الأب الياس زحلاوي

31 تشرين الأول 2010

.

مقدمة


قامة كبيرة من قامات هذا الوطن المعطاء. نشأ رجل دين، لكنه عرف الدين انطلاقاً رحباً إلى العالم الأوسع، فانخرط في النشاطات الوطنية والاجتماعية والثقافية والإنسانية، ولم يستثنِ من ذلك الفن والأدب.

هو الأب الياس زحلاوي الذي ما زال يستقبل الجميع بابتسامته المشرقة، بعد مسيرة حافلة وجد نفسه فيها على طرق متشعبة، لكنها تقود في النهاية إلى ذات الهدف والمسير الذي آمن به مذ كان شاباً، فإذا به على دروب المعرفة الروحية والعقلية ينهل منها، ويبدع في مجالات مختلفة. فهو المسرحي الذي درّس المسرح وكتبه، والمناضل في سبيل وطنه وفي سبيل القضايا العادلة في فلسطين وجميع أرجاء المعمورة، ينشد العدل والمساواة بين جميع بني البشر، والناشط الاجتماعي العامل على تأسيس الجمعيات التي تهدف إلى تعهد أجيال الناشئة بتربية صالحة تقوم على أسس صحيحة بعيدة عن التعصب والانغلاق، يحركها حب الوطن والإنسان، والفنان الذي أسس جوقة الفرح التي جمع بها الأطفال يغنون للعالم أجمل الألحان الروحية، لا تفرق في ذلك بين دين ودين، والباحث الذي ترجم وكتب وشرح، وهو إلى ذلك كله، رجل الدين الذي استمع الكثيرون إلى عظاته أيام الآحاد، باثاً فيهم دعوة الانسجام مع إرادة الله الواحد، ومحبته.


الأب الياس زحلاوي في مطلع شبابه

إنه الأب الياس زحلاوي الذي جاهد في سبيل وحدة الكنيسة، والخروج من انقساماتها الحادّة أو تجاوزها على الأقل، ونبذ الخلافات بين رجال الدين. كما جاهد في سبيل الدفاع عن أرض فلسطين وشعب فلسطين. وتألَّمَ حتى الأعماق لمآسي الإنسان أينما كان، وعمل على نشر رسالة المحبة عن طريق الفن أنى تمكن من ذلك.


سيرة حياته


ولادته


وُلِدَ عام 1932 في دمشق، في حيٍّ صغير اسمه حارة الصليب الثانية، وقد زال اليوم وهو امتداد لشارع بغداد عند مفترق المشفى الفرنسي.

طفولته


يستعيد الأب زحلاوي ذكرياته حول طفولته متذكراً: «كانت المنطقة محاطةً ببساتين الغوطة، وكنا مجموعةَ أطفال نعيش مع أهلنا وأصحاب البساتين المسلمين الذين يحيطون بالحارة، نعيش وإياهم كأننا عائلة واحدة، ما نفرِّقُ يومها بين طفل مسيحي ومسلِم».

من أرشيف الأب الياس زحلاوي

ويكمل الأب زحلاوي: «تأتي الحارة بوصفها المحطّة الأولى داخل المجتمع الكبير، كان اسمها حارة الصليب، وكانت تطل على البساتين الأولى من الغوطة الغربية، بما فيها من أشجار الجوز والمشمش والحور، وأسواق كثيرة تخترقها من كل جانب. وكانت حارتنا، على ضيق رقعتها آنذاك، تضم ملعبيْ كرة قدم نظاميين، هما ملعب الدالفوريك الأرمني، وملعب نادي الهومنتمن منافسه، وكانت الصداقة التي تربط أصحاب هذه البساتين المسلمين، بأهل الحارة المسيحيين، كثيراً ما تسمح لنا بدخول البساتين للعب فيها، إذ كانت أشجارها الكثيفة ونباتاتها العالية تسهّل علينا لعبة الطميمة الممتعة ولاسيما بعد مغيب الشمس. إلا أن لعبتنا المفضَّلَة كانت لعبة كرة القدم إما بكتلة محشوة بالخرق، وإما بكرة قدم حقيقية تالِفة كنا نملؤها هي أيضاً بالخرق، ونمارس بها هواية تشدنا، وكنا نرجو منها أن تقودنا يوماً إلى شهرة هذا أو ذاك من لاعبي كرة القدم المعروفين».

والدته


في حوار للأب زحلاوي أعدّته آنا عزيز الخضر يتذكر الأب زحلاوي طفولته قائلاً: «في البيت تجسد الإيمان والحب والتضحية الصامتة، ليلاً ونهاراً، في أمي. حتى اليوم أتساءل من أين كانت تستمد القوة لتخدم في الوقت نفسه جدتي، والدتها وهي طريحة الفراش منذ سنوات انتهت بوفاتها، وأختي الصغرى التي أُصِيبَت بالتهاب في السحايا وَضَعَها في حال قصوى من الخطر مدة ثلاثة أشهر، وأخي الأكبر الذي أصيبَ بحمّى التيفوئيد مدة شهرين فيما هي ترعى شؤون والدي وأخواتي الثلاث الأخَر، وترعى شؤون خالي الأعزب وتغسل كل يوم ما يحمل لها والدي من محله الخاص بحلاقة الرجال، فيما كانت إلى ذلك تجد الوقت ليلاً لتطريز بعض القطع من الأقمشة الكبيرة أو الصغيرة، لتشارك أبي في نفقات بيتنا المتواضِع. وكان إيمانها قد تغلغل في تلافيف حنانها وحياتها. ومنها تعلّمت ذكر الرب والسيدة العذراء، قبل كل عمل».


الأب الياس زحلاوي معلماً للأجيال الجديدة

في المدرسة


وعن مدرسته يتحدث الأب زحلاوي فيقول: «المدرسة، كانت المدى الذي أتاحَ لي أن أكتشف بعضاً من ذاتي، من حيث قدرتي على الاسترسال في ما يستهويني من ألعاب، على حساب الدرس واعتماداً على الاستيعاب السريع لما فاتني، إحساساً مني بتقصيري أو نزولاً عند رغبة أمي أو مدير المدرسة. ولذلك، ومن حيث قدرتي على التعبير العنيف، كانت تستبد بي حالات من التمرد حيال هذا أو تلك من أعضاء الهيئة الإدارية أو التدريسية. وفي المدرسة اكتشفت ميلي التلقائي لمساندة الضعيف وقيادة مجموعة من أترابي الأطفال».

تجارب العمل الأولى


يذكر الأب زحلاوي في هذا السياق: «المناخ الاجتماعي العام تبرز فيه سمات كثيرة، تركَت بي على صغر سني بصمات عميقة منها عادة ملء فراغ الطفل طوال العطلة الصيفية بالعمل المأجور، وكان الأهل أحياناً يدفعون لصاحب المحل الأجرة التي كان ينقدنا إياها في آخر الأسبوع على أنها منه، في محل ما بقصد تعليمي مهنة ما، وهكذا وجدتني أتنقل عاماً بعد عام بين محل نجارة، وحلاقة للسيدات. فكان من هذه الخبرة الصغيرة أن كشفت لي أهمية العمل في حياة الناس وضرورة الحفاظ عليه لكسب اللقمة اليومية».

انكشاف الواقع بوجهه المؤلِم


يقول الأب زحلاوي: «ثمة سمة أخرى اكتشفتها في المجتمع والبيت معاً. إنها سِمَة التفاوت الواضِح في المعيشة بين قلة من الأغنياء، تعيش في بحبوحَةٍ، في بيوت واسعَة فخمَة، تنتقِل في سيارة يوم كانت السيارات في دمشق تُعَدّ على أصابع اليد، وتتنعَّم بما يشبه القصور في المصايف المحيطة بدمشق، وغالبية من أناس يعيشون في بيوت ضيقة يضم كل منها عائلتين أو ثلاثاً، ويكتفون بما لا يكفي أحياناً أودهم اليومي. وكنت أشعر تلقائياً بانحياز عميق للفئات المحرومة، انحياز تنامى مع الزمن وتفاقم من جراء اطلاعي المتزايد على الظلم الفاجر الذي أخذ يكتسح العالَم».

دراسته



الأب الياس زحلاوي مع أصدقائه
في حوالي خمسينيات القرن الماضي

يذكر الأب زحلاوي عنها: «درست في دمشق حتى سن الثانية عشرة، ثم سافرت إلى القدس إلى مدرسة القديسة حنة لأواصِلَ دراستي بهدف أن أصبح كاهناً، وأمضيت في القدس سنة دراسية واحدة كانت حاسمة في إذكاء نَهَمِي للمطالعة. عدتُ بعدها مع جميع طلاب المدرسة إلى مدرسة في لبنان، في بلدة رياق بالقرب من زحلة، حيث تابعنا الدراسة الثانوية حتى شهادة البكالوريا وفق النظام اللبناني والفرنسي معاً، وحيث تأجج لدي جوع دائم إلى القراءة وحب المعرفة، بعد ذلك، انتقلت إلى القدس من جديد، حيث أمضيت ثلاث سنوات درست خلالها علم الاجتماع وعلم النفس ثم عدت إلى القدس وقد قررت نهائياً الاستمرار في اختيار الكهنوت، وأمضيت ثلاث سنوات أخرى، مما تبقى لي من دراسة واستعداد».

سيامته كاهناً وتعيينه في لبنان


يذكر الأب زحلاوي عن الفترة الأخيرة التي أمضاها في القدس وفي رياق في البقاع: «كنت أبكي حنيناً إلى دمشق. وفي الصباح أتمالك نفسي وأعود للدراسة، وبعد فترة حدث انفجار في فندق الملك داوود فنُقِلنا إلى لبنان إلى ثكنة عسكرية فرنسية في بلدة تقع بالبقاع، وكنا فيها مئة وعشرين طالباً فقط، وفي عام 1952 انتقلتُ إلى القدس لثلاث سنوات، وفي عام 1955 سافرت إلى فرنسا، وعُرِضَ عليّ أن أبقى هناك لكنني قررت العودة إلى دمشق بلدي، وارتُسِمتُ كاهناً عام 1959، وعُيِّنتُ في لبنان لمدة ثلاث سنوات وقررت أن أقدم استقالتي، وفي العام 1962 انتقلت إلى دمشق حيث طُلِبَ من البطريرك أن يجعلني في خدمة الشبيبة، وطَلَبَ مني أُدرِّس في بعض المدارس وهكذا كان حتى عام 1966 بعدها أُصِبتُ بمَرَضٍ في حنجرتي فمُنِعتُ من التدريس».

قصته مع المسرح


يقول الأب زحلاوي في هذا الصدد: «تابعت اهتمامي بالمسرح الذي بدأ في المرحلة الثانوية حيث كنا نؤلِّف ونمثِّل، وفي القدس تابعت دراستي الفلسفية وكنّا نؤلِّف ونمثل ونطالِع أيضاً، فالمسرح يعني لي شيئاً كثيراً فيكفي وقع الكلمة في نفسك وفي السامِع وأصداء الكلمة، وعندما أتيت إلى دمشق راقبت ما كان يحدث في نطاق النهضة المسرحية في بداياتها، أي بدايات الستينات، حين نشأت بدايات المسرح في سورية في مسرحي الحمراء والقباني».

ويتابع: «في عام 1966 أُصِبتُ بالحبال الصوتية فحزنت لفقداني صوتي فتحوَّلتُ إلى الكتابة وألَّفتُ مسرحية بعنوان "ليتك كنت هنا" بالتعاون مع سمير سلمون عالجتُ فيها موضوع هجرة الأدمغة وهرب الشبان من سورية».


من أرشيف الأب الياس زحلاوي

ويمضي الأب زحلاوي في ذكرياته عن المسرح فيقول: «جاء المسرح جواباً على حالات اجتماعية وإنسانية ووطنية اكتشفتها وأسارِع إلى الاعتراف بفضل صديقي المرحوم سمير سلمون عليّ في هذا الميدان، وقد أخرج جميع مسرحياتي القليلة، ومعه أسست في العام 1968 فرقة مسرحية باسم "هواة المسرح العشرون"، أما المسرحيات التي قدمناها فكانت "ليتك كنت هنا"، "المدينة المصلوبة" عن مدينة القدس، "الطريق إلى كاجو"، و"وجبة الأباطرة"، وإلى ذلك درَّست في المعهد العالي للفنون المسرحية "تاريخ المسرح"، و"اللغة الفرنسية"، خلال العام الدراسي 1977-1978 إلا أني وبسبب تدهور صحتي وضغط العمل، قدمت استقالتي من المعهد العالي، ولكن ما بين 1979 و1989 قمت بتكليف من وزارة الثقافة بترجمة الأجزاء الخمسة لتاريخ المسرح، عن اللغة الفرنسية راجياً بذلك الإسهام في سد ثغرة هامة في الثقافة المسرحية العربية».


مسرحه


يذكر الكاتب رشاد أبو شاور: «مسرحيته التي شدت انتباهي كانت "المدينة المصلوبة" وهي تدور حول مدينة القدس، وقد أخرجها سمير سلمون الذي رحل شاباً يرحمه الله، وهو الاسم الذي ارتبط بمسرحيات أبونا الياس، وتألق في إخراجها. مسرحيته "وجبة الأباطرة" عمل شجاع، عالج في فصولها سقوط الإمبراطورية الرومانية، وانتهاء مجدها ببيع منصب القيصر لتاجر قدّم وجبة عشاء لجنود وضبّاط معسكر حامية روما التي انهارت، وأفل مجدها بسبب الظلم، والفساد، وهيمنة عقلية العسكر».



مسيرته مع الشبيبة


1) تأسيسه لمجموعات فرسان المحبة


كانت البداية مع مجموعة من الفتيان والفتيات في المرحلة الإعدادية وذلك في سنة 1978 بعدد يتقارب الثلاثين طالباً وطالبة، وفي سنة 1980 ذهبت هذه المجموعة مع الأب زحلاوي إلى دير في صافيتا، وطُلِبَ من ثلاثة شبان مساعدته كان بينهم الدكتور ناجي سابا، الذي يعود بذكرياته ليروي أنهم كانوا أكبر سناً من المجموعة، واقترحوا على الأب زحلاوي أن تكون المجموعة فرقةً روحية ذات نشاط كشفي (أي كشّاف يتضمن نشاطاً روحياً)، وفي سنة 1980 صارت مجموعة «فرسان المحبة» ذات نظام داخلي كشفي روحي، وكان عددهم لا يتجاوز 35 شخصاً من المرحلة الإعدادية، وأصبح لديهم مقر في كنيسة سيدة دمشق، واقتنوا خياماً لممارسة نشاطهم الكشفي مع روحانية يمارسونها وسط المجتمع.


الأب الياس زحلاوي

ومع نمو أعضاء المجموعة، أصبحت المجموعة مقسَّمةً إلى أربع مجموعات: أولى وثانية وثالثة ورابعة، حيث أن أعضاء المجموعتين الأولى والثانية من المرحلة الثانوية وأعضاء المجموعتين الثالثة والرابعة من المرحلة الإعدادية، واعتمدوا نظاماً صارماً في موضوع التأهيل المنهجي، حيث أن المجموعة كان لها شعار سنوي تُبنَى حوله مواضيع ومحاضرات سنة كاملة من العمل الروحي والكشفي (مزيج بين روحانية المسيحية والنشاط الكشفي) على نحو مدروس وكان العمل يتوَّج بمخيم.

أما الآن، فتوجد فرقة للأشبال (أي الصغار)، وفرقة للمتقدمين والرواد (أي الجامعيين)، بالإضافة للثانويين والإعداديين، وتتجاوز أعداد فرسان المحبة الآن أربعمئة شاب وفتاة، وكلهم ما زالوا تحت إشراف الأب زحلاوي بما يتعلق بمنهج العمل المشترك والنشاطات الروحية والاجتماعية.

2) تأسيسه لأسرة الرعية الجامعية


وحسب ما جاء في بيان تأسيسها:
«طالما أن جميع المنتمين إلى جمعية «فرسان المحبة» طلاب جامعيون من شبان وشابات، ولا ينتمي إليها غير الجامعيين، فقد انبثقت فكرة إنشائها تلبية لحاجة ملحَّة اتخذت طابَع الضرورة.

فمع اتساع شبكة التعليم بجميع مراحله، وتعميم مجانيته، اتسعت جامعة دمشق اتساعاً كبيراً حيث أقبل عليها الطلاب من كل حدب وصوب في سورية، فرأت الكنيسة العربية بدمشق أن من واجبها أن تساهِم في مد أبنائها من الطلبة الجامعيين برؤية روحية صافية تضاعف بها قدراتهم على الأمانة والعطاء.

وكان واضحاً أن المد العلمي في نطاق الجامعة، وفي مختلف قطاعاته لم يكن يصحبه تطور ديني وروحي مماثل. فبين الِشبيبة الجامعية وثقافتها الدينية كانت الفجوة تتسع يوماً بعد يوم. وما كان يجوز التغاضي عن هذا الواقع، ولاسيما وأن الدين محرك عظيم في نفسية كل إنسان، خصوصاً في الإنسان العربي.


الأب الياس زحلاوي مع والدته وشقيقته
في منزل عائلته

تأسست الجمعية عام 1968، وكانت البداية متواضعة جداً. كاهن وبضعة طلاب وطالبات لا يتعدى عددهم أصابع اليدين. أما المبادئ الأساسية التي تُرسَى عليها المؤسسة فثلاثة:
1 – إن الإيمان بالله والإنسان وجهان لحقيقة واحدة.
2 – بث روح الإنجيل.
3 – القيام بعمل مشترك في إطار رابطة روحية.

كان اللقاء الأول للأسرة في قداس خاص اشترك فيه ثمانية طلاب وطالبة واحدة فقط. واستمر أسبوعاً بعد أسبوع. لقاء صلاة وتفكير بين إخوة حول أخيهم الأكبر يسوع، في قاعة أسموها "بيت الأسرة" في إطار من العلاقات لا ينتمي إلى طائفة معينة، ولا إلى أي تنظيم معين.

واتسعت الأسرة عملاً وعدداً. وباتساعها قضت بأن يكون لها كاهنان مرشدان. وكان لها ككل أسرة نشاطات متعددة، روحية وثقافية واجتماعية وترفيهية.

وينظم هذه النشاطات كلها برنامج تبلور بعد بحث وتعاون طويل بين المرشدين والطلاب من جهة، وبعض أصدقاء الأسرة من كهنة وأساتذة ومفكرين من جهة أخرى.

أما الجانب الأسروي من حياة الرعية، من تلاقٍ وانفتاح وألفة إنسانية فإنه يتجلى في نوعية العلاقات القائمة بين أفرادها من كلا الجنسين في لقاءاتهم الدورية الأسبوعية، وفي سهرات ترفيهية يحيونها في عيدَي الميلاد والفصح. ويبلغ هذا الجانب حداً مرموقاً من الصفاء والأخوة وذلك خلال الرحلات العديدة التي يقومون بها. كما احتلّت الصلاة في حياة الرعية، منذ نشأتها إلى اليوم مكان القلب من الجسم.

أخيراً، وليس آخراً، إن أسرة الرعية الجامعية هي أسرة من الشباب العربي المسيحي المثقّف، ما شاءت لنفسها الانعزال الطبقي ولا الديني بل الانفتاح الكامل على يسوع المسيح، لتجسده اليوم وكل يوم على أرضها العربية بالذات، صلاةً منفتحة، وعملاً مسؤولاً، ومحبة مجردة، ومشاركة إنسانية».


3) تأسيسه لجوقة الفرح



السيدة الأولى أسماء الأسد تكرم جوقة الفرح بحضور الأب الياس زحلاوي

تمثل جوقة الفرح ذروة أعمال الأب زحلاوي مع الشبيبة، وفي الحقيقة إنها تجاوزت هذه المرة حدود الشبيبة لتطال الإنسان بكل أبعاده، من الطفولة حتى الكهولة.

جمَعَت جوقة الفرح كل الأعمار، ومثَّلَت لقاء الكنيسة بالوطن، ولقاء الوطن بالكنيسة، وحقَّقَت أجمل نموذج للحوار بين الأديان، واللقاء المسيحي الإسلامي، وذلك على أرض الواقع بعيداً عن الشعارات والحَمَلات المغرِضَة من هذا الحوار، وبعيداً عن ابتزاز الآخر لربح مواقف موافِقَة للدعاية الغربية المبطّنَة بغايات توسّعية ومصالح اقتصادية وسياسية..الخ.

شكَّلَت العلاقة الأخوية التي ربَطَت كلاً من الأب زحلاوي ومؤسِّس رابطة منشدي الجامع الأموي المرحوم حمزة شكور، نموذجاً للعلاقة المتكاملة بين المسيحي والمسلم على هذه الأرض الطيبة التي تجمعنا فيما هو أبعد من اختلافاتنا.

تم تأسيس جوقة الفرح عام 1977 في كنيسة سيدة دمشق، ويقول الأب زحلاوي في هذا الصدد: «أنا كاهن ينتمي إلى كنيسة تستدعي طقوسها وجود جوقة، إلا أن جوقات الكنائس كلها كانت دائماً تقصر الترنيم على خدمة الطقوس داخل جدران الكنيسة، من هنا انطلقت لإيجاد جوقة، وشئت لها أن تحيي الطقوس بأعلى قدر من الإمكان، كما شئت لها أن تخرج من جدران الكنيسة، لتصوغ لغة ترنيم جديدة يلتقي فيها كل مؤمن بالله، بل حتى غير المؤمن، في ما يحرك فيه توجهاً روحياً سليماً نحو الله، لم يحدث ذلك دون مقاومة وأحياناً من بعض عناصر الفرقة نفسها، إلا أن مسيرة الجوقة تواصلَت واتّسعَت واغتنَت بحضور فنانيْن عظيمين مثل وديع الصافي، وكان الفضل في ذلك للسيدة العذراء في الصوفانية، وزكي ناصيف، فله حضور سخي متواضع، محب متجرد، كما اغتنت بأفرادها ولاسيما القادة الفنيون منهم، الذين أبوا إلا أن ينهلوا من العلم الموسيقي والعزف ما يمكنهم من أداء الرسالة على أكمل وجه. هكذا أنشأتُ الجوقة، وشئت لها منذ لحظة تأسيسها أن تكون حامِلَةً لرسالة دينية قومية وحضارية عبر العالَم، وعلى الرغم من مجانية عملنا فيها، وجدنا من أصدقائنا المسيحيين والمسلمين من غطّى نفقات رحلات ثلاث مكلفة جداً، اثنتان منها إلى أوروبا وواحِدَة إلى أستراليا، حملنا فيها لا سورية وحدها، بل العالَم العَرَبي كله».

نبذة عن جوقة الفرح


- جوقة الفرح هي جوقة كنيسة سيدة دمشق في دمشق.
- بدأت الجوقة عام 1977 بخمسة وخمسين طفلاً من كلا الجنسين ومن جميع الطوائف المسيحية.
- كانت خدمتها الأولى ليلة عيد الميلاد من نفس العام.
- انتسب للجوقة عدد جديد من الأطفال والشبان والشابات، وهي تعدّ اليوم حوالي 500 منشد تتراوح أعمارهم بين 7 سنوات و75 سنة.
- تضم الجوقة حالياً خمس جوقات يشرف عليها فنياً وإدارياً شبان وشابات من الجوقة ذاتها، وهي:
- الجوقة الأولى (التحضيرية): وتضم أطفالاً من الصفوف الابتدائية الثاني والثالث والرابع.
- الجوقة الثانية (الابتدائية والإعدادية): وتضم من الصفوف الابتدائية الخامس والسادس والصفوف الإعدادية.
- الجوقة الثالثة (الثانوية): تضم شباناً وشابات من الصفوف الثانوية.
- الجوقة الرابعة (الجامعية): تضم شباناً وشابات جامعيين.
- الجوقة الخامسة (الكبرى): تضم الخريجين وبعض السيدات والرجال.
وتدير الجوقة لجنة تسمى اللجنة العليا التي تخطط لنشاط الجوقة وتشرف عليه وتقيِّمه، تضمّ الأب المؤسّس والمسؤولين الإداريين والفنيين عن كل جوقة، إضافة لمسؤول مالي وعضوين منتخبين، كما أن العمل في الجوقة طوعي ومجاني.


نشاطات أخرى شغِلَها الأب زحلاوي


الأب زحلاوي عضو في اتحاد الكتاب العرب منذ العام 1973، وهو عضو أيضاً في جمعية المسرح، وقد اختير عضواً في اللجنة الشعبية لدعم الانتفاضة منذ تأسيسها في شهر أيار 2001، وكتب في شؤون كثيرة، أهمها الشأن الفلسطيني.



رحلاته



الأب الياس زحلاوي مع جوقة الفرح في الولايات المتحدة الأمريكية

1) رحلته الأولى كانت إلى القدس، وكان يومها في الثانية عشرة من عمره، ومن يومها سكنَت القدس وأهلها في قلب الأب زحلاوي.
2) سافر إلى فرنسا حيث أمضى عاماً زاخراً بالاكتشافات الروحية والثقافية والإنسانية وعاد إليها بقصد العلاج بعد إصابته في حباله الصوتية.
3) في عام 1969-1970 أمضى ثلاثة أشهر مع البطريرك مكسيموس الخامس حكيم، بصفته أمين سره، في الأرجنتين والبرازيل وفنزويلا والولايات المتحدة.
4) شارك في الندوة العالمية الثانية للمسيحيين من أجل فلسطين التي عُقِدَت في كانتربري ببريطانيا.
5) سافر كثيراً ما بين عامي 1970 و1986 إلى فرنسا وألمانيا وكندا ليتفقد أحوال الطلاب الجامعيين الذين كان يهتم بأمورهم الروحية والنفسية والثقافية والدراسية في دمشق، والذين سافروا بقصد التخصص.
6) دُعِيَ مراراً لزيارات في أوروبا وكندا وأميركا وأستراليا وروسيا من أجل إطلاع الناس على ظاهرة دينية خارقة بدأت من دمشق في أواخر تشرين الثاني من عام 1982، وقد عُرِفَت باسم ظاهرة الصوفانية نسبة إلى اسم الحارة التي تجلّت فيها أحداث هذه الظاهرة الروحية.
7) ثمة رحلات قام بها مع جوقة الفرح إلى لبنان أولاً لإقامة حفلات مع الفنان الكبير وديع الصافي والأستاذ الكبير زكي ناصيف منذ عام 1992، ثم إلى الأردن، ثم إلى فرنسا وهولندا وألمانيا وبلجيكا.



تكريمه



السيدة الأولى أسماء الأسد تكرم الأب الياس زحلاوي

أقيم حفل التكريم والشكر الذي كرمته به السيدة الأولى أسماء الأسد نيابة عن كل السوريين في قصر الشعب بدمشق يوم الإثنين الواقع في 6 تموز 2009، وجاء التكريم لجوقة الفرح الدمشقية ولمؤسسها وزارع غرستها الأب زحلاوي، وأعلنت السيدة الأولى في تكريمها للأب المؤسِّس كلمة كانت بمثابة وسام له، والكلمة كانت «فخر بلدي».



أعماله


أولاً – باللغة العربية:
1) عرب مسيحيون أو مولد إيمان، مطبعة الأديب، دمشق، 1969.
2) حول الإنجيل وإنجيل برنابا، المطبعة البولسية، لبنان، 1971.
3) المدينة المصلوبة (مسرحية)، منشورات وزارة الثقافة، 1973.
4) الطريق إلى كوجو (مسرحية)، منشورات اتحاد الكتاب العرب، 1976.
5) المجتمع والعنف (مترجم)، منشورات وزارة الثقافة، 1976.
6) مجد الله هو الإنسان الحي، بالتعاون مع أفراد أسرة الرعية الجامعية، دمشق، 1977.
7) يقينان وسؤالان، منشورات جيش التحرير الفلسطيني، 1979.
8) تاريخ المسرح في خمسة أجزاء (مترجم)، منشورات وزارة الثقافة، 1981.
9) فكر هيجل السياسي (مترجم)، منشورات وزارة الثقافة، 1981.
10) وجبة الأباطرة (مسرحية)، منشورات اتحاد الكتاب العرب، 1985.
11) شهود يهوه، من أين وإلى أين؟ مطبعة دار العلم، دمشق، 1991.
12) الصوفانية (1982–1990)، مطبعة الحرية (لبنان)، 1991.
13) اذكروا الله (ترجمه عن الفرنسية أديب مصلح)، الطبعة البولسية، 1995.
14) سيدة الصوفانية، القاهرة، 1997.
15) ومن الكلمات بعضها، المطبعة البولسية، 1997.
16) من أجل فلسطين، دار عطية، بيروت، 2004.
17) هروبي الأخير مع يسوع المسيح (مترجم عن الفرنسية)، المطبعة البولسية، 2004.
18) أمن أجل فلسطين وحدها؟ منشورات مركز الغد العربي للدراسات، 2006.
19) الصوفانية خلال 25 عاماً (ثلاثة مجلدات)، دار المجد للطباعة والنشر، 2009.

من أعمال الأب الياس زحلاوي

ثانياً – باللغة الفرنسية:
1- Soufanieh
Chronique des apparitions et manifestations de Jésus et de Marie à Damas (1982-1990) Editions François – Xavier de Guibert. 1991. Paris.
2- Souvenez-vous de Dieu
Messages de Jésus et de Marie à Soufanieh.
Damas (1982-1990) Editions François-Xavier de Guibert. 1991. Paris.


شخصيته


أ‌) إن تأثير الأب زحلاوي وحضوره كبيران وسط العائلات المسيحية والمجتمع الدمشقي برمته، إنه فاعِلٌ وحاضِرٌ على عدة مستويات في آن معاً، فعايش صعوبات الآخرين من الفقراء إلى الأغنياء، وحاول دائماً أن يضع حلاً أو علاجاً للصعوبات المختلفة، فكان حضوره أشبه بنغمات موسيقى المحبة التي تجسّدَت فعلاً فيما بعد في جوقة هائلة تدعى جوقة الفرح.

ب‌) تشير السيدة كلوديا توما نخلة قائدة جوقة الأطفال إلى أن فهم الأب زحلاوي للإنجيل ضمن واقعنا المتجدد كل يوم، وضمن التحديات التي تفرضها تغيرات الحياة اليومية، جعله يعمل على إزالة الهوة بين مثالية الإنجيل وازدواجية الواقع المعاش التي يفرضها علينا، وذلك من خلال ربطه ما بين الجانب الكهنوتي والحياتي من جهة وعيشه ما كان يقوله من جهة أخرى.

جـ‌) كانت نظرته للمادة وتعاطفه مع الفقراء يتضافر مع نظرته أو مفهومه حول التعامل مع الصعوبة المادية كما عبَّرَت السيدة كلوديا توما نخلة، فقالت: «الأب زحلاوي يحيا ما يقول، وفي مستوى المادة كان يحيا هذه العبارة، تخلّ عن الشيء، يسعَ الشيء إليك».

وعلى هذا النحو، اعتبر الأب زحلاوي المادة وسيلة لتحقيق مشاريع إنسانية لا لإنشاء معامل للأسلحة، ومحاولة استعباد البشر واستغلالهم، فالمال ليس غاية في حد ذاته يلهث الإنسان وراء تملكه، فيتملّكه المال ويحرّكه كالدمية بين يديه.



منظوره للكنيسة



من أرشيف الأب الياس زحلاوي

يقول الأب زحلاوي في هذا الصدد: «تعليم يسوع معلمي أكثر من واضح عندما قال وفعل: "أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله". وطالما كانت الكنيسة بعيدة حتى مطلع القرن الرابع عن مغازلة السلطة الزمنية، كانت بخير ومنطلِقَة على الرغم من كل ما نزل بها من اضطهادات. ولكن ما أن استسلمَت مع الإمبراطور قسطنطين لإغراء السلطة الزمنية حتى غرقت في مستنقعاتها بدل أن تعينها على الخروج منها بل أخذت تنافسها زمناً طويلاً، زمن الإمبراطورية البيزنطية وعلى امتداد تاريخ الغرب حتى الثورة الفرنسية عام 1789، وما جلب ذلك على الكنيسة كمؤسسة، وعلى المسيحية كدين وعلى البشرية كلها، كان بصريح العبارة كارثة يتعذر حتى اليوم التخلص من تداعياتها الكثيرة والمؤسفة».



عرّاب الصوفانية


لعمري أنه لقَبٌ لا غنى عنه للأب الياس زحلاوي، كأن من خلال حياكة نسيج الكون من الزمان والمكان، قد تمّ اختيار هذا الإنسان لكي يكون أول الشاهدين للظاهرة، ثم يتابع أدق تفاصيلها بالتاريخ لا بل بالساعات والدقائق، ويرافقها خطوة خطوة، لينقل بأمانة لا توصَف كل ما يرى أمامه، وما يحدث، حتى أنه بذل من دم قلبه لينقل أمانته بوصفه لمجريات الأحداث، لا بل حتى عندما يكون غائباً، عما يجري أو يحدث، لقد كانت ظاهرة من أعظم الظواهر التي عايشتها الكنيسة، بعد ظهور سيدة لورد الذي هزّ العالَمَ آنذاك.



الأب الياس زحلاوي مع عائلته

والآن، فلنعد إلى قصة سيدة الصوفانية وعرّابها الجليل، فحسب تسلسل الأحداث كما ذكرت: أولاً أعطت الأيقونة أولى إشاراتها من خلال قطرات الزيت، ثانياً بدأت ميرنا تظهر كوسيطة للأم المباركة، وهي نفسها بدأت يداها تنضحان بالزيت، ثم جسدها كله!! وثالثاً كان الظهور الأول وها أنذا أنقل بالحرف ما حصل في أول ظهور ينقله لنا عرّاب الصوفانية مساء 15 كانون الأول 1982.

قالت ميرنا: «ربما لاحظتَ أني كنتُ مضطربة أثناء الصلاة. سألتُ غادة أن تمسك بيدي لأني كنت أحس أن يداً قوية تدفعني من ظهري للخروج إلى السطح وكنت خائفة. فجأة تركتُ يد غادة وخرجت مسرعة، وصعدت إلى السطح، وكأن قوة تحملني، في حين أني أخاف حتى في النهار من الصعود إلى السطح بسبب السلّم، ووجدتني أركع على السطح وأنا أرتجف، ورأسي إلى الأرض. ولما رفعتُ رأسي رأيتُ العذراء واقفة أمامي، وهي تتوهّج كأنها مغطاة بالألماس والجواهر... الخ».

بعدها، يحدّثنا عرّاب الصوفانية عن شفاءات لا تعد ولا تُحصَى، شفاءات ومعجزات يقشعر لها البدن. إذن، ثمة معجزة خارقة في الأمر.


الأب الياس زحلاوي مع أفراد من عائلته

ومما قالته العذراء في أول رسالة لها: «افعلوا الخير لفاعلي الشر، ولا تقاوموا أحداً بالسوء».


الأب الياس زحلاوي مع والدته وأخوته
في منزل العائلة

وبعد نشر كتاب «الصوفانية» (1982 – 1990)، من تحرير الأب الياس زحلاوي، وتأملات الفيلسوف المرحوم أنطون المقدسي، قام الأب الياس زحلاوي بإصدار ثلاثة مجلدات بعنوان «الصوفانية خلال خمسة وعشرين عاماً (1982 – 2007)». المجلد الأول أتى فيه على توثيق الظاهرة بتفاصيلها ودقائق أمورها، والمجلد الثاني والثالث هما توثيقيان وشهادات شخصيات كبيرة سواءً على مستوى الدولة أو مستوى الثقافة والأدب والعلم وحتى الفن، وكذلك توثيق مواقف وشهادات رجال الدين من أساقفة ومطارنة وشخصيات من السفارة البابوية وكذلك شهادات الأطباء، تتعلق بعدد كبير من معجزات الشفاء التي يعجز الطب في تفسيرها، وكذلك مواقف بابوات ورؤساء الأديار وما ذكرته الصحافة والإعلام حول الظاهرة، عدا توثيقه لرحلاته التي لا تعد ولا تحصى إلى أرجاء المعمورة ناشراً رسالة الصوفانية في الوحدة والإيمان والمحبة والرجاء.

ومن الجدير ذكره أن ما قام به الأب زحلاوي كان عملاً جباراً على مدى سنين طويلة من عمره وجهده وصحته وبمجانية لا تعرف إلا العطاء.




من كتاباته



رسالةٌ مفتوحة من كاهن عربي إلى قداسة البابا بيندكتوس السادس عشر


أبتِ صاحب القداسة


الأب الياس زحلاوي

في هذه الظروف الدقيقة، التي يمرّ بها العالم عامةً، وشرقنا خاصةً، أودّ أن أبثّك بعض ما في قلبي، بوصفي كاهناً عربياً كاثوليكياً من سورية. وأنا أفعل ذلك، بشأن الدعوة التي وجّهتَها منذ أشهر قليلة، لمسؤولي الكنائس الشرقية الكاثوليكية، لعقد اجتماع في روما، يعدّ لمؤتمر يُعقد فيها أيضاً في تشرين الأول القادم، ويتناول أوضاع المسيحيين العرب وغير العرب في الشرق كله.

ثمة نقاط ثلاث أريد التحدث بها معك، حديث ابن مع أبيه.

النقطة الأولى: بشأن الدعوة لمثل هذا المؤتمر.

ثقتي تامة بأن جميع الذين لبّوا الدعوة، أشادوا بهذه المبادرة.
ولكن هل قال لك أحدهم أنها جاءت متأخرة جداً؟

ثقتي تامة أيضاً بأن الأوراق التي وُضعت بين أيديهم، أثارت «إعجابهم».
ولكن هل قال لك أحدهم أنها قد لا تعكس من واقع الشرق، الماضي والحالي، إلا ما يراه الغرب، وما يريد الغرب لسائر سكان الأرض أن يروه، شاؤوا أم أبوا؟

ثقتي تامة أيضاً بأن للفاتيكان خبراء «مختصين»، وسفراء في الشرق، يحاولون أن ينقلوا بأمانة ما يجري فيه.
ولكن هل قال لك أحد المجتمعين أن هؤلاء «الخبراء» والسفراء، لا يرون في الغالب، إلا ما يتيح لهم المسؤولون في كنائس الشرق أن يروا؟ أو ما «تسمح» لهم حدود مسؤوليتهم أن يروا؟

أخيراً، وليس آخراً، ثقتي تامة أيضاً بأن المجتمعين اكتشفوا ثغرات خطيرة في ما قُدّم لهم من أوراق «هامة».
ولكن هل قال لك أحدهم، إما لك شخصياً، وإما علناً خلال الاجتماعات، أن هناك ثغرات يجهلها أو - ولِمَ لا؟ - «يتجاهلها» الفاتيكان و«خبراؤه»، على كثرتهم أو قلّتهم الغربية، في غياب أو ندرة الخبراء الشرقيين أو العرب؟

النقطة الثانية: هي بشأن المدعوين إلى الندوة السابقة والمؤتمر القادم.

لقد عُرف أن المدعوين هم السادة البطاركة والأساقفة والرؤساء العامون لمختلف الرهبانيات.
وإني لأسأل: هل أنت شخصياً مقتنع كل الاقتناع بأن هؤلاء المدعوين يمثلون حقاً المسيحية الشرقية، في ما لها وما عليها، لاسيما في مثل هذه الظروف الخطيرة، بل المصيرية؟

فأنا أخشى أن تكون الكثرة فيهم خارج ما يتوقع منهم الشرق كله، بشقيه المسيحي والمسلم على السواء، من مواقف وتصريحات مكلفة، تعلّموا بحكم مناصبهم ومنظورهم الخاص، أن يتحاشوها أو يلطفوها بما يلغيها، لأسباب معنوية ومادية، لم تعد تخفى على أحد.

قلت أن هذا المؤتمر جاء متأخراً، بل متأخراً جداً. إلا أني أخشى ما أخشى، أن يطلع هذا المؤتمر على العالم بمقدّمات رنّانة، وأمنيات وقرارات لا تقدّم ولا تؤخّر، بل قد تؤخّر كثيراً، لأنها تكون قد أضافت خيبات جديدة وثقيلة، فوق ما يرهق الشرق من أثقال تاريخية مضنية، وسياسات غربية ظالمة، وتخبطات داخلية مربكة، وأحياناً مخزية.

لذا، رأيت أن أقترح توسيع الدعوات الصادرة عن الكرسي الرسولي، بحيث تطال أصواتاً جريئة وفاعلة، من مختلف الأوساط المسيحية أولاً، بشقيها الكاثوليكي والأرثوذكسي، من كهنة وعلمانيين على السواء، ومن مختلف الأوساط الإسلامية ثانياً. ولأن غالبية سكان الشرق من المسلمين، يُفترض في ما سيقال في هذا المؤتمر، ويصدر عنه، أن يعنيهم كما يعني المسيحيين سواء بسواء.

النقطة الثالثة: هي مدى مسؤولية كنائس الغرب، وعلى رأسها الفاتيكان، إزاء ما يحدث في العالم عامة، وفي الشرق العربي وغير العربي خاصة.

سؤالي الأول هو: هل تراني أجانب الحقيقة إن قلت أن كل ما يحدث في العالم عامة، وفي الشرق خاصة، هو من صنع بلدان الغرب، وأعني بها دون مواربة الولايات المتحدة الأميركية، وأوروبا الغربية وروسيا وكندا وأستراليا، هذه البلدان التي تستأثر بغنى الأرض كلها، وتملك وحدها القوة الضاربة الكبرى فيها حتى الآن؟

سؤالي الثاني هو: هل تراني أجانب الحقيقة إن قلت أن معظم ما يجري، أولاً داخل العالمين العربي والإسلامي، وثانياً في البقع الإسلامية المنتشرة على امتداد العالم، ليس سوى ردود أفعال على مظالم الغرب، وهي ردود أفعال بدأت واستمرت في معظم الحالات، غوغائية، دموية وعفوية، ثم انتظم بعضها في نمطين من الحركات المسلحة، الأول كان المقاومة المشروعة في فلسطين المحتلة. وتلك هي حال المنظمات الفلسطينية التي وصفت ظلماً، من قبل الاتحاد الأوروبي في أيلول 2002، بالحركات الإرهابية، والثاني كان المقاومة الأصولية، أولاً ضد الطغيان السوفييتي في أفغانستان، ثم ضد الطغيان الأميركي في أفغانستان عينها، وفي العراق وباكستان. وتلك هي حال حركتي طالبان والقاعدة. ولكن هل من يجهل أن هاتين الحركتين هما أصلاً من صنع الولايات المتحدة؟

أما ما يجري في قلب العالم العربي، في فلسطين تحديداً، فلسطين التي لم تعودوا تسمّونها في كنائس الغرب إلا «الأرض المقدسة»، فليس سوى حروب ظالمة، واحتلال يستبيح كل شيء: القتل والسجن والتعذيب والحصار والتشريد حيال الشعب الفلسطيني برمته، بمسيحيّيه ومسلميه. وكل ذلك يتم تحت سمع العالم وبصره، وبدعم مطلق من الغرب، جعل السيدة كلينتون تقول: «إن ضرب إسرائيل يوازي ضرب مدينة مثل سان دييغو في الولايات المتحدة الأميركية»، وجعل السيدة ميركل، مستشارة ألمانيا، تقول أيضاً دون خجل: «إن ضرب تل أبيب هو كضرب ألمانيا بالذات!».

فأين ما حلّ ويحلّ بالشعب الفلسطيني، منذ أكثر من ستين عاماً، على يد الاحتلال الإسرائيلي، من الحقوق الإنسانية المعلنة في شرعية حقوق الإنسان، ومن جميع المعاهدات الدولية، لاسيما معاهدات جنيف، ومن مئات القرارات الصادرة بحق إسرائيل من الأمم المتحدة ومن مجلس أمنها التعيس؟ وهل بات الغرب كله عبداً للصهيونية، حتى ينتهج مثل هذه الازدواجية الفاجرة في تعامل الغرب مع إسرائيل من جهة، ومع غالبية شعوب الأرض، وهي الشعوب الضعيفة والمستضعفة، من جهة ثانية؟

كل ذلك وكنائس الغرب كلها صامتة. أجل كلها، بدءاً من حاضرة الفاتيكان، قد صمتت بعد رحيل البابا يوحنا بولس الثاني، باستثناء كاردينال بوسطن الشجاع، برنار لو.

فأنا أقرأ منذ سنوات صحيفة الفاتيكان الرسمية، المسماة «المراقب الروماني»، بتمعن وانتظام. وقد تبين لي منذ اعتلائك الكرسي الرسولي، أن اللغة فيها قد تسطّحت وتحيّدت، في نطاق كل ما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي، وفي نطاق ما يحدث من مآسي الحروب والجوع والأمراض والفقر والاستغلال والتزوير والنهب المنظم، وهي مآسٍ يتفاقم اجتياحها الوحشي للعالم، يوماً بعد يوم!

وقد تجلى لي كل ذلك، على نحو محزن، إبان زيارتك الشخصية لفلسطين المحتلة. فقد كنت أتوقع منك كلمات توازي شجاعة وصدقاً، الكلمات التي نطق بها سلفك البابا يوحنا بولس الثاني، لحظة وطئت قدماه أرض سورية عام 2001، إذ طالب بتطبيق قرارات الأمم المتحدة من أجل حل عادل وشامل للصراع العربي الإسرائيلي!

كما كنت أتوقع منك أيضاً كلمات تعاطف، جريئة وقوية، مع الشعب الفلسطيني، الذي تخضعه الصهيونية منذ أكثر من ستين عاماً، لمحرقة فظيعة، تتواصل دون هوادة، بدعم مطلق من الغرب، كلمات توازي، ولو قليلاً، بعض ما كنت عبّرت عنه من تعاطف جارف مع الشعب اليهودي، مثلاً إبان لقائك ببعض زعمائه الأميركيين، خلال زيارتك للولايات المتحدة الأميركية، بتاريخ 12/2/2009، وكذلك إبان زيارة كبار حاخامات إسرائيل لك في حاضرة الفاتيكان بتاريخ 12/3/2009! أما ما ورد على لسانك يوم الأربعاء 27/1/2010، في يوم ذكرى «المحرقة»، وقد ذكرَته صحيفة الفاتيكان الرسمية (المراقب الروماني، ص 2)، فإنه يوحي بأن ما يجري كل يوم، في ما تبقّى من فلسطين (الضفة الغربية وغزة) منذ أكثر من ستين عاماً، غائب كلياً عن ذاكرتك!

ويؤسفني أن أضيف أن صمت كنائس الغرب هذا، قد تجلى أيضاً من خلال كلمات بائسة كتبها عدد من الأساقفة الكاثوليك، من فرنسا وألمانيا وكندا، إثر زيارات لهم إلى «الأرض المقدسة»، إذ ساووا فيها بين الضحية العربية والجلاد الإسرائيلي. كما أنهم أبدوا فيها انزعاجهم «الكبير»، «للآلام» التي تحل بكلا الشعبين. وكانوا دائماً يختمون هذه الكلمات بدعوة مواطنيهم إلى رفع صلاة من أجل «السلام»، وتقديم المساعدات المالية «للأرض المقدسة»!

لكأني بهم فقدوا العيون، فلم يعودوا يبصرون، وغيّبوا العقول، فلم يعودوا يعرفون من تاريخ فلسطين، وهي وطن يسوع، لا قديمه ولا حديثه، ولا يدركون ما يحلّ بهذا الوطن من تغيير جذري لمعالمه التاريخية، وما يحلّ بسكانه الأصليين، مسيحيين ومسلمين، من قتل وتهجير وإبادة!


من أرشيف الأب الياس زحلاوي

أبتِ صاحب القداسة،

لي أخيراً ستة أسئلة، أرى لزاماً علي أن أطرحها عليك، في ختام رسالتي هذه:
السؤال الأول: هل اللاسامية التي مارسها الغرب، كنيسةً وسلطةً وشعباً، طوال مئات السنوات، حيال اليهود، تبرّر اليوم إراقة دماء شعوب الشرق العربي وغير العربي، بدءاً من الشعب الفلسطيني، كرمى لعيون الشعب اليهودي «المسكين»؟ وهل هي تبرر صمت جميع كنائس الغرب، إزاء هذه المظالم، فيما هذه الكنائس لا تني تطلب الغفران عن خطيئة اللاسامية، التي ارتكبتها وحدها، دون العرب والمسلمين؟

السؤال الثاني: ألا يبدو جلياً لكم في الغرب كله، أن موقف الغرب وكنائس الغرب هذا، سينجم عنه لا محالة، شران فظيعان، لا أرى مغفرةً ممكنةً لهما:
الشر الأول هو تحويل الشعب اليهودي برمته إلى مجموعة من القتلة؟
الشر الثاني هو تفريغ الشرق كله، عاجلاً أو آجلاً، من مسيحيّيه الأصليين؟

السؤال الثالث: ألا ترى معي تشابهاً مرعباً ومخجلاً، بين ما تفعله اليوم قوى الغرب كله على نطاق العالم عامة، والعالم العربي والإسلامي خاصة، وما فعلته القوى الأوربية التي فتحت القارة الأميركية، بدءاً من أواخر القرن الخامس عشر، من إبادة وحشية ومنتظمة لِما لا يقلّ عن أربعين مليون إنسان من السكان الأصليين، كما يقدّر ذلك الباحثون الغربيون أنفسهم؟

السؤال الرابع: إزاء كل هذه الجرائم ضد الإنسانية، هل يكفي الغرب أن يأتي بابا جديد، بعد أربعمئة عام، يستغفر الشعوب، كما استغفرها البابا الشجاع يوحنا بولس الثاني، خلال زياراته الخارقة للعالم، كي نقول أن الكنيسة فعلت ما كان يتوجب عليها فعله؟!

السؤال الخامس: ألا يجب على كنائس الغرب، اليوم قبل الغد، أن تخرج من سجن صمتها، وتقول كلمة الإنجيل، تدافع بها عن المظلومين والفقراء والجياع والمرضى والأسرى، الذين تماهى يسوع بكل حب معهم، والذين لم يعودوا أفراداً كما جاء في إنجيل القديس متى، بل باتوا شعوباً يغطون المساحة العظمى من الأرض؟ وقد يسمعها، فتحرر بعضهم، أولئك «الأثرياء» و«المتجبّرون» الغربيون، سواء منهم من تحرروا كلياً من الله، أو من استغلوه كما يحدث في الولايات المتحدة، ليجهزوا باسمه على المسيحيين والمسلمين في الشرق كله، ويؤلّبوا الشعوب على بعضها البعض، في حروب طائفية وإثنية، تنتشر يوماً بعد يوم، ولن ترحم أحداً؟

السؤال السادس: وهو سؤال أسمعك تطرحه علي، كما طرحه عليّ الكثيرون من أساقفة الغرب وكهنته: و«هل من يسمع؟». وهنا بدوري أقول لك ولكل الكنيسة في الغرب: لستم خيراً من يسوع. «أتى إلى خاصته، وخاصته لم تقبله»، ومع ذلك فقد تكلم، وما قاله يسوع، لم يقله ولن يقوله أحد!

والآن هل من شيء أضيفه؟
أجل. شيء أخير.

أبتِ صاحب القداسة، أرجوك، أنا ابنك الكاهن العربي الكاثوليكي من سورية، أرجوك بكل محبة وإلحاح، أن تبادر أيضاً إلى دعوة صفوة صادقة من المسؤولين في كنائس الغرب، من رجال كنيسة وعلمانيين، كي يتدارسوا، في المؤتمر الذي دعوت إليه في تشرين الأول القادم، مع مسؤولي كنائس الشرق والملتزمين الصادقين فيه، من مسيحيين ومسلمين، مدى مسؤوليات الغرب، في ما يحدث اليوم، في الشرق وعلى نطاق العالم، لاتخاذ المواقف المطلوبة والصريحة، قبل فوات الأوان.

لقد فات من الوقت الكثير، والأيام حبلى بكوارث جديدة، لا يتمناها عاقل لأحد.

إن دنيا الله واسعة، سعة قلب الله، فعسى أن يتسع قلبك لكلامي.

أبتِ صاحب القداسة،
أسألك الدعاء من أجل جميع إخوتي في الشرق، من مسلمين ومسيحيين ويهود، وأهديك صادق محبتي واحترامي البنويين.

الأب الياس زحلاوي

دمشق في 7/2/2010




عندما يبلغ الصدق مداه

بقلم الأب الياس زحلاوي


الأب الياس زحلاوي في مكتبه

فاجأني صديق من كندا بما هبط عليه هبوط الصاعقة، فثمة أحداث تتفجر هناك، غضباً على إسرائيل، في أعقاب القرصنة التي أقدمت عليها ضد أسطول الحرية.

ووافاني في اليوم نفسه بنصين: أحدهما لكندي، والثاني لأوروبي، والاسمان معروفان.

عن الكندي، واسمه ستيفان جاندرون stephane Gendron أكتفي بنقل جملة واحدة من مقال له، نشرته صحيفة مونتريال اليومية، بتاريخ 1/6/2010، تحت عنوان: «أهلاً بك في كندا»، جاء فيه بالحرف الواحد: «إن كندا أصبحت، على وجه الدنيا، كلباً صغيراً لدولة إسرائيل الصهيونية!».

أما الكاتب الأوروبي، فهو فرنسي، ويدعى ميشيل كولون Michel collon، وهو معروف بكتابه «إسرائيل، فلنتحدث عنها!»، فقد وجه «نداء» عبر الإنترنت بتاريخ 31/5/2010، يسعدني أن أنقله بالحرف الواحد أيضاً، عسى أن يسمعه بعض الزعماء العرب فيخجلون، إن كان قد تبقى لديهم من مكان لخجل، يقول: «إسرائيل أصبحت فاشية، وعلينا أن نوقفها الآن! أين ستتوقف إسرائيل؟ فقط، حيث نرغمها على التوقف، فبعد أن ذبحت النساء والأطفال في غزة، وبعد أن قصفت المدارس والمشافي، وبعد أن أطلقت النار على سيارات الإسعاف، واستخدمت الأسلحة الكيماوية، فهي اليوم تذبح الناشطين الإنسانيين، من أوروبا والعالم.

ومرة أخرى، فإن التغطية الإعلامية تطفح بالكذب، فالإذاعة التي كنت أستمع إليها هذا الصباح، لم يُعطَ الكلام فيها للضحايا، بل للمعتدي وحده، الذي يطلع علينا بأكاذيبه المألوفة.

1- ادّعوا أن أسطول الحرية لم يخضع لأوامر الجيش الإسرائيلي، ولكن متى كان يتوجب الخضوع لأوامر غير مشروعة، تصدرها دولة تحتل أو تحاصر بصورة غير قانونية، أراضٍ ليس لها فيها أي حق؟
2- وادّعوا أن البواخر لم تكن تتمتع بحق نجدة سكان غزة، الخاضعين للتجويع والحرمان من الأدوية؟ ولكن الحصار الإسرائيلي يخرق القانون الدولي خرقاً تاماً.
3- وادّعوا أن الجنود الإسرائيليين تعرضوا للاعتداء، إن الأمر لواضح! فكيف لم يخطر ببال أحد؟ فإن الجرائم الإسرائيلية تقوم دائماً على حق الدفاع عن الذات!

جميع هذه الأكاذيب الإعلامية لا تهدف إلا إلى تطبيق "مبادئ دعاية الحرب"، كما بسطتها في كتابي "إسرائيل، فلنتحدث عنها!".

وأنا أجدني حالياً في فرنسا، في مدينة مونبلييه، لأنطلق منها في جولة حول هذا الموضوع، وفي كل مكان، وفي كل مساء، يواجهنا السؤال الملح إياه: ماذا يسعنا أن نفعل، نحن المواطنين العاديين، لنقاوم هذا الكذب الإعلامي، ونفتح عيون الناس من حولنا، ونضع حداً للمجازر؟

إنما الجواب بسيط: قبل كل شيء، اربحوا معركة الإعلام، بإحداث أكبر قدر من المناقشات من حولكم (في المؤسسات، والمدارس، والأحياء السكنية، ومع الأصدقاء).

إلا أن الأفضل من كل ذلك، هو أن تتسلحوا بالمعلومات الدقيقة، لتدحضوا جميع الأساطير والأكاذيب الإعلامية، بأسلوب ذكي وناجح، ولتلغوا أيضاً الأحكام المسبقة والمحرمات tabous، وتنشئوا حواراً حقيقياً، قائماً على الديمقراطية والمواطنة، وهذا ممكن، ففي أعقاب مناقشاتنا، وورشات العمل، قال لنا كثيرون إنهم استطاعوا أن يطلقوا النقاش ويفتحوا العيون.

هل الجرائم التي ترتكبها إسرائيل توحي بأنها لا تقاوم؟

على العكس، فإن إسرائيل تشعر يوماً بعد يوم أنها تنزلق إلى المزيد من الضعف، بل إن مؤيديها منقسمون فيما بينهم، وإن كانت هي، حتى اليوم، تفلت من العقاب، فإنما ذلك يعود إلى دعم الولايات المتحدة وأوروبا.

إذن، يتوجب علينا، نحن المواطنين الأوروبيين، أن نواجه مسؤولينا السياسيين المتواطئين معها، لنقل في كل مكان إن أوروبا هي التي رحّبت بإسرائيل بوصفها العضو الثامن والعشرين في واقع الحال.
لنقل في كل مكان أن ساركوزي تبجح بسعيه الشخصي لتحرير السجناء الفرنسيين المعتقلين خارج فرنسا، ولكنه لم يحرك إصبعه الصغير ليدافع عن صلاح حموري، الشاب الفرنسي الفلسطيني الأصل، المعتقل السياسي في إسرائيل!

لنقل في كل مكان إن أوروبا تساعد إسرائيل على استيراد منتوجاتها غير الشرعية! وإنه يحق لنا مقاطعتها، بخلاف ما تدعيه السيدة أليوت ماري، وزيرة الداخلية، التي تخرق القانون الدولي!

لنقل في كل مكان، إن أوروبا، إذ رفضت الاعتراف والتفاوض مع الحكومة التي انتخبها الفلسطينيون، قد أطلقت يد إسرائيل من أجل قصف غزة.

لنقل في كل مكان إن تجار الأسلحة الأوروبيين هم الذين يسلّحون إسرائيل بمساعدة ساركوزي وميركل وأضرابهما، وهذا يعني أن ساركوزي وميركل وأضرابهما، هم الذين يقصفون ويذبحون، عندما تقوم إسرائيل بالقصف والذبح.

فإن نحن شرحنا كل ذلك، بطريقة بسيطة وواقعية، تعتمد على الواقع وحسب، فإن الناس سيفهمون وسيمارسون الضغط كي يوضع حد لهذه الجرائم.

تلك هي مسؤوليتنا جميعاً.

سأقول لكم ذلك هذا المساء في مونبيلييه montpellier، ويوم الأربعاء في مولوز mulhouse، ويوم الخميس في بلفور belfort، ويوم الجمعة في بيزنسون besancon، ويوم الأحد في بروكسل bruxelles مع طارق رمضان وإيلان هاليفي اليهودي.

انشروا هذه المعلومات حولكم، خاطبوا رجال السياسة والإعلام، ولكن، قبل كل شيء، استنهضوا مَن حولكم ليجندوا أنفسهم منذ الآن، فيفضحوا الجرائم، ويقدموا الشروحات حول حقيقة تاريخ الاستعمار الإسرائيلي، وحول الأسباب الاقتصادية المخزية التي تؤسس دعم الولايات المتحدة وأوروبا لإسرائيل، ولكي تدحضوا الأساطير والأكاذيب الإعلامية التي تنشرها إسرائيل عبر الإعلام. سيتسنى لنا، بشيء من الضغط أن نفرض احترام القانون ووضع حد للجرائم.

1- على البلدان الأوروبية أن تطرد سفراء إسرائيل على الفور، وتعلّق جميع الاتفاقيات الاقتصادية والسياسية والعسكرية مع إسرائيل.
2- يجب أن تُقاطَع جميع المنتجات الإسرائيلية، طالما أن الحق لا يُصان.
3- على وسائل الإعلام أن تعطي الكلام للضحايا، وتباشر نقاشاً عمومياً حول جميع الأكاذيب الإعلامية التي تنشرها الدعاية الإسرائيلية».

هذا ما قاله وكتبه باحث فرنسي، في فرنسا الغارقة في الرعب الصهيوني!
لو كان للمثقفين العرب أن يملكوا بعضاً من هذا الصدق والفعالية!



الحوار الديني الإسلامي المسيحي


يؤسفني أن بعض من يحرّض ويدعو إلى الحوار الديني، غير معترف أصلاً بأواصر العلاقات الحقيقية والتاريخية بين المسيحيين والمسلمين، ولهؤلاء أقول: دعونا من هذه المصطلحات، فنحن نعيش على الأرض ذاتها، وندرس في المدارس نفسها من التعليم الابتدائي وحتى الجامعة، وفي حياتنا العامة معيشتنا مشتركة وأمورنا اليومية مشتركة، تجمعنا أكثر فعاليات الحياة من النقابات إلى الأعمال والمهن والروابط الأخرى، فلِمَ تريدون لنا أن نصطنع الحوار ونحن نسيج واحد موّحد، وحياتنا اليومية المشتركة والمتآلفة كالهواء أكبر من أي حوار، فدعونا من هذه «التفرقة» والتمييز ضد بعضنا.

أنا كفرد لي علاقات مع شيوخ ورجال دين مسلمين، وهم قريبون جداً إلى قلبي، منهم الراحل حمزة شكور، ومنهم أيضاً صديق توفي عام 1985 وهو مدير الإفتاء في وزارة الأوقاف وكان ابن المفتي السابق أبو اليسر عابدين، وقد توفي الابن الصديق بسرطان صاعق، والأهمية تكمن في تصرف زوجة السيد عزيز مدير الإفتاء بعد وفاته، التي قالت لي: «أبونا أنت الأقرب لعزيز لذا أرجو أن تكون ساعته لك تحملها معك، لأني لم أجد أقرب منك إلى عزيز». إذا كانت زوجة شيخ مسلم تقول لخوري لم أجد أقرب منك إلى زوجي يستحق ارتداء ساعته، فما يعني الحوار الديني المتزمت أمام هذا الحدث على سبيل المثال؟؟!!

هذا ما نعيشه في سورية، فلماذا يريدون منا أن نشارك أو ندعو إلى حوارات ومؤتمرات لا داعي أو مبرر لها في ظل حالة التواصل والتآلف والتراحم والاحترام، التي تميز المجتمع في سورية عن غيره من المجتمعات.





رسالة الأب الياس زحلاوي إلى القس الأمريكي الذي دعا لحرق القرآن الكريم

كتب الأب الياس زحلاوي:


الأب الياس زحلاوي

السيد القسيس تيري جونز المحترم
لقد قرأت دعوتك إلى إحراق القرآن الكريم على نطاق العالم يوم الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) القادم .

وقد جاء في نص هذه الدعوة أنك قسيس في إحدى كنائس فلوريدا بالولايات المتحدة الأمريكية.

تساءلت، وأنا كاهن عربي كاثوليكي من دمشق (سورية) ما عسى أن تكون غايتك من تلك الدعوة وأنت قسيس أمريكي؟؟؟

تساءلت؟؟ وأسألك: ما عملك بوصفك قسيسا؟؟؟

هل أنت قسيس مسيحي حقاً يخدم الله في إحدى كنائس أمريكا؟

أم أنك مواطن أمريكي وحسب يدّعي خدمة المسيح؟؟؟

هل تراك استسلمت لأمريكيتك بدل أن تستسلم لمسيحيتك؟؟؟

ما الذي تريده من دعوتك هذه؟؟

أن تؤجج مزيداً من الأحقاد بين الشعوب؟

وهل في ذلك ما ينسجم مع السيد المسيح الذي تمثله في نظر نفسك ونظر الكثيرين؟؟؟

قل لي هل في شخصية يسوع في كلامه في سلوكه في مواقفه كلها ما يبرر إن من قريب أو من بعيد مجرد التلميح إلى نفور ما أو حقد ما أو بغض ما بين الناس جميع الناس؟؟؟

أوَ نسيت أن يسوع كان في كليته محبة وغفران وسلاماً.

أوَ نسيت ما علّمنا يوم علّم تلاميذه والناس من بعدهم أن يقولوا للآب السماوي إله الجميع «واغفر لنا خطايانا كما نغفر نحن لمن أخطأ إلينا».

أوَ نسيت أو تناسيت أن يسوع عندما كان معلقاً على الصليب تنهال عليه الشتائم وكلمات الشماتة الدنيئة رفع صوته قائلاً: «يا أبتِ اغفر لهم لأنهم لا يدرون ما يعملون».

فمن تراك تمثّل؟ ومن تراك تريد أن تهدي بدعوتك تلك؟؟؟؟؟

أما كفاك ما جرى ويجري منذ 11 أيلول (سبتمبر) عام 2001، من قتل وتدمير وتشريد وتجويع لمئات الملايين من الناس في شتى أرجاء الأرض بدءاً من فلسطين وهي «وطن يسوع» على يد حكامك بالذات وعلى رأسهم جورج بوش الذي كان يدّعي الاتصال المباشر مع الله؟

ألا ترى معي أنك بدعوتك تلك برهنت على غربتك الحقيقية عن يسوع وعلى حاجتك الملحّة إلى إعادة اكتشافه من جديد كي تكون قسيساً مسيحياً حقاً يدعو مثل يسوع للمحبة الشاملة وللاحترام التام لكل إنسان وللالتزام الكامل بتعاليمه الرائعة التي تدعو جميع المؤمنين به دون استثناء إلى الوقوف دائماً في صف الفقراء والمظلومين والمحرومين؟؟

أخي القسيس تيري جونز..
هل لك أن تقول لي بكل صدق لو جاء يسوع اليوم في صف من تراه سيقف؟

أفي صف الأقوياء المتغطرسين الظالمين الذين يهيمنون على العالم وينهبون خيراته دون شبع ويستبيحون القوانين والمعاهدات الدولية كلها ويقتلون الناس في أوطانهم ويدمرون البيوت فوق أصحابها ويشردونهم في أرجاء الأرض؟؟؟

أم سيقف في صف هؤلاء المظلومين والمحرومين والجياع والمشردين؟؟

وهل تراك نسيت ما سيقول يسوع نفسه في يوم الدين لكل إنسان يمثل بين يديه: «كل ما فعلتم بأحد أخوتي هؤلاء الصغار بي أنا فعلتموه»؟؟؟

هل تراك نسيت أو تناسيت أن يسوع لم يشر في حديثه عن يوم الدين إلى انتماء أي إنسان لأي دين؟؟؟

إنما هو أشار فقط إلى انتماء كل إنسان إلى بني البشر جميعاً وإلى وقوفه مع المحرومين منه والمستضعفين والمظلومين في الأرض!!!

فما بالك أنت القسيس المسيحي الأمريكي تقف مع الظالمين في بلدك الذين امتد ظلمهم حتى شمل العالم؟؟؟؟

ألا تخشى المثول أمام يسوع في يوم الدين وأنت مثقل بما يثقل ضمائر حكامك الذين أعمتهم آلهة السلطة والمال والقوة والتخمة؟؟

أخي القسيس تيري..
هل تراني أظلمك إن رأيت أن نقمتك على الإسلام هي التي تبرر دعوتك المستهجنة تلك إلى إحراق كتاب المسلمين المقدس القرآن الكريم؟؟

ولكن دعني أسألك أنا الكاهن الكاثوليكي السوري ماذا تعرف عن الإسلام؟؟

يبدو لي أن في خلفية دعوتك لإحراق القرآن الكريم من الجهل بالمسيح والمسيحية ما يحملني على الاعتقاد بجهلك بالإسلام والمسلمين؟؟؟

صدقني ليس في نيتي أن أدينك وليس في نيتي البتة أن أدخل معك في أي سجال ديني سواء منه ما يتناول المسيحية أو الإسلام، إنما دعني أقترح عليك بعد أن صليت طويلاً عملاً مشتركاً نقوم به أنا وأنت معاً يوم الحادي عشر من أيلول القادم.

تسألني أي عمل وأنت في فلوريدا وأنا في دمشق؟

هو ذا العمل الذي أقترحه عليك..

إني أدعوك لزيارة سورية حيث ستكون في ضيافتي وفي ضيافة أصدقائي الكثيرين من مسلمين ومسيحيين.

فسورية بلد تدين غالبية سكانه بالإسلام والمسيحيون فيه أصلاء ويعيشون فيه جنباً إلى جنب مع المسلمين منذ قرون وقرون.

تعال ولا تخشى شيئاً.

تعال عساك تكتشف عن الإسلام والمسلمين ما يريحك ويفرحك ويفاجئك وما سيحملك حيث أنت اليوم في فلوريدا الجميلة على دعوة الناس الملحة إلى التعايش في احترام ومحبة وتعاون، جميع الناس في أمس الحاجة إليها بدل الدعوة «اللامسيحية إلى تأجيج الأحقاد والتناحر»؟؟

تعال إلى سورية فتدهش بطبيعة الناس وإلفتهم وإيمانهم وعلاقاتهم وتعاونهم وانفتاحهم الودود على كل غريب.

تعال إلى دمشق لأجعلك تعيش خبرة ما كانت لتخطر لا ببالك ولا ببال جميع كنائس الغرب وأساقفته وكهنته وقساوسته.

تعال لترى وتسمع جوقتين (مسيحية وإسلامية) تسبحّان معاً في الأعياد المسيحية والإسلامية الله الواحدـ الله الذي خلقنا كلنا والذي إليه مآلنا جميعاً.

أخي القسيس تيري..
أدعوك أخي وأنا جاد في تسميتك أخاً لي وفي دعوتي لك وإني لأنتظر منك كلمة لا غير.

وثق بأنك ستجد لك في دمشق أخاً بل إخوة كثيرين، فأخبرني ولا تتأخر إني على موعد معك في دمشق.

أسأل الله أن يجعل لقاءنا المرتجى هذا بداية لطريق طويل ومشوق نشقه معاً مع إخوة لنا كثيرين في دمشق والعالم، وما أحوج العالم اليوم إلى طرق مشرقة.

تعال فطريق دمشق في انتظارك.

المراجع


1) ومن الكلمات بعضها، تأليف: الأب الياس زحلاوي، المطبعة البولسية، 1997.
2) الصوفانية (1982–1990)، إعداد: الأب الياس زحلاوي، وتأملات أنطون المقدسي.
3) مدرسة الصلاة، المتروبوليت: أنطوان بلوم.
4) حوار الأب الياس زحلاوي أجراه موقع جهينة الإلكتروني.
5) مواقع إلكترونية.


إعداد: نبيل سلامة

اكتشف سورية

Share/Bookmark

صور الخبر

الأب الياس زحلاوي مع أفراد من عائلته

من أرشيف الأب الياس زحلاوي

الأب الياس زحلاوي مع والدته وإخوته في منزل العائلة

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق

حسان طه.... مؤلف موسيقي :

انا كتير فخور اني بعرف شخصية رائعة متل الأب الياس زحلاوي ..
اتمنى له دوام النشاط والعمل

محبتي الكبيرة



حسان طه
مؤلف موسيقي سوري

Switzerland

من أصدقاء جوقة الفرح:

ليس غريب على أرض سورية الطيبة أن تنبت زرعاً طيباً.. وهذا الرجل هو من هذه الأرض التي أعطت وتعطي وستعطي دائماً.. والشجرة الصالحة من ثمارها تعرفونها..
شكرا لكم على هذه اللفتة الرائعة بتخصيص هذه الزاوية الشهرية لهذا الرجل الرائع الذي لم يعرف للحدود معنى، فحدوده السماء ووطنه الإنسان وعشقه للأرض وقضيته هي العدل والحق.
وأنا أشكر حظي الجميل أني أعيش في زمن وفي حي من أحياء دمشق الحبيبة حيث يعيش فيها الياس زحلاوي الأب والأخ والصديق والمعلم

سورية

maha:

باركك الله أبونا الياس وخلاك بصحتك ....

أنت انسان رائع.............
أنت رمز المسيحية ....رمز الأنسانية.......

syria

الاعلامية ديمه داوودي:

كعادته دائما يحمل رساله الحب والسلام ويتميز بالعطاء الكامل .. الأب الياس صديق ذو روح سامية جميع مواقفه تدل على الفكر المنفتح والدفاع عن الحق لن اتكلم كثيرا عنه بل اتوجه بالشكر له ففي كل مرة قابلته به وجدت صفة جديدة لم انتبه لها من قبل ..ادام الله عليه الصحة واطال عمره وادامه لنا جميعا فهو كنز عربي حقيقي.. وشكرا للموقع على هذه المادة الرائعه..

دمشق