قبل الغروب بدمعتين..مجموعة لمحمد حديفي تنهل من الخيال والثقافة

16 كانون الأول 2014

.

قبل الغروب بدمعتين مجموعة شعرية يعبر فيها الشاعر محمد حديفي عما يخامره من الأحاسيس والمشاعر مما يصل به إلى حالة غنائية تهيمن عليه إضافة إلى ثقافته من قصائد وأشعار وكنايته الدالة على ما يذهب إليه.

يختصر حديفي كثيرا من الميراث العريق الذي امتزج لديه فأتى بأشياء تخص الروح وتسمى شعرا فهي مبنية على نتاج إنساني جماعي يمتد إلى الماضي وإلى المستقبل يقول في قصيدة «ارتحال»..

يبكيك مثلي يمام الدار والشفق .. وموكب الطير والاشجار والألق

والنجم في الليل يبكي فرط وحشته .. غاب الديم الذي من نبضه

الألق والكرم يسأل عن كرامه لهفا .. وعن ترانيم من عينيك تنطلق.

في نصوصه أتى حديفي بنزاع بنيوي جدلي تصارع داخل قواه النفسية فتغلب الضد الأقوى على الأخر ليتغلب الانسان ممثلا بالجمع البشري على الفرد فيشكل ضميره جوهرا يؤدي إلى انتصار الخير والحب والنقاء ولكن تبقى الأشياء ما بعد ذلك هشة وضعيفة منها ما يحتاج إلى ترميم ومنها ما يحتاج إلى اعادة صياغة ليقدم بنية تكوينية جادة كما في نصه الشعري «ليلة شتائية» يقول..

الليل يطفئ شمعه .. والطير من خوف تنام .. والريح تذروا غيمة .. شاردة من القطيع .. والبرق يومض غاضبا .. مفترسا هام الجبال .. وحدي ألملم دمعة .. فالحزن سيد وقتنا .. والأرض تفقد سمتها .. والناس جوعى يركضون.

ثم يحول شاعرنا الوجدان إلى وجود نوعي يتجلى طغيان الروح على مفردات هذا الوجود وتظهر الواقعية الشفافة المرسومة بريشة الشاعر ليقدم نصا شعريا قادرا على التحول أو التخطي فتصبح القصيدة بلا سلطان ويصبح الشعر كومة مشاعر موشاة بجماليات متنوعة قال في نصه «قبل الغروب بدمعتين»..

قبل الغروب بدمعتين .. وعند أول مفرق صادفته صليت وحينما داهمني المساء دون وجهها .. علقت أشواقي .. على شباكها حتى بكيت.

ويؤكد حديفي في تراكيبه الشعرية وفق انسياب حروفه المنطق الجدلي الذي يعمل على توحيد البنى الشعرية والذي يدفع المتلقي للوقوف عند جماليات النص وما يحتويه من عواطف وألق والاعتراف بشرعية القصيدة كقوله في نصه الشعري الذي جاء بعنوان «اتعبتني غربتك».

على وجع من رمال الضياع .. وفي اخر الليل .. بعد الهزع الأخير .. انتظرتك تأتي الي .. تبلسم روحي حيث الجراح .. التي منذ دهر تلذ .. ولا من أنيس سواك .. تكحل قامته مقلتي.

ولا تبتعد قصائد الشطرين في معانيها وخلجاتها الإنسانية عن طبيعة القصائد الاخرى فثمة تشابه بالشكل والمضمون وإن اختلفت الحركة الانفعالية للنغمة الموسيقية التي استطاع أن يحركها بالأسلوب الملائم للموضوع وللإحساس فيقول في قصيدة رحيل النوارس..

كم عضنا الجوع من فقر ومن عوز .. وقد ينام قرير العين سمسار صيفا على لظى الشمس في الرمضاء يلفحنا .. وفي الشتاء رداء الروح أمطار دهرا صبرنا جميل الصبر اسعفنا .. حتى نهضنا وسيف الدهر بتار.

وفي نصوصه يسعى حديفي إلى تجاوز حدود الواقعية فيتناول المعطيات الفنية الاخرى التي يركبها بألفاظ ينتقيها خياله فتصبح القصيدة مبتكرة إلا أنه يشعر القارئ أن في شعاب القصيدة شيئا يخص روحه وقد يخص هويته وصولا إلى حداثة شعرية حقيقية فيقول في قصيدة بعنوان “ذاكرة الناي”.

من دهر أجمع العشاق أن ليلي امتد فصار ألف عام .

منذ دهر عشته مرتحلا .. لم أدع حبة رمل .. في فضاء العمر إلا .. صغتها شعرا .. لكي أرثي اليمام.

كما تشهد نصوص الشاعر حديفي في مجمل معانيها وتراكيبها مراحل تحول حتى لحظات المخاض والولادة فثمة ذاكرة تساهم مع الخيال في التصوير الحيوي الذي يلتقطه من الكم الهائل الذي لديه ثم تقوم الثقافة والمشاعر بتحريض الموهبة فيظهر شيء هام في معاني القصيدة وأسسها وهو تحويل الشاعر كل هذا الكم الكبير من الجمال إلى الكيف الذي أعطى القيمة الجمالية للنص الشعري كما جاء في قصيدة عودة المسافر.

مثل الفراشات الكليلة في حقول التيه .. أو مثل النوارس تحتفي إما تظل اليابسة.

مثل السرات تقطعت بهم المراكب والسبل .. مثل الغريق المستجير بقشة .. يهوي ويرفعه الأمل.

يذكر أن قبل الغروب بدمعتين مجموعة شعرية من منشورات اتحاد الكتاب العرب جاءت بأشكال شعرية متباينة ووقعت في 125 صفحة من القطع المتوسط .


محمد الخضر

سانا

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق