المدن الميتة: إصدار جديد للأوس للنشر

14 حزيران 2010

يقال أن تحت كل حجر في سورية قصة تتحدث عن تاريخ أو حدث موغل في قدمه، وكأن هذه الأرض قد جبلت على صناعة الحضارات منذ الأزل فتكاد لا تترك شبراً منها بدون أثر يدل على هذه العادة المحلية القديمة.

في هذا السياق أصدر دار الأوس للنشر مؤخراً كتاباً جديداً بعنوان «المدن الميتة» يتناول في سطوره منطقة أثرية ذات أهمية خاصة في سورية، فظروف هذا المكان سمحت لقرى بأكملها أن تبقى قائمة على سطح الأرض ولفترة تزيد عن ألف سنة، مما يعطي الدارسين والباحثين وهواة الجمال الأثري والمولعين بالاستكشاف والتنقيب مجالاً واسعاً لدراسة واحد من جوانب تاريخ سورية قبل ألف عام تقريباً، من مختلف النواحي المعمارية والدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بالاستناد إلى وثائق لا تزال ماثلة وشاهدة على ذلك النشاط الإنساني، رغم زوال مؤسسيها.

ومما جاء في مقدمة الكتاب: «تتمتع سورية بتلاقح حضاري امتزجت فيه الأصول المحلية بالوافد من الغرب والشرق، ومن الجنوب والشمال، وبشكل مستمر حتى أصبح ركيزة لفهم تاريخ المنطقة ومكوناً مهماً من مكونات إنتاجها الثقافي والفني والمعماري حتى الوقت الحاضر. ولعل واحدة من أكثر النماذج وضوحاً على هذا التلاقح الحضاري – وأقلها شهرة – هي المجموعة العمرانية الريفية في شمال سورية بين حلب وأنطاكية وحماة والتي أطلق عليها اسم المدن الميتة. وهي في الحقيقة ليست مدناً بل قرى، وليست ميتة تماماً وإن كانت قد قبعت منسية لقرون عدة قبل إعادة اكتشافها في القرن الثامن عشر».

وهكذا، فإن كتاب «المدن الميتة» لمؤلفه الدكتور ناصر الرباط – المؤرخ المعماري والباحث في معهد ماساشوتس للتكنولوجيا – يلقي الضوء بشكل مركز على هذا الموضوع العلمي، الثقافي، الاقتصادي، والإنساني في آن، والذي لم يلاقِ لحينه ما يستحق من اهتمام.

ينطلق بنا الدكتور الرباط في رحلة موجزة لطيفة حول عوالم المدن الميتة، مؤسساً لها من منطلق عملي يراعي الحاجات المعاصرة للمجتمع السوري، كمجتمع يمتلك نعمة لا تقدر بثمن، ألا وهي إرثه الحضاري والروحي والآثاري، ومن ضرورة أن يتمكن هذا المجتمع ومؤسساته المعنية (سياسية واقتصادية ومعرفية) من التعامل مع هذا الإرث بشكل يعود بالفائدة على سورية وشعبها، دون الإضرار بالنسيج المجتمعي والعمراني والطبيعي المحيط بهذه الآثار المدهشة.

وتتوالى فصول الرحلة في نسق مريح يضمنه المؤلف المعلومات الجغرافية والتاريخية والمعمارية والاجتماعية، وبداية قصة اكتشاف المدن الميتة وتطور المعرفة التاريخية والأثرية حولها، بالإضافة إلى موقع القرى المنسية اليوم من الواقع الآثاري في الجمهورية العربية السورية وآفاق تطوره، كمركز أثري هام يندر وجود شبيه له، سواء بالنسبة لتاريخه، أو لما يمكن أن يقدمه من معلومات حول فترة تاريخية لا تزال غير موثقة بشكل كافٍ، كل ذلك وفق تسلسل منطقي لا يشتت انتباه القارئ بكم من المعلومات غير الضرورية والتي تأخذه بعيداً عن جوهر الموضوع الأساسي، ويدل على ذلك عناوين فصول الكتاب التي هي على الشكل الآتي: 1- سورية: التراث الكلاسيكي والسياحة، 2- المدن الميتة في الأدبيات الحديثة، 3- المدن الميتة هي قرى منسية، 4- لمحة معمارية عن أهم القرى المنسية، 5- ازدهار وانحطاط القرى الميتة، 6- هوية القرى المنسية وإسقاطاتها الإيديولوجية، 7- استمرارية عمارة القرى المنسية في القرون الوسطى، 8- القرى المنسية اليوم.

مما لا شك فيه فإن قراءة هذا الكتاب ستستثير بالقارئ الرغبة في زيارة المدن الميتة، أو زيادة اطلاعه على هذه المنطقة الأثرية الهامة في بلدنا سورية، كجزء لا يتجزأ من تاريخ عريق، تظهر ملامحه الأثرية القدرة الخلاقة لدى سكان هذه البلاد على اجتراح معجزة الحضارة على الدوام.

الكتاب في 132 صفحة من القطع الصغير، بطباعة أنيقة، وهو مزدان بالأشكال والصور التوضيحية والفوتوغرافية الحديثة الملونة لمواقع المدن الميتة، بالإضافة إلى المراجع المعتمدة في الدراسة، مما يساعد القارئ على تلمس طريقة للبحث عما هو غير مذكور في هذا النص المكثف والغني.


محمد رفيق خضور

اكتشف سورية

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق