الفرقة السيمفونية الوطنية السورية في دار الأوبرا

08 حزيران 2014

رحلة موسيقية عالمية تنتهي في أرض الوطن

اختارت الفرقة السيمفونية الوطنية السورية في حفلها على مسرح الكبير بـدار الأسد للثقافة والفنون - أوبرا دمشق، بقيادة قائدها الأساسي المايسترو ميساك باغبودريان وبمشاركة كورال الحجرة التابع للمعهد العالي للموسيقا عمل صعب للمؤلف الروسي بيتر تشايكوفسكي وهو «متتالية من بالية كسارة البندق» مصنف رقم 71 حيث أدت منها «افتتاحية، مارش، رقصة الجنية، رقصة عربية، رقصة روسية، رقصة صينية، رقصة المزامير، فالس الورود»، لتجول الفرقة بمهارة بين هذه الألوان الموسيقية الراقصة والانتقال بين السرعة والبطء بحسب الإيقاعات المرافقة المتنوعة والمتسلسلة وربطها بالمقام الموسيقي الواحد من خلال أجواء تعبيرية وتصويرية.

تنسب كسارة البندق في أصلها الأدبي إلى خرافة من خرافات هوفمان، وهو كاتب ألماني روائي وموسيقي ورسام عاش بين عامي «1776- 1822»، ولعل تشايكوفسكي من أشهر من عالج هذا اللون من الموسيقا المستوحاة من الأعمال الأدبية وكان قد استوحى بعض أعماله أيضاً من أشعار بوشكين، وشكسبير، وقصص الكسندر دوماس الأب...، في كسارة البندق ألوان ساطعة، ومؤثرات نفسية، وتيارات روحية فيها الازدواجية، والتناقضية بين السطحية والعمق. وبدلاً من عنصر الصراع الدرامي تتفجر عنده أعاصير من الشبق الروحي والمادي، وتهب زوابع من اللهفة والأشواق الإنسانية، وكذلك بدلاً من تفوق العنصر الفني في التأليف تغلب لديه كموسيقي رومانسي صفة التعبير الذاتي عن أفكاره ومشاعره.

وعزفت السيمفونية الوطنية في أمسيتها هذه مقدمة وحركة حيوية من السيمفونية رقم1 لآلة الأرغن والأوركسترا للمؤلف الكساندر غيلمان، وعزف على آلة الأرغن الموسيقي السوري أغيد منصور.

يعطي هذا العمل خصوصية واضحة للآلة الارغن فضلاً عن هيكليته واسلوب كتابته كسيمفوني، وهذا ليس غريباً كون المؤلف ذاته كان عازفاً على هذه الآلة وكرس نفسه لها ولم يستخدمها في الأوركسترا بشكلها التقليدي، وحاول أن تكون الأوركسترا مورد لألوان إضافية، واللغة التوافقية للقطعة تقترب من الرومانسية، وأعتبر غيلمان والذي عاش بين عامي «1837-1911»، من كبار الموسيقيين الفرنسيين، ونستطيع القول بأن التجانس الموجود في أعماله وخاصة السوناتا أصبحت اسلوباً يعتنقه أغلب المؤلفين الموسيقيين في فرنسا.

إضافة إلى ذلك أدت الفرقة رقصات من أوبرا «الأمير إيغور» للأوركسترا والكورال للمؤلف الكساندر بورودين. وهذه الأوبرا تضمن بشكل عام من أربعة فصول مع مقدمة، من تأليف وتلحين المؤلف الموسيقي الروسي ألكسندر بورودين، وقد استوحى قصتها والحانها من ملحمة سلافية و تروي حكاية حملة الأمير الروسي إيغور ضد قبائل كومانا السلافية، ولكن توفي المؤلف وبقيت هذه الأوبرا ناقصة أكملها من بعده المؤلف الموسيقي الروسي الكبير ريمسكي كورساكوف وقدمت لأول مرة في سان بطرسبورغ عام 1890 بعد وفاة المؤلف الأساسي بثلاث سنوات.

وكعادتها لم تخل أمسية الفرقة هذه من الموسيقا السورية الشابة حيت أدت تحميل نهاوند للموسيقي كمال سكير، ولعب ادوار الصولو في المقطوعة كل من السوريين مسلم رحال على آلة الناي، ومحمد نامق على آلة التشيللو.

النهاوند واحد من المقامات الشرقية الرئيسية، المرتكزة علي درجة الراست «دو»، ويتكون من جنسين شأن غالبية المقامات. بينهما بعد فاصل، له طابع رقيق عذب يناسب الألحان العاطفية الحزينة، يمكن عزفه على الآلات الثابتة، لأنه له نفس أبعاد السلم الصغير المانير الهارموني في الموسيقا الكلاسيكية، وبالتالي ينعدم فيه استخدام البعد المتوسط، «ثلاثة أرباع التون»، واستطاع الموسيقي سكيكر اللعب جيداً على سلالم هذا المقام ليصنع عملاً كلاسيكياً بنكهة شرقية.

كما استطاع المايسترو باغبودريان أن يخلق انسجام كبير بين الاوركسترا والكورال من جهة، وأن يتقن تلك القواعد الحسابية الدقيقة من خلال ذلك التوازن الذي تقوم عليها الأكوردات الهارمونية من جهة أخرى، وبذلك قدم أعمال كبار المؤلفين الموسيقيين بخبرته ومعرفته بالتركيب الأساسي للهارموني والعملية الأوركسترالية لكل عمل على حداه، وساعده على ذلك المرونة والخبرة اللتين تتميز بهما أعضاء فرقتنا السيمفونية.

وفي تصريح له لاكتشف سورية قال المايسترو ميساك باغبودريان واصفاً أمسيته هذه: «في هذه أمسية، اخترنا برنامجاً موسيقياً يحمل عدة رسائل ومعان، وقد كان الهدف الأساسي هو إبراز الكنوز التي نمتلكها سواء من العازفين المنفردين المتميزين ممن كانوا ضيوفاً أو أعضاء في الفرقة، ومروراً بكنز كبير يمتلكه دار الأوبرا عندنا وهو آلة الأورغن هذه الآلة الضخمة وغالية الثمن».

وأنهى باغبودريان حديثه قائلاً: «ذلك فضلاً عن رغبتنا في تقديم أمسية تتنوع فيها الألوان الموسيقية وبالتالي جاءت هذه الباقة من المقطوعات لتحمل الجمهور في رحلة موسيقية لنعود معاً إلى أرض الوطن بالنشيد العربي السوري الذي أنهينا به الحفلة».
إدريس مراد


إدريس مراد

اكتشف سورية

Share/Bookmark

صور الخبر

لقطات من حفل الفرقة السيمفونية الوطنية السورية بدار الأوبرا

لقطات من حفل الفرقة السيمفونية الوطنية السورية بدار الأوبرا

لقطات من حفل الفرقة السيمفونية الوطنية السورية بدار الأوبرا

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق