التعديات على الآثار وسرقتها وتخريبها

24 كانون الأول 2013

المجلس الوطني للإعلام يدق ناقوس الخطر

«الهوية الوطنية والإعلام» عنوان اختاره المجلس الوطني للإعلام ليكون موضوع ندوة حوارية في مدرج دار البعث بدمشق بمشاركة الدكتور خلف الجراد والدكتورة ناديا خوست والدكتور حيدر يازجي والإعلامية ميساء نعامة والسيدة ورود إبراهيم والأب ميشيل طعمة.

د. خوست قدمت مداخلة يمكن وصفها بـ«النارية» دقت فيها أجراس الخطر ولم يسلم من نقدها اللاذع أداء مؤسسات ووزارات وأحزاب وخاصة لجهة الآثار والتعديات التي وقعت عليها نهباً وسرقة وتخريباً، مشيرة إلى أن الآثار صورت كأنها هواية غربيين، والمتاحف من ضرورات السياحة التي تأتي بزوار أوروبيين وتجاهلنا أن علم الآثار في الغرب «توراتي»، وأن الجواسيس الغربيين بدؤوا سيرتهم بالتنقيب عن الآثار. ولم يربَّ المعاصرون على أنهم أحفاد تلك الحضارات، ولم يعلموا تذوقها.. ولم تثبت الأحزاب السياسية في برامجها التثقيف بها وحمايتها.

وهم.. تقلص.. نهب «وأماكن آمنة»
في هذا السياق تؤكد د. خوست أن اللقى الأثرية أخفيت في صناديق، ولم تعرض وفق رؤية تروي قصة الحضارة واكتشافاتها ولم يوسع متحف دمشق بملاحق، على الرغم مما تراكم من التنقيب طوال سنوات. ولم تلحق بالمتحف التكية السليمانية، مثلاً، أو معرض دمشق الدولي وتقلصت موازنة المتاحف. ويلاحظ حتى الزائر العجول قلة مراقبي المتاحف، وغياب كتب عنها.

ولفتت د. خوست إلى أنه ثمة وهم بأن الثقافة والآثار خارج الصراع مع العدو، مؤكدة ضرورة أن ترتقي العناية بالآثار إلى مستوى العناية بالسلامة الوطنية، فلا ينخفض مستوى وزراء الثقافة والعاملين في الآثار عن العاملين في مؤسسة الدفاع الوطني. فالثقافة ضرورة إنسانية وسياسية، وليست زينة كمالية وقالت د. خوست في مداخلتها: «إن المسؤولين عن الآثار السورية ناقضوا تحذيرات من مافيات دولية ذات خبرة في نهب الآثار». فطمأنونا أنها محفوظة في حاويات في أمكنة آمنة. ولم يعترفوا بنهبها إلا في نهاية السنة الثالثة من الحرب، بعد نشر مئات المقالات في العالم عن نهبها مشيرة إلى أن شواهد تهويد الذاكرة في الثقافة لا تعد، متسائلة ماذا يحدث إذاً حيث الفوضى فضاء للغوغاء لتفكك الذاكرة التاريخية حجراً، حجراً، وللمافيا الدولية التي تتاجر بالفنون والتاريخ، ويزود اللصوص إسرائيل بشواهد الحضارة المنهوبة لتزورها وتدعي حقوقاً تاريخية لم توجد؟. مشيرة إلى أن المتاحف الغربية امتلأت بالمسروقات من آثار المنطقة.

وقالت خوست اجتمعت في الحرب على سورية: «المافيا الدولية والمجموعات التكفيرية التي هدمت الجوامع التاريخية، والكنائس والمدن الميتة والأضرحة والمزارات والتماثيل، واللصوص المحليون والغوغاء، فدمرت مراحل من عمر الحضارة الإنسانية، وحرم المكان من سيرته التاريخية، ليست سرقة كنز بنغازي لكسب الذهب فقط، بل لإخراج المكان الليبي من مرحلة تاريخية صنع فيها ذلك الكنز، وليس حرق مخططات مكتبة الأوقاف العراقية الثمينة كسباً ماديا، بل عمل سياسي نفذ الأمر الصهيوني بتدمير ماضي الشعوب، والأمر الاستعماري بإعادة العراق العريق إلى العصر الحجري»، مشيرة إلى أن الحرب المعلنة على سورية تواكب حرباً على الذاكرة والتاريخ وتجلياتها الثقافية وعلى الأضرحة والأماكن ذات المكانة في وجدان العالم وهذا ما يمثله الفكر الصهيوني.

وعن تهويد الذاكرة الإنسانية قالت د. ناديا خوست عضو المجلس الوطني للإعلام: «لمواجهة هذا الإجرام الثقافي والحضاري والإنساني يجب أن تثبّت الأحزاب في برامجها الأساسية حماية الهوية العربية المعمارية والذاكرة الحضارية وأن تستلهم إعادة الإعمار النمط العربي والارتفاعات العربية، لا الأبراج التي لا تناسب بلداً تهدده "إسرائيل"، مع مساحات مركزية لمتاحف الحرف والفنون والمسارح ودور السينما وحدائق المنحوتات المستوحاة من التراث السوري. وأن تعرّف البرامج المدرسية والتربوية بالآثار كهوية حضارية وجمالات وبالعمارة القديمة ومدن الإنسان الأولى، وتدرّس نصوص الملاحم القديمة مع تغيير الاستراتيجية التي تقطع المعاصرين عن ماضيهم الحضاري قبل الإسلام. وتدمج المتاحف في التعليم والتعلم واستلهام الفنون والعمارة والصياغة والزخارف وكذلك وضع قانون يتناول جريمة نهب الآثار كخيانة عظمى مع التحرر من هيمنة الغرب على الآثار والتنقيب وتنظيم المتاحف والإفادة من فنون العرض الروسية المتقدمة على الغرب».

وجاءت د. خوست في مداخلتها على عدة مقترحات تراها مهمة وضرورية منها:
- أن تثبت الأحزاب في برامجها الأساسية حماية الهوية العربية المعمارية والذاكرة الحضارية، وأن تعرف البرامج المدرسية والتربوية بالآثار كهوية حضارية، ووضع قانون يتناول جريمة نهب الآثار كخيانة عظمى، والتحرر من هيمنة الغرب على الآثار والتنقيب وتنظيم المتاحف.

أصالة الفن والملامح السورية
د. حيدر اليازجي استعرض تاريخ الحركة التشكيلية في تلمس للهوية في الفن التشكيلي التي بدت ملامحها تظهر بداية الستينيات حتى صار اليوم من ينظر إلى لوحة سورية في أي متحف يعرف هويتها السورية عندما يكون الفنان أصيلاً وغير خاضع لسوق اللوحة وتأثيراتها العالمية حيث تغيب هنا الملامح.

ويشير يازجي إلى أن الفن يوثق التاريخ الوطني والقومي وأن للفن السوري خصوصيته المحلية، مشيراً إلى أن الحركة التشكيلية في سورية مرت بمراحل تاريخية عديدة، ففي بداية القرن الماضي كان هناك مجموعة من الفنانين الإيطاليين والعالميين الذين كانوا يرسمون كل شيء حولهم، في حين لم يكن هناك فنان سوري يعمل، وبعدها استطاع بعض الفنانين السوريين بتشكيل نواة الفن التشكيلي في سورية، مؤكداً أن النقطة الرئيسية في الحركة التشكيلية في سورية هي تشكيل الفنون الجميلة ونقابة الفنون التي وضعت دفعاً كبيراً للحركة في سورية.

عصية وكم الأفواه
الإعلامية ميساء نعامة تحدثت عن دور الشباب في حماية الهوية الوطنية مشيرة إلى المسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتقهم في الحفاظ على الإرث الحضاري العربي، وتوقفت عند تعريفات الهوية، لافتة إلى أن أهمها مجموعة من السمات التي تميز أمة أو مجتمعاً يعتز بها وتشكل مصدر فخارها.. الهوية العربية والهوية السورية...، ودعت نعامة إلى الاهتمام بجيل الشباب وتوعيته وتفعيل الدور المنوط بالإعلام كي تبقى سورية كما هي عصية على كل محاولات استئصال تاريخها وذاكرتها أمام حملات التضليل وكم الأفواه التي مورست على السوريين لمنع وصول الحقيقة إلى شعوب العالم، الهوية عبارة عن مجموعة من التراكمات الحضارية والمعرفية والإرث والثقافة منذ آلاف السنين..

وقالت نعامة: «إن سورية هي أم لجميع الحضارات هي أول من عرف الزراعة وأول من شيد البناء والقلاع من هنا ندرك أهمية علم الآثار الذي يخبرنا عن أمم مرت على مر العصور ومراحل تطور الإنسان، المهتمون بدراسة علم الآثار في العالم تعاونوا معاً لقراءة وفهم حضارتنا وآثارنا.. وتؤكد تلك الدراسات أن الوطن العربي يمثل مهد الحضارات ومهد الإنسان العاقل».

وتساءلت نعامة لماذا يتم استهداف آثارنا ومتاحفنا مع كل هجمة استعمارية على وطننا العربي؟، مشيرةً إلى أن كل تلك الاعتداءات على آثارنا هدفه الأساسي طمس الهوية العربية الأصيلة، وتجريد العرب من ماضيهم المجيد وعدم قدرتهم على مد الجسور بين الماضي والحاضر، كل ذلك يصب في خانة العولمة الأميركية..

الإعلام الدور الكبير.. والإنترنت خطر على الناشئة
الدكتور خلف الجراد يؤكد أن أولى مهام الإعلام تتمثل في الدفاع عن مكونات الذاكرة الوطنية القومية الجماعية وبالتالي الدفاع عن الهوية الوطنية المهددة بالتدمير والتشويه المباشر وغير المباشر والعمل الحثيث على صيانتها وتقويتها وترسيخها وتمتين أركانها في إطار المقاومة الشاملة التي تخوضها الدولة والمجتمع في وجه الغزاة الجدد وأتباعهم.

ويرى د. الجراد أن العبء الأكبر يقع على الإعلام وخاصة المرئي منه، لأنه الأكثر تأثيراً في وعي الناس وتشكيل اتجاهات الرأي العام في حماية التراث والهوية الوطنية.

وإذا كان الإعلام يتغذى ويشرب من مكونات الهوية الوطنية فإن مخرجاته برأي د. الجراد تخدم من دون أدنى شك هذه الهوية وتعمل على صيانتها وتقويتها في إطار الحركة التي يعيشها المجتمع ضمن التحولات والتطورات التي تشهدها منطقتنا العربية حالياً. أما إذا كانت المنظومة الإعلامية مهزومة وغير منتجة وغير متفاعلة مع الحراك المجتمعي وغير مواكبة ثقافياً لما يجري في المجتمع، وتركز على جانب واحد من المسألة فقط «السياسة مثلاً»، فإنها بدلاً من المساهمة في التعريف بالتراث الحضاري للوطن والحفاظ على الهوية الوطنية وزرع مكوناتها في العقل المجتمعي، فإنها تتجاهل هذه المكونات وتساهم من حيث تدري أو لا تدري بخلق فراغات ستملأ بقيم وأفكار ومعتقدات واتجاهات وسلوكيات تتنافى وتتناقض وتتنافر مع كل ما هو وطني وقومي وإنساني.

ودعا د. الجراد إلى تسليط الضوء على مكونات الهوية الحضارية الوطنية في كل بقاع الوطن، وبكل التزام ووعي ومعرفة ومسؤولية، والمسؤولية هنا تقع برأيه في حماية الهوية الوطنية وتسجيل جميع عناصرها، وتزويد الرأي العام بها ثقافياً، وبذلك يتم تحصينه سياسياً واجتماعياً حتى يكون قادراً على التمييز بين ما يخدم الهوية الوطنية وما يصب في مصلحة الفكر الطائفي أو المذهبي أو الاثني المضاد للفكر العقلاني العلماني التعددي المنفتح.

وحول الخشية على الناشئة من تأثير الفضائيات المعادية في شبكات الانترنت لجهة الخطر على الهوية الوطنية، فإن الحل الوحيد أو الأساسي برأي د. الجراد إنما يكمن في صنع البديل الجاذب، واستنفار «تحفيز» روح الوطنية لدى أبنائنا الشباب، الذين يعرفون إن وعوا ومنحوا حرية الحركة كيف يتفاعلون مع هذه الوسائط ويعرفون كيف يأخذون منها ما يفيدهم، ويبتعدون عن المواد المشبوهة التي تتنافى وتتناقض مع قيم ومبادئ المجتمع.

المجتمع المحلي والتفاعل
ورود ابراهيم العاملة في مجال الآثار أكدت أهمية دور المجتمع المدني في الحفاظ على الإرث الثقافي، مشيرةً إلى أنه للمجتمع السوري الدور الكبير والمهم في انطلاقة الحياة البشرية، إذ حول الحجر إلى أدوات للصيد والزراعة لاستمرار وتطوير البشرية، لافتةً إلى أن ذلك تم لمسه على أرض الواقع من خلال عدة تجارب ميدانية منها:

1- موقع عمريت على الساحل السوري: تعريف «الحاضرة الفينيقية الوحيدة الباقية على ساحل بلاد الشام». والنتيجة تأسيس جمعية أهلية اسمها «أنقذوا عمريت» مهمتها حماية الموقع والحفاظ عليه وإعداد مجلة اسمها «عمريت» والسعي لإشهار الموقع، وهذا أدى لتفاعل عميق حتى مع المجتمع السوري في بلاد الاغتراب.

2- موقع دير ما اليان الشيخ «القرن الرابع الميلادي» في منطقة القريتين «3 ق م»: حيث تفاعل المجتمع المحلي لإعادة إحياء الموقع على أساس السياحة الدينية الثقافية.

3- كنائس حمص: تعود أهمية كنائس حمص لكونها قديمة وما زالت مأهولة حتى الآن. ومتفاعل المجتمع المحلي هنا بالقيام بتوثيق كل ما هو مهم «من أيقونات قديمة، رسومات جدارية، ذخائر».

4- منطقة النبك: من خلال توعية المجتمع المحلي هناك بأهمية المنطقة وما تمتلكه من تاريخ وإرث حضاري، تفاعل المجتمع بحماية المتحف والحفاظ على القطع الأثرية الموجودة.

5- قرى القدموس: نتيجة التوعية المجتمعية المحلية فإننا بالحفاظ على إرثنا الحضاري نحافظ على الهوية والوجود... وقد تفاعل هذا المجتمع بحماية المواقع الأثرية والطبيعية المهمة لديه وكذلك القطع الأثرية الموجودة.

6- دمشق القديمة: من خلال إحياء بيتين دمشقيين قديمين تم التعاون مع المجتمع المحلي بإعادة إحياء التراث «فن العجمي، الأيقونة السورية، توثيق بعض البيوت«.

سورية بلاد الشمس
الأب ميشيل طعمة ممثل «مطرانية حمص وحماة والنبك وتوابعها للسريان الكاثوليك» أشار إلى أن «الدين في سورية ثقافة والانتماء ثقافة إلا أن الهوية سورية بامتياز».

وأكد الأب طعمة أن الغرب يعمل على نشر الخراب في بلدنا بأيدي الجاهلين الذين لا يعرفون التاريخ لأنه يدرك أننا أصحاب ذاكرة حية وثقافات متعددة مؤكداً أن «الحفاظ على التاريخ هو حفاظ على الهوية السورية».

وتوقف عند دور المجتمع المدني في حماية الآثار لافتاً إلى أن الدين كان ثقافة في سورية ولكن الهوية سورية بامتياز، سورية جمعت ثقافات العالم قاطبة، سورية هي بلاد الشمس، الحفاظ على التاريخ يعني الحفاظ على الهوية السورية، مشيراً إلى أن الثقة موجودة بالشعب السوري الذي وصفه بالشعب الحي العريق المتجذر بحضارته المفعمة، لافتاً إلى أن هنالك من شذ عن هذه الحضارة لأنهم ارتهنوا للغرب وساقوهم إلى تدمير الكنائس والمساجد والآثار، وشدد الأب طعمة على ضرورة القيام بتوعية الشباب بأهمية ما يملكونه من ثقافات وحضارة مزدهرة والحفاظ على هويتنا لمحاربة العالم المتعدد الأوجه.


اكتشف سورية

الوطن السورية

Share/Bookmark

مواضيع ذات صلة:

اسمك

الدولة

التعليق