فضاء ياسر حمود

القبض على ناصية «العنصر الخامس»...
خصوصية النص في «إشراقات» ياسر حمود

فضاء ياسر حمود

على سبيل المقدمة:
في ديوان «إشراقات» 1874 للشاعر الفرنسي أرتور رامبو (Jean Nicolas Arthur Rimbaud 1854 –1891)؛ والذي يصنف كأوعر دواوينه وأكثرها استعصاء على الاستبار، كونه مستلهما بالأساس من خبراته الاستبصارية ورؤاه، يقول رامبو في قصيدة «ذاكرة»:
حسرة سيقان الأعشاب الخالصة السميكة والفتية
عسجد أقمار نيسان في قلب الفراش المقدس
بهجة فوضى المشاعل النهرية المتروكة
فريسة لمساءات آب التي تجعل كل هذه العفونة تتبرعم

هكذا يزج بنا الشاعر الذي عاش ومات أسيرا لوعيه الشقي في أتون تجربته الملتبسة والمشنوقة على بندول يتأرجح نصه بين هامشي الحدس المتوفز وتهويمات اللاوعي البدئي؛ كيما نرود معه تلك المنطقة العتيقة التي لا يختشي فيها سريان نسغ الحياة في أحشاء الطبيعة أن يصدح بوجوده مزغردا، ولا تتوانى الأضداد عن الاجتراء على إعلان حقيقتها السرانية، والإفصاح عن حقيقة أن كل منها ما هو إلا عين نقيضه لعلة اقتضتها حكمة الصيرورة.

وحين يقرر ياسر حمود (مواليد 1963) أن يرفع غلالات الاحتجاب عن ألق مجموعته «إشراقات» (2003-2008)، فإنه يمنح تفويضا لـ«شذرات» أدونيس لتتولى كشط صدأ المنطق الصوري عن مرايا وعينا المستشرف للإبحار في هذه المجموعة من الفيوضات البصرية؛ فإذا بـ«المحيط الأسود» يقرعنا بنبوءته قائلاً:
في أعماقي ضوء أشعر أن له فما، وأنه يوشوشني دائما:
ليس النور لكي يقودك إلى الوضوح
بل هو لكي يقودك أكثر فأكثر نحو التخوم الهائلة لليل المعنى.
فليس الوضوح نهاية الغموض.
إنه، على العكس، بدايته

وما بين رامبو وأدونيس تختلج سُرة المعنى ويضطرب سراب ما نحن بصدد الانفتاح عليه في تجربة حمود؛ فالنص الأدونيسي يجهر بحقيقة اندغام «روح المعاني» في قالب «ظاهر الغموض»، داعياً المتلقي إلى تشمير ساعد الهمة نحو الغوص إلى ما لا نهاية بغية إدراك «ما لا يُدرَك»، منبها إياه إلى خطورة الوقوع في إسار الفخ الاعتيادي الذي تمليه دواعي المنطقية النفعية، والتي تفترض - كما هو حال أصحاب القوالب الاعتيادية من الإدراك- أن غاية المنى إدراك نهاية تقريرية تكون خاتمة ومنتهى لفكرة المعنى، فإذا به يلفته إلى الحقيقة المهجورة التي تصير فيها رحلة البحث عن المعنى هي الهدف في ذاته، دون إلقاء كبير عناية إلى ناتج الرحلة.

وحين نشرع بدورنا في ممارسة الحق المكفول لسحب أول رتاجات «الإشراقات الحمودية»، يباغتنا الفنان للمرة الثانية بنص دال يتردد صداه الإيمائي على موجات صوته الشخصي هذه المرة؛ وكأنه يروم أن يبرئ ساحته من مغبة الإجمال والتكثيف في النص الأدونيسي، محررا ضميره بتفصيل وبسط الخطاب التأسيسي –للمرة الأخيرة– حتى إذا ما تركنا لمواجهة خبرة مغالبة أمواج الإشراقات، صار مطمئناً إلى قيامه على الوجه الأوفى بمهمة «الولي» الصوفي حين يرفد مريده بنص «الوِرد» الحصين، قبل أن يتركه لمجابهة فيوضات عالم «الشهود» على قدر المقسوم له؛ والذي يتوقف مقداره –المقسوم من المشاهدة– على مدى جلاء مرآة الباصرة الروحية، فيناجينا قائلاً:
بالفن أقتل الموت
أنتظر سقوط السماء على أرضي، لأرسم أبعادها
وأسأل الغائبين، كيف يكون أول سمعهم
قولا من نور
وكيف يكون عدم الشكل
فأنا، أبحث عن نقطة، اختزلت كل الخطوط
تلد نورا، آت من هيكل الشمس
ضوءه سري، أراه وقت لا بصر بعد
أبيضا يجاور أبيض، هذي كل ألواني
وشوشني مرة:
أن أربع دائرتي
وأقتل الموت بأدواتي
وأبحث عن عمق أعمق
وغريق لن يغرق
ما زال يملك سمعه
يملك بصره
فؤاده يقول.. حبا..
أسألك
ألا تغفل أشيائي
فشوقي لهم يرسمني..
ويرسمني التأني
انتزع مني ما بقي من شرود
علي أسمع
قولا من نور
وشوشني، ذلك الضوء مرة:
«اقتل الموت بالفن»...

فالفنان هنا إذن لم يجترح تسمية نصوصه البصرية في مجموعة «إشراقات» عبثا –على غرار كثير ممن يروق لهم اصطياد مرجعيات فلسفية بغرض إقحامها عنوة على خطابات بصرية مستعارة من المحترف الغربي– بل هو يمارس وبكامل المشروعية مهمة الانخراط في حالة من الوساطة النفس/بصرية (أقترح لها هنا مصطلحاً من عندياتي هو «الطرح البصري Optical Projection»، على غرار حالة «الطرح النجمي Astral Projection»؛ تلك الخبرة النفسية التي يقول بها أتباع النظم الروحية التأملية واليوجيون الأصلاء، والتي تفترض قدرة المتأمل على تحرير كيانه الساطع (الروح المدرِكة) وإطلاقها لإدراك الذوق في مشاهدات الملكوت، ومن ثم العودة بها وقد خبرت ما لا يعرف حلاوته إلا أهل شهود الحقيقة).

فالغريق (الذي لن يغرق)؛ ذلك المعادل الشعري للمتصوفة من أصحاب حال (الفَنَاء)، والذي – برغم غرقه – اكتسب ديمومة ذات سمع وبصر وفؤاد يحب، ذلك الغريق أطلعه على السر الأكبر وأوصاه بأن يخلفه في (أشيائه) كي ينخرط فيها، عله ينال من الشوق نفحة (التجسد) التي تعاود رسم الغريق (معاودة الإحياء بالفن)، وبذا تكتسب مقولة (قتل الموت بالفن) مشروعيتها، ويستحيل الفنان في غمار بحثه عن (نقطة تختزل كل الخطوط، تلد نورا) إلى مريد يجهد في سبر غور الحقيقة في عمق أعمق، فيتلقفه مرشده من تباريح الحيرة ليوقفه على سر اللبس في إشكالية المعنى، مستعيدا بذلك خبرة سبق وأن عانقتها شخصية «أسال» (رجل الشريعة)، خلال صحبته لشريد الطبيعة المستنير «حي بن يقظان» الذي جعله يوقن «أن جميع الأشياء التي وردت في شريعته من أمر الله عز وجل، وملائكته وكتبه، واليوم الآخر، وجنته وناره، هي أمثلة هذه التي شاهدها حي بن يقظان. فانفتح بصر قلبه، وانقدحت نار خاطره، وتطابق عنده المعقول والمنقول، وقربت عليه طرق التأويل، ولم يبق له مشكل في الشرع إلا تبين له، ولا مغلق إلا انفتح، ولا غامض إلا اتضح، وصار من أولي الألباب»(1)؛ فتسمية «إشراقات» إذن هي عين الدال والمدلول في آن، وهي المصكوكة اللغوية التي تُشرعِن إمكانية التلخيص والانتقال للتجربة من فضاء المبصور إلى أفق المُدرَك بالقول.

1- شرعية الاتكاء على الفكر الإشراقي:
حين ندلف لمباشرة اختبار بصيرتنا التذوقية في رحاب الإشراقات (55 عمل)، تطالعنا الأعمال في مساحات كبيرة (لا تقل متوسطات الأضلاع عادة عن 100سم، وتتجاوز أحيانا حاجز ال190سم)، وهي مساحات تصويرية من شأنها أن تدعو المتلقي إلى الانخراط في تجربة (الاحتواء في المشاهدة)؛ تلك التي تمارس فيها المساحة سطوتها على الإدراك المادي للمتلقي بأبعاده الجسدية وعلاقتها بنسب الأبعاد والمسطحات المحيطة، الأمر الذي يتماشى وفكرة الانصياع لبراح المحيط الكوني الذي يقلص من سطوة الوعي التحليلي لصالح التأمل الحدسي؛ فتصير اللوحات/النصوص تشخيصات بصرية للأبواب المنفتحة على مصاريعها كمنصات انطلاق لبدء فعل السباحة التذوقية، وهي خبرة تختلف في تأثيرها عن تجربة (المشاهدة بالإحاطة)؛ والتي تؤدي مساحة العمل فيها إلى ضمان امتلاك المتلقي للقدرة على تمحيص العمل من موقع سيطرة، كما هو الحال في المنمنمات والمصغرات التصويرية على اختلافها، والتي يظل سلطان العقل ماثلا فيها على حساب الحدس.


الشكل رقم 1: ياسر حمود، من مجموعة إشراقات،
أكريليك على قماش، 120x145سم، 2004.

وبمجرد الشروع في إجالة البصر في فضاءات نصوص الإشراقات، تتجلى صدقية التصريح الذي سبق وأن أعلنه «ياسر حمود» ضمن قصيدته/بيانه الوارد بتمامه؛ وتحديدا حيث يقول: «وأسأل الغائبين، كيف يكون أول سمعهم، قولا من نور... فأنا، أبحث عن نقطة، اختزلت كل الخطوط، تلد نورا، آت من هيكل الشمس، ضوءه سري، أراه وقت لا بصر بعد، أبيضا يجاور أبيض، هذي كل ألواني»؛ هذا التصريح الذي يستحضر مركزية (النور) من حيث هو علة المسرتين البصرية والروحية، وهو ما تدشنه أعمال مجموعة «إشراقات» بالكامل، والتي يصح التعاطي معها بوصفها خطابات تستجلي مقامات الروح خلال ترحالها في معارج المطلق من حيث هو نور محض؛ فالنور هو العلة وهو الغاية في «إشراقات»، وهو يرد لا لمحض الانخراط في مقاصد التجريب التقني لاستحضار الإيهام الإضائي من رحم العجينة اللونية، ولا لمحض الإخلاص لمقولات التباين Contrast أو الإشراق في العتمة Chiaroscuro، أو غيرها من الخطابات البصرية التي يدعي أصحابها ابتداع الجديد تأسيسا على قوالب موروثة؛ وإنما يشخص النور في «إشراقات» «ياسر حمود» بوصفه تحققاً عيانياً لباطن التجربة التأملية خلال اختبار الوعي الفني لنبضات «الفيض»، وهو ما يكفل للتجربة شرعية للاتكاء على روافد التراث الشرقي –الصوفي تحديدا– لمقولات «فلسفة الإشراق»، لا سيما في جلائها الأقصى الذي يدين بوهجه لمجهودات «السهروردي»(2).


شكل رقم 2: ياسر حمود، من مجموعة إشراقات،
أكريليك على قماش، 120x120سم، 2005.

ففلسفة «السهروردي» الإشراقية تتلخص بأن «النور» هو مبدأ الوجود. وكلما انحدر الوجود درجة من المصدر الأعلى انخفض مستوى «النور». فإذا بلغ الدرجة الجُرْمية (عالم الأجسام) تضاءل حتى الاضمحلال – وبهذا نصل إلى المرتبة «المظلمة» من الوجود. وهذا يعني، بخلاف الفلسفات الشرقية السابقة، أن «السهروردي» لا يعترف بثنائية «النور» و«الظلام». فالظلام ليس سوى الدرجة الأخيرة من الوجود النوراني، وهو عين ما يطالعنا به «ياسر حمود» في أول أعمال الإشراقات؛ حيث انفلات النور من قبضة المساحة المستطيلة السوداء لم يصادر أحقية فراغ العمل – المعتم في مجمله – في اقتراح أشتات متفرقات من الحالات الضوئية التي وإن كانت لم تجهر بالسطوع، إلا أنها كشفت عن حقيقة توحد الضدين (شكل رقم 1)، فشرعية اتكاء الإشراقات الحمودية هنا على فلسفة الإشراقات السهروردية تتجاوز مصادفة استلهام الإرث الجغرافي؛ إذ شهدت «سورية» (موطن الفنان) ميلاد أهم مؤلفات «السهروردي» الإشراقية، وتحديدا في «حلب» التي ألف فيها أهم أعماله «حكمة الإشراق»، وكتاب «اللمحات»، وكتاب «التلويحات»، وكتاب «المقاومات»، وكتاب «المطارحات»، إلى عشرات الكتب الثانوية والرسائل.


«إن النور في فلسفة «السهروردي»، من حيث هو مبدأ الوجود، هو مبدأ «الحقيقة» الصوفية الإشراقية التي هي هدف المعرفة. وتتشكل هذه الفلسفة من فعلي «الإشراق» و«المشاهدة»، اللذين يختلفان من حيث الاتجاه، ويتفقان من حيث الجوهر»(3).



شكل رقم 3: ياسر حمود، من مجموعة إشراقات،
أكريليك على قماش، 100x120سم، 2004.

وتمضي مجموعة «إشراقات» عميقا في سبيل الامتياح من مقولات فلسفة الإشراق السهروردية بما يكفل إقصاء احتمالية المصادفة – ويطرح بذات القوة لحقيقة الإحاطة الشاملة لـ«ياسر حمود» بالأسس الفكرية لمشروعه الثري – وذلك حين تتجاوز الأعمال سطحية المشاكلة الأحادية إلى أفق التماهي الخالص؛ فلم ينشغل حمود في سياق وساطته البصرية بقضية النور/ الضوء فقط، وإنما شخصت المسألة الديناميكية بذات القدر من الأهمية؛ فمجموعة «إشراقات» تدشن احتفاء غير منكور بحركية المسطح التصويري على نحو يتجاوز محض الضرورة التكوينية إلى الانشغال الحميم بإجلاء كيفيات الصعود والهبوط في معارج الفيض الروحي؛ وهو السر الذي تسبب في شحن المجموعة بهذه الطاقة الحركية المشبوبة التي تتراوح بين أقصى درجات الوجد الانفجاري (شكل رقم2) وأوفى حالات «طاقة الوضع» الكامنة وقارا (شكل رقم3)، وهي خصيصة تشهد مكافئها العرفاني في فلسفة الإشراق السهروردية؛ فأحياناً يستبدل «السهروردي» بالإشراق والمشاهدة فِعْلَي «العشق» و«القهر»، أي: «العشق، به ينتظم الله الوجود صعوداً، وبالقهر ينتظمه نزولاً. والنفوس منطوية في قهر نورية العقول.»(4)، وفي مجال الحركة نرى نظام الوجود، العلوي والأرضي، في صيغته الإشراقية، نظاماً حركياً شاملاً. فكل وحداته، صعوداً ونزولاً، مشاهدةً وإشراقاً، متحركة في صورة ديناميَّة دون انقطاع.


وحين يباشر «ياسر حمود» المسألة اللونية فإنه لا يتوانى عن إعلان انحيازه المطلق للمجموعات الساخنة؛ تلك التي تشخص كترجمان أمين للسان حال الوجد المشبوب نحو معانقة الأبدي، وانصهار الروح في أتون شوقها الجارف للمعاينة والمشاهدة. غير أنه لا يعدم اتصالا بالألق الكهربي للمجموعات الباردة – وإن بنسبة أقل – والتي مارست حضورا لافتا من خلال خمسة أعمال كرست لسيادة الأزرق المتسامي في تكوينات سماوية تستحضر لانهائية الانعتاق الأخروي.


شكل رقم 4: ياسر حمود، من مجموعة إشراقات،
أكريليك على قماش، 120x145، 2006.


ولا يخلو انحياز «حمود» للألوان الساخنة في الإشراقات على حساب الباردة من منطقية؛ فمن المسلم به أن لحظة الكشف الأعظم والانفتاح على العلوي لا تأتي إلاَّ في ختام سلسلة طويلة من المكابدات التي قد تستغرق عمر المريد بأكمله قبل أن يُسمح له باختلاس النظر إلى (الحقيقة كما هي)، بل وربما اقترنت هذه اللحظة بشهقة الموت، لتصير بهذا المفهوم (خلقا جديدا بالموت) وانعكاسا استعاديا للحظة الخلق الأولى؛ تلك التي أشرقت الذات الأولى من خلالها على الكون المخلوق من خلال فعل الأمر بإشراق النور «3. وقالَ اللهُ: «لِيكُنْ نُورٌ»، فكانَ نُورٌ. 4 ورأى اللهُ أنَّ النُّورَ حَسَنٌ. وفصَلَ اللهُ بَينَ النُّورِ والظَّلامِ. 5 وسَمَّى اللهُ النُّورَ نهارًا والظَّلامَ ليلاً. وكانَ مساءٌ وكانَ صباحٌ: يومٌ أوَّلُ»(5)، فتصير تنويعات «حمود» الباردة في هذا السياق احتفاء بإشراق الألق الصباحي وبزوغ نور الوعي من رحم ظلمة الاحتجاب (شكل رقم4)، وتتأكد مرة أخرى شرعية تصديره للمجموعة ببيانه الشخصي/ قصيدته التي يقول فيها: «وأسأل الغائبين، كيف يكون أول سمعهم قولا من نور»؛ فأول سمعهم – من حيث هم مخلوقات تشهد لحظة خلقها – لا بد وأن يكون إنصاتا لأصداء أمر الخلق بوجوب إشراق النور؛ الأمر الذي يتواشج على نحو عجائبي مع ما سبق وأن أورده «السهروردي» في بعض مؤلفاته، وذلك حين يقول في سياق قصته الوعرة الواردة في سياق كتابه «رسالة جناح جبريل» – والتي يحكي فيها عن لحظة اطلاعه على مجموعة من الشيوخ الربانيين – أن كبير هؤلاء الشيوخ قد قال له: «اعلم أني لي كلمات هي جزء من كلمته النورانية، بعضُها يقع فوق بعض، حتى اكتمال العدد»، وهو تواشج يشهد على مصداقيته ما سبق وأن ذهب إليه «شمس الدين الشهرزوري» في شرحه لفلسفة الإشراق السهروردية بقوله: «إن فلسفة الإشراق هي فلسفة الفيض وهي..... تعتمد على الكشف والذوق ولذلك فهي مرتبطة بالإشراق والذي هو تجل لأنوار العقل في مبادئه الأولية وانبثاقها من الأرواح الصافية عند تحررها من مسألة الجسمانية»(6)؛ الأمر الذي يستدعي حضورا قويا لفكرة (الخلاص) بمفهومها المسيحي فضلا عن بعدها الصوفي الإسلامي، وهو ما يؤكد الاستبصار الثاقب للمستشرق الفرنسي الكبير «هنري كوربان» Henri Corbin (1903- 1978) حين وصف فلسفة انبثاق النور في كتاب «حكمة الإشراق» بقوله إنها: (ميتافيزيقا الضوء والظلام)، مشيرا إلى أهمية الالتفات للعناصر الميثولوجية في فكر «السهروردي»؛ مما يدفعنا إلى الرضوخ لإغراء استعارة توصيفات «كوربان» السالفة لنقول بمنتهى الطمأنينة أن إشراقات «ياسر حمود» تجسد انتصارا بصريا لـ«ميتافيزيقا الضوء والظلام»، متخذة من الأداء التقني مطية لتحرير (العناصر الميثولوجية)؛ تلك التي تقودنا رأسا إلى محاولة استجلاء موضوعة (العناصر) من حيث هي مرايا لظهور (صور الوجود) في إشراقات «ياسر حمود».



شكل رقم 5: جوزيف تورنر، عاصفة ثلجية،
زيت على قماش، بريطانيا، 1842.

2- إشراق العناصر... من الإرث السيميائي إلى مراتب الموجودات:
حين عمد الرومانسي الثائر «جوزيف تورنر» Joseph Mollard William Turner (1775- 1851) اقتناص روح عنصري الماء والهواء في عمله «العاصفة الثلجية»، اتخذ من اللون والحركة ركيزتين أوليتين لاقتراح حضور قيمتي البرودة والرطوبة المستجنتين في أصل العنصرين المذكورين؛ فكان أن انثال الأزرق والأبيض في تهويمات دوامية تعصف بمادية السفينة المشرفة على الغرق، والتي تشظى كيانها الترابي الثقيل حتى أوشك على الرضوخ طيرانا مع الدخان البني (شكل رقم 5)، إنها ملحمة العناصر حين تتعاطى في ديمومتها الحوارية كي تسجل ما لا نهاية له من صور الصراعات والتناغمات، التباينات والتوافقات، التنافرات والتصالحات؛ والتي تطرح تنويعات من الصور لا قبل للإدراك بالإحاطة بها دون التماس العون لدى تراث المقولات المرتبطة بفكرة «العناصر الأربعة» - الماء، الهواء، التراب، النار – تلك التي امتد سلطانها خلال حقبة العصور الوسطى ليشمل أسس تطبيب النفوس والأجسام – فيما عرف بنظرية الطبائع الأربعة.

شكل رقم 6: بول جينكينز، ظاهرة الصعود الخفي،
أكريليك على قماش، أمريكا، 2002.

وكانت هذه النظرية أساس علم الطب في العصور الوسطى وعلم السيمياء أو الكيمياء القديمة... وكانت هذه العناصر في الجسم البشرى أسمها الأخلاط، وهى الدم والبلغم والصفراء والسوداء... وكان للأخلاط اتصال وثيق بعناصر الطبيعة، فالمعروف أن النار ساخنة جافة والهواء ساخن رطب والماء بارد رطب والأرض باردة جافة فكانت النار إذاً على اتصال بالصفراء والهواء بالدم والماء بالبلغم والأرض أو التربة بالسوداء. وكانت هذه النظرية الطبية تقرأن أمراض الجسم والحالات النفسية كلها نتيجة لنوع العلاقة بين الأخلاط بعضها مع بعض. إذ تتصاعد من هذه الأخلاط ما يشبه الأبخرة التي تصعد إلى المخ فتؤدى إلى خلل في التوازن العقلي نتيجة تغلب خلط على غيره... إذا تغلب خلط على غيره أدى ذلك إلى تغلب مزاج أو حالة نفسية على غيرها. ولذلك امتد معنى الخلط ليشمل المزاج. وبناء على ذلك إذا كان الخلط الغالب هو الدم سمي المزاج دموياً وسماته المرح والطيبة وشدة العشق والتفاؤل وإذا كان الخلط الغالب الصفراء سمي المزاج صفراوياً واتسم صاحبه بالعناد والضجر وسرعة الغضب والنزوع إلى أخذ الثأر وإذا كان الغالب هو البلغم سمي المزاج بلغمياً واتسم صاحبه بالجبن والبلادة والكسل وضعف الفطنة، أما صاحب المزاج السوداوي فسمته الإسراف في التأمل والاكتئاب والتكلف والنهم وحب الهجاء. جيفري تشوسر، حكايات كانتربري، ترجمة وتقديم وتعليق مجدي وهبة وعبد الحميد يونس، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1983، ص 34،35.')"; onMouseout="hideddrivetip()">(7) - وطموحات علم «السيمياء» Alchemy لتحويل المعادن الخسيسة إلى ذهب واستحضار إكسير الخلود من طريق معرفة أسس التناسب بين العناصر المذكورة التي اعتُبرت خمائر أولية لوجود الخلائق، والتي ارتبط كل منها بأنساق كاملة من تراتبيات الحياة النباتية والحيوانية، فضلا عن المعادن والأحجار، وقبل كل ذلك (الألوان)؛ وهو ما أجلاه المشتغلون بالتنجيم من حيث تقسيمهم للكواكب السبعة – وفق نظام «بطليموس» القديم – إلى أربعة مجموعات، يتبع كل كوكب بحسابها أحد العناصر الأربعة ليصير مؤثرا وفقا لذلك على الطبائع المرتبطة بها، مع ارتباطه بلون أو عدة ألوان تميز سير العمليات التوافقية تبعا للمخطط الآتي:




شكل رقم 7: ياسر حمود، من مجموعة إشراقات،
أكريليك على قماش، 80x100، 2005.

زحل: السواد الحالك وما مزج سواده صفرة واللون الرصاصي.
المشتري: الغبرة والبياض المشوب بصفرة أو سمرة ولون الضباب والبريق.
المريخ: الحمرة المظلمة أو الداكنة.
الشمس: الضياء أو الصفرة أو الذهبي.
الزهرة: البياض الناصع، و لهاالسمرة وقيل لها الخضرة.
عطارد: ممتزج اللون.
القمر: الزرقة والبياض الذي لم يخلص من حمرة أو صفرة.





شكل رقم 8: ياسر حمود، مجموعة إشراقات،
أكريليك على قماش، 100x120، 2006.

ولم يقتصر تأثير هذه المفاهيم على مناشط الإبداع في العصور السالفة المشار إليها فقط؛ وإنما مارس – ولا يزال – حضوراً ملحوظاً في إبداعات كثير من الفنانين، لعل أشهرهم في الوقت الراهن الفنان الأمريكي «بول جينكينز» Paul Jenkins (مواليد 1923)، والذي تمثل الديانات والفلسفات الشرقية – لاسيما كتاب التحولات الصيني «إي تشينج» I Ching – إضافة إلى كتابات «كارل يونج» Carl. G. Jung المنطلقات الأساسية لفنه الذي يطرح من خلاله – كما في أسلوب حياته الشخصية – رؤاه المسطيقية (Mistic) (شكل رقم 6).

شكل رقم 9: ياسر حمود، مجموعة إشراقات،
أكريليك وخامات أخرى على قماش، 122x152، 2007.

وعلى العكس من «تورنر» – وفقا لما تأولناه في عمله السابق – و»جينكينز» تبعا لما تشهد به أعماله المستمدة من المقولات الماورائية وعلم النفس اليونجي؛ تبدو إشراقات «ياسر حمود» تجاوزية وممعنة في الإيغال خلف ظاهر المقولات، إذ أنه لم يتوقف في إشراقاته عند محض الانشغال الشكلاني بترجمة التباديل والتوافيق اللونية وفق حسابات عقلية مؤسسة على الإدراك الواعي لمنظومة العناصر الأربعة؛ وإنما نبعت القضية في مجموعة «إشراقات» بالنظر إلى ارتباط الفضاء العام لها بالمقولة الإشراقية التي تبطن فيما تبطن إدراكا حادا بحقيقة (جدلية التحول)؛ تلك التي لا يقتصر تأثيرها على الوعي فقط خلال إشراق النور عليه، وإنما تطال المستوى المادي للوجود – بوصفه تحققا عيانيا لباطن الوعي – ليصير بالإمكان حدوث تحول للصورة العنصرية إلى أخرى مغايرة، كترجمة مادية لمرتبة الوعي الجديدة المكتسب خلال المكابدة؛ وهو ما يحيل المسألة برمتها إلى نظرية تكوين الإنسان وفقا لإنجيل «برنابا» حين نقرأ فيه: «قال يسوع إن إلهنا لأجل أن يظهر لخلائقه جوده ورحمته وقدرته على كل شئ، مع كرمه وعدله، صنع مركباً من أربعة أشياء متضاربة ووّحدها في شبح واحد نهائي هو الإنسان، وهى التراب والهواء والماء والنار ليعدل كل منها ضده، وصنع من هذه الأشياء الأربعة إناء وهو جسد الإنسان من لحم وعظام ودم ونخاع وجلد مع أعصاب وأوردة وسائر أجزائه الباطنية. ووضع الله فيه النفس والحس بمثابة يدين لهذه الحياة»(8)، وهو ما يطرح بدوره لفكرة (إمكانية التحول) التي يبررها كمون العناصر في الذات الإنسانية جنبا إلى جنب على وفاق - «قولوا لي لماذا كان التراب والهواء والماء والنار متحدة بالإنسان ومحفوظة على وفاق؟ مع أن الماء يطفئ اللهب والتراب يهرب من الهواء حتى أنه لا يقدر أحد أن يؤلف بينها»(9) - في انتظار اختبارات من شأنها أن تعلي بعضها على حساب بعض تبعا لطبيعة الاختبار/ المشاهدة/ الإشراق؛ الأمر الذي ترجمه «حمود» في إشراقاته من خلال استحضار حالات شتى من دفقات الوعي المتباين، من الانصهار في أتون الشواظ الناري (شكل رقم 7) إلى الارتطام بعنفوان الدفق المائي (شكل رقم 8)، ومن تشظي الهشاش المذرى في الهواء (شكل رقم 9) إلى ممارسة نزق الاستمتاع بترك الآثار على أديم العجينة الترابية (شكل رقم 10).

شكل رقم 10: ياسر حمود، مجموعة إشراقات،
(تفصيلية)، أكريليك وخامات أخرى على قماش، 100x120، 2007.

وبذا، يتضح بجلاء أن مقاربات «ياسر حمود» في هذا السياق قد جاوزت السياق التقليدي لفكرة العناصر الأربعة بمفهومها السكوني، إلى فضاء أرحب تنعم فيه التحولات الديناميكية بجود مركزي يقترب كثيرا من تراث (العناصر الخمسة) الصينية؛ إذ رأى الصينيون أن الكون مركب من عناصر خمسة هي الماء والنار والمعدن والخشب والتراب، وتعتبر العناصر أو البنية الأساسية للعالم المادي، هذه العناصر في حالة دائمة من الحركة والتغير يؤثر كل منها في الآخر عن طريق أشكال مختلفة من التفاعل.

وليس المراد هنا إجراء مقارنة بين النظام الصيني بعناصره الخمسة والنظام الرباعي المشهور؛ وإنما المعول هو الالتفات إلى أشكال التفاعل بين العناصر الخمسة، والتي يمكن حصرها ضمن نسقين أساسيين هما:

(1) التولّد المتبادل:
والمقصود به التكاثر والترقي من شكل لآخر. ودورة التوالد المتبادل تبدأ بالخشب الذي يولد النار، والنار تولد التراب، والتراب يولد المعدن، والمعدن يولد الماء، الذي يعود ويولد الخشب مرة أخرى. هكذا نجد أن هذا شكل من أشكال التفاعل بين العناصر الخمسة وهو عبارة عن دورة لا نهائية، وأن كل من هذه العناصر يحمل صفتين هما التوليد والتولّد؛ أي أن كل عنصر سبب في وجود عنصر آخر كما كان هو وليد أحد العناصر (علاقة الأم والابن).

(2) الخضوع المتبادل:
في هذا الشكل من التفاعل يحمل كل عنصر من العناصر الخمسة صفتان هما: الخضوع والإخضاع، فالخشب يُخضع التراب، كما أنه خاضع للمعدن، والنار خاضعة للماء، والماء خاضع للتراب، والمعدن خاضع للنار. إذن فالعنصر الخاضع هو العنصر الداني أو الأسفل والعنصر المخضع هو الأعلى. فعلاقة الخضوع المتبادل هي جوهر علاقة الأقوى بالأضعف.

شكل رقم 11: وليم بليك، أقدم الأيام،
من مجموعة نبوءة أوربا،
طباعة بارزة من سطح
معدني ملونة يدويا بألوان
مائية ورقائق ذهب على
ورق، إنجلترا، 1824.

لذلك نجد أن التولد المتبادل والخضوع المتبادل وجهان لعملة واحدة، فبدون الأول لا وجود ولا نماء ولا تطور، وبدون الأخر يصبح التطور والنمو لا نهائي فيزيد عن الحد وينقلب إلى الضد ويأخذ شكلاً مضرًا بالتوازن. فالحركة والتفاعل بين كل عناصر الطبيعة قائمة على هذان المفهومان ويظل التوازن بين تلك العناصر قائما طالما حفظ التوازن بين هاتين العلاقتين؛ الأمر الذي يتماشى تماما مع ما سبق وأن ذهبنا إليه من تقرير الحضور المركزي لقيمة الديناميكية في إشراقات «ياسر حمود»، تلك الديناميكية التي تكفل ديمومة الإشراق واتصاله، وهو الوجه الآخر من فكرة ثبات الأفكار ودوامها من حيث هي وسيط اتصالي ما بين العقل الكلي والذهن البشري تبعا لنظرية المعرفة Epistemology الأفلاطونية الجديدة التي بلورتها كتابات القديس «أغسطين» Augustine (354- 430).

شكل رقم 12: ياسر حمود، دراسات بالحبر على الورق،
21x15سم، 2006.

3- من «بليك» إلى «حمود»... دوافع الإشراق:
حين شرع «وليم بليك» William Blake (1757- 1827) في تنفيذ مجموعاته من الكتب الإشراقية/ مطبوعاته الإشراقية Illuminated books/ Illuminated prints في أواخر الثمانينيات من القرن الثامن عشر لم يكن دافعه لذلك تقنيا صرفا؛ فبداية من إعلانه للمصدر الغيبي الذي زعم أنه تلقى تقنية تنفيذها عنه(10)، مرورا بإخضاعه التقني لصالح الغيبي في أشعاره، والتي صور فيها عملية الحفر الحمضي للقوالب الطباعية الخاصة بهذه المطبوعات على أنها إحدى أسرار الغيب(11)، وانتهاء بالموضوعات والرموز الواردة فيها، كان «بليك» خاضعا تماما لسطوة الفكر الروحي الذي ملك عليه لبه من عدة أوجه؛ لاسيما التأثيرات التي تعرض لها خلال فترة انتمائه إلى مجموعة «أتباع سويدينبرج»(12) Swedenborgian Society، والتي شحنت خياله إلى حد الجهر بامتلاكه لقدرات نفسية استثنائية وقوى روحية خاصة تمكنه – على حد تصريحاته – من اختراق الحجب الفاصلة بين العالم المادي والعوالم الأخرى، ومنها عوالم الجن والأشباح والشياطين(13)، فضلا عن إيمانه بخليط من الأفكار المستمدة من كل من جان جاك روسو Jean Jacque Rousseau ( 1712 – 1778) و«أفلاطون»>

شكل رقم 13: ياسر حمود، من مجموعة إشراقات
أكريليك على قماش، 90x160، 2006

وخلاصات أعمال كل من «بوهيم»(14) Boehme والكتابات السيميائية ل«باراسيلسوس»(15) Paracelsus و«فلود»(16) Fludd و«أجريبا»(17) Agrippa وأيضا معرفته بالتراث الباطني الغربي، سواء الأصولي Orthodox أو الابتداعي Heterodox. ويلاحظ من خلال التعريف بالشخصيات المذكورة أن جميعهم من مؤسسي التقاليد السيميائية؛ وهو ما دمغ (إشراق) «بليك» بطابع عام من الباطنية(18) التي تركت أثرا غير منكورا على مجمل تجربته البصرية في هذا السياق، وهو ما يظهر جليا من خلال العمل التصديري الذي افتتح به مجموعة «نبوءة أوربا» Europe: A prophecy، والذي كان ثاني الكتب الإشراقية، نفذه «بليك» خلال سني الثورة الفرنسية وعقيب إعلان بريطانيا الحرب على فرنسا، مضمنا إياه رؤيته السياسية كجمهوري مخلص رافض لفكرة الحرب؛ إذ اختار «بليك» لحظة خلق العالم ليصورها تصويرا تعليليا غائيا ظهرت من خلاله نفحة الضوء الأولى وهي تصدر من لدن العقل الفعال باعتبارها قرارا مخططا وفق تقدير يحتفظ للمعرفة القياسية بمكانتها التي كفلها لها تراث الفكر الغنوصي(19)، فالفرجار الراسم لدائرة الوجود الواعي يستمد من عالم النور سره المقبوس لإتمام فعل الخلق (الإشراق) في عالم العماء(20)، وهي رؤية تبطن بداخلها فلسفة ثنوية(21) يشخص فيها عالمي النور والظلام كطرفي نقيض (شكل رقم 11)، مما يسلكها كرؤية إشراقية فيضية أقرب ما تكون إلى تصوف «القبالة اليهودي»(22). وعلى العكس من ذلك، فبالرغم من المشابهة الظاهرية – بخلاف التسمية كذلك – بين بعض البنى التكويني لبعض الأعمال الواردة ضمن إشراقات «ياسر حمود» وتلك التي ميزت كثرة من أعمال «بليك» في مطبوعاته الإشراقية؛ أعني منها تلك التي شخصت فيها الدائرة كمرتكز أساسي لكل من البناء التصميمي ومسار الحركة – وهو ما يؤكده التفات «حمود» لتفعيل طاقة الدائرة في مرحلة مبكرة من إعداد الرسوم التخطيطية (شكل رقم 12) – إلا أن الإمعان في تأمل النتاج الختامي لمجموعة «إشراقات» كفيل بأن يتجاوز بنا عتبة المشاكلة الظاهرية إلى أفق أرحب يعاود تأكيد ما سبق وأن خلصنا له من قبل بخصوص تجذر الوعي الصوفي الشرقي في صميم الإشراقات من وجهة نظر توحيدية صرفة؛ فتشظي الذات الباحثة عن طمأنينة الفيض لا ينبع لدى «ياسر حمود» إلا من حقيقة الانسلاخ المؤقت عن العلة الأولى، ومن ثم معاودة الالتئام والاتحاد بأصل السر (دائرة الوجود الأولى)، التي تنجذب إليها أشلاء الكيانات السابحة في فضاء المسطح التصويري رغما عنها (شكل رقم 13). والدائرة بدورها لاتني معاودة الانقسام الخلاق عبر مراتب الفيض كيما تنبجس عنها الفهومات في طبقات بعضها فوق بعض؛ وإن لم تعدم فيما بينها طرائق للاتصال عبر قنوات مستمدة من فيض العقل الأول (شكل رقم 14).

شكل رقم 14: ياسر حمود، من مجموعة إشراقات،
(تفصيلية)، أكريليك على قماش،
120x120، 2007.

هكذا تحدث «ياسر حمود» من خلال نصوص «إشراقات»... ليثبت جدارته في القبض على ناصية العنصر الخامس.

أ- المراجع العربية:
1- إبراهيم أسعد محمد، نظرات في تاريخ السحر، مطبعة الأمانة، مصر، 1970.
2- ثروت عكاشة، المعجم الموسوعي للمصطلحات الثقافية، الشركة المصرية العالمية للنشر، لونجمان، 1990.
3- حسين مروة، النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية، دار الفارابي، الطبعة الأولى، 2002، الجزء الثالث.
4- حي بن يقظان، تقديم وتعليق ألبير نصري نادر، دار المشرق، بيروت، الطبعة الرابعة
5- جيفري تشوسر، حكايات كانتربري، ترجمة وتقديم وتعليق مجدي وهبة وعبد الحميد يونس، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1993.
6- الشهرزوري، شرح حكمة الإشراق، تصحيح وتحقيق ومقدمة حسين ضيائي تربتي، ترجمة عمار كاظم محمد، مؤسسة مطالعات وتحقيقات، طهران، 1993.

ب- المراجع الأجنبية:
7- Ian Chilvers, The Concise Oxford Dictionary Of art &artists, Oxford University Press,1990.
8- Kathleen Raine, ًWilliam Blake, Thames & Hudson, London,1970.
9- Maurice Bessy, Magic and The Supernatural, Spring Books, New York, Seventh Impression.
10- Stuart Holroyd, Magic, Words & Numbers, Aldus Books Ltd, U. K. 1975,
11- Udo Becker, The Continuum Encyclopedia of Symbols, Translated by Lance W. Carmer, Continuum, New York, 2000.
12- www.arcgl.org/fludd2.html