فضاء ياسر حمود

إشراقات ياسر حمود تحليقٌ خارج عتبات المكان والزمان
بين صوفية الأفكار والسمو في المشهد البصري

فضاء ياسر حمود

من اختزال كل الخطوط، بحث الفنان التشكيلي ياسر حمود عن إشراقاته، عن ضوئه، عن عمق أعمق، فيقول «بالفن أقتل الموت».

وإذا كان ضوءُ ونورُ شاعرنا الكبير أدونيس -كما يجد الفنان- ليس درباً إلى الوضوح إنما درباً «نحو التخوم الهائلة لليل المعنى»، فإن ضوءَ ياسر حمود كائنٌ في «إشراقات»، معرضه الجديد الذي يقيمه في غاليري آرت هاوس بدمشق والذي تمّ افتتاحه مساء أمس السبت 7 حزيران، والذي يستمر حتى 21 حزيران.

اتسمت أعمال ياسر، والتي هي نتاج فترة بدأت بعد معرضه الأخير «تجليات» في 2003 واستمرت حتى الآن، اتسمت بالتحليق خارج عتبات المكان سابحاَ في عنصر الزمن. فجاءت أعماله تحمل سمة التجريدية التعبيرية والرغبة في كمالية الجمال المطلق. لم يشأ الفنان ياسر فلسفة لوحته وفنه، لذا فقد أعطانا مساحات لونية، وقراءات وموسيقى، ما بين صوفية أفكاره وخبرته البصرية، ليجعل المتلقي يقف أمام اللوحة ويعيد قراءتها أكثر من مرة. مشهد من معرض إشراقات الفنان ياسر حمود في آرت هاوس دمشقوإذا كان الفنان يصعّب على نفسه الأسئلة قبل أن يبحث عن الأجوبة في اللون والتقنية، فأنه أبقى في لوحته الكثير من التساؤلات التي تبحث عن إجابات في نفسِ كل متلقي بحيث تدفعه للتأمل والتفكير مرات عديدة.


آراء وشهادات في المعرض يقول الصحفي نبيل صالح -رئيس تحرير بوابة الجمل على الانترنت-: «اشتغل التشكيلي ياسر في أعماله الأخيرة على الضوء الذي يشع من داخل الأشياء بدلاً من ذاك الذي ينصب عليها من الخارج، وهذا هو الفرق بين الباطن والظاهر، وبين الرؤيا والرؤية، بين الأعماق والسطوح. فياسر مشغول بالضوء الذي ينبجس من عتمة الجسد عبر بريق العين ووهج الروح التي تريد الانعتاق من أوثان الخط والشكل في الرسم الذي عرفه الفلاسفة الأوائل بأنه محاكاة للطبيعة والواقع». ويضيف «هذه اللوحات، رسالة في الضوء والموسيقى ضمن سياق زمني نستعيد معه تخيلات النشوء والتشكل بعد الانفجار الكوني الذي خرجت منه الحياة بعد العدم، والحركة بعد السكون، واليقظة بعد النوم، حيث تتضح ملامح الأشياء إلى أن تستوي في نضوجها وكمالها الفني».

أما د. ناصر الرباط -أستاذ التاريخ وفنون العمارة الإسلامية- فيرى «أن إشراقات ياسر حمود تستل معناها من رغبتها الجارفة بالعودة إلى أصلها الأزلي ومن إدراكها المأساوي أن في عودتها فناءَها. وبين الرغبة والوعي، تبقى الإشراقات في حالة إعادة تشكل دائم». ويضيف «كل ما يمكننا فعله ونحن نقف أمام لوحاته هو استشراف كماله عن طريق استحضار تمثلاته الكونية اللانهائية. وتبقى رؤى الإشراقات علامات لنا في توسم المسار إلى الالتحام بهذا الكمال».

ويقول سليم دعبول -الأستاذ في كلية العمارة في جامعة القلمون-: «ما نراه اليوم في لوحات الفنان ياسر ليس بغريب، لأنه نتاج خبرة تراكمية مختزلة تكاد تتجاوز وفق معرفتي بالفنان عقدين من الزمن، وما يمتاز به عن غيره من الفنانين بأنه متطوّر، يجمع بين ثقافة التشكيل الزيتي التصويري وثقافة الغرافيك، ونتاج هاتين الثقافتين هو تألّقه المتزايد في معارضه». ويتابع السيد دعبول «ومع أن كل لوحة تشكيلية هي نتاج فترات زمنية وحالات حسية مختلفة، إلا أن ما يجمع بينها هو العمق التصويري والاحترام للمتلقي، من خلال إبقاء جزء من المساحات لتقدير المتلقي. فياسر لا يملي على متلقيه هنا، مما يجعله أكثر تميّزاً في فنه».

وبما أن للموسيقى حضورها القوي في أعمال ياسر، فقد وقف المطرب والموسيقي رامي حداد أمام لوحات الفنان لقراءة نوتاتها الموسيقية «هناك مقطوعات موسيقية في اللوحة ورموز أخرى مهمة وغريبة، بل يمكنني القول إن هناك عدة قراءات نسفت كل واحدة القراءة التي سبق أن وصلتُ إليها. هناك شيء عميق وصعب يحتاج إلى أكثر من وقفة وقراءة».

من حيث التقنية، يقول الفنان شاهين عبد الله: «ضمن اللعب على الإضاءة والعتمة داخل اللوحة، أرى هناك خطَ حياة يتحرك في المساحات اللونية الموضوعة بعناية ودراسة، وهذا ما جعلني أتواصل معه. هناك أيضاً عملية استنساخ لبعض اللوحات من خلال عملية تغيير اتجاهاتها، مما يعني أن الفنان وضع لوحاته في احتمالات عدة تاركاً للتلقي حرية الغوص وتحديد ميوله واتجاهه فيها». ويضيف عبد الله «يريد ياسر قول شيء أو الإشارة إلى جانب من حياتنا لا نراه، لا بالقول المباشر إنما في لوحاته هنا من خلال الإضاءة الخافتة ولمسته ومن خلال تجرده الذي لا تنتهي قراءاته».

موقع اكتشف سورية، السبت 7 حزيران 2008