ماري

04 أيلول 2015

.

بعض ما يُسجًل للموسيقي المبدع «رعد خلف »، أن مشروعه الرائد لتسليط الضوء «موسيقياً» على الحضارات السورية القديمة، لم يأت كرد فعل آني تجاه الخطر الذي يتهدد إرث تلك الحضارات، وإنما سبقه بسنوات طوال من منطلق لفت الانتباه إلى أهمية ما نملك، لا التحذير من فقدان ما نكاد نجهل غناه الحضاري والمعرفي والإبداعي..‏

«رعد خلف»عازف الكمان البارع، الذي وصفه الراحل الكبير «صميم الشريف» بعد إحدى الحفلات الرائعة للفرقة السيمفونية الوطنية في قصر الأمويين بـ«فارس الكمان»، امتلك منذ بداية حياته الموسيقية مشروعاً إبداعياً معرفياً طموحاً تمتد جذوره في التجربة الثرية لوالده، ومعلمه الأول، الموسيقي العريق «حميد البصري»، ومن ثم في العلوم والمعارف الموسيقية التي تلقاها خلال دراسته التخصصية في بغداد، وتوجها بدراسته العليا في موسكو. ليبدأ بعدها من دمشق رحلة متجددة مع الإبداع والابتكار، كانت خطوتها الأولى معلماً في المعهد العربي للموسيقا «معهد صلحي الوادي حالياً» لمدة عشر سنوات، والثانية في المساهمة النشطة إلى جانب «صلحي الوادي » في تأسيس المعهد العالي


من حفل فرقة ماري بقيادة المايسترو رعد خلف

للموسيقا، حيث كان،وما يزال، واحداً من أهم الأساتذة فيه، وليساهم مع الكبير« الوادي » بعد ذلك في تأسيس الفرقة الوطنية السيمفونية، والمشاركة في كل أنشطتها الداخلية والخارجية كعازف أول فيها. وهو الموقع الذي ظل يشغله إلى أن أصيب «صلحي الوادي» بعارض صحي قاسٍ على خشبة المسرح وهو يقود آخر حفلاته مع السيمفونية، فاستلم «رعد» عصا (المايسترو) وقاد الفرقة في عدة حفلات ناجحة إلى أن سلمها إلى (المايسترو) الشاب «ميساك باغبودريان»، خريج الدفعة من طلابه في المعهد العالي. وليتفرغ هو لمشروعه الإبداعي الشخصي، دون أن ينقطع عن المعهد، ولا عن التواصل مع الفرقة السيمفونية.‏


من حفل فرقة ماري بقيادة المايسترو رعد خلف

الطموح المؤسس على ثقافة موسيقية أكاديمية، ممتزجة باطلاع شخصي واسع على التجارب الموسيقية الشرقية، دفع مشروع «رعد خلف» الشخصي تجاه إظهار أهمية وغنى كل منهما. فإلى جانب تأسيسه لرباعي دمشق الوتري الذي ترك انطباعاً ساحراً عند جمهور الموسيقا، أسس أوركسترا «زرياب» تيمناً باسم وإبداع الموسيقي العربي الشهير، ليبدأ رحلة أكثر عمقاً وثراءً في التاريخ الحضاري لمنطقتنا. فأعاد -مستعيناً بصنّاع مهّرة- إنجاز آلات موسيقية تاريخية، وترية ونفخية وإيقاعية، استخدمت في الحضارات القديمة، مستنداً إلى رسومها الدقيقة الموجودة على الآثار التي وصلتنا من تلك الحضارات. وأدخل هذه الآلات إلى جانب الآلات الموسيقية الحديثة في حفلاته التالية بعد أن كتب لها مؤلفات موسيقية خاصة مستوحاة من زمنها،وتوج ذلك في حفل استثنائي حمل اسم «حفل في ماري« لقي صدى رائعاً لدى الجمهور الذواق، ما شجعه على الخطوة التالية البالغة الأهمية، فقدم عام 2004، بالتعاون مع الفنان التشكيلي أحمد معلا، في عرض سمعي – بصري مدهش مؤلفه الرائع «ألواح أوغاريت» منطلقاً من نوطة موسيقية،قد تكون الأقدم في التاريخ «منتصف الألف الثاني قبل الميلاد»، عثر عليها مدونة على رقيم من الطين المشوي في مدينة «أوغاريت» على الساحل السوري. وفي العام التالي استكمل عمله مع القطب الأخير في مثلث ممالك الحضارات القديمة فقدم عرضه السمعي – البصري الثالث «ليلة من إيبلا».‏


من حفل فرقة ماري بقيادة المايسترو رعد خلف

رغبة «رعد خلف» في تأكيد مكانة المرأة السورية منذ أقدم العصور دفعته بعد وقت قصير لتأسيس أول أوركسترا مؤلفة من عازفات فقط حملت اسم«ماري»، المدينة التاريخية التي ترتبط بواحدة من أعرق الحضارات القديمة في العالم، وبصورة مغنية معبدها«أورنينا»، المحفوظة على شكل تمثال فريد في المتحف الوطني بدمشق. وقد لقيت الفرقة نجاحاً كبيراً في حفلاتها الداخلية ومشاركاتها الخارجية بفضل المستوى المتقدم لعازفاتها، والبرامج الموسيقية الرشيقة التي تقدمها.‏

في برنامج حفلها الجديد (أمس واليوم)، تجمع «أوركسترا ماري» مشروعين أساسيين لمؤسسها، مشروع قائد فرقة العازفات، ومشروع المؤلف الموسيقي. إذ يقتصر برنامج الحفل على مؤلفات «رعد خلف» عن الحضارات القديمة: «أشور» و«ماري» و«أوغاريت» و«ايبلا» و«تدمر»..‏


من حفل فرقة ماري بقيادة المايسترو رعد خلف

والحفل إلى ذلك ليس تأكيداً على استمرار التواصل الحضاري في بلادنا، رغم كل ما تعرضت له خلال تاريخها الطويل..فحسب..‏

وإنما أيضاً هو تعبير على الإرادة القوية لاستمرار الفعل الحضاري المعاصر، والحفاظ على ما أنجز خلال العقود الماضية في الحقل الثقافي – الإبداعي..‏

رغم كل ما تواجهه بلادنا في هذا الزمن.


سعد القاسم

sana.sy

Share/Bookmark

مواضيع ذات صلة:

صور الخبر

فرقة ماري بقيادة المايستروم رعد خلف على مسرح أوبرا دمشق

فرقة ماري بقيادة المايستروم رعد خلف على مسرح أوبرا دمشق

فرقة ماري بقيادة المايستروم رعد خلف على مسرح أوبرا دمشق

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق