المؤسسة العامة للسينما تحتفي بالأم على طريقتها
09 نيسان 2014
.
الأم والأمومة، التضحية والعطاء، الخوف والانسحاب، الوطن بمفهومه الشامل وفسيفسائه المتعددة، الحب والبذل اللامتناهي، هي مواضيع حاضرة بقوة مشكلة المحور الأساسي والإطار العام لأحدث إنتاجات المؤسسة العامة للسينما تحت عنوان «الأم» بتوقيع المخرج باسل الخطيب، هذا الفيلم الذي يعرض الأزمة السورية بطريقة غير مباشرة عبر تسليط الضوء على معاناة أسرة سورية تتقاطع مصائرها مع مصير الوطن ومعاناته، يختلفون في الآراء والمواقف، ويجتمعون من خلال الحزن والألم، يتشاركون المشاعر ويتوحدون في الإحساس وهي الفكرة الأساسية التي ركزت عليها كاميرا الخطيب.
رحيل صامت
هذا الفيلم يأتي بعد ثلاث سنوات من عمر الأزمة ليكرم الأم الوطن التي يخرج الجميع في عزائها، هي أم عادل التي عاشت في إحدى قرى الريف السوري والتي قضت حياتها بكفاح مستمر من أجل أبنائها، ترحل بهدوء وسكينة في دير للراهبات، حيث تفارق الحياة وسط غصة في قلوب جميع من عرف تلك المرأة المناضلة، التي ربت أولادها ليخرجوا إلى الحياة كل على طريقته ويسير في دربه الخاص، أم عادل التي أحبها الجميع عدا إحدى جاراتها التي تسكن على مقربة من منزلها، والتي كانت صديقة حميمة في يوم من الأيام لتتحول ظاهرياً إلى أكثر الناس عداءً لها، لكن خلف ذلك الكره الخارجي الذي تبديه الجارة لأم عادل في مواقف متعددة، كان يحتجب حب أبدي خالد في ثنايا القلبين، فبالعودة إلى الوراء نكتشف أن الجارة كانت تلوم أم عادل على فقدان زوجها الذي ذهب في يوم من الأيام مع أبي عادل للعمل في الخارج، وكان الموت مصير زوجها الذي لم يستطع أبو عادل إنقاذه، ومع تبدل المواقف بين الجارتين كان حبل الود مازال موجوداً ضمنياً، فأم عادل كانت أول من ذهب ليتلو الصلوات لراحة روح الجارة عند وفاتها، في كناية على تلاحم الحب بين السوريين حتى في اختلاف المواقف.
أرواح عارية تجتمع من جديد
الفيلم يرصد وفاة أم عادل وحالة كل ابن من أبنائها عند تلقيه الخبر، كما يبين العمل تباين رد الفعل بين كل منهم فبين خائف من صعوبات الطريق كعادل، وأخرى مندفعة بعاطفة بالغة لحضور جنازة الوالدة، وبين مخاطرة لدخول البلاد بعد اختيارها خطاً آخر لا يلتقي مع وجهة نظر معينة كياسمين التي قرّرت مغادرة سورية في الأزمة لتكون رمزاً لمئات السوريين الذين تعرّضوا للعديد من الضغوط كالرعب والخوف والإهانة واختاروا البدء بحياة جديدة خارج سورية. وعلى الرغم من أنها خرجت من الوطن، إلا أنه بقي داخلها وفي قلبها، لذا فضلت العودة وتحمّل جميع المخاطر والألم، على الغربة.
وآخر غارق في ملذاته وحياته ليترك كل شيء لوداع الأم الراحلة، ركزت عين المخرج بشفافية وتلقائية على الحدث السوري العام الذي وحد الأبناء جميعهم في لحظة من شتات الأرواح، كما يكشف الفيلم عن ظهور علاقات نافرة وغريبة وأحياناً غير إنسانية ظهرت لدى العديد من السوريين بعد الأزمة كحال «عادل» الذي أظهر تخوفا من الذهاب لحضور الجنازة، في النهاية يجتمع الأبناء ويسيرون بجلل في موكب الموت الحزين، لنشهد بعد اكتمال مراسم الدفن تغيير مسير الموكب، إذ يصادف المكان مرور موكب لشهيد من أبناء البلدة، هو واحد من أبناء هذا الوطن الذي بذل روحه لأجله، فكان موكب مودعي أم عادل بانتظاره على غفلة من الزمن، ساروا جميعاً خلف الشهيد، وحزنوا لفراق ذلك الذي كان حياً يوماً واستشهد لأجلهم، لأجل الوطن، لأجل الأم الكبرى، لأجل تلك المساحة التي تحتضننا ومازالت، لأجل كل ذرة تراب نمشي فوقها، فاختار أن يكون التراب عباءته، انضوى تحتها وأسدل المشهد الأخير من حياته مغمض العينين، كرمى لعيون الآخرين.
خصوصيات العمل
يكتسب الفيلم أهمية خاصة من خلال مجموع النجوم الذين ضمهم حاملاً خصوصية لكل منهم، إذ يعتبر هذا الفيلم هو ثاني تعاون مشترك بين الأخوين باسل وتليد الخطيب اللذين كتبا سيناريو الفيلم، بعد فيلم «مريم» 2012 الذي أحدث ضجة جماهيرية كبيرة محلياً وعربياً، ونال جائزتين سينمائيتين في مهرجان الداخلة السينمائي في المغرب ومهرجان (وهران) للفيلم العربي في الجزائر، كما حصل مؤخراً على ثلاث جوائز، أهمها جائزة (الخنجر البرونزي).
نورا رحال تعود بعد الترحال
يحتفي الفيلم بعودة الفنانة نورا رحال بدور «نورا» بعد غياب 12 عاماً عن ميدان التمثيل لمصلحة الغناء، ويأتي هذا الفيلم بعد تجربتها الأولى من خلال فيلم «الترحال» عام 1997 للمخرج ريمون بطرس، وعن دورها في الفيلم تقول رحال «هي شخصية لها قناعات خاصة، وهي معتدلة، وهي في عائلتها شخص يحب الجميع، وعندها شعور بالمسؤولية تجاه كل الأمور. هذا ما جعلني أحب هذه الشخصية وهي مكتوبة بشكل لطيف ومحبوك». وتضيف «كوني أماً، استطعت تفهم الكارثة التي تعني أم عادل وطبيعة علاقتها ووضعها مع أبنائها. وخاصة عادل، الذي تصرف بشكل أناني عندما رفض بسبب الخوف أن يحضر جنازة أمه. تعاطفت كثيراً مع أم عادل لأنها شخصية مأزومة، كانت خسائرها كبيرة في بيتها وأولادها وحياتها كلها أعتقد أن الإنسان الذي يقع عليه أكبر قدر من الظلم هو الأم».
بشار إسماعيل وسمير حسين
إلى الشاشة الكبيرة
يطل علينا الفنان بشار إسماعيل في فيلمه الثاني بعد فيلم «بانتظار الخريف» مع المخرج جود سعيد، في فيلم «الأم» يلعب إسماعيل دور المختار بمفهومه الشعبي كمسؤول عن منطقة ما وعالم بتفاصيلها وأهلها، ورجل مؤتمن على الحي، وارتباط هذا الرجل بالمفهوم الرمزي للأم الأرض ومراقبته لحياتها وعلاقتها مع أبنائها وعن دوره في الفيلم يقول « كان المختار جسر محبة وتواصل بين أم عادل، حتى عندما توفيت في الكنيسة وبين أبنائها الذين فرقتهم الدنيا، وحتى مع موكب جنازة الشهيد الذي جاء إلى القرية في زمن موظف. أم عادل كانت تربطها مع جارتها علاقة صدامية جدا، بسبب خلاف عائلي قديم، لكن بعد وفاتها تغير هذا الموقف، وكان المختار جزءا من هذا التغير».
كما يظهر المخرج سمير حسين في الفيلم ممثلاً للمرة الأولى بدور «عادل» ما أضاف تنوعاً على شخصيته وجانباً خفياً من مواهبه التي كان يستغلها من خلف الكاميرا، لتكون أمام الكاميرا.
سلاف فواخرجي.. حضور سينمائي متألق
الفيلم هو الثاني للممثلة سلاف فواخرجي في المؤسسة العامة للسينما بعد فيلم «مريم» حيث تصر النجمة على تأكيد حضورها في السينما السورية بشكل مستمر، وتأتي مشاركة فواخرجي بدور «فاتن» وهي فتاة سورية تعيش واقعها وتتماهى بتفاصيله، لكنها تحاول الانعتاق من إرث الماضي الثقيل ومخلفاته وعداواته، وتتوق لحلم العيش بحق وخير وجمال حلم يشبه طبيعة أرضها وبلدها وتسعى كغيرها إلى تحقيقه، وهنا تقدم الفنانة من خلال هذا العمل رسالة نبيلة تتلخص في أن أهم مافي هذه الحياة هو الإنسان الساكن بداخلنا والذي يجب أن يطغى على جميع التفاصيل الحياتية والمرهقة، وترسل من خلال دورها نفحات من محبة ورحمة كمفتاح للسوريين للخلاص من الأزمة.
يذكر أن الفيلم من إنتاج المؤسسة العامة للسينما وإخراج باسل الخطيب ويجمع العديد من النجوم أهمهم صباح جزائري، سلاف فواخرجي، نورا رحال، ديمة قندلفت، بشار إسماعيل، سمير الحسين، إضافة إلى علي صطوف، وعامر العلي، ولينا حوارنة، وسوزان سكاف، ورنا كرم وآخرين.
ديالا غنطوس
الوطن السورية