الدكتور ناصر الرباط في أربعاء تريم الثقافي

04 كانون الثاني 2011

صورة الشرق في الفن الاستشراقي

صورتنا في الفن الاستشراقي: واقع تاريخي أم استعلاء ثقافي؟
لمحة عن المحاضرة بقلم المحاضر الدكتور ناصر الرباط

يشهد ﺍلفن الاستشراقي إقبالاً شديدﺍً في العالم ﺍلعربي ﺍليوم. فاللوحات الاستشرﺍقية التي تعود بمعظمها للقرﻥ التاسع عشر وﺍلثلث ﺍلأﻭل من ﺍلقرﻥ ﺍلعشرين ﺃصبح لها مزاﺩﺍﺕ سنوية ناجحة ما دفع بأسعاﺭ ﺍلفن ﺍلاستشراقي ﺇلى مستوياﺕ لا تبرﺭها إطلاقاً قيمته ﺍلفنية.

ﻭمقتنو ﺍلفن ﺍلأثرياء في ﺍلعالم العربي يتهافتون على شراﺀ هذه ﺍللوحات ﻭتزيين ﺩﻭﺭهم بها على أساﺱ أنها تمثل تراثهم ﻭتاﺭيخهم بحساسية فنية ﻭبواقعية منقطعة النظير. ولا يقتصر الأمر على ﺍلأثرياﺀ فهناك ﺃيضاً ﺍنتشاﺭ ﺍستخدﺍم ﺍلمناظر ﺍلاستشراقية لتمثيل ملامح من تاﺭيخنا أو ترﺍثنا في ﺍلبحوث ﻭﺍلمقالات ﻭالكتب التي تعنى بالشأﻥ ﺍلترﺍثي في عالمنا ﺍلعربي ﺍلمعاصر، الأمر الذي يستوجب التعليق على هذﻩ الظاهرة على ﺃﻛثر من صعيد. فبالإضافة لعدم التوافق التاريخي بين تلك ﺍللوحات على اختلاف مداﺭسها الفنية وجنسيات فنانيها ﻭبين موﺍضيعها ﺍلمختلفة ﺍلتي يمكن ﺍختزالها بمقولة تمثيل ﺍلشرﻕ تمثيلاً فنياً موضوعياً، فهناﻙ- برأيي- مشكلة ﺃعمق بحاجة ملحة لأن تطرﺡ على بساط البحث النقدﻱ في عالمنا العربي حيث ما زﺍل ﺍلتعامل مع الفن الاستشرﺍقي والإعجاب بإنتاجه الطويل وﺍلمتنوﻉ يتميز بسذاجة شديدة.

فهذﻩ اللوحات الاستشراقية، التي تدعي تمثيل مناظر حقيقية من الحياة اليومية للشرقيين (وﺍلمقصود هنا في أغلب الأحوال العرب في بلاﺩ الشاﻡ ومصر ﻭﺍلمغرﺏ)، لا يمكنها حقاً ﺍﺩعاﺀ ﺍلواقعية ﺃو ﺍلموضوعية. ولا يختلف الأمر ﻛثيرا بالنسبة للمتفرﺝ العربي ﺍلمعاصر ﺍلذي يفتش عما يصله بالماضي الزاهي الذﻱ يزﺩاﺩ زهوﺍً في مخيلته بقدﺭ ما يزداﺩ حاضرﻩ قتامة، ﻭالذﻱ يجد في ﺍلفن الاستشراقي الغرائبي ﻭالمليﺀ بالألوﺍﻥ والحركة ﻭالأﺯياﺀ الغريبة والأشكاﻝ الغنجة ﺍلمغرية مهرباً ﻭمتنفسا. ولكن هذﻩ اللوحات الاستشرﺍقية على وﺍقعيتها الظاهرية وعلى دغدغتها لإحساس هذﺍ ﺍلمتفرج المعاصر بالتوﺍصل التاريخي بينه ﻭبين ماضٍ إيجابي يحّن إليه، تخلق عبر ﺃساليب ﺍلصنعة من ﺭومانتيكية وﻭﺍقعية ﻭﺍنطباعية ومجردﺓ وغيرها صوﺭاً «واقعية» للشرﻕ ﺍلمتخيل ثم تثبت هذﻩ «الحقيقة الوﺍقعية» من خلاﻝ إنتاجها فنياً على سطح ﺍللوحة نفسها بدﺭجاﺕ من الحس الفني متفاﻭتة ﻭلكن بمحتوﻯ من المعنى متشابه.

وعليه لا يمكننا اليوﻡ استخداﻡ اللوحات الاستشراقية بالبرﺍءﺓ نفسها التي يستخدمها بها ﻛتابنا ومجلاتنا ﻭتلفزيوناتنا لتصوير حياﺓ الماضي القريب، ﮐما لو ﻛانت ﺍلمعياﺭ ﺍلصحيح لتمثيل هذﺍ ﺍلماضي. وﮐذلك لا يمكننا اعتباﺭها صورﺍً فنيةً عابقةً بتراثنا، من ﺩوﻥ أﻥ نعي دﻭﺭها ﺍلتاريخي الأساسي في خدمة ﺍلمشروﻉ الاستشرﺍقي والاستعمارﻱ ﻭفي تبريرهما ﻭفي تمثيل نظرتهما للشرﻕ ﺍلذﻱ كان، ﻭيظهر ﺃنه لم يزﻝ حتى اليوﻡ، آخرﺍً مختلفاً ومرفوضاً بالنسبة للغرﺏ، ﻭموضوعاً للبحث والدراسة وﺍلتمثيل، ﻭلقمة سائغة للاستغلاﻝ مباشرة أﻭ عن بعد ﻭبطريق ﺍلتكنولوجيا ﻭﺍلاستثمارﺍﺕ المترﺍبطة ﻭالمتداخلة. ﻭلعل تحليلاً سريعاً لمواضيع الفن الاستشرﺍقي ﺍلمختلفة يبين لنا ﺍلترابط الشديد في مدلولات الفن الاستشرﺍقي الثقافية وﺍلمعرفية بالنسبة لمعاصريه ﻭمنتجيه و مسيّريه ومقتنيه على ﺍلرغم من ﺍلاختلاﻑ ﺍلوﺍضح في ﺍلموﺍضيع ﻭمن تفاوﺕ القيمة ﺍلفنية للأعمال.


اكتشف سورية

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق