حتى لا يغيب عن الذاكرة… كمال فوزي الشرابي شاعر وقيثارة

06 حزيران 2015

.

كمال فوزي الشرابي شاعر كبير، جاء في مرحلة مبكرة من ولادة الشعر السوري الخالص، أخذ مساحة شعرية مهمة إلى جانب نزار قباني، بل أذهب مع عدد من الذين درسوا شعره ومسيرته إلى أنه مع نزار كانا تحت تأثير تيارات مشتركة، وهما ابنا عام واحد من الولادة 1923، وسارا معاً في درب واحد، ونهجا منهج القصيدة الغنائية، فكلاهما غني شعره، والشعر الذي غناه المطربون للشرابي ليس قليلاً، ولكن شتان ما بين مكانة الرجلين عند القارئ والناقد.. والأسباب كثيرة.

تنوع الاهتمامات
صدر كتاب مهم عن الهيئة العامة السورية للكتاب للأستاذ غسان كلاس بعنوان «كمال فوزي الشرابي- شاعراً مترجماً باحثاً» وكان الأجدر أن تضاف كلمة صحافي إليها.. وهذا الكتاب مهم للغاية لأنه يضع أمام القراء جزءاً مهماً من سيرة الشاعر، ونماذج من أنشطته، ومجموعة من شعره خاصة الذي لم ينشر، ويظهر الكتاب بجلاء العلاقات التي ربطت الشرابي بعدد من الأدباء الكبار في سورية والخارج، ما يدل على أهميته، ولكن إشارات كلاس توضح الأسباب التي عززت وجود نزار، وأخذت من حضور الشرابي، فهو شاعر مهم ورقيق وغنائي، لكنه عمل في الترجمة، وأخلص لها، وأصدر كتباً في الترجمة، كما عمل في البحث والدراسات، وله إسهامات صحفية ما بين دمشق واللاذقية ما شتت جهوده في عدد من المجالات، وذلك قبل أن يدافع عن كينونة الشاعر داخله!

وهذا يظهر خصوصيته، ويظهر أن نزاراً لم يطغ بوجوده على أقرانه إلا بإخلاصه لشعره وعمله من أجله، ومن أجل تجويده، فإن كان نزار يقول شعره، ويلحظ ردود الأفعال ليتم مشواره، فإن الشرابي كان يلقي قصيدته، ويلتفت إلى جوانب أخرى من الإبداع والعمل العلمي دون أن يترسم آثار شعره سواء غني أم لم يغن، إضافة إلى الحياة المنظمة غاية التنظيم التي عاشها نزار قباني، بينما كانت حياة الشرابي مزاجية قد توسم بالفوضى، فلم يخدم أدبه، وترك للآخرين أن يفعلوا ذلك، ولولا ما قدمه كلاس بعد خمس سنوات من رحيل الشرابي لبهتت الصورة أكثر، وغاب عنها الوضوح، فما بين أيدينا قليل!!

التقديم وضرورته
قدم للكتاب أستاذنا الجليل العالم محمود الربداوي وقد استغربت أن يقدم الدكتور الربداوي للكتاب، فهو صديق أبي تمام، وناقد مهم للأدب القديم، ولكن ما يخفف من الاستغراب أن أستاذنا على تواصل مع الإعلام والأدب الحديث، وقد عمل في غير دورية أدبية في الداخل والخارج، ولكن قراءة التقديم تظهر أن أستاذنا لم يقرأ شيئاً للشرابي قبل أن يقدم له، ولم يترك وقتاً لقراءة ما بين يديه، فلم تتجاوز المقدمة حدود التقريظ لعمل بين يديه، وزادت من مسوغات الجهل بالشاعر، مع أن المسافة الفاصلة بيننا وبين رحيله ليست بعيدة، فاكتفى الدكتور الربداوي بتقسيمات الكتاب وتعدادها، ورجا لكلاس المستقبل من الأيام!

وكم كنت شغوفاً أن يضع الدكتور الربداوي بذائقته العالية النقدية نصاً أو أكثر للشرابي، وإن كان لم يقرأ له من قبل، ليخضعها لنقده المتمرس، لأفاد، وفتح المجال لدراسة هذا الشاعر الذي ظلم نفسه ولم يخدمها قبل أن يظلمه الآخرون!

لكن هكذا أراد الدكتور الربداوي ومعد الكتاب، فجاءت المقدمة تقريظاً قد لا تقدم فائدة للشرابي في رقدته، وكأنها من باب المجاملة، وكتبت تحت سيف الحياء!!

كلاس والتوثيق
عرف غسان كلاس مهموماً بالثقافة، وتقلد مواقع ثقافية عديدة حتى تقاعده، وفي مراحله الثقافية قدم عدداً من الكتب والدراسات عن الشام والعظمة وميسلون ونزار واليوم عن الشرابي، وفي كل تلك الكتب عمد كلاس إلى إخفاء شخصيته خدمة للعلم الذي يدرسه ويوثقه، أو خدمة للقضية التي تحدث عنها مثل ميسلون، وأعماله في مجملها تصدر من حريص يخاف على ضياع أمر ما، أو يخشى من فراغ فيعمد إلى سد الفراغ بكتاب أو دراسة، وما قدمه عن ميسلون يشهد بذلك، ويخطئ من يظن أن الأرشفة والتوثيق والجمع أسهل من التأليف، وفي هذا الكتاب يعمد كلاس إلى جمع ما تفرق للشرابي الذي جمعته به علاقة طيبة، وكأنه يخشى أن يدركه الوقت قبل أن يكرم صديقه الشاعر الذي لقي من الإهمال ما يكفي، حتى في أثناء حضوره وتجواله!

ولم يسعف الوقت والحرص كلاس على إنجاز كتاب فيه من الدراسة والتحليل ما يكفي، واقتصر في عمله على الجمع والتبويب، وكشف جزءاً من أدب وجهود الشرابي لم ينشر من قبل!

وخبرة الأستاذ كلاس تؤهله لتقديم دراسة نقدية دون الاكتفاء بأن يصنع هوامش لحياة الشرابي وجهوده، والأمر لا يحتاج إلى كثير من الوقت، إضافة إلى أنه من الصعوبة بمكان أن ينجز كتاباً عن الشرابي في الوقت الراهن، وحبذا لو عملت وزارة الثقافة على تكريم الشرابي وطبع أعماله كاملة، تلك التي نشرت، وتلك التي لم تنشر وهي موجودة لدى أصدقائه والمقربين كالأستاذ كلاس، وقد نشرت الوزارة الأعمال الكاملة لعدد من الأدباء السوريين ووصلت إلى أدباء أحياء لم يتوقف إبداعهم، وزاد الله من أعمارهم وأعمالهم، وحري بها أن تقوم بنشر الأعمال الكاملة لشاعر من وزن عال، وله تاريخه الشعري والأدبي الطويل، وبذلك يشكل هذا الكتاب مع أعمال الشاعر توثيقاً وحفظاً لتاريخه وشعره، وكلما اتسعت الشقة بين رحيل الشاعر وجمع أعماله ارتفعت نسبة الضياع التي لا نرجوها ولا تصب في خدمة الثقافة السورية!

ما لم يتوافر لسواه
من قراءة الكتاب، ومن الصور المرفقة تظهر العلاقة التي تجمع الشاعر بالدارس، وقد ترافقا في لقاءات ثقافية عديدة داخل سورية وخارجها، ما جعله من الناس المقربين من الشرابي مع مزاجيته التي يعرفها من التقاه، وهنا أعتب على صديقي الأستاذ غسان لأنه لم يطل الحديث على أدبه ونصوصه وما جادت به قريحته، بل إن ترجمته كان من الممكن أن تكون أغنى لتصبح مرجعية لا زيادة بعدها إلا لدارس الأدب، ولا أدري الأسباب التي جعلته يكتفي بالمتاح لا بقدرته.

ولا تكتمل الصور إلا إذا قرأنا شيئاً من شعر الشرابي العذب، والذي لم يصل إلى أيدي القراء عامة.

لميسلون يقول:

أيا ميسلون
تموت السنون
وروحك في قلبنا تعصف
وتبقين أنت الجروحا
وإنا لنوقدها كل يوم طموحا
إلى أن نضم دنانا فتوحا

كمال الشرابي ونزار قباني ولدا في العام نفسه، ودرسا الحقوق، وكانا شاعرين غزليين، لكن الشرابي مع أنه لم يصب ما أصاب نزار، إلا أنه بقي ودوداً محباً، وحين توفي نزار رثاه مفجوعاً برحيله، ما يدل على نبل العلاقة بين الشاعرين:

ما على الدمع إن جفا أجفاني
فمصابي أجلّ من أحزاني
عفو عينيك يا نزار! كفاني
ما بقلبي يشب من نيران
جرح هذا الرحيل باق بروحي
ليس يبرا على مدى الأزمان
بردى ماؤه نحيب ودمع
وتراتيل آهةُ الغدران
قاسيون الجلال يدعوك يا من
كنت تحمي حماه بالعنفوان
كنت ناراً على الطغاة وحتفاً
وسلاماً على الأباة الحواني
كنت للعرب موقظاً ونذيراً
مستميتاً في وحدة الأوطان

وفي قصيدة أخرى يقول لنزار:

قم يا نزار من الضريح لكي ترى
كم نحن نشكو ذلنا ونضام!
ها نحن ما زلنا فلول عروبة
لعبت بها الأهواء والأوهام
قم كي ترى مجد العراق وقد هوى
واغتاله الدخلاء والأخصام
والطائفية فيه أذكت نارها
والشعب بالإرهاب كيف يسام!
كمال الشرابي من شعراء الزمن الجميل والنبيل، ونزار يستحق فماذا يقول لو أدرك ما يموج اليوم؟ بل ما يقول كلاهما؟

شكراً للأستاذ غسان الكلاس على أنه أبقى كمال الشرابي حاضراً في الذاكرة والوجدان والورق، وعسى أن يتم مشروعه الشعري والثقافي.


إسماعيل مروة

صحيفة الوطن السورية

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق