«لماذا سورية» كتاب جديد لعلي حسن توركماني عن الحقيقة الحضارية لا الإقطاع السياسي
09 تشرين الثاني 2015
.
الذين يجهلون أو يتجاهلون التاريخ جديرون بأن يكرروا أخطاءه وبالمقياس نفسه فالذين ينسون أو يتناسون الجغرافيا لم يتخلصوا قط من تأثيرها..عبارة يوردها الدكتور علي حسن توركماني مؤلف كتاب “لماذا سورية” مقتبساً من قول روبرت كابلن كبير محللي الجيوبولتيك الأمريكيين في كتابه انتقام الجغرافيا حيث يذهب توركماني في كتابه الجديد الصادر عن دار الأولى بدمشق إلى قراءة سياق الصراع الدولي في ظل العلاقة بين الجغرافيا والتكوينات السياسية.
يقول الدكتور توركماني في بحثه الشيق أن سورية التي نعرفها اليوم بشكلها السياسي مختلفة جذرياً عن النماذج التاريخية القديمة لكنها في المقابل تملك مقاربة بين الماضي والحاضر في محاولة التأقلم أو حتى ردة الفعل السياسية التي أوجدت تحولات على المستويين السياسي والاجتماعي فالقراءة التي يقدمها الكتاب لا تغرق في مبحث تاريخي أو سردي بل هي تحليل بعض الظواهر التي أوجدت جملة من أنساق ما زالت فاعلة في تحديد التوجهات السياسية التي تؤثر بشكل مباشر في السوريين.
ويحاول كتاب “لماذا سورية” إعادة رسم المفاهيم الجيوبولتيكية على مساحة الوطن حيث هي مفاهيم تربط بين الماضي والحاضر فبعد مدخل تاريخي يضعه الدكتور توركماني لكتابه يسرد التجربة الحضارية والسياسية لسورية رابطاً بين الحضارات القديمة والتكوين الجغرافي يتناول الفصل الأول من هذا الكتاب الذي يمتد في 227 صفحة من القطع المتوسط عناوين مهمة للغاية أبرزها.. “سورية والسيادة” و”الجغرافيا والتحولات” محاولاً قراءة الجغرافيا السورية وفق ما شهدته بلادنا من تحولات سياسية وذلك من أجل إبراز تأثير الجغرافيا في سير الحدث التاريخي والمعاصر.
الفصل الثاني من الكتاب يشرح فيه الدكتور توركماني تحت عنوان.. “سورية النفوذ وما وراء الجغرافيا” الدور الإقليمي لسورية ماضياً وحاضراً وفق معطيات الجغرافيا السياسية السورية فيما يتناول الفصل الثالث عنواناً لافتاً هو “سورية..الخيارات الصعبة” إذ يطل عبره على طبيعة الخيارات المصيرية والعلاقات التي نسجتها سورية بين الماضي والحاضر وعلاقة النطاقات الجيواستراتيجية لكل من إيران وتركيا بتحرك السياسة السورية ماضياً وحاضراً.
ويحاول البحث الذي يقدمه الدكتور توركماني الإجابة على سؤال الكتاب “لماذا سورية” كاسراً الإطار الذي فرضته الأزمة من أجل رسم المستقبل والخروج عن مألوف المنهج السائد في سنوات الأزمة معتمداً الابتعاد عن تفسير الحدث السوري أو أسباب اندلاعه أو إيجاد نماذج جاهزة تفسر بداية الاضطراب وتحوله إلى عنف وإرهاب أو حتى الدخول في طبيعة المواقف السياسية التي تولدت نتيجة الأزمة.
ويسعى كتاب “لماذا سورية” إلى إيجاد فهم ثقافي وتاريخي تفسيراً لارتباط هذا الأمر بالتحولات الكبرى التي أثرت في مواصفات الشخصية السياسية وطبيعتها ومجال تفكيرها وذلك لفهم مسألتين أساسيتين الأولى طبيعة العلاقات التي حكمت التحولات التاريخية لسورية وقدمت سمة سياسية عامة تتأقلم مع نتائج التحولات لكنها في الوقت نفسه أنتجت أنساقاً لعلاقات خارجية مع المحيط وداخلية على مستوى المكونات الاجتماعية.
أما الثانية فهي ارتباط هذا التحول بالشخصية السياسية الحضارية والثقافية المعاصرة التي يتم التعبير عنها بأشكال مختلفة وأوضحها الرمز السياسي والتاريخي كمعلم فارق على واجهة الحدث السياسي القديم أو حتى المعاصر.
ويستعرض الكتاب في دراسة هادئة ودقيقة لمراحل تكون سورية كعاصمة أبدية للشرق متناولاً الأزمات والحروب التي مرت بها بداية من أوغاريت عاصمة العالم في عصر البرونز المتأخر مروراً بسرد القصة المؤسسة لنشوء وطن فريد وعظيم في العصور الآرامية ووعي ضرورة سورية وذلك عبر ظهور دمشق مركزاً لمملكة آرامية قوية تشمل سورية الطبيعية ثم الدولة السلوقية الأنطاكية الموحدة في العصر الهلنستي وصولاً إلى العصر الذي كانت فيه سورية إقليماً رومانياً ومحاولتها الاستقلال عن الرومان عبر مملكتها القوية تدمر.
كما يتابع الكتاب في تحليل تاريخي مشوق هذه المراحل خالصاً إلى العصر الذي كانت فيه سورية بطريركية أنطاكية في العصر البيزنطي وصولاً إلى فصل “سورية والعرب الأمويون” حين أصبح العالم القديم بحيرة أموية عربية عاصمتها دمشق لنطل بعد ذلك على الجيوبولتيك السوري بعد الأمويين في عهد الناصر صلاح الدين وتوحيد الوطن خلف قائد استثنائي عبر مشروع مقاومة الاحتلال والغزو الأجنبي واستعادة أرض وقدس مسلوبتين.
في العصر الحديث يطل الكتاب على مرحلة الملك فيصل والمؤتمر السوري وصولاً إلى معركة ميسلون واستشهاد وزير الحربية البطل يوسف العظمة دفاعاً عن سورية في وجه قوات الاستعمار الفرنسي وصولاً إلى تسلم الرئيس الخالد حافظ الأسد لمقاليد الحكم وحرب تشرين التحريرية عام 1973 وما تلتها من أحداث سياسية رسخت ثقافة المقاومة لدى الشعب العربي في سورية.
ويخلص المؤلف في نهاية صفحات كتابه الى أن سورية كانت ضرورة لإنسانها الذي أحبها وعاش بها وضرورة للدفاع عنه ليستطيع متابعة تفجير إبداعه وتجسيد إنسانيته حيث لا تزال سورية ضرورة يعي من خلالها هذا الإنسان وجوده ويمارسه فهي وبحكم موقعها الجغرافي الذي جعلها تكابد حروبا وازمات كان لها في الوقت ذاته أكبر رأسمال بتحديها لابتكار إنسانها.
سامر اسماعيل
sana.sy