وائل الضابط يعرض في غاليري آرت هاوس
16 كانون الثاني 2010
طرطوس أسوارٌ وأسرار
عندما يكون المكان جزءاً منك ومن ذاكرتك وروحك، فإنك لا تنساه. فكيف إذا كان جزءاً من ثقافتك وحضارتك وصولاً إلى 4000 سنة مضت، وربما وأكثر. لا يمكن أن تنساه، ولا يمكن أن تبقى مجرد عابر تلتقط عيناه الصور دون جدوى. هكذا وائل الضابط الذي يرى مدينتَه المكانَ الأكثر أهمية في العالم، بعد أن زار أمريكا وأوروبا وغيرهما. لا يمر وائل داخل أسوار طرطوس لتلتقط عيناه الصور دون جدوى، بل يمرُّ وأمام عينيه عدسةٌ غرفتُها المعتمة حجرةُ القلب التي تخبِّئ كل الحب والذكريات الجميلة عن نواعير هذه المدينة، ومنارتها، وحاراتها القديمة الملتفة والموشاة برائحة البحر على مدار اللحظة. ينقل وائل هذا الحب إلى عدسته، وهذا الألم أيضاً، وما بينهما ليكوِّن تلك الصورة المشبعة بالفن والحب.
مساء السبت 16 كانون الثاني 2009، اُفتتح معرضه الجديد في غاليري آرت هاوس بدمشق. «اكتشف سورية» كان هناك، حيث عرض الفنان في معرضه الذي لم يسمِّه، وإن كان قد اقترح تسميته «أسوار وأسرار» أثناء حوارنا التالي معه:
في معارضك الثلاثة الماضية، صورتَ برومانسية الطبيعة الغربية والحشود الإنسانية المتحركة بلغة تجريدية، ثم صورة غزة عن شاشة التلفزيون، واليوم تصوِّر طرطوس. كيف وصلتَ إلى هنا؟
لكل معرض فكرة، وفكرة هذا المعرض أتتْ من هذا الجمال والحضارة التي تحتويها طرطوس كمدينة ومحيط. من خلال هذا الحب، لا بد وأن ترى بعض الإهمال هنا وهناك، خصوصاً في المدينة القديمة التي تنتمي إلى الفينيق وكل الحضارات بعدها. هذه المدينة التي نعشق مهمشة ومنسية، ومع ذلك لا تزال تحتفظ بكل سحرها القديم، ولوحتي تعبق بهذا السحر دون أن أنسى ما أراه، وهو الجانب الآخر من الصورة. معرضي هو دعوة إلى الاهتمام أكثر بهذه المدينة العتيقة.
بمعرضك هذا، تأخذ الصورة أكثر من بعد على صعيدَي التعبير والتصوير والمعالجات. هل تحدثنا عن هذا التنوع؟
نعم هذا التنوع موجود، وخصوصاً في صور أسوار المدينة أو محيطها الخارجي، حيث تقصدتُ الاستفادة من الظروف الجوية المختلفة لتكون تأثيراتها في خلفية الصورة، لأستفيد منها في إبراز معالم المدينة على المستويين التعبيري والتقني. إن تلك العتمة الموحية في الخلفية منحَتْ النوافذ المضاءة بعداً آخر على الداخل الأكثر جمالاً وإشراقاً.
أما الصور التي جاءت من داخل الأسوار، فقد جمعتْ بين العمارة ومع تأثيرات الزمن عليها من ناحية وحركة الأشخاص وسكون الأطفال فيها من ناحية أخرى. بتلك الطريقة التصويرية، تفتح هذه الصور نوافذَ على الحلم والمعاناة في الوقت ذاته.
بما يتعلق للتقنية، فقد جاءت أعمالي بالأسود والأبيض ودرجات البني، ولكل لوحة لونها الخاص وفقَ تعبيرها وتأثيرها علي. تظهر تلك التأثيرات الخاصة في أعمالي نتيجةَ الخبرة. وهنا أحب أن أقول: إنني أعتمد هذه التأثيرات قبل وأثناء التصوير، ولا أتدخل رقمياً في الصورة بعد التقاطها.
كيف استطعتَ أن تجعل الصورة الفوتوغرافية امتداداً لصورك الذاكرية المستمدة من الطفولة عن مدينة طرطوس؟
ما بذاكرتي من صور عن مدينتي التي عشتُ بها طفولتي وأول شبابي صحيح، فهي مجرد صور مختزلة في ذاكرتي لكنها مشبعة بالفرح وتمنحني على الدوام إحساس بالانتماء إليها حتى في أجمل مدن العالم وأكثرها حركة وثراء. الآن وبعد أن عدتُ إلى طرطوس من غربة طويلة، وجدتُ أن ما بذاكرتي من صور عن مدينتي مختلفٌ عمَّا أراه. لقد بدأ هنا صراعٌ مرير من نوع ما، وما التقطَتْه عدستي موجود هنا. بالحقيقة، إن هذا المعرض مسرحٌ لكل الانفعالات التي أعيشها، فطرطوس تمثل تراث لسورية وللإنسانية، وصوري ليست مجرد ذاكرتي بل وذاكرة الآخرين أيضاً.
في إحدى لوحاتك نرى آثار أقدام. وعوضاً عن كونها على الرمل نراها على الصخر، وعن كونها غائرة نراها نافرة!. حدِّثنا عن هذه الصورة؟
نعم نحن اعتدنا أن نرى آثار الأقدام بهذا الشكل على الرمل، لكنها هنا بإيحاء وكأنها على الصخر، وهو ما أريد قوله إنه ليس من السهولة أن تترك أثراً بقسوة الصخر، بينما من السهولة أن تتركها على الرمل لتمحيها الأمواج بعد قليل. وهذه الصورة استعارة للإرادة القوية التي لا يمكن هزمها. وبالنسبة للفرق بين الغائر في الرمل والنافر على الصخر، فإنه لتأكيد الفرق فأنت إن تركتَ أثراً في الصخر، فهذا الأثر لن يبقى على حاله بل سيزداد مع الوقت.
لم تسمِّ المعرض، لكني سأقترح عليك تسميته إن أحببتَ. فماذا تسميه؟
كنتُ أفضِّل أن يكون المتلقي هو من يعطي التسمية التي تناسبه. ربما يمكنني تسميته «أسوار وأسرار».
ثمة لوحة في معرضك تعتمد صوراً متعددة داخل الصورة الواحدة. إلى ماذا يشير هذا؟
هذه اللوحة هي توسع بهذه الفكرة التي يقوم عليها معرضي، وتعتمد على الصور المتسلسلة في اللوحة الواحدة. لكن قياسات اللوحة ستكون كبيرة جداً. هذه اللوحة شرارة لمعرضي القادم، والذي سيكون عن الأسرار الموجودة داخل الأسوار.
عمار حسن
تصوير: عبدالله رضا
اكتشف سورية