فضاء ياسر حمود

رسالة في الضوء المبارك الذي يغسل الرغبة من أدرانها

فضاء ياسر حمود

في أعماله الأخيرة، يشتغل ياسر على الضوء الذي يشع من داخل الأشياء بدلاً من ذاك الذي ينصب عليها من الخارج، وهذا هو الفرق بين الباطن والظاهر، بين الرؤيا والرؤية، بين الأعماق والسطوح.. فياسر مشغول بالضوء الذي ينبجس من عتمة الجسد عبر بريق العين ووهج الروح التي تريد الانعتاق من أوثان الخط والشكل في الرسم الذي عرّفه الفلاسفة الأوائل بأنه محاكاة للطبيعة والواقع.

وياسر حمود يُصعِّب على نفسه الأسئلة، أسئلة الحياة والموت، قبل أن يبحث عن الأجوبة في اللون والتقنية حيث يقود الألوان إلى أقصى طاقتها وأدق درجاتها الموسيقية، إذ ثمة ضوء مختزن في عصارتها يحتاج إلى تجارب مضنية قبل الوصول إلى المبتغى والمشتهى في فردوس التلوين والتشكيل... وهنا يهتدي ياسر إلى ألوان الموسيقى ودقة تدرجاتها في عين المتلقي وأذنه وقلبه وسائر جسده.. إنها موسيقى متراقصة في ألوان الزبد المتكسر فوق زرقة الموج، وحركة الريح في بياض الغيم، وشفافية النسيم المنتفخ داخل أوراق الغصن...

وهذه اللوحات إنما هي رسالة في الضوء والموسيقى ضمن سياق زمني نستعيد معه تخيلات النشوء والتشكل بعد الانفجار الكوني الذي خرجت منه الحياة بعد العدم، والحركة بعد السكون، واليقظة بعد النوم، حيث تتضح ملامح الأشياء رويداً إلى أن تستوي في نضوجها وكمالها الفني، وبدقة رياضية تميز بين درجة الضوء المتلألئ في نقطة الدمع على مجرى العين، وبين قطرة الندى المنسابة على خد العشب.. إنه تشكيل ينسف نظرية الموشور في انعكاس الضوء، ويحطم أصنامه العتيقة في كعبة الفن الكلاسيكي التي برع فيها ياسر حمود في بداياته التشكيلية قبل أن يصل إلى التجريد الصوفي في معرضه هذا.


نبيل صالح