جرم صغير وعوالم أكبر تتفتق
نظرة في فن ياسر حمود
في نظرته و تحديقه يتمكن في النهاية أن يرى الأسرار الإلهية (دانتي، الكوميديا الإلهية).
إذا بحثت عن أصل فن ياسر حمود فلن تجده في تاريخ الفن بل في تاريخ الوجود. فهو منغمس ومستغرق في هذه العوالم حتى لتظن أنها انتخبته ليتحدث باسمها وينبئ عن جمالها الذي لم تره عين بشر- بعد!
لوحاته ترصد الانبثاقات الأولى إلى عالم الوجود، ويتيح لك فنه نظرة إلى مشاهد للحظات مفقودة وأماكن مجهولة، من كوزمولوجيا عجز عن أسئلتها العلم، وميثولوجيا عجز عن رصدها الأدب، ليجب عن كلتيهما الفن.
... بقية الموضوعرفد و رفض
تبدأ قصة الخلق في الأديان من كلمة أو من فعل مبدع للإله الخالق أو من تقارب تلقائي لأثيرية السماء بهيولة الماء أو غيرها من الأساطير المؤسسة التي ترجمتها طلاسم العرّافين أو الكتب السماوية أو الطواطم أو رسوم المعابد إلى مفردات تدخل المخيال الجماعي لمجتمعاتها.
ومازالت نقطة الخلق الأولى موضع تحيّر حتى في زمان اكتشاف المركِّبات الجزيئية للذرة.
الانفجار الكبير من أين جاء؟ الثواني الأولى لخلق الكون؟ ما هو شكل الكون وإلى أين يتوسع؟
هل هناك فراغ في العدم أم أن العدم يعني انعدام الفراغ أيضاً؟
... بقية الموضوعاستدراك: الهبوط إلى المدينة
كانت تلك كلماتٍ أخيرة لعظيم عَمي وأراد أن يُبصر من الدنيا قليلاً قبل ذهابه إلى عالم السكون والعتمة الأزلية، مع الاعتذار من شكسبير الذي يقول بطله ريتشارد الثالث في تقريرية فجة أتت متأخرة: «حصان، حصان، مملكتي من أجل حصان».
وربما كانت تلك أيضاً الكلمات الأولى لملاكٍ أبصر فأراد أن يستزيد من الإبصار بعد أبدٍ من الإشراق الذي يُبصر من حيث لا يُبصر. ولكن في الإبصار نفسه تحول من النور الذي يتسرب إلى قلب البصيرة إلى الضوء المُبصر بالعين: هبوط من الملكوت إلى مملكة البشر.
ومع ذلك فللضوء الإنساني إغراءاتُه، خاصة البراقة والخلابة منها: أضواء المدينة الحديثة التي خلبت آلاف النفوس المبدعة التي هجرت بيوتها ودساكرها لتجرب حظها في دفئه الخداع وتفتش عن مستقبلها في بريقه المنعش. بعضها وصل، وبعضها ما زال يكافح لأجل الوصول، وبعضها تعب من الكفاح فاستسلم لطغيان المدينة ولأضوائها البراقة.
... بقية الموضوعالقبض على ناصية «العنصر الخامس»...
خصوصية النص في «إشراقات» ياسر حمود
في ديوان «إشراقات» 1874 للشاعر الفرنسي أرتور رامبو (Jean Nicolas Arthur Rimbaud 1854 –1891)؛ والذي يصنف كأوعر دواوينه وأكثرها استعصاء على الاستبار، كونه مستلهما بالأساس من خبراته الاستبصارية ورؤاه، يقول رامبو في قصيدة «ذاكرة»:
حسرة سيقان الأعشاب الخالصة السميكة والفتية
عسجد أقمار نيسان في قلب الفراش المقدس
بهجة فوضى المشاعل النهرية المتروكة
فريسة لمساءات آب التي تجعل كل هذه العفونة تتبرعم
هكذا يزج بنا الشاعر الذي عاش ومات أسيرا لوعيه الشقي في أتون تجربته الملتبسة والمشنوقة على بندول يتأرجح نصه بين هامشي الحدس المتوفز وتهويمات اللاوعي البدئي؛ كيما نرود معه تلك المنطقة العتيقة التي لا يختشي فيها سريان نسغ الحياة في أحشاء الطبيعة أن يصدح بوجوده مزغردا، ولا تتوانى الأضداد عن الاجتراء على إعلان حقيقتها السرانية، والإفصاح عن حقيقة أن كل منها ما هو إلا عين نقيضه لعلة اقتضتها حكمة الصيرورة.
... بقية الموضوعأقوال النور:
إشراقات الغامض الواضح
المقتبس المأخوذ من شذرات أدونيس الذي صدّر به الفنان ياسر حمود كتاب (إشراقات) المصور عن أعماله لأعوام 2003-2008 ينسب للضوء فماً يقول: إن النور لا يوجد لكي يقود إلى الوضوح والانكشاف، وليسهّل مهمة التواصل التالي والضروري مع ما تنتجه الأعمال الفنية والأدبية من معانٍ، وقد كان أدونيس دقيقا في التفريق بين الضوء والنور، فالضوء يكشف وتَبين به هوية الأشياء وأشكالها لأنه خارجي جسدي قادم من مصدر خارج الذات المبصرة، أما النور فإنه دعوة لنرى ونبصر لأنه روحي داخلي يكمن في الأشياء والصور والبصريات المنزرعة في فضاءات العالم وجهاته، فما الوضوح الذي يقود إليه النور في سطوعه وإشراقه إلا سَفر في (ليل المعنى) حيث لا ضوء يعين ويكشف سوى الهجس والتوقع وتشكيل الدلالات –المتسعة عن المعنى الجزئي والظرفي والمباشر- فيظل النور متخلقا في رحم الأشياء ينتظر أبصارنا وبصائرنا –الناظرة والمفكرة –لكي تستوعبه وتدركه.
... بقية الموضوعلخمود والبعد البنّاء
لتمزيق التشابه
لا شبهة في أنّ تجربة ياسر حمود آخذة في التوجه نحو وضع يجعل منها خلاصة للالتباس الذي يحفّ بمنصب التصوير عربياً وعالمياً. إنها صدى للتردد الاجتماعي العربي العام إزاء ممارسة تصويرية، لا هي بالجديدة تماماً ولا هي بالقديم المستعاد، كما أنها ليست وافدة تماماً ولا هي مترتبة عن مبادرة محلية صرفة. ولعله لهذا السبب شاب النقد السلبي سوء مشاركة لمنطلقات المبدع وشاب النقد المبارك للتجربة سيطرة المنحى التبريري على التأويلي. ولذلك، تحسّباً من التورط في المقاربة الخارجية لرهانات التصوير كما تعاطاها ياسر حمود فلا بدّ من استحضار ذلك المبدأ الجازم بأولوية الموقف على المعرفة. فما جديد ياسر على مستوى الموقف من التصوير ومن متعلقاته؟
بناءً على ما تقدم لن يكون منطلقنا لتنقيط علاقاتنا بلوحات ياسر معرفياً وإنما إجرائياً. وعليه فسيكون السؤال الذي يوجه المطالعة الأولى للأعمال هو التالي : ما هو الخيار الإجرائي الذي ترتبت عنه كل الإجراءات التي سيتألف في ضوئها بروتوكول التصوير كما أراده ويمارسه ياسر حمود؟
... بقية الموضوعكرنفال النور
في إشراقات ياسر حمود
تصدير أول
الفنان هو اليد التي وعبر الاستعمال الملائم لهذه اللمسة أو لتلك، التي تدفع بالروح الإنسانية إلى الذبذبة. واضحٌ إذاً أن هارمونيا الألوان يجب أن تقوم على مبدأ الدخول في علاقة مباشرة مع الروح الإنسانية فقط، وسوف تحدد هذه القاعدة كمبدأ الضرورة الداخلية.»
فاسيلي كاندانسكي
الروحي في الفن وفي التصوير بصورة خاصة. ص112
تصدير ثانٍ
تُرى ما الذي يبث الدفء في أجسامنا الصغيرة عندما تلتقي أبصارنا بلوحات ياسرحمود؟ ولماذا تنحبس أنفاسنا ثم ما تلبث تتسارع كلما أمعنا النظر فيها؟ أهي الدهشة إزاء عالم ميكروكوسمي يتحول فجأة إلى عالم ماكروكوسمي؟ أم هي إقامة في البرازخ التي تشدنا إلى عالمين أولهما مادي متشكل وماثل وثانيهما تهويمي يقيم في اللامُنتظر أو في اللامحدد، ذلك العائم والسائح الذي يتسرب من فجاج الذاكرة والنسيان؟
إشراقات..
السفر إلى منتهى السر
يلبي الفنان الحياة فتلبسه، طالما هو في الأبعاد المادية لوجوده. إنها اللحظة التي ينسى فيها ملامحه ليتجاوز بذرة حقيقته الوجودية، ويمضي خارج حدود اللحظة في وسط لا يعرف مراميه، ليبدأ تأليف مسطح يماثله تماماً. وهو إذ يفترض الوصول إلى حالة الكشف، فإنه يستنزف أقصى ما يمكنه من احتضان الحقيقة المنشودة في كل مرة، بعد أن تتحول طريقة مروره إلى المسطح، إلى بديهيةًٍ على صلة بصورة الفضاء الماورائي للعالم. ولعله في اختصاره للمراحل التقنية يختصر ما ورث من معارف عن التناول الهندسي للسطح، باعتباره حامل الجوهر الذي ينشده.
... بقية الموضوعياسر حمود.. في الآرت هاوس
رؤيا الدائرة من نافذة المربع
نحو اكتمال الصورة الرؤيا كحدث انفعال! فعال، مجرد، متحرك في اتجاهات الذات..! صاخب وشفيف. ملون ونافر.. مموسق، جامح قاطع كلمحة بصر! أو ضربة سيف.. تكثيف حتى نهاية التوقع.. كعالم في نقطة؟! أو نقطة تحتوي عوالم! كعاصفة تندلع في العين وما تلبث أن تدور في الدواخل قشعريرة تلهب خلايا الروح.. دهشة كتلك الشهقة لحظة انبثاق الوعي في عوالمه وما يلبث أن يعود محتضناً رؤى من أفلاك بعيدة فتشعر أنك لا تقف على حافة اللون وحسب، بل ويطير بك خارج حدود اللوحة ممسكاً تكون بالكاد بإطارها فلا تقع من سرعة الدوران..!
... بقية الموضوعإشراقات ياسر حمود اللونية والبصرية
اختزال للخطوط وانبثاق للضوء
احتفظ الفنان ياسر حمود ببصماته اللونية وبتراثه البصري رغم كل السنوات الطويلة وانشغاله بالأعمال الجدارية والنصبية، وما زالت لوحاته إلى اليوم مشبعة بالضوء تحاكي الطبيعة وانعتاقها في معظم أعماله، وتسعى دوماً إلى نقل تجليات من الروح للمتلقي، بعد ما يأسرك بتصوفه اللوني والفني، وخاصة أنه يسعى دائماً إلى منح اللوحة شيئاً من حالته الشعورية والتي يبثها من خلال قوة الضوء وصفائه.
وفي معرضه الذي أقيم في غاليري آرت هاوس تحت عنوان «إشراقات»، اشتغل على مفهوم النور والظلام أكثر من التكوين والشكل، الذي انعدم تقريباً في معظم لوحاته. فقد اختزل كلَّ الخطوط بحثاً عن نقطةٍ من النور، كما واجه المساحة البيضاء للوحة بأسراره اللونية وبخبرته الفنية، التي منحته القوة أثناء العمل من خلال معرفة كيفية تطويع اللون والفرشاة وتناغمهما مع أفكاره ورؤيته الخاصة على جسد اللوحة، حيث وضع التضاد اللوني والمكمِّل إلى جانب بعضهما البعض لمنح اللوحة هذا الإشراق، خاصةً أن المتضادات لا بد أن تحقق التكامل في النهاية وصولاً إلى الانسجام، لكي ينقل إلى المتلقي تلك المتعة الجمالية البصرية لثقافة محلية صارت اليوم لا تعرف إلا اللونين الأبيض والأسود.
... بقية الموضوعإشراقات ياسر حمود تحليقٌ خارج عتبات المكان والزمان
بين صوفية الأفكار والسمو في المشهد البصري
من اختزال كل الخطوط، بحث الفنان التشكيلي ياسر حمود عن إشراقاته، عن ضوئه، عن عمق أعمق، فيقول «بالفن أقتل الموت».
وإذا كان ضوءُ ونورُ شاعرنا الكبير أدونيس -كما يجد الفنان- ليس درباً إلى الوضوح إنما درباً «نحو التخوم الهائلة لليل المعنى»، فإن ضوءَ ياسر حمود كائنٌ في «إشراقات»، معرضه الجديد الذي يقيمه في غاليري آرت هاوس بدمشق والذي تمّ افتتاحه مساء أمس السبت 7 حزيران، والذي يستمر حتى 21 حزيران.
اتسمت أعمال ياسر، والتي هي نتاج فترة بدأت بعد معرضه الأخير «تجليات» في 2003 واستمرت حتى الآن، اتسمت بالتحليق خارج عتبات المكان سابحاَ في عنصر الزمن. فجاءت أعماله تحمل سمة التجريدية التعبيرية والرغبة في كمالية الجمال المطلق. لم يشأ الفنان ياسر فلسفة لوحته وفنه، لذا فقد أعطانا مساحات لونية، وقراءات وموسيقى، ما بين صوفية أفكاره وخبرته البصرية، ليجعل المتلقي يقف أمام اللوحة ويعيد قراءتها أكثر من مرة. مشهد من معرض إشراقات الفنان ياسر حمود في آرت هاوس دمشقوإذا كان الفنان يصعّب على نفسه الأسئلة قبل أن يبحث عن الأجوبة في اللون والتقنية، فأنه أبقى في لوحته الكثير من التساؤلات التي تبحث عن إجابات في نفسِ كل متلقي بحيث تدفعه للتأمل والتفكير مرات عديدة.
... بقية الموضوعرسالة في الضوء المبارك الذي يغسل الرغبة من أدرانها
في أعماله الأخيرة، يشتغل ياسر على الضوء الذي يشع من داخل الأشياء بدلاً من ذاك الذي ينصب عليها من الخارج، وهذا هو الفرق بين الباطن والظاهر، بين الرؤيا والرؤية، بين الأعماق والسطوح.. فياسر مشغول بالضوء الذي ينبجس من عتمة الجسد عبر بريق العين ووهج الروح التي تريد الانعتاق من أوثان الخط والشكل في الرسم الذي عرّفه الفلاسفة الأوائل بأنه محاكاة للطبيعة والواقع.
وياسر حمود يُصعِّب على نفسه الأسئلة، أسئلة الحياة والموت، قبل أن يبحث عن الأجوبة في اللون والتقنية حيث يقود الألوان إلى أقصى طاقتها وأدق درجاتها الموسيقية، إذ ثمة ضوء مختزن في عصارتها يحتاج إلى تجارب مضنية قبل الوصول إلى المبتغى والمشتهى في فردوس التلوين والتشكيل... وهنا يهتدي ياسر إلى ألوان الموسيقى ودقة تدرجاتها في عين المتلقي وأذنه وقلبه وسائر جسده.. إنها موسيقى متراقصة في ألوان الزبد المتكسر فوق زرقة الموج، وحركة الريح في بياض الغيم، وشفافية النسيم المنتفخ داخل أوراق الغصن.
... بقية الموضوعسفر الضوء المبارك
وفي رواية أخرى: في البدء كان الضوء
بهياً، وصافياً، ومكتملاً بذاته ولذاته.
وكان شيء حسن.
ولكن الضوء أراد أن يُعرف فخلق الألوان والظلال والظلام.
فجاءت كلها دلائل على ألقه، وانعكاسات لنوره، أو ضده المكمل.
ومن تنويعاتها نبعت تنويعات الحياة، فالصورة بنتيجة الأمر هي مزيج من الضوء وعكسه، بالألوان.
... بقية الموضوعإشراقات
تعتنق الضوء
ترتدي الأبهى منه
لاشيء يوقف زحفك
تبتني بيتاً أبدياً
يعلو الأزرق قليلا
يقترب من صديقك الله
جار الله
جار الرحيق
توقف.... ؟؟
في إشارة إلى دعمهما للحركة الفنية
الرئيس الأسد والسيدة عقيلته يزوران معرض إشراقات للفنان ياسر حمود
تأكيداً على الاهتمام الذي يوليه السيدالسيد الرئيس بشار الأسد والسيدة عقيلته يزوران معرض ياسر حمود الرئيس للثقافة بوصفها جزءاً من شخصية الأمة، وبهدف دعم الفنان والفن بوصفه سفير الأمة ولغة خطاب وحوار حضاري مع الشعوب الأخرى، قام السيد الرئيس بشار الأسد والسيدة عقيلته مساء أمس الأحد بزيارة إلى معرض الفنان التشكيلي ياسر حمّود «إشراقات» المقام حالياً في غاليري «آرت هاوس».
وقد قام سيادته والسيدة عقيلته بالتجول في المعرض واستطلاع اللوحات واستمع إلى شروح عن الأعمال الفنية المعروضة؛ حيث عمل فيها الفنان حمود على الضوء الذي يشع من داخل الأشياء بدلاً من ذاك الذي ينصب عليها من الخارج، وهذا هو الفرق بين الرؤيا والرؤية، بين الأعماق والسطوح.
... بقية الموضوعالإنتقال إلى الصفحة:
1 2 التالي >
الصفحة الأخيرة >>