ملف الفسيفساء السورية المهربة إلى لبنان

04 أيلول 2013

الحرب الدائرة في سورية تقتل المواطنين، تقضي على المؤسسات والاقتصاد، تدمّر البلاد ومنشآتها، وتقضي أيضاً على تراثها وتاريخها وآثارها. لا ترف في الحديث عن هذا الموضوع. فتدمير الآثار أو سرقتها والمتاجرة بها ليس إلا الوجه الآخر لعملة واحدة تهدف إلى قتل سورية على كل الأصعدة. وهو أمر لا يحدث بشكل فوضوي، بعدما باتت عملية سرقة المواقع الأثرية ممنهجة، ويجد المتورّطون فيها، من سارقين ومهرّبين، ما يبرّرون به فعلتهم البشعة وغير القانونية.

الحادثة الأخيرة التي تعيد هذه القضية إلى الضوء هي محاولة تهريب 18 قطعة فسيفساء كانت الجمارك اللبنانية قد ضبطتها قبل عام ونصف العام. وتسلّمها اليوم المديرية العامة للآثار اللبنانية إلى وفد من المديرية العامة للآثار والمتاحف السورية.

وفي التفاصيل التي تم الحصول عليها، أن عملية تهريب القطع جرت في شهر تشرين الأول 2012. يومها عبر الحدود اللبنانية باص سوري يحمل رقماً من محافظة إدلب، وكان على متنه عدد ضئيل من الركاب. لا شيء مريباً للمارّ على الطريق. ولكن، ولغاية ما، أوقف حاجز طيّار للجمارك اللبنانية الباص، وطلب من سائقه الترجّل وفتح غطاء الأمتعة في الجزء السفلي، فكانت المفاجأة: 18 قطعة فسيفساء ملفوفة ومكدسة بعضها فوق بعض. كانت قطع الفسيفساء موضّبة كما يوضّب السجاد في البيوت، وهذا هو الاسم الذي يطلقه عليها المهرّبون: سجاد. ذلك لأنه حين يجري نزعها من الأرض، تغطى بقطعة من القماش عليها لاصق قوي يقتلع الحجيرات الصغيرة الملصقة بعضها ببعض منذ أكثر من 2000 سنة، ثم يبدأ بلف الفسيفساء مثلما يُلفّ السجاد، وترفع عن الأرض، وحينما تقع الأحجار الصغيرة، يجري التقاطها لأنه حينما يعاد فتح الفسيفساء ترمّم بحجارتها الأصلية.

وهذا ما حصل مع الفسيفساءات المكتشفة، التي سلّمتها الجمارك إلى مكتب السرقات الدولية. وكشف علماء آثار من المديرية العامة للآثار اللبنانية على القطع وأكدوا للسلطات اللبنانية أنها أصلية، وسورية المصدر. وأتى تقرير المديرية ليشكل الفاصل في المحكمة التي مثل أمامها سائق الباص بتهمة التهريب، مع أن محاميه حاول مراراً تغيير الجنحة من تهريب إلى نقل مقتنيات شخصية حديثة الصنع، إلا أن المرافعات لم تنفع أمام تقرير عالمة الآثار، لور سلوم، وهكذا صدر الحكم بإعادة القطع إلى سورية، فحفظتها المديرية العامة للآثار في مخازنها.

تصوّر إحدى اللوحات مشاهد من ملحمة هوميروس Odyssée وقد كتبت أسماء الشخصيات المصوّرة باليونانية. وبقي التشويق سيّد الموقف حتى جرى فتح آخر قطعة وهي الأكبر حجماً 3.40 ×2.10، والتي تتميز عن باقي القطع بدقة رهيبة في التصوير وباستعمال حجارة لا يتعدى حجمها 3 ملم. وكانت اللوحة تصوّر فصول السنة الأربعة بشكل وجوه على الزوايا، أما في الوسط فرسوم لشخصيات وللحياة اليومية، وبرزت في الإطار الخارجي لوحات للأبراج الفلكية المعروفة اليوم، ما شرحه مدير مخابر الترميم العلمية الدكتور كميت عبدالله بالقول إن «تصوير الأبراج بشكلها الحالي يعود إلى القرون الماضية، وكانت قد اكتشفت على قطع فسيفساء أخرى».

يطلق المهربون على الفسيفساء إسم «سجادة» وهكذا نقلت في الباص الى لبنان وفي انتظار الإجراءات المخبرية في الشام للتأكد من أن القطع أصلية، يمكن التأكيد أن هذه أول عملية تبادل قطع أثرية سورية منذ اندلاع الاحداث في سورية.

ويشهد المدير العام للآثار والمتاحف في سورية الدكتور مأمون عبد الكريم بأن «لبنان هو من الدول المجاورة الوحيدة التي أبلغتنا وتواصلت معنا بخصوص قطع أثرية تم تهريبها ومن ثم احتجازها. وهذه العلاقة الإيجابية تؤكد أن لبنان هو المهتم حقيقة بمكافحة تهريب الآثار السورية، ومشكورة له جهوده وصدقيته».


جوان بجالي

الأخبار اللبنانية

Share/Bookmark

مواضيع ذات صلة:

صور الخبر

آثار سورية المهربة إلى لبنان

آثار سورية المهربة إلى لبنان

آثار سورية المهربة إلى لبنان

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق