من زهر وجدي جنتك.. رؤى فلسفية للشاعرة وليدة عنتابي

14 كانون الثاني 2015

.

من زهر وجدي جنتك مجموعة قصائد شعرية متنوعة في مواضيعها إلا أنها تعبر عن رؤى شاعرة حالمة بمستقبل إنساني أكثر بهاء مما نحن عليه فترفض الواقع وتنشد للحب وللحياة الكريمة عبر دلالات استعارتها من الكون بكل ما فيه لتشكل نصوصها وتترك للقارئ كثيرا من المجالات حتى يجد ذاته بين حروفها وفي تعابيرها.

يأخذ الهم الإنساني مكانا واسعا في رؤى الشاعرة وليدة عنتابي ويؤرقها فيتحول إلى بوح تهدئه الموسيقا وتخبئه الرموز وتزركشه الدلالات فتبعث بنصوصها وهي تطلق في مساحاتها الواسعة خيول الدم وتشعل براكين الشوق تقول في قصيدة أطلق خيول دمي … ما بين ظلي والرصيف .. جدل مخيف .. ليل توسده السهاد .. وتسطحت فيه القباب كما الوهاد وحش تربص في ظلال توجسي .. جثث على صدر الجبال.

وتتداعى الذكريات فتدخلها من باب الهواجس لتحولها إلى صور ثم تحرص أن تمزجها بالنغمة الموسيقية عبر تفعيلات مناسبة اقتطفتها من تفعيلات الخليل محاولة أن تلتزم بتكامل الموضوع رغم المشقة التي تلاقيها في خضم كل هذه الدلالات التي شغلت نفسها فيها فتأتي القصيدة مطرزة بالعاطفة التي كانت واحدة من مكونات النص الشعري تقول في قصيدة الباب .. هو حفنة من رمل ورغبة .. أو جرعة من أحجيات .. هو صورة لظلال ذكرى أو جلوة للروح في كهف الرؤى .. وهو الذي من فك يخبز في وقيد الظن هاجسه الأبيد.

وتبدو الفلسفة جلية واضحة في أغلب نصوص الشاعرة عنتابي إلى حد تسيطر أحيانا على العاطفة الشعرية فتحولها إلى رؤى وظواهر وتطلعات وفق ما تراه الشاعرة ملائما في تحولات الحياة الإنسانية وما يخالجها بسبب الاختلافات البنيوية في سلوك البشر فتفضل الشاعرة أن تصل إلى نتائج عبر تساؤلات ومقدمات تقول في قصيدة فصل السؤال …
أسائل هذا المساء المضمخ بالصمت .. عن سر ما يعتريني ويوغل في خلجات التوجس حتى الغياب.

وترى عنتابي في رثاء الشاعر بدر شاكر السياب رثاء للشعر والمشاعر نظرا لما يشكله هذا الشاعر من أثر في حياة الكتاب والأدباء على الصعيد الشعري والأدبي والثقافي باعتباره صاحب مدرسة شعرية حديثة تخصه علما أنها لا تنتمي إلى مدرسته ولا تشبهه في تكوين الرؤية والنص الشعري تقول في قصيدة الثياب الراحل … رحل الغريب .. وعلى الخليج الصارخ إن داح الغروب .. يرثي الفقيد .. تموز يا صرح المنا هل من جديد .. ذاك الغريب يعود كرها للعدم .. هو والألم ويؤرق الشاعرة عنتابي مصير الأندلس الذي آل إلى الخسران بعد أن شهدت كثيرا من التطور على يد العرب والمسلمين فتستحضر أخر ملوك الأندلس أبو عبد الله الصغير الذي بكى كالنساء ملكا لم يحافظ عليه فكانت الخسارة بحجم لا يقدر حيث كتبت بأسلوب يختلف قليلا عن قصائد المجموعة نظرا لضرورة النزول عند الحالة التي يفرضها الموضوع ويقبل بها الوجدان والخاطر قالت في قصيدة القبلات الأخيرة لعاشق عربي .. قدر يداورني .. وأنتعل الطريق المستحيل إلى مداه .. عبثا أهجىء أحرف السر المعلق في سماه .. تحتلني جبلا من الأوهام ذاكرة التراب .. وتهيلني في رقصة الزلزال .. فوق السفح منحدرا اجاوز موت أزمنة الخراب.

وحين تدعوا عنتابي إلى كتابة الشعر يتحول الأسلوب تماما إلى بوح ورقة وعذوبة فيتصاعد صوت الأنثى الشاعرة وتهدئ الألفاظ فتنساب كجدول عذب بحروف روي ساكنة ترش عليها الموسيقى شذاها الشفيف فتحلوا صورة القصيدة ويصبح الشعر مخلوقا رائدا أمام الكائن الحي تقول في قصيدة حي على الشعر … لصمتك هذا الثناء المريب .. وهذا التنازر بين الشروق وبين المغيب .. فمن باب زهوك ألا تصل .. ومن بعض كبرك ألا تجيب .. ووجهك هذا الفراش المعنى .. على ضوء صوتي .. حين أبالي وحين أقول .. ترجل .. ترجل. ويختلف الحب عند الشاعرة عنتابي في ألقه عما هو عليه عند أكثر الشعراء تحيطه باليمام وتعطره بالصمت وتجعل له الروح وعاء .. فتحاول أن تأتي به خلافا لما جاء من قبل عند شعراء الغزل حتى تتدون ظاهرة الابتكار وحالة الابداع بكل مكونات النص وصولا إلى تغيير النغمة الموسيقية التي تستخدمها أيضا عن النغمة التي كانت في النصوص الأخرى كما جاء في قصيدة لترشف من كفيك الأيائل… وتأتي احتمالا .. كطيف عبر .. تحط على الصمت .. طير يمام تصب اندهاشك في مقلتي .. وتتلوا على القلب سفر القدر.

تعتبر الشاعرة وليدة عنتابي من أهم الشاعرات السوريات اللواتي قبضن على الجمر وحافظن على مكونات النص الشعري الحديث الذي التزم موسيقا الشعر العربي إضافة إلى اهتمامها بالفلسفة الشعورية وبمحسنات الشعر دون أن تلين عريكتها في وقت لم يبق من الشعر إلا القليل مع اهتمامها أيضا باللغة العربية وسلامة الإعراب.

يذكر أن المجموعة الشعرية من منشورات دار العراب تقع في 122 صفحة من القطع المتوسط.


محمد الخضر

سانا

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق