صناعة حلي الألف الثاني قبل الميلاد

معرفة متقدمة بالفيزياء والكيمياء وضبط واعٍ لدرجات الإحماء والصهر

فن عصور البرونز «أدوات فاخرة للنساء» كان عنوان النشاط الأخير لمشروع «ألف تحفة وتحفة من الأرض السورية» الذي يعكف على عرض القطع والكنوز المجهولة الموجودة في مستودعات المتحف الوطني بدمشق التي لم تعرض من قبل.
تناول المعرض الذي أقيم في الثاني من أيار 2008 ويستمر حتى نهاية الشهر الجاري، أدوات الزينة الفاخرة لنساء عصر البرونز وتقنيات صناعتها، والقوالب السبكية المستخدمة والموجودة في المتحف، وأيضاً المواد المستعملة فيها.
أشارت السيدة ميسر نبودي التي تتولى إدارة ندوة المعرض إلى أن قوالب الحلي المكتشفة عام 1929 في مدينة أوغاريت معظمها مصنوع من مادة الحجارة من عائلة السربانتين الهشة ومن الخشب والفحم وقوالب من الطين غير المشوي ومعظمها يتألف من فلقتين لعدة أوجه مستطيلة أو دائرية.
 بينما ذكر لنا الدكتور ميشيل مقدسي أن «الحلي في الألف الثاني قبل الميلاد لم تكن مصنوعة من الذهب والفضة فقط، بل من البرونز والعاج والحجارة نصف الكريمة والمواد الزجاجية والطين المشوي والقواقع.
ألف تحفة وتحفة أيار دمشق عاصمة الثقافة «لكن فيما يتعلق بالمعدن فإن القطع التي عُثر عليها في أوغاريت هي الحلي الفضية أساساً وخاصة أقراط الأذن المسبوكة في هذه القوالب وهناك أيضاً أمثلة نادرة على تقنية التجزؤ أو التحبحب المعدني للذهب وخاصة على كريات كانت قد شغلت بتقنية التجويف على تفريغات زخرفية بالتطريق وليس بالقولبة».
يؤكد الدكتور مقدسي «أن اكتشاف القوالب الحجرية بصفتها أحد أشكال تصنيع الحلي يعد اكتشافاً ثميناً أفاد في معرفة التقنيات والمعادن والمواضيع التصويرية والطرائق المستخدمة آنذاك، خاصة إذا علمنا أن هذه الطرائق تشهد معرفة متقدمة بالمواصفات الفيزيائية والكيمائية للذهب وبمختلف المواد المعدنية أو غير العضوية الداخلة خاصة أثناء عمليات اللحام وبضبط واعٍ لدرجات حرارة الإحماء والصهر واللحام، ومن الممكن أن تكون هذه الطرق قد استُخدمت على نحو إفرادي من أجل تزيين الأقراط والخرزات والعقود والأساور أو اقترنت مع بعضها من أجل تشكيل زخرفة مركبة».
يشير الدكتور مقدسي إلى أن «إنتاج الحلي والزينة الذهبية يُعتبر نشاطاً حرفياً أساسياً في مناطق البحر المتوسط ابتداء من الألف الثالث ق.م، وتحديداً في نهاية عصر البرونز القديم وبداية البرونز الأوسط في سورية حوالي 2000 ق.م، وكانت مقدرتها التزيينية ترضي النخبة لما كانت تظهره من فخامة وأبّهة وسرعان ما اعتبرت قِيمة للتبادل والتجارة.
ألف تحفة وتحفة أيار دمشق عاصمة الثقافة «لقد أتقن أوائل الصياغ التقنيات الأساسية في إظهار الشكل والزخرفة مثل التطريق على أوراق الذهب والمواضيع الزخرفية ذات الرؤوس المنفذة بالتطريق أو الضغط، كما على الشريط الجبهي في القبر 300 في ماري حوالي 2700 ق.م.
«خلال النصف الثاني من الألف الثالث ق.م ظهرت طرق جديدة أكثر تعقيداً مثل اللحام والزخرفة على الحامي مما سهل جمع العناصر وجعلها تصويرية وفنية وشهدت تقنيات الحبحبة والفتائل والاجتزاع أو التقطيع انطلاقة مميزة منذ بداية الألف الثاني ق.م في مراكز المدن السورية الكبرى والساحل السوري المشرقي».
فيما يتعلق بالقطع المعروضة يقول الدكتور ميشيل «تشكل مجموعة القوالب المعروضة هنا جزءاً من أكثر من ثمانين قالباً للحلي اكتشفت في مدينة أوغاريت ودراستها كشفت لنا معلومات قيّمة، كما أسلفت، لاحقاً حول التقنيات التعدينية المستخدمة خلال الألف الثاني قبل الميلاد بل معلومات حول الحلي التي اختفت عموماً بسبب أعمال النهب التي كانت تجري منذ العصور القديمة للقبور و إعادة تصنيع المادة الأولية. وأنماط القوالب المكتشفة كانت منتشرة في العصر ذاته في مناطق الجزيرة والأناضول ولبنان والمشرق الجنوبي وقبرص.
«إن الميداليات الصغيرة الممثلة على هذه القوالب تُظهر في بعض الأحيان شكل الشمس أو موضوع وريقات الورد التي تترافق في غالب الأحيان مع حلقات مفتوحة: أقراط للإذن أو الأنف، أو حلقات مغلقة: خواتم، وذوائب أقراط على شكل حيواني أحياناً: الخنفساء المصرية، أو أشكال أخرى يكون من الصعب التعرف عليها أحياناً والأكثر منها ندرة أشكال التيجان أو الأكاليل ولدينا فلقة سليمة لأحد هذه القوالب محفوظة اليوم في متحف حلب بينما نجد أن جزءاً صغيراً من قالب من الطين المشوي ينتمي إلى مجموعات متحف اللوفر ونلاحظ أيضاً موضوعاً عزيزاً على المشرق و قبرص خلال الألف الثاني وهو الرمانة كنوع من الزخرفة التي نجدها منحوتة على العاج وتضاهي جودة تمثيلها بواسطة الزجاج.
إضافة إلى قوالب الحلي هذه وهي كثيرة في أوغاريت كانت توجد أيضاً بعض القوالب للدمىألف تحفة وتحفة أيار دمشق عاصمة الثقافة البشرية الشكل وقوالب للأدوات وترجع الأخيرة إلى بداية الألف الثاني قبل الميلاد».
فيما يتعلق بالحفل الموسيقي المرافق للعرض يقول الفنان حسام الدين بريمو «اخترت أربع مقطوعات موسيقية: بيبالي، وباخ، وحسام الدين بريمو، وشوبير، ورقصةٍ أرجنتينية والعزف كان لرنا بشارة على آلة الفلوت ولطارق صالحية على الغيتار، فأما الفلوت فلأن صوته أنثوي ويصدر نغماً ممتداً مثل السوار والعقد وأما الغيتار فلأن نوطاته كثيرة متقطعة ومتداخلة مثل الزخرفة أو يشبه الزخرفة التي على السوار أو العقد.
مجموع الفلوت والغيتار مع بعضهما يوحي بجمال الأنثى الذي نراه أهم من جمال الحلي، بل جمالها هو ما يعطي للحلي جمالها وبالتالي ركزتُ على موسيقى تشبه المرأة».
يضيف بريمو: «في المرات السابقة قلنا إن مقاربة أي جمال أو فن في الموسيقى هو أمر غاية في الصعوبة لاعتبار الموسيقى فناً مجرداً لا يعني بالضرورة أشياء متشابهة للأشخاص جميعهم، فكل فرد قد يفهم الموسيقى على نحو مختلف عن الآخر، لكن ما نريده هنا تركُ آثار متقاربة عند أوسع شريحة من الحضور وذلك ما نلاحظه من ردود أفعال الجمهور منذ بداية مشروع ألف تحفة وتحفة».
يذكر أن نشاط ألف تحفة وتحفة قد قَدم سابقاً معرضي الدمى الطينية وعربات العصورالقديمة ويقدم حالياً أدوات فاخرة للنساء، أما المعرض القادم الذي يصادف في السادس من حزيران 2008 سيكون حول الإنتاج النقدي لمدينة دمشق خلال العصور الكلاسيكية.

رياض أحمد

اكتشف سورية

Share/Bookmark

صور الخبر

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق