون الاعتراف بهم عالمياً، ومن أجل ذلك تأسست سلسلة حفلات «كونشرتو الفارابي». وكان الهدف منها منح الملحنين العرب فرصاً للمشاركة في الأداء ضمن فرق موسيقية كلاسيكية مشهورة عالمياً، حيث تقدم هذه الحفلات في قاعات متميزة، إضافة إلى ذلك هناك مسعى للتعريف بهم وبنشاطاتهم الفنية على المستوى العالمي بعد أن حققوا ذلك محلياً.


المؤلف الموسيقي السوري نوري اسكندر

ولذلك، نأمل أن يكون هناك حضور أكبر في السنوات القادمة لأعمال مؤلفين من مصر وسورية والأردن...الخ ضمن عدد من الحفلات الموسيقية الكبيرة حول العالم. فتقديم عمل موسيقي لملحن عربي تؤديه «أوركسترا شنغهاي السيمفونية» في شنغهاي أو «أوركسترا بوسطن السيمفونية» في بوسطن أو «أوركسترا منظمة الإذاعة اليابانية» في طوكيو سيعزز التقدير المتبادل بين البلدان.

يعد مشروع «كونشرتو الفارابي» مهماً، ليس فقط من أجل المستقبل المهني للملحنين العرب الشباب، ولا من أجل سمعة بلدانهم في الفن الراقي المعاصر فحسب، بل الأهم من ذلك هو توفير الفرصة التي ستسمح للجمهور الغربي بالتعرف على المساهمة المماثلة التي يمكن أن يقدمها العالم العربي، ومن خلال ذلك يمكنه أن يجسد الصورة الحقيقية للعالم العربي المعاصر، ويساعد على تغيير الرؤية الغربية المحكومة بالجهل.

يمكننا القول إن التحديات التي يواجهها مشروع «كونشرتو الفارابي» ليست بالتحديات البسيطة إذ أن من طبيعة الموسيقى الكلاسيكية المعاصرة أن تكون هناك صعوبة في تلقيها، وهي لا تسعى للإمتاع كما أن من حقها أن تنجح أو تفشل عند سماعها للمرة الأولى، ولعلها في ذلك تشابه الهندسة المعمارية الحديثة. وهذا ليس بالأمر الجديد، إذ واجهت كل أنواع الموسيقى العظيمة في الماضي استقبالاً مزدوجاً في بداياتها، وهذا لا ينطبق على عمل مثل «طقوس الربيع» لسترافنسكي فحسب بل على السيمفونية الخامسة لبيتهوفن أيضاً. الجديد صعبٌ دائماً، لكننا إذا بقينا نستمع إلى الأعمال الموسيقية القديمة فقط فإن الموسيقى الكلاسيكية ستُحرم من ضخ دماء جديدة فيها وستتعرض إلى خطر تحولها إلى أعمال مكانها المتاحف.

الطموح الجوهري لهذا المشروع هو إدخال مؤلفات من العالم العربي في سلسلة الحفلات ذات الوزن، وبذلك نضمن جذب انتباه الصحافة والجمهور لهؤلاء الملحنين. عادةً ما تبدأ الأوركسترا وسلسلة الحفلات الرائدة التخطيط لحفلاتها قبل سنتين أو ثلاث، ولا تعزف الفرقة إلا الموسيقى التي تؤمن فعلاً بأنها جيدة. حالفنا الحظ في السنة الأولى من حفلاتنا بظهور «كونشرتو الفارابي» في كل من «لندن سينفونيتا» و«أوركسترا الحجرة الإنكليزية» ضمن مواسمها القائمة في لندن. هذا يعني أن الذخيرة الموسيقية كلها قد درست بعمق من قبل المخرجين الفنيين للأوركسترا والموسيقيين ومايستروات الأوركسترا قبل الوصول إلى اتفاق عليها، مما يؤكد على الجودة الملحوظة للملحنين.

عرضت لأول مرة أثناء الحفلات الست التي أقيمت حتى الآن من سلسلة حفلات «كونشرتو الفارابي» في لندن مؤلفات معاصرة لملحنين من مصر والأردن والكويت ولبنان والمغرب وفلسطين وسورية، وسعياً لإظهار التكافؤ في المواهب، وضعت الأعمال العربية في البرامج إلى جانب موسيقى المؤلفين المعروفين عالمياً، مثل الصيني تان دان، ومن بلدنا «بريطانيا» السيد بيتر ماكسويل دايفيز والإيطالي فرانكو دوناتوني.

ومن الموسيقى التي جلبت الانتباه بشكل خاص «موسيقى للناي» ومجموعة «موسيقى الحجرة» التي ألفتها الموسيقية رشيدة إبراهيم والتي أدتها وفاء سفر بشكل جميل بمصاحبة المجموعة الموسيقية الهولندية نيو، كذلك سجلت وأذيعت حفلة مجموعة «النيو» بأكملها من خلال راديو 3 لهيئة الإذاعة البريطانية، متضمنة أيضاً إحدى ثلاثيات نوري اسكندر المتميزة التي تضع الإيقاعات الموسيقية العربية ضمن لغة معاصرة، إضافة إلى أعمال ملحنين من الأردن ولبنان.


المؤلف الموسيقي السوري زيد جبري

ساهمت أغنيتا السوبرانو للملحن زيد جبري بشكل جميل جداً في حفلة «أوركسترا الحجرة الإنكليزية» التي أقيمت لاحقاً. وتضمّن البرنامج فيها أيضاً موسيقى الملحن اللبناني بوغوس جلالي الذي بلغ الثمانينات من عمره، وكذلك كونشرتو الساكسفون المرحة والمسلية لوليد الحوراني.

قاد المايسترو الفرنسي المتميز ديغو ماسون حفلة «لندن سنفونيتا» التي وصفت فيها الكاتبة هيلاري فينتش من جريدة التايمز مقطوعة المغربي أحمد السيد «الأصوات الممنوعة» بأنها «تلقيح داخلي مذهل للإحساس العربي، ممزوجة بخيط من البراعة في التأليف الموسيقي البحت لبلاد الغال وحباً للصوت البشري لا يعرف الخوف».

كما كتبت إريكا جيل في صحيفة الغارديان عن مقطوعة الملحن المصري عمرو عقبة، «الرسالة»: «كان الاقتصاد أيضاً مفتاحا في الرسالة، حيث استمتع الملحن الشاب أمير عقبة بالعبث بعقولنا».

وكتب إيفان هيوت في صحيفة التيلغراف اليومية: «هؤلاء الوافدون الجدد من العالم العربي وغيره بحاجة إلى يد العون. ولهذا تعتبر مبادرة كمبادرة "كونشرتو الفارابي" عملاً فائق الأهمية».

إننا نخطط حالياً من أجل حفلات الموسم الموسيقي لعام 2009/2010 والتي تتضمن أعمالاً لاثني عشر ملحناً عربياً، في حفلات في كل من لندن والعالم العربي.

ولعله من المناسب الاستشهاد بما كتبته إيريكا جيل في صحيفة الغارديان: «كونشرتو الفارابي عمل نادر ويشكل سلسلة من الحفلات المهمة».


إعداد: محمد رفيق خضور

اكتشف سورية

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق