المثنى علي: النهضة الموسيقية التي شهدتها سورية لم تستمر بالطريق نفسه

12 آذار 2014

.

بعد تخرجه في كلية الهندسة المعمارية والمعهد العالي للموسيقا، حسم المثنى علي أموره ووقع اختياره على بلجيكا وتحديداً معهد بروكسل الملكي للموسيقا ليتابع اختصاصه في المجال الذي أحبه ووجد فيه نفسه وبوادر إبداعه، فنال منه 2 ماستر أي ما يعادل درجة الدكتوراه، وما أن أنهى تخصصه الموسيقي عاد لوطنه في عام 2010 حاملاً معه كل طموحاته وأحلامه، وليبدأ مشواراً جديداً جمع فيه العزف والتدريس، والمثنى اليوم عازف في أوركسترا بروكسل الفلهارموني، والفرقة السيمفونية الوطنية السورية، ومدرس لآلة الفيولا ورئيس قسم موسيقا الحجرة في المعهد العالي للموسيقا.

ولد المثنى في عام 1976، خلال مسيرته الموسيقية له العديد من المشاركات الأوركسترالية وموسيقا الحجرة المحلية والعالمية، كما أبدى في الموسيقا الشرقية اهتماماً خاصاً فعمل مع جميع الفرق الموسيقية العربية وقدم حفلات المجموعات الموسيقية الشرقية لآلتي الكمان والفيولا خارج سورية، وأسس في 2013 مجموعة لونغة الموسيقية التي تعنى بتقديم القوالب الغنائية والموسيقية الشرقية الآلية التي وصفها بأنها تستوعب كل طموحاته وأحلامه.

في أول حديث له عن مشواره الفني الموسيقي الثقافي ليتحدث عن بداياته ومشاريعه الحالية والمستقبلية وتجربته في التلحين فكان الحديث التالي:

بين العمارة والموسيقا
في البداية سعى المثنى لأن يكون عمله منقسماً بين العمارة والموسيقا، ولكن بعد اختصاصه في الموسيقا أصبح التركيز عليها أكثر، فبدأ مشواره الفني مع آلة الكمان ولكن بعد ذلك اختار الفيولا، لتكون الآلة الرئيسية في الاختصاص ويرافقها آلة العود أيضاً كآلة ثانوية.

محط استغراب وتراكم معرفي
ويتابع حديثه بأن دراسته للعمارة والموسيقا كانت دائماً محط استغراب لدى الكثير من الناس، وأيضاً خلال وجوده في بلجيكا لم يجد شخصاً واحداً يدرس اختصاصين في وقت واحد، فيقول: «لغاية التسعينيات من القرن الماضي كان هناك في سورية نظرة للموسيقا بأنها هواية، وعندما يصل الشخص لمرحلة الدخول للجامعة يختار طريقه على ما يتيح له معدله، ليبدأ من الصفر في حين يكون من الأولى أن يتابع دراسته في اختصاص درسه ربما لمدة طويلة وبمتابعته هذا الاختصاص يحصد الشخص أمراً سعى إليه، كما هو الحال في الموسيقا، فالدخول للمعهد العالي للموسيقا يتطلب أن يكون لدى الشخص خبرة في العزف والموسيقا لا تقل عن 12 سنة «الأمر الذي أفتخر به شخصياً في سورية، وبالنسبة لي الموسيقا علم ومهنة إنسانية مثلها مثل المهن والفنون والعلوم الإنسانية الأخرى فالموسيقي يدرس كما يدرس الطبيب ليكون قادراً أن يعمل أو ليدرّس في هذا المجال، وأنا لا أرى اختلافاً بين الموسيقا والعمارة بل بالعكس أجد هناك تشابهاً كبير بينهما، فأجد نفسي مهندساً للجمل والألحان الموسيقية وموسيقياً في تناغم البناء في واجهاته ومساقطه، لكن حالياً اخترت الموسيقا، إذ كان الانفتاح ثقافياً أكثر منه عمرانياً في سورية عام 2010، وفي الوقت نفسه كانت بوادر الإبداع لدي في الموسيقا أكبر كنتيجة طبيعية لتراكم سنين المعرفة في هذا المجال».

جيل موسيقي
كما كشف المثنى أن هناك الكثير من الأساتذة الذين مروا في حياته كان لهم فضل في صقل إمكاناته الموسيقية، وعلى رأس هؤلاء الأساتذة خص بالذكر «بليغ سويد» مدير ومؤسس معهد التجهيز الذي درس فيه المثنى، مؤكداً أن بليغ سويد كان هاجسه خلق جيل موسيقي وأن فضله لا ينسى.

ويرى المثنى أن قابلية التلقي في الموسيقا أهم بكثير من الموهبة التي عرفها بقوله «الموهبة هي الجلد على التمرين»، مشيراً إلى أن الطفل الذي يتراوح عمره بين 10-12 سنة ويمتلك القدرة على التمرين ثلاث إلى أربع ساعات يومياً هو موهوب.

نهضة موسيقية
وعن الوضع الموسيقي في سورية قبل وبعد الأزمة، قال المثنى علي للوطن: «كان الإقبال على الموسيقا وتعلم الموسيقا قبل الأزمة ممتازاً، كما كان هناك مشروع موسيقي بدأ سنة 2008، فسورية في ذلك الوقت كانت مؤهلة ليكون فيها مهرجانات موسيقية وثقافية، إلا أن النهضة الموسيقية السورية تخللها الكثير من الشوائب ولم تستمر بنفس الطريق الذي رسمه لنا الأوائل وعلى رأسهم صلحي الوادي مؤسس هذه النهضة الموسيقية المعاصرة والفرقة السيمفونية الوطنية السورية والمعهد العالي للموسيقا، ففي سورية الموسيقي يدرس الموسيقا في سن مبكرة، وعلى هذا الأساس بنينا موسيقياً، الأمر الذي لا يوجد في الكثير من الدول الأخرى، كما أن الفرقة السيمفونية الوطنية السورية كانت نتيجة طبيعية لنجاح تجربة التدريس الاحترافي في المعهد العالي للموسيقا، وبرأيي كان التدريس فيه لغاية 2010 أفضل من التدريس في العديد من الكليات بما فيها كلية الطب البشري، إذ كان لكل طالب في المعهد خبير يشرف عليه بمفرده وخبراء روس يشرفون على الطلاب، ولكن للأسف خلال السنوات الأخيرة انهار جزء كبير من هذا المشروع بكل مكوناته ومقوماته ونواحيه الفنية والعلمية وحتى الإنسانية».

خسارة كبيرة
ومن ناحية ثانية، أوضح المثنى أن سورية موسيقياً اليوم تتراوح حول الوسط، نتيجة الظروف الحالية التي دفعت الخبراء والكثير من الموسيقيين والخريجين للخروج من سورية، كما أن الأزمة أفقدت الطلبة الهمة على التعلم، مشيراً إلى أننا نعيش أزمة معيشية وثقافية وحضارية خسرنا خلالها سنوات كثيرة من البناء الثقافي المتميز في سورية، والخسارة كبيرة ولا تعوض لأن بناء موسيقي قادر أن يكون جزءاً من مشروع كبير يأخذ وقتاً طويلاً وسد مكانه للمحافظة على المستوى الاحترافي في ظل هذه الظروف أمر صعب.

إحياء الموسيقا الشرقية
وبالانتقال للحديث عن الموسيقا الشرقية العربية، أكد المثنى أن محاولات أغلب الموسيقيين السوريين في الموسيقا الشرقية كانت لخلق جو أكاديمي لهذا النوع الموسيقي، قائلاً: «بطبيعة الحال كل شخص عربي الموسيقا الشرقية مزروعة بداخله وعواطفه وعقله، الأمر الذي يدفع الموسيقي العربي لأن يتجه إليها، لذلك أغلبنا يعزف بالإضافة لعمله في الموسيقا الكلاسيكية بشكل منفرد أو ضمن مجموعات الموسيقا العربية، فالموسيقا الشرقية تخضع للذائقة الفنية الشرقية العربية الموجودة بداخل كل واحد منا، ولكن هناك تقصير في الموسيقا الشرقية إذ لم يكن هناك اعتناء بإنجاز الموسيقا العربية كفرقة دائمة مثل (مصر فرقة مجمع الموسيقا العربية أو فرقة كورال الغناء العربي مع عبد الحميد نويرة أو الفرق التراثية الموجودة بتونس)، وبرأيي الشخصي التقصير بهذا الموضوع يعود لعدم التركيز على البناء الموسيقي بالمقامات الموسيقية العربية للتمكن بهذا النوع، وأما اليوم فهناك توجه لإعادة إحياء الموسيقا الشرقية والعربية، وتحديداً من وزارة الثقافة التي تبنت هذا المشروع وأعادت إطلاق فرقة الموسيقا العربية بقيادة عدنان فتح الله، وهذا الجهد مهم في هذه الفترة».

مجموعة لونغة الموسيقية
وأضاف المثنى بأنه من محبي ومشجعي وجود مشروع شرقي جديد ومتطور، فأسس منذ سنة مجموعة لونغة الموسيقية، المؤلفة من خمسة أشخاص وعدة آلات، تقدم برنامجها الموسيقي «لونغة» على قناة تلاقي التلفزيونية، وتعنى بتقديم القوالب الموسيقية الشرقية الآلية (اللونغة، السماعي، البشرف، التحميل، سيرتو، التقسيم) والقوالب الغنائية (الدور، الموشح، القصيد، الموال، الأغنية) وتستضيف الموسيقيين السوريين تباعاً لإعادة تقديم هذه القوالب بشكل جديد تتكامل فيه عناصر الموسيقا الأربعة (اللحن، الإيقاع، الهارموني، اللون الصوتي)، الهدف منها التعريف بالقوالب الموسيقية الشرقية وبالموسيقيين السوريين، وبالنسبة لعناصر مجموعة لونغة أشار المثنى إلى أن عدد الفرقة يختلف حسب ما تستدعيه متطلبات الضيف فقد تكبر الفرقة أو تصغر، فالعدد هنا يخضع للحاجة الموسيقية ليكون الصوت الموسيقي متوازناً، واختيار أعضاء الفرقة يكون على أساس توافر المعرفة الموسيقية الجيدة، كما أكد أن عناصر الفرقة عناصر متجددة مع الحرص على وجود تشابه وتقارب بينهم في المعرفة الموسيقية».

هارموني جديد
ويتابع كلامه قائلاً: «لونغة تستوعب كل طموحاتي وأحلامي الموسيقية الثقافية، ولونغة لن تبقى موسيقية إذ من الممكن أن يكون هناك لونغة مسرح، ورقص، وموسيقا كلاسيكية، وغناء، فقناة تلاقي كانت مهتمة بالمشاريع الثقافية ونحن كنا أحد أهدافها موسيقياً، فسجلنا نحو 20 حلقة وبكل حلقة يتم عرض 4 فيديوهات، وكانت الحصيلة 80 فيديو ستكون توثيقاً لما قدم بأصابع ولمسات الموسيقيين السوريين، ومعنى كلمة لونغة باللغة العربية هو قالب راقص، ورقصة ثنائية سريعة موسيقية شرقية».

وكشف المثنى في حديث للوطن بأنه في الموسم القادم سيكون هناك بالإضافة للموسيقا الشرقية موسيقا كلاسيكية وغناء، مؤكداً أن لونغة مزجت وقدمت هارموني جديداً للأعمال الموسيقية الشرقية القديمة.

طموح وإيمان
وبيَن المثنى أنه يطمح بوجود مجموعات موسيقا حجرة محترفة، الأمر الذي يسعى له من خلال تدريس الطلاب، قائلاً: «أؤمن أن موسيقا الحجرة هي أصل التشكيلات الأوركسترالية الكبيرة، فكل عازف يجب أن يكون قادراً بمفرده على الانسجام بمجموعة صغيرة ليخلق نمطاً موسيقياً محترفاً يكون أساساً ونواة للمقطع الكبير في الأوركسترا الكبيرة الأمر الذي يتم العمل عليه لتطوير الموسيقيين الشباب، وهذا هو اختصاصي من خلال دراستي ببلجيكا، وأنا لدي طموح ومحبة للعمل بهذا المجال وإن شاء اللـه نصل إلى مكان نقدم فيه مجموعات حجرة من طلاب المعهد أو فرقة موسيقا حجرة صغيرة».

مشروع موسيقي شعري غنائي
ومن ناحية أخرى تحدث المثنى عن تجربته في التلحين التي بدأها مع برنامج شآم الغنائي وبالتعاون مع المخرج فراس قنوت، ود. اسماعيل مروة وتحت رعاية مدير قناة تلاقي ماهر خولي، قائلاً لـ«الوطن»: أنجزنا في هذه التجربة برنامجاً يجمع بين الشعر والعنصر الأساسي الموسيقا أي اللحن الموسيقي للنصوص، فكانت الفكرة أن يكون هناك إلقاء شعري وموسيقي، و»شآم» مشروع موسيقي شعري غنائي، يقدم نصوصاً شعرية تتغنى وتتغزل بالشآم بشكل أقرب إلى الطريقة الصوفية وإلقائها موسيقياً عبر التنقل بين المقامات الموسيقة الشرقية الأصيلة والتقاسيم، بما يحقق الانسجام في الموضوع الشعري والموسيقي، فشآم هو لحظات من الوجدان في مشروع وطنٍ وإنسان، فيه ذوب الإحساس ورهافة الأرض كما يقول إسماعيل، والحمد اللـه كانت هذه التجربة ناجحة وإن شاء اللـه أن يكون في المستقبل تكرار لمثل هذه التجربة، وأيضاً هناك رغبة حقيقية في تقديم شآم خارج سورية لنقل هذا الإحساس الوطني المرهف لأهلنا وأصدقائنا في المغترب».

ولادة جديدة
وعن مشروعه الموسيقي الثقافي المستقبلي أكد المثنى للوطن برغبته في البقاء بسورية، ولاسيما في هذه الفترة لأنه يرى فيها ولادة جديدة، وقراره الحالي هو البقاء.

وفي نهاية حديثه للوطن قال:»أتمنى أن تعود دراسة الموسيقا الكلاسيكية لسابق عهدها من التميز، وأن تنطلق الموسيقا الشرقية انطلاقه حقيقية في ظل وزارة الثقافة التي تؤسس حالياً لمشروع موسيقي مهم جداً، لتنصب كل الجهود في بوتقة واحدة مع وزيرة الثقافة لبانة مشوح صاحبة الإرادة بإطلاق مشروع الموسيقا الشرقية الذي اعتقد بأنه قابل للديمومة والحياة، وهذه مسؤوليتنا كموسيقيين شرقيين وهذا حلمي بالموسيقا الشرقية والكلاسيكية، وأتمنى أيضاً أن يكون هناك اهتمام بصناعة الموسيقا كالاهتمام بصناعة الدراما سواء التلفزيونية أو السينمائية».


لودي صارجي

سانا

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق