كتاب «الإرث الأثري في سورية خلال الأزمة».. واقع مأساوي

20 كانون الثاني 2014

.

«الإرث الأثري في سورية خلال الأزمة 2011- 2013» كتاب جديد للدكتور مأمون عبد الكريم المدير العام للآثار. وهو دراسة ومتابعة دقيقة للمتاحف والمواقع الأثرية السورية المتوزعة في كل المحافظات السورية.

كتاب يبين مدى أهمية التراث الحضاري السوري بالنسبة إلى السوريين والعالم، ويوضح ضرورة الحفاظ على الآثار السورية التي تهم جميع الأطراف فهي أرث وطني وعالمي، يجب أن تشارك في حمايته كل فعاليات المجتمع الرسمية وغير الرسمية؛ وتواصل المديرية العامة للآثار مع كثير من فعاليات المجتمع الأهلي العمل من أجل الحفاظ على آثار أو مواقع أثرية متوزعة في مناطق شاسعة، لذلك كان من الضرورة القصوى تكافل كل الجهود من أجل صيانة وحفظ تراث إنساني. والذي يهم كل من له محبة ومسؤولية تجاه هذه الثروة التي لا تعوض ولا تقدر بثمن، لذلك توجه الدكتور عبد الكريم بالشكر إلى فعاليات المجتمع الأهلي والعاملين في الآثار الذين ساهموا في حفظ وصون الآثار السورية.

بروح المسؤولية والإنسانية العالية استطاع العاملون وأفراد المجتمع الأهلي صون مواقع والحفاظ على قطع أثرية كثيرة وتم توثيق هذه الجهود من خلال متابعة المديرية العامة للآثار والمتاحف.
سورية هي مركز حضاري وإرث إنساني، ففيها آثار ومراكز تعود إلى أقدم الحضارات، وآثار هذه الحضارات على الأرض، لذلك قال عنها أحد الآثاريين العالميين مبيناً لموقعها وأهميتها، «لكل إنسان وطنان وطنه وسورية».

رصدت المديرية العامة للآثار والمتاحف بجهودها المتميزة الواقع الأثري في سورية من خلال متابعتها المواقع والمتاحف في المحافظات السورية، فوثقت الأضرار التي لحقت بالمتاحف والمواقع والقطع الأثرية، وبينت الكثير من السرقات، التي حصلت في مختلف المحافظات.

الكتاب يبين الواقع المأساوي للآثار السورية؛ ففي حلب مثلاً نتيجة الأحداث والاشتباكات العنيفة، أحرقت مئات المحال الأثرية في أسواق حلب القديمة، والتهمت النيران البضائع، ولاسيما في أسواق: «الزرب، العبي، العتمة، العطارين، النسوان، الصوف، الصاغة»، كما دمرت العشرات من البيوت التراثية في حلب القديمة، وتضررت أعداد كبيرة من المباني الأثرية،وتعرض بعض القلاع لأضرار منها «قلعة المضيق، قلعة الحصن، مدخل قلعة حلب وبرجها الشمالي، قلعة شيزر، قلعة الرحبة».

تركزت رؤية المديرية العامة للآثار والمتاحف منذ بدء الأحداث المؤلمة، بالعمل على تحييد التراث الأثري السوري، وإبقائه خارج دائرة الخطر قدر المستطاع، وسعت إلى الحيلولة دون توظيف قضية الآثار لغايات سياسية تسيء لها. وناشدت المديرية العامة جميع الأطراف الابتعاد عن المواقع الأثرية واحترام حرمتها، تماشياً مع قناعتها بأهمية وقداسة هذا التراث الذي هو مجال اعتزاز الشعب السوري، والجانب الذي يميزه عالمياً، واتفاقاً مع التزامات سورية الدولية التي تنص على حماية الممتلكات الثقافية أثناء النزاع.

وقد ازدادت حالات التنقيب غير المشروع نتيجة الأحداث الجارية في مناطق كثيرة وثق الكتاب بعضاً منها، فقد بلغ عدد الحفر الناتجة عن أعمال التنقيب غير المشروع في موقع دورا أوروبوس حتى نيسان 2013م نحو 300 حفرة، متفاوتة الأحجام وتنتشر في كامل أرجاء الموقع، ولاسيما بيت يزياس والأسواق والحمامات والكنيس إضافة إلى تخريب في الأبنية الأثرية ضمن الموقع.

بلغ عدد الحفريات غير المشروعة في موقع ماري حتى نهاية نيسان 2013م نحو 50 حفرية، وتركزت الأعمال ضمن القصر الملكي والبوابة الجنوبية والحمامات ومعبد عشتار ومعبد داجان ومعبد ربة الينبوع، كما سرق بيت البعثة ومركز الزوار في الموقع.

كما تناول الكتاب: حالات التعديات العمرانية على المواقع الأثرية وظاهرة تزييف الآثار، وبيّن الأستاذ مأمون النداء الذي وجهته المديرية العامة للآثار والمتاحف في 3 تموز 2013م إلى المنظمات الدولية، وأعضاء ورؤساء البعثات الأثرية الأجنبية، وعلماء الآثار، ومثقفي العالم، للتحرك فوراً والبحث عن آليات فعالة تضمن الضغط على الجهات المتورطة في تدمير آثار سورية ونهبها وتهريبها، لوقف هذا النزيف المحزن، وطالبت منظمة اليونيسكو بالضغط على دول الجوار، لتعزيز إجراءاتها الأمنية، وضبط الحدود في وجه مهربي الآثار لمنع المتاجرة بالآثار السورية، ومحاربة التنقيب غير المشروع كي لا تتكرر المأساة في مواقع أثرية سورية أخرى.

كان النجاح حليف كوادر المديرية العامة للآثار والمتاحف في مناطق عديدة، فبفضل التعاون مع المجتمع المحلي وبوساطة قادة ونخب مجتمعية تم إنقاذ مئات المواقع الأثرية من التخريب والتنقيب غير المشروع، ورغم وجود حالات لم تتمكن الجهود المشتركة من إيقافها إلا أنها تبقى غير خطرة أو كارثية، فالمجتمع المحلي لعب دوراً مهماً في حماية متحف معرة النعمان على سبيل المثال.

الكتاب عرض للواقع الأثري ولجهود المديرية العامة للآثار والمتاحف، من أجل العمل مع كل الجهات الرسمية والأهلية للحفاظ على الآثار السورية التي هي تراث وإرث وذاكرة وتاريخ 23 مليون سوري؛ أكثر ما يجمعهم، هو هذا الإرث الإنساني التاريخي الذي يميز بلدهم سورية، بلد الحضارات، المتعددة المتنوعة التي تعاقبت وتركت بصمات ما تزال باقية إلى يومنا هذا، والكتاب دعوة إلى الحفاظ على هذه الآثار وتكاتف الجهود من أجل ذلك، إنها صرخة وعمل متواصل من أناس أحبوا عملهم وتاريخهم وشاءت الأقدار أن تكون طاقاتهم وجهودهم في مصلحة شيء محلي وعالمي في الوقت نفسه فالحضارة السورية ملك سوري وعالمي وإنساني في آن واحد بنفس الوقت، لأهميتها وتميزها، وللكم الهائل من المتاحف والمواقع والقلاع والقطع الأثرية على الأرض السورية.

الكتاب: الإرث الأثري في سورية خلال الأزمة 2011 ـ 2013.
الكاتب: أ. د. مأمون عبد الكريم.
الناشر: المديرية العامة للآثار والمتاحف 2013م.


سلام مراد

الوطن السورية

Share/Bookmark

مواضيع ذات صلة:

اسمك

الدولة

التعليق