معرض غسان النعنع بغاليري «Art on 56th» في بيروت

19 كانون الثاني 2017

لوحتي انعكاس للمشاعر الإنسانية لحظة التعبير على المادة

«هواجس».. عنوان المعرض الشخصي السابع للفنان غسان النعنع الذي افتتح مساء الجمعة 13/1/2017 بغاليري «Art on 56th» في بيروت.

في لوحاته عموماً يهتم الفنان غسّان النعنع بتجسيد الحالات الإنسانية المرتبطة بموضوعات الحياة المتعلّقة بروح الأشياء أكثر من ظاهرها والزائل منها، فهو ينقل الإحساس بالحالة الراهنة لحظة التعبير التي تعكس تلك المشاعر المختلفة والخاصة بكل من تلك الشخصيات في المشهد على اختلاف حالاتهم والتي أقلها كثير من الحزن والتأثّر والحيرة، وفي هذا المعرض تحديداً الذي يقدم تلك الحالة المأسوية التي تفيض بها اللوحات الأساسية المميّزة بالمشاهد التراجيدية الجنائزية، تضم مجموعة من الأشخاص في حضرة الموت، الذي لابد أن يوشّح الفضاء بأجواء من الضبابية والحزن مستفيداً من تركيز الإضاءة على ذروة الحدث المشهدي مناغماً بين درجات كل من اللونين الأحمر والأصفر ببراعة ودهشة حيث يسود صمت مطبق في المكان عموماً، فلا تشعر سوى برهبة الأشياء التي تسمّرت في مكانها، نتعرّف من خلال بعض الضوء على عنصر هناك، أو بعض الأشياء بصعوبة فلا نميّز بين الكائنات وظلّها من تداخل العناصر أو تماهيهم في ضبابية مشهدية تقّصدها الفنان بأن تعكس بعض الحالة النفسية والفلسفية التي تغلّف شخوصه في تلك اللحظات من الرسم.


من أعمال الفنان غسان النعنع

يقول غسان النعنع الذي: «ومنذ تحول الفن في حياتي من هاجس إلى همّ معرفي وإنساني، اعتمدت على ذائقتي البصرية التي تأسّست وقتها على مجموعة من الروائز، أساسها طبيعة الأشياء والحياة والبيئة الغنية بمفرداتها الأصيلة، وهي تتضمّن التاريخ والمدينة بأسواقها وبيوتها وناسها، ووجوه الشخصيات المهملة هناك في زحمة الحياة».

وهو من يعتبر أن ذاكرته البصرية أساسها مبنيّ على مشاهداته لأعمال بيكاسو، أحلام ورؤى جيروم بوش وبروغل، فلاحين ميليه، خطوط بوتشيلي وميرو وكتوزو، رسوم ومحفورات غويا ورامبرنت، وجوه الفيّوم الأيقونية، والتصوير الإسلامي ورسومات الواسطي، والفنون الشرق آسيوية، إضافة إلى كل ما هو إنساني عبر تاريخ الفن.


من أعمال الفنان غسان النعنع

وهنا لابد من الإشارة إلى أهمية الثقافة الفنية بالنسبة للفنان ومطالعاته وقراءاته حول تاريخ الفن وعلم الجمال إضافة إلى تجريبه في المواد والأدوات حتى يتمكن من امتلاكها بثقة، ومجموعة فناني حمص عموماً يعدون في طليعة اللذين باكراً انتبهوا إلى هذه الملاحظات حتى أصبحت أساس مناهجهم وسبيلهم في تحصيل الخبرة، وغسان النعنع أحد هؤلاء المجتهدين على ذاتهم الفنية وعملهم، وهو المؤسَّس أكاديمياً في كلية الفنون الجميلة التي تخرّج منها العام 1978، وكان قد أنهى قبل ذلك دورات في مركز الفنون التشكيلية بحمص.


من أعمال الفنان غسان النعنع

وإذا ما سألت الفنان النعنع عن عمله يبرّر بأن العمل الفني لا يحتاج إلى شرح، كونه يعكس إحساس الفنان لحظة التعبير على شكل إشارات تتضمّن مشاعره التي هي غالباً مزيج من الفرح، الحب، الحزن والخوف، وحتى يكون العمل صادقاً لابدّ أن يُوصل إحدى تلك الحالات أو أكثر للمتلقي في العمل نفسه أحياناً، وإلاّ سيبقى مجرّد خطوط وأصباغ لا قيمة له.

غالباً ما يشغل غسّان النعنع بلوحته كموضوع تجسيده لتلك الحالات المأسوية التي يعيشها إنسان اليوم وخاصة بعد ست سنوات من الحرب العبثية والظالمة على سورية من قبل العالم «المتمدّن»، فهو ينقل إحساسه ومشاعره بمختلف تلك الحالات بصدق وعفوية نادرتين، وخبرة تعكس تلك المشاعر المختلفة والخاصة بكل من تلك الشخصيات في المشهد الحزين عموماً، أو ما إلى هنالك من أسباب اجتماع تلك الجمهرة بارتباك وفزع يظهر بوضوح على وجوههم المدلهمّة والمذهولة من هول المصيبة.


من أعمال الفنان غسان النعنع

وهناك لوحتان أو اكثر تضم عازفين مع آلاتهم في فضاء رحب يرتدّ فيه صدى الصوت قوياً حتى يكاد يشعر فيه المتلقي من الحالة الإنفعالية وحركة الموسيقيين وأدائهم، في تكوين لافت بحيويته ومن تنقلات اللون وتناوبه مع الضوء الذي يسطع هنا ليسجّل حركة ما، وينطفأ في مكان آخر لكثير من الصمت باستثناء تخيّلنا لموسيقا تنبعث من هناك ورغبة بالبقاء في صلب المشهد من المتعة البصرية التي يقدمها الفنان بكل تجلياته في تلك اللحظات من التعبير.

عموماً ما نشعر باجتهاد الفنان النعنع على نقل تلك الأحاسيس والمشاعر لحظة الرسم من خلال أدوات التصوير التي يستخدمها عادة وبدون إقحام إي مواد إلى السطح، الذي لابدّ أن يعكس عشقه لفضائل التصوير من خشونة اللمسة أو نعومتها وتجانسها، وأحياناً التعبير بالخط، بحسب الحالة التي يريد إظهارها بعيداً عن جماليات الصنعة، ودائماً من أجل الوصول إلى خامة دسمة وغنية بمؤثراتها الغرافيكية.


من أعمال الفنان غسان النعنع

قدم الفنان غسان نعنع في هذا المعرض بصالة «Art on 56th» في بيروت بحدود الثلاثين لوحة بمقاسات متنوعة تراوحت بين 146+184سم وبين اللوحة الصغيرة 35+50 سم، بخامات وتقنيات مختلفة «زيت على قماش وأحبار مع مواد مختلفة على ورق»، كما تباينت الموضوعات التي غلب عليها التشخيص والحالات الإنسانية بكل ما تتحمّل من مآسي وفجيعة، كما تضمن أيضاً بحدود خمس لوحات للطبيعة الخلوية المشغولة بأسلوب تعبيري رمزي تجنح باتجاه التجريد عموماً: «أتعامل مع الطبيعة بتباين حالاتها وتناقضاتها بحرية مطلقة، عندما أبدأ بالعمل أتركها خلفي وأعتمد على حدسي وما بقي منها في الذاكرة، من خلال معرفتي بالألوان وبغريزة ونزق ممتع أنقل مشاعري في تلك اللحظة من الاشتغال».


من أعمال الفنان غسان النعنع

من الأعمال المميّزة برأيي في المعرض ما قدمه بصياغة الأبيض والأسود، فعرض أكثر من لوحة بهذه التقنية واحدة منها بمقاس كبير، والتي لا تخلو معارضه عادة من هذا النوع من الأعمال التي يبرع في إظهار مهاراته التقنية وتأسيسه الأكاديمي فيها من خلال تأكيده على قيمة الغرافيك باللوحة التصويرية وأهمية هذا الجانب في تجربته عموماً، لكون الأبيض هنا لا يختلف في قيمته ووظيفته عن الضوء الذي يكشف عن ماهية العناصر في اللوحة التي غالباً ما تضم حشداً من الأشخاص مجتمعين في مأتم أو مناسبة ما، تلك الإضاءة التي تساعدنا تدريجياً على التعرف على تلك الشخوص وهيئاتهم، أو على الموضوع الذي يشتغل عليه باختلاف الغاية أو القصد الذي ينوي إبرازه من خلال هذين اللونين النقيضين اللذين يضيفان كثيراً من التعبير وخاصة في موضوعه التراجيدي الذي نلاحظه في اللوحات عموماً، وخاصة تلك التي وضع لها عناوين كـ «قبلة الشهيد، النظرة الأخيرة ... إلخ».


من أعمال الفنان غسان النعنع

وبالنسبة إلى اللونين الأبيض والأسود في اللوحة يقول عنهما الفنان: «فهما نقيضان يحملان طاقة تعبيرية هائلة إذا ما أُحسن استخدامهما، وهكذا الضوء والتهشيرات القوية، كما استخدم الخط كأفضل لغة للتعبير عما أريد قوله وإيصاله من أفكار إلى المتلقي».

الفنان غسان النعنع الذي أراد من معرضه هذا في بيروت تقديم ذاته الفنية ومقدراته هناك إلى جمهور مختلف قد لا يعرف عنه الكثير كمصور متمكن من أدواته والمواد التي يشتغل عليها، وكون المعرض هذا جاء بعد حوالي الست سنوات من آخر مناسبة عرض قدمه بصالة تجليات بدمشق 2011، فجاءت تلك الأعمال مميزة ومشغولة بعناية خلال تلك الفترة من العمل والتجريب والبحث الدائم عن مقومات أكثر قوة لتبيت وإظهار خصوصيته في المشهد التشكيلي السوري كواحد من المجتهدين والحاضرين بقوة على الساحة الفنية عموماً، هو نجح بلا أدنى شكّ فيما قدّمه هنا وخاصة كل هذه الدهشة المُتضمَّنة في إي عمل بحسب الحالة والموضوع الذي عكس كل متعة التشكيلي وحلمه، حبه وغضبه في تلك اللحظات من الفعل والانفعال التي فاضت بها معظم كوادره بشهادة الموسيقا التي كدنا نسمع رجع ترداد صداها من بين طبقات اللون وتوناته، وبالتالي تناغمها مع بعضها ومع ما تبقى من الشكل وإيحاءات الخط بتدرّج إيقاعاته في الرسم الذي يحدّد نهاية الطيف اللوني وبداية آخر، مخفّفاً من وطأة الحزن الذي ساد بقوة على أجواء المعرض عموماً، وهكذا بقي التوازن حاكماً لعناصر اللوحة حتى نهايات اللون عند حوافها حيث توقيع الفنان الذي يعلن نهاية متعته هو وبداية استمتاعنا.


من أعمال الفنان غسان النعنع

وأختم هنا بجملة أو رأي للفنان غسان النعنع الذي يرى أن الفن بالنهاية هو انعكاس المشاعر الإنسانية على اللوحة، وهي محاولة لأنسنة الأشياء والمادة.

• التشكيلي غسان النعنع :
1953 - ولد في حمص سورية .
1971 - درس في مركز الفنون التشكيلية بحمص.
1978 - تخرج من كلية الفنون الجميلة بدمشق قسم التصوير.
1992 - أتم دراسته في مرسم أناتولي كلالنكوف - روسيا.
- مدرس لمادة الفنون في المدارس الثانوية والمعاهد الفنية بحمص.
ستة معارض خاصة كان بدأها:
-1978 في المركز الثقافي العربي، دمشق، وكان أحدها في غاليري تجليات بدمشق العام 2011.
شارك في معارض وتظاهرات فنية عديدة داخل وخارج سورية
- كان بدأها في العام 1984 مع كل من التشكيليين عاصم باشا، وجورج ماهر، وإدوار شهدا، في صالة الشعب بدمشق .
- 1985شارك في التجمع الفني للرسم في الهواء الطلق، سمولن، بلغاريا.
- 1993معرض متجول لسبعة فنانين في السويد.
- 1996المشاركة في بينالي القاهرة، مصر.
- - 2004 1991شارك في معرض تجمع فناني حمص، دمشق، حلب، اللاذقية، بيروت، طرابلس، عمان.
- 2022 شارك في الملتقى الفني لجمعية التبادل الثقافي المتوسطي «ECUM» لفناني حوض البحر الأبيض المتوسط «قرطاج» تونس.
- 2003معرض ستة فنانين من سورية «جنيف» سويسرا.
- 2004 مشاركة في معرض الأسبوع الثقافي السوري «الجمعية السورية» في Brunei Gallery لندن.
- 1996بينالي القاهرة.
- حصل على الجائزة الأولى في مسابقة «فكر مع يدك» للتشكيليين السوريين والأجانب المقيمين في سورية معهد سرفانتس – دمشق .
- أعماله مقتناة من قبل وزارة الثقافة السورية، المتحف الوطني بدمشق ضمن مجموعات خاصة.
• (هواجس) .. كان عنوان معرضه الأحدث موضوع سطورنا هذه بغاليري (Art on 56th) في بيروت والمستمر لغاية 13 شباط القادم 14/2/2017 .



غازي عانا- نحات وناقد تشكيلي

اكتشف سورية

Share/Bookmark

مواضيع ذات صلة:

صور الخبر

من أعمال الفنان التشكيلي غسان النعنع

من أعمال الفنان التشكيلي غسان النعنع

من أعمال الفنان التشكيلي غسان النعنع

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق