الفنان جوزيف طرطريان: أحاول أن أجعل من الأوبرا نمطاً غنائياً أكثر شعبية

17 تموز 2013

.

يدرك مغني الأوبرا «جوزيف طرطريان» أن الموسيقا بقدر ما تساهم في الترويح عن النفس، فإنها قادرة على خلق جو من الألفة والمحبة بين الناس، وانطلاقاً من ذلك بات يؤمن بفاعلية الموسيقا على صعيد الخدمات الاجتماعية فضلاً عما تحمله من أبعاد إنسانية تنقي الروح وتشحذ الهمم وتبدع ملهاة من نوع خاص فيها من الفرح الكثير.
وعلى الصعيد الفني يسعى «طرطريان» لإعادة جسور التواصل بين الغناء الأوبرالي والجمهور السوري عبر صيغة وسيطة بين الغناء الشرقي بأسلوب الأوبرا.. عن حفلته التي أقامها في أوبرا دمشق وآرائه في الموسيقا وطموحاته الفنية كان لتشرين الحوار التالي:
• قدمت مؤخراً في أوبرا دمشق أمسية «أغني لأمي سورية» وكان ثمن البطاقة عبارة عن كيلو من أية مادة غذائية، كيف تبلورت لديك فكرة هذا الحفل؟
•• الحقيقة ألهمتني حفلات الفرقة السيمفونية الوطنية التي قادها المايسترو «ميساك باغبودريان» وحملت عنوان «من أجل شتاء دافئ»، وثمن البطاقة كان عبارة عن قطعة ملابس شتوية، ولذلك مع اقتراب الصيف فكّرت أن المواد الغذائية باتت حاجة ملحة أكثر من اللباس، ووافقني القائمون على مبادرة «لمسة دفا»، لأنهم أعلم بحاجات المبعدين عن منازلهم. أما عنوان الأمسية «أغني لأمي سورية» فحاولت من خلاله أن أجمع بين الشخصيّ والعام، عبر الغناء لسورية التي تحضننا رغم جراحاتها النازفة.

• ما أهمية أن تساهم كموسيقي بأحد النشاطات المجتمعية؟
•• في هذا الوقت، أرى أن الناس متعطشون لحضور أية فعالية ثقافية وموسيقية على وجه الخصوص، وتساءلت لماذا لا نستفيد من هذا الحماس المتوافر لدى نسبة كبيرة من جمهور الموسيقا في سورية، ولاسيما أنهم عندما يعرفون أن الحفلة خيرية وستعود بالفائدة على المتضررين مما يحصل في بلدنا، فإن حماسهم سيزداد وستتضاعف الرغبة لديهم في الحضور والمشاركة ضمن هذا النشاط الفني، حتى إنني علمت بعد انتهاء الحفل أن أناساً كثراً لم يستطيعوا حضور الأمسية بسبب امتلاء الصالة، لكنهم ساهموا بالاشتراك الرمزي عبر المواد الغذائية، بمعنى أن الموسيقا كنوع من أنواع الترفيه والتعبير عن المشاعر تشجع الناس على المساهمة في نشاطات المجتمع المدني.

• فيما يتعلق بالجانب الفني، غنيت ضمن الأمسية بخمس لغات، كيف نشأت موسيقياً لتصل إلى هذا المستوى من الإتقان في التعبير عن مشاعرك بلغات مختلفة؟
•• منذ عمر الست سنوات بدأت تعلم العزف على آلة الكمان في معهد صلحي الوادي للموسيقا، وكانت السيدة ميادة الحناوي هي المشجع الأكبر لي في احتراف الغناء بعدما سمعتني أغني في إحدى المرات بالصدفة وكنت طفلاً حينها، لكن بسبب أن معهد صلحي الوادي ليس فيه اختصاص غناء، لذا استمررت بتعلم العزف على الكمان حتى أصبحت طالباً في الثالث الثانوي، ورغم عشقي لآلة الكمان إلا أن الغناء بالنسبة لي يحتل مرتبة أعلى، وكانت أول هدية تهديها أمي لي عبارة عن أسطوانة لبافاروتي الذي بات أحد أهم مصادر الإلهام بالنسبة لي، ومع الزمن انتسبت إلى المعهد العالي للموسيقا قسم الغناء الأوبرالي وأنا الآن في السنة الرابعة.
أما موضوع الغناء بعدة لغات، فأنا عضو في فرقة «التشيلي باند» وفيها أغني بالإسباني بالدرجة الأولى، وأنا منذ طفولتي اعتدت أن أسمع الأغاني الإنكليزية والأرمنية والإيطالية والفرنسية، وصرت كل قطعة أحفظها مهما كانت لغتها وبت أدرس معاني الكلمات وأهمية الأغنية والمشاعر المبثوثة من خلالها وعبر اللحن لأؤديها بطريقة معبرة.

• هناك من ينتقد المعهد العالي بأنه لا يقدم منهاجاً كاملاً.
•• في أي مجال ثمة إيجابيات وسلبيات، ولن أقول إن المعهد العالي للموسيقا بدمشق يشابه معهد الجوليارد في نيويورك، لكنه خرَّج موسيقيين مهمين، وعلى الطلاب أن يتناسوا الظروف ضمن المعهد ويركزوا على الشيء الإيجابي، وبالنسبة لي شكل لي المعهد العالي للموسيقا فرصة للتلاقي مع أغلب الموسيقيين السوريين، وزاد ثقافتي الموسيقية عبر مواد مثل تاريخ الموسيقا العالمية، ونظريات الموسيقا العربية، وتحليل موسيقي، وهارموني، ولاسيما أنني في الموسيقا الشرقية لم أكن أمتلك الكثير من المعرفة، وهذا كله يفيدني في حياتي الفنية العملية.

• أنت تزاوج بين الغناء الشرقي والأوبرالي، ما القصد من وراء ذلك؟
•• حاولت أن أمزج بين الكلاسيكيات الشرقية والغربية، فمثلاً غنيت «يا زهرة في خيالي» وأغاني «زياد الرحباني»، وكل ذلك من أجل تقريب الفن الأوبرالي للجمهور السوري، ولاسيما أن هناك اعتقاداً خاطئاً مفاده أن الغناء الأوبرالي هو مجرد صراخ، مع العلم أنني بتغيير بسيط في تقنية الغناء أستطيع أن أغني أغنية شرقية بطريقة قريبة من الأوبرا وبذلك تكون قريبة للجمهور، وهذا مفيد لعدم بقاء الأوبرا موسيقا نخبوية.

• ما هي طموحاتك الفنية؟
•• أطمح بالتأكيد لتسجيل ألبوم خاص، كما أرغب بأن أجعل فرقتي أكبر، ليس على صعيد عدد العازفين فقط، بل عبر دمج العازفين مع راقصين، بمعنى أن أقدم على المسرح لوحات راقصة مع موسيقا حية.

• ما الذي استفدته من كونك أحد أعضاء «التشيلي باند»؟
•• في السابق كانت معظم حفلاتي محصورة بالغناء الأوبرالي، أما عبر «التشيلي باند» أصبحت أكثر تحرراً سواء في نمط الغناء أم في الحركة على المسرح، ولاسيما أنك لا تستطيع أن تغني أغنية «سالسا» وأنت جامد على الخشبة، وهنا كسرت حاجز الجمود أثناء الغناء، لذا في أمسية «أغني لأمي سورية» قدمت لوحة غنائية راقصة مع «ألين سروجي» ومصمم الرقص «حمود شباط»، وبعدما وجدت تفاعلاً جيداً من قبل الجمهور مع ما قدمته باتت لدي الجرأة في المرات القادمة لأؤدي مزيداً من الرقصات ضمن حفلاتي، رغبة مني لأكسر الصورة النمطية للمغني، وهنا لا أعني أن على المغني أن يعرف الرقص، لكن بما أنني أحب الرقص شخصياً لذا أجد أنه من الجيد إشراك الرقص مع الغناء على المسرح.

• هل تقصد أنك ترغب بأن تدرس التمثيل الأوبرالي الذي يتطلب أساساً الغناء مع التمثيل مع الرقص؟
•• أكيد كل ذلك له علاقة بالأوبرا، وبصراحة أحد أسباب تعلمي للغناء الأوبرالي هو مسرح البرودواي المختلف عن الأوبرا، لكنه يشترك معه بالغناء والتمثيل والرقص والتعبير المسرحي وما إلى هنالك، ولذلك في كل حفلاتي أحاول أن أقدم شيئاً له علاقة بالـ«SHOW» وبالمشهدية المسرحية.

• هناك من يرى أن الغناء الأوبرالي مترفع عن جمهور الموسيقا في سورية.
•• أعتقد أن لكل نمط موسيقي جمهوره، وفي معظم حفلات الأوبرا تمتلئ القاعات، لكنني عبر فرقتي أحاول أن أجعل من الأوبرا نمطاً غنائياً أكثر شعبية، عبر التركيز على نمط «البوب أوبرا» إذ إن الجمهور في حال حضر إحدى أمسيات الأوبرا الكلاسيكية، يكون قد تشرَّب مسبقاً هذا النمط الغنائي، حتى إنني في الألبوم الذي أحضر له سأغني معظم الأغنيات باللغة العربية مع أغنيتين أو ثلاث بلغات أجنبية بهدف التقرب من الجمهور.

• اشتركت مع الدراما السورية في غناء شارة مسلسل «المفتاح» التي كتبها «سامر غزال» ولحنها «سعد الحسيني»، كيف تنظر إلى تلك المشاركة؟
•• شكلت هذه التجربة بالنسبة لي كموسيقي خطوة مهمة جداً، إذ إنها حققت لي انتشاراً ليس على مستوى سورية فحسب بل على نطاق الوطن العربي، ولاسيما أن مسلسل «المفتاح» عُرض في الموسم الرمضاني وخارجه، ورغم أنني تلقيت بعض الانتقادات التي تتعلق بغنائي بطريقة مختلفة عما تعلمته في الغناء الأوبرالي، إلا أن الذين انتقدوني ولاسيما مدربة الصوت «آراكس تشيكيجيان» عادوا ليقولوا لي: «غنّ كما شئت، لكن لا تنسَ مدرسة الغناء الأوبرالي».


تشرين

Share/Bookmark

صور الخبر

مغني الأوبرا جوزيف طرطريان

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق