فضاء ياسر حمود

إشراقات..
السفر إلى منتهى السر

فضاء ياسر حمود

حجبهم في الإسم فعاشوا... ولو كشف لهم الحقيقة لماتوا
الحلاج

يلبي الفنان الحياة فتلبسه، طالما هو في الأبعاد المادية لوجوده. إنها اللحظة التي ينسى فيها ملامحه ليتجاوز بذرة حقيقته الوجودية، ويمضي خارج حدود اللحظة في وسط لا يعرف مراميه، ليبدأ تأليف مسطح يماثله تماماً. وهو إذ يفترض الوصول إلى حالة الكشف، فإنه يستنزف أقصى ما يمكنه من احتضان الحقيقة المنشودة في كل مرة، بعد أن تتحول طريقة مروره إلى المسطح، إلى بديهيةًٍ على صلة بصورة الفضاء الماورائي للعالم. ولعله في اختصاره للمراحل التقنية يختصر ما ورث من معارف عن التناول الهندسي للسطح، باعتباره حامل الجوهر الذي ينشده.

إشراقات، المعرض الأخير للفنان ياسر حمود الذي زرته في دمشق، ساعدني على تكوين صورة ذهنية متوازنة لاستيعاب تجربة الفنان. خاصة أن طريقة الحجب التي يمارسها تستنفر حالة قصوى من التحدي لاختراق هذا السياق، والكشف عن حيوية التأمل التي تخترق قوالبها المعهودة، لتبدو الفكرة بأنه يمارس حيرته المُوحية، دون اللجوء إلى أحكام قطعية. فاسحاً المجال لحوار هو في غاية البساطة والتعقيد معاً؛ البساطة المنطلقة من وحدة الموضوع، ومسلكه التقني المفرط في الثقة بإمكانات المادة التي عليها أن تحمل مختلف الاقتباسات لبلاغة الحركة، دون أن يتأسى على تصوراته التي يهملها لحظة الفعل. والتعقيد الذي يحاول عبره توسيع إمكاناتنا لتصور الفن، بالإحالة إلى الخبرة التي تجعل نتاجه يحمل طابعاً مميزاً.

في إحدى ثلاثياته التي يحتلها السواد كاملاً - باستثناء إضاءات واهنة - يمكن ملاحظة التحدي الذي يختاره الفنان في بناء عالمه الخاص، وموقفه التراجيدي من الأحداث التي تجري حوله في العالم. ولعل إلغاء التفاصيل في مثل هذه المساحة مع توقع ظهورها في كل لحظة يحقق تمثيلاً للقدر الممتد خارج زمانية العمل؛ ما يفتح المجال أكثر لولوج رؤيته، التي لا تجعله في موقع برزخي بين الماضي والمستقبل، بل هي تتيح له - عبر الإلغاء - محاكاة الملغي، أو المستور، باستعراض مرونة اللون الأسود، كدليل على لا نهائية الامتداد، وإشارة إلى وجهه الآخر، المبصور حقيقةً، والذي يمتلك من الحرية بمقدار ما تشير إليه الصياغات المشابهة التي يلجأ إليها ياسر حمود في أعمال أخرى. دون أن يكون هذا العمل النموذج الذي تدور في حدوده تجربته الأخيرة، بعيداً عن الأيقونات الأولى، التي شكلت معبراً إلى قرار الحسم الذي يبرره معرضه الأخير «إشراقات».

مجازاً، يمكن أن أعتبر أن مشاهدة هذا المعرض بشكل متكامل هو بنية أساسية لمناقشة اشتغال ياسر الأخير، رغم مشاهدتي لبعض أعماله الأخيرة متفرقة في مشغله، وأقصد بالبنية تجاور التجربة معروضة في فضاء واحد. ما يجعل من مشاهدتها سبيلاً للاعتراف بوجودها بالدرجة الأولى في ساحة الاعتراف كمخلوقات معزولة عن مبدعها، تتيح السعي لاكتشافها، وتلمس قوة حضورها، وتأويل الصلة بها بشكل تجريدي لا تحضر فيه الأدوات والمواد والمواقف والتوصيفات. حيث يمكن ببساطة الاشتباك مع هذا الموجود باعتباره حقيقة مجازية تنطوي على طريقة إنجازها من جهة، ومن جهة أخرى على المفاهيم التي يقترحها الفنان كل مرة، لإثارة الرغبة بالاشتباك معها، دون إلحاح على تصوراتنا لمقارنتها بما شاهدنا من قبل، أو بما نتملكه من معارف عن هذا النوع من الأعمال الفنية. حيث «حقيقة الموجود تضع نفسها في العمل الفني»، وحيث يكون الفنان «محطماً لذاته أثناء عملية الإبداع من أجل إنتاج العمل الفني» حسب مارتن هايدجر.

إذن هل يمكن أن تكون هذه الإشراقات بما تحمله من ذاتية موقعاً للعبور إلى العالم؟ وهل يمكن أن نستنير من خلالها إلى بناء عالم خاص خارج شيئية الموجود؟

من الضروري البوح بأن هذا الموجود من الأعمال الفنية مرتبط بجوهره دون شروط، ولهذا فهي تكشف عن عالمها عبر وحدتها وانتمائها. وبمقدار ما تكشف عن نفسها، فإنها تتيح لمشاهدها أن يكشف لها عن نفسه، إذ يرتبط تحققها بمشاهدتنا. يقول ابن عربي: «كنتُ كنزاً مخفياً فأحببتُ أن أُعرف فخَلقت خلقاً فبي عرفوني»، ولهذا فإن العبور من القتامة إلى الضياء، ومن السكون إلى الحركة، يمثلان في تعارض كل منهما الجسر الذي يمنح انتقال العمل الفني من العماء إلى الوجود، عبر خيال فاعل وخلاق، يصدر عنه الظهور الذي نتلقاه، والتجلي الذي جعل الفنان يتجاوز ظروفه لتجسيد تخيلاته، باعتبارها قوة وتوتراً لم تقده لتشخيصها كما كان يفعل في السابق، بل لإبقائهما في حالة الصعود المستمر في الحجب، وتكثيف ما يجعلهما أكثر قدرة على تميّز المستور فيهما، الذي هو جزء من جوهر عالمهما، والأسرار التي نسعى لتفكيك رموزها، من خلال الصورة التي تتعدد طرق تأويلها، وروحنة صلتنا بها. كلّ هذا يؤثر في التبادل الذي يقوم بين المرئي والمدرك، وكل ما ينتج عنه من تغييرات في التصور، وطريقة الاستجابة، وإعادة بناء حكمة المشاهد، من خلال ما تقدمه الحالة من استنارة يشكل الفن أهم مثيراتها. والحقيقة أن فعل المشاهدة يتطلب إدراك الفرق بين الخيال والوهم، لتسهيل قراءة أعمال الفنان ياسر حمود، الذي يستند على معارف صوفية تتولى مسار دلالات أعماله، وكل ما تولده من انعكاسات على تمظهر مرئياته الإشراقية.

تقترح الظلمة نورها، ويستمد النور سلطته من الظلمة، وهي ممكنات يخصها الفنان بالحضور بصور مختلفة. بيد أنها إلى جانب دورها المحسوس، تشكل إشارة واضحة لفهمه أن النور المنبثق من ذاته هو الأصل، لعلاقته مع الحق. فهو على اطلاع بأن هناك ظلاً للنور وظلاً للظلمة، وأن ظل النور مقابل لظل الظلمة، وأن اللون يبقى ظلاً في النور المطلق(1).

إذن، فإن وراء هذه الأعمال فنان يتقصى الحوار مع إرثه المعرفي، بفعالية تجعله قادراً على تمثل هذه العلاقة، وإحضارها بقوة في أعماله، وبتنامٍ يتضح في مروره الحساس والشاعري من هوة السكون إلى بهاء الصورة التي يشتق عبرها كيان أعماله، بعيداً عن اعتباره وسيطاً، وإنما بكونه الفاعل الأساسي في حركة ولادتها، لتحريرها من كمونها، بتفاعلية إنسانية تجعله متفانياً في عمله، بمقدار ما يتفانى العمل به، يربطهما حالة من الحنين المشترك للوصول إلى إلغاء الغمة التي لا ينهيها إلا الكشف والتوق للتمظهر. ولهذا فإن ياسر يفصح عن نفسه بأعماله، فيحمل إشراقها، وتحمل تجلياته. تبادلٌ فيه الكثير من الوفاء، باعتبارها شواهد تنطق عنه بكل ما تحمله من لا مرئيات يمكن رؤيتها بالقلب، وعبر طريقة التنفس التي تمنحنا السكينة ونحن نعيد تصورنا لجوهرها.

ما توفره هذه الأعمال من إضاءات عن الأبعاد الاتصالية التي يقوم بها الفن، تؤكد أن كل منا يمكن أن يفكر بها انطلاقاً من ذاته. تماماً بالتطابق الذي يقوم به الفنان وهو يسعى لإثارة التحدي في جعل كل مشاهد يحاكيها بلغته الخاصة، ليس باعتبارها حقيقة مطلقة، بل باعتبارها وجهة نظر تشتمل على الصدق، وحسن الصياغة، وقوة الإنجاز، ورؤيةً يتقاسمها والعالم من حوله. كلّ ذلك، يشكل اللغة التي تحكيها أعمال الفنان في إطار بنيتها الزمانية الخاصة، وعبر الإيقاعات الجسدية التي يعتمدها لحظة إنجاز العمل، والتي تتحول إلى نغمات لونية وحركية يتردد صداها في أغلب أعماله، حيث يمكن التقاطها كلما أدخلنا ذواتنا في عملية توليد الإيقاعات الإضافية التي تمنح العمل توهجه، وتمنحنا في الوقت ذاته الاستغراق بها، ليتسامى إحساسنا بالحياة.

إن الرغبة باللا نهائي لم تكف عن اختراق الكائن الإنساني (ميشيل مافيزولي)، وثمة حالات متعددة لهذا اللا نهائي في أعمال ياسر، وقد يكون تعدد تصور اللانهائي وتنوع تناوله واحداً من الآثار التي يتجلى فيها الانتباه لنسيج العمل، والشبكة التي يفترضها، لحمل الأحاسيس والعواطف إلى مواقعها على مسار اللانهائي. وهنا لا أريد بالتأكيد الإشارة إلى منهج، أو سياق، قدر إشارتي إلى أنه من المستحب النظر إلى طريقة الفنان في تركيب شبكته البصرية، وخلق كساء من العلاقات الحارة المفعمة بالأحلام، التي توفر جاذبية للاستذكار، وحيث توفر المرئيات التي لا يمكن اختصارها مادة الإثارة التي تدخلنا في العالم الحي للوحة.

يبدو أن اختيار هذا الجانب الحي لم يحضّر له على الإطلاق، بل هو اختيار دافئ للحركة والألوان، الأسود المفحم، وكل ما سيضيء بعد ذلك، وكل مايجعل الحرية دون حدود، ونبضاً يتطابق وجسد وإرادة الفنان وهو يقصي برود الهندسة، ليتجاوز حدود نفسه إلى مشاعر تسكن جلدة الألوان، وتختفي وراء السطح الحار لتحيا باستمرار. هذا ما يؤكد أننا ونحن نقف قبالة العمل نحاول أن نخفف من التوترات، لنتمكن من استقبال الأفكار الموضوعة على مذبح الحلم، والمرسلة بتلك الحيوية إلى مختبر الحياة، أو أي موقع لعرض الأعمال، حيث تقف عارية من تلك اللحظات التي كان الفنان يضفي عبرها ما يمكن دعوته صراع الإنجاز، وتجاوز كل القوانين - بما فيها الجاذبية الأرضية - لاسترجاع التشكيل الذي على اللوحة أن تكونه، دون أن يذوي في غياهب الكفاءة، ونور المتوسط، والذاكرة المدربة، والمكان الهائم، والجسد الحبيس في ذاته، أوالمنتشي بغيبوبته. تماماً كاللون الأسود المتكرر في غير عمل، والذي يسهل استقبالنا لهذه الفكرة، الفضاء الغائب – الحاضر، الذي يحجب المشاعر، ويغتال المقدرة على التفكير والتخيّل للحظات، قبل أن تنتفض الذاكرة لإعادة تخيّل الكثير من الصور. ولعله في اتخاذه هيئة المحايد يحوّل كل التأثيرات والملامس والخطوط إلى حالة سابحة بين عين المتفرج ونوايا الفنان، وبشكل متحول بالغ السرعة.

كل شيء جامد وهامد وبارد في العمق اللا متناهي، يقابل ذلك توهج حميم للخطوط السريعة، والنقاط الموزعة ضمن معادلة اللوحة وخصوصيتها. قريب حي يتلاشى عبر أطرافه، وبعضه يقطع حواف العمل وكأنه يمضي إلى انفجار. كل تفصيل ممتلئ بذاته، وهو قابل للتشظي وإعادة التكون. و(بهارمونية) الرؤية الواحدة تتجمع التفاصيل في اللوحة التي لا بداية لها أو نهاية، وهي تؤكد مفاهيم تتعلق بالمصير والخلود والهوية خارج أي إيحاء للفوضى. فالعمل صادر عن مبدعه الذي يحاول كل مرة أن يحوّل اللوحة إلى خطاب بصري يدور في فلكه عبر المادة والتقنية، وهذا ما يعني توافق الحضور والوجود، الحضور الذي هو أكمل وأسمى وأعلى من الوجود الفعلي للعمل، رغم ارتباط أطراف هذه المعادلة بعلة الواحد الذي ينفح رؤيته في الموجود، الفنان المتأمل الذي يذوي العالم من حوله، وتضيع ملامحه حين يقابل البياض للتركيز على نقطة واحدة من الفضاء الأشمل الذي لا داخل له، ولا خارج، ليبدأ تحرير نفسه مما يعرف.

يقول أفلوطين بخصوص الواحد في الميمن العاشر من كتاب أثولوجيات بن ناعمة الحمصي في (العلة الأولى والأشياء التي ابتعدت عنها): «الواحد المحض هو علة الأشياء كلها، وليس كشيء من الأشياء، بل هو بدء الشيء، وليس هو الأشياء، بل الأشياء كلها فيه، وهو ليس في شيء من الأشياء، وذلك لأن الأشياء إنما انبجست منه وبه ثباتها وقوامها، وإليه مرجعها. فإن قال قائل: كيف يمكن أن تكون الأشياء في الواحد المبسوط الذي ليس فيه ثنوية ولا كثرة في جهة من الجهات؟ قلنا: لأنه واحد محض مبسوط ليس فيه شيء من الأشياء، فلما كان واحداً محضاً انبجست منه الأشياء كلها، وذلك أنه لما لم تكن له هوية انبجست منه الهوية»(2).

قد يكون هذا أحد الأسباب التي دعت ياسر كي يقول:
«فأنا أبحث عن نقطة اختزلت كل الخطوط.
تلد نوراً، آت من هيكل الشمس.
ضوءه سري، أراه وقت لا بصر بعد
أبيضاً يجاور أبيض،
هذي كل ألواني».

ولعل التساؤل الأكبر الذي تدور في فضائه شفافية الصلة بما يفكر فيه هو:
«كيف يكون عدم الشكل»؟

هذا يعني أنه يمضي إلى منتهى السر، ليستدعي جماليته، وينتشي بكينونته. وكما يحاول «قتل الموت بالفن» تنبجس المفارقات الخطية واللونية من الأسود، في إطار سعيه للتساؤل عن فعل الكينونة. وهو بقهر العدم يحيل الأخير إلى «كن»، كاف الكلي، ونون المعرفة. وإذا كان الفلاسفة والمتصوفة قد بينوا المراد في الذهن بترميز الخيال، فإن خيالهم لجأ إلى الحروف فرمزوها وشحنوها بالبيان لتجسيدها،في حين تركوا المعنى سابحاً في المستحيلات داخلها ليبقى أسير المفاجئ الذي لا يرتبط بمكان أو زمان.
« أنتظر سقوط السماء على أرضي لأرسم أبعادها».

إنه الحدث، غاية المعنى، المتعين في الاعتراف بانتهاء إنجاز العمل الفني وانتقاله من اللاملموس إلى الملموس، من الخيال إلى الواقع، بكل ما يحمله من تصورات وتحديات ومعانٍ بقيت تفور في روح الفنان حتى لحظة دخولها في عالم النون، لتتحول اللوحة إلى نص بصري مركب لا يمكن تفكيكه إلا بالتأويل، وعبر المنطلقات التي شكلته، والمرجعيات المخلّقة له. وإلاّ فما معنى أن نتساءل عن العلاقة بين فضاءات مثل هذه الأعمال وصلتها من جهة بالمعنى، ومن جهة أخرى باللامعنى، تماماً كعلاقة السواد أو القتامة بما هو غيرها.

إذن فياسر يتساءل وهو عارف بأن الصورة التي يمضي إليها كل مرة يتشكل معناها من النور، وبأن الكأس التي كان يرسمها سابقا كانت ظلاً، وأن النور وحده هو الذي كان يمنحها وجودها، وأن صلة السلب بالإيجاب هي صلة الظلمة بالنور، وهي صلات تنطوي على مبدأ الاستحالة أو المستحيل. ولعل ياسر في هذا المقام يحاول الاستفادة من هذا المفهوم للبرهان على المتحقق، وهنا تبرز لعبته بالنقائض التي تتجسد في أعماله بجلاء، والتي جعلته يقتبس من أدونيس:
«في أعماقي ضوء أشعر أن له فماً، وأنه يوشوشني دائماً:
ليس النور لكي يقودك إلى الوضوح
بل هو لكي يقودك أكثر فأكثر نحو التخوم الهائلة لليل المعنى.
فليس الوضوح نهاية الغموض
إنه على العكس، بدايته».

وفي النقائض مسافة للاختلاف، وبذلك فإني إذ أناقش المعبر الجمالي للفنان دون أن أضع مسافة بيني وبين أعماله – بخاصة مجموعة إشراقات – فإني أحاول أن أحيل ما يتكشف لي إلى لغة تقارب منطلق ياسر في فهمه لمرجعية شيئية اللوحة، وجوهرها، والأسس التي تؤدي إلى تفاعل عمليتي (الحضور – الوجود) و(الوجود – الحضور)، حيث يمكن بتفاعلهما الإشارة إلى المعاني التحديثية، التي يمكن قياس المنجز عليها. إذْ يتأتى الجمال عن كشف المحجوب، ليس المحجوب في ذات المبدع، بل في الآخر الذي قد تخفى عليه الكثير من المسائل التقنية والتصورانية لرؤية الجمال على الهيئة المقصودة. لقد مثلت فنون التجريد المعاصرة المعبر الأهم للتعبير عن روح العصر، وأشير هنا إلى ما يمكن أن يقدمه التجريد لتفسير العلاقة بين ما هو موجود وما هو كينوني، ولهذا فإن تذوق جماليته تصبح أبعد من حدود التفكير به، خاصة إذا أمعنا النظر في أن سعي ياسر حمود لم يكن يتجه للوصول إلى تصوير طبيعة عمياء، وإنما الإيحاء بالدعوة للتفكير بكينونة المنجز، وأبعاده، ووجوده، والانفعال به، وربطه بحاضنه الثقافي والفكري، والصراعات التي يمكن استشفافها عبر الحقيقة التي يسعى لالتقاطها، ومحاولة تنظيم الفوضى التي تهدد كينونته بالتقاط توتر المادة، للإفصاح عن المشاعر والعواطف المستوطنة فيه، وبإرادة منه، يتجاوز ثقل الفضاء ليضحي في شفاعة المقولات الكبرى، التي يتمثلها كلما باشر بفعل التصوير.

بعيون مفتوحة، وطوية منذورة للذوبان في التجربة التي تتصاعد قوة دفعها، يعبر ياسر عن مجازات الإغواء، متجاوزاً الكثير من الحقول المجدبة في التشكيل إلى فصاحة الجوهر، ومجازات اللون، والعالم العالق بين أصابعه، والذي ينتظر إعادة بنائه على هيئة لا متوقعة، لها نكهة ذاكرته وطعم حساسيته، واحتفاظه بموقع برزخي بين المتناقضات والاستحالات. هكذا يُغيّب الأشكال ويَحلُّها بألوان يبلغ مقدار وصفها الصوفي حد الحرق، فهي حارقة كونها تحمل الصلة بين فوضى العماء والصراط المستقيم، وما يكمن بينهما من حقيقة الوجود الحيوي للإنسان، وتقصي (ما وراء الرؤية) التي يرى شاكر حسن آل سعيد أن تقصيها يفضي بنا إلى أن الفن الحقيقي هو فن اللاشيء، مؤكداً في الوقت نفسه أنها تنطوي على الرؤية ذاتها.

الرؤى المشكلة لأغوار اللوحة هي طريق الفنان، بل هي الوعاء اللامتناهي الذي ينهل منه باستمرار، وهذا الطريق عند (الطاو) يشبه وعاء فارغاً، يمكن أن تسحب منه، ومع ذلك لا يحتاج أبداً إلى أن يُملأ، فهو لا قاع له، وهو الجد الأعلى لجميع الأشياء في العالم، وهو يشبه بركة عميقة لا تجف أبداً. وقد افترضت عبر هذا الجموح اللغوي الإحالة، إلى أن طريق الفنان يمر في تضاد (الملاء – الخواء)، والذي يصله بتصور اللامألوف عن المطلق، الذي تنفجر منه سنادات الضوء.

وبالرغم من إحساسنا بأن القاتم هو الخاوي، إلا أن شكاً متواصلاً بأن هذا الخواء لابد أن يستر النور الصافي، والذي تشكل الخيالات الحسية للضوء المتجسد في أوضاع مختلفة – ووفق كل عمل على حدة - ملامحه النادرة الحدوث، والبهاء المنفجر على هيئة إشعاعية أحياناً، أو سطوعٍ لا يمكن فصله عن الدهشة التي يحققها وهو يزيد الفراغ فراغاً، والبعد بعداً، والقرب قرباً، إنّه مركّب يشبه ما نلحظه في البرق وهو يعبر أجزاء اللحظة ليمضي إلى الانطفاء، إلا أنه يقتحم المفارقة ليثبت في حقيقة تمثله الفني، وهو التوازن الذي أشرت إليه سابقاً في القدح المتولد عن احتكاك السكينة بالحركة، السماوي بالأرضي، الموت بالحياة. إنه الوعي الباطني بتأويل الحالة المنطلقة من تحريك السكون وتجميد الحركة، وهما المستويان اللذان يحفان بطريق المبدع لمنح اللوحة حياتها الأزلية، التي تتكون عليها في النهاية كمجاز تعبيري.

بكل الأحوال، فإن إنجاز العمل بالنسبة للفنان هو العودة إلى حالة الخواء مرة أخرى، إنها النقطة التي تقتضي الحرص من الفنان وهو يميز ذاته عن عمله ليدري أي سعادة بلغها للتو، وأي طموح يعتريه ليعيد العملية، وأي سلام يعتريه وهو ينظر عن بعد إلى ما أنجزه. لابد من الاعتقاد بأن ياسر الفنان قد يوافق أو يعارض بعض ما أكتبه عن تجربته في «إشراقات»، إلا أن الصحيح أنه وحده مصدرها ومنشؤها، وهذا ما يحتّم عليه الفصل في النقطة الحرجة ما بين الأعلى والأسفل، الأرض والسماء. فكل معالم إشراقاته منقسم بين لونين، البني والأزرق، البني وتدرجات ألوان الأرض وتربتها، والأزرق لون الأزل العلوي بما يضمره من إشراق. مؤثران يمتلكان من الحقيقة مايجعلنا نستبصر ما هو خارج دائرة وجودنا الفعلي، وكل ما يضج فيها من أحداث يومية وأبعاد كونية.

لذلك لا يمكن الحديث عن عمل بنفسه قدر الحديث عن التجربة، حيث يمكن للتجربة أن تبتكر ما يغايرها، أو أن تتجاوز ذاتها. والتجاوز في هذا الفهم جزء لايتجزأ من التجربة، والشك بما أُنجز ليس ثابتاً في مختلف الأحوال، فالفنان يمضي في أرضياته إلى أبعد الحدود ليبدأ جدليات الأزرق، وقد يعود مرة أخرى إلى الأولى، وهو يفعل، إنما بطريقة مختلفة، دون أن يصيبه الإحباط وهو يمضي على طريق الخلاص، الذي يمضي فيه الشعراء والفلاسفة. فثمة شيء يحاول اكتشافه، وخلقه، وتلمس نبضه في برزخ يصل اللامتناهي بالمتناهي. حيث يفنى نصفه في اللامتناهي، ويندمج بنصفه الآخر في المتناهي. مستبطناً عظمة تلاشي الفنان بفنه، وانطفاء ذاته في ألق الانفجار، وأتون الغموض. ذاك الذي يلجه بجسده الأعمى ليصل إلى ما لا يعرفه، والذي يحاول الشاعر ت. س. إليوت أن يجيب عنه:
«لكي تصل إلى ما لا تعرفه
عليك أن تسير في طريق الجهل
لكي تصل إلى ما لست أنت.
عليك أن تسير في طريق تكون فيه لست أنت.
إن الشيء الذي لا تعرفه هو الشيء الوحيد الذي تعرفه
ما تملكه هو ما لا تملكه
وحيثما تكون أنت، فإنك لا تكون أنت..»(3).

اللوحة مكان يفسح عن صفاته، وهذا المكان هو سكن ياسر، لأنه يريد أن يكون من الساكنين في بنية ما ينجز، وعليه أن يسلك الطريق كل مرة إليه، مسافراً مغتبطاً بالرحلة، لأن الحصاد غايته الوصول إلى ضفاف أخرى، نيرفانا تزول بوصوله، والطريق مسافة في الفضاء، وامتداد في الوعي لبلوغ اللامكان. إنه المدى الذي لا يكف عن البوح دائماً بأنه في منتهاه، مخترقاً جدران مشغله، والاتجاهات الأربعة في لمحة هي عمر اللوحة، ومسار إنجازها، كحدوث يفرض لغته البشرية، وانفراج يؤكد كينونة الإنسان الذي يستقطب الفن إلى ذاته ليفجر السكون ويبعث الحركة فيه، والذي يسميه هايدجر «رنين السكون»، ليبزغ عالم آخر هو حضور عمله الفني، وضوؤه الذي يشع على ما لم نكن نعرفه مسبقاً، بألوان هي في الحاضر قدر ما هي في هوية المنجز البصري، الذي يتفتق عن حاضره، وعن طبيعة ذاكرته الممتدة في طبيعته الصباغية، وعن قدرته على حمل التعبير الحيوي إلى جانب ذاتيته المادية.

عبر هذه الاحتمالات يتولد اللون في «إشراقات» كخامة ملموسة ومرئية وأثيرية، على صلة بالأحاسيس الدنيوية دون الانتماء إلى شكل. إلا أن تصورنا كوجود مشبع يتجاوز الغرض المادي من استعماله، ليولد كعالم من ارتعاشات الفكرة التي تتخلق في كل لوحة على هيئة أو نظام لتحقيق انتمائه إلى مبدعه. وكذلك المقدرة على التوافق والحوار، وكل الذي سيقوم بين يقظة الفنان وبين الرؤية التأملية لمختلف الذين يستبطنون الأفكار، ويحتاجون إلى تعريتها وهم يحدقون في مركز اللوحة، ونيازكها، وحرائقها، وفتوحاتها اللونية التي كست عري البياض، وألبسته عروجاً إلى الصحوة بعد موته. فاللون خلاص البياض إلى صميم المرئي، وتشييد الجوهر من خصوبة الهيولى، وقدح شرارة النور التي تبدو وكأنها قد خلقت للتو من كنهها.

إن سرعة التدفق وتوترها لحظة تشكيل فضاء اللوحة تتيح للشعور أن يصبح أسير هذا التدفق والتوتر، فالسرعة الإيقاعية تقسم العمل وتقطعه إلى مدركات حسية ضمن إطارها الثابت، الذي يشكل هالتها الملموسة والمحبوسة في الاتجاهات الأرضية، ما يؤدي إلى انتفاء الفوق والتحت، أو اليمين واليسار، لتصبح اللوحة مفتوحة على شمولية انتمائها الكوني، ولا تعود التقسيمات تزعزع ما تفترضه سرعة التدفق اللوني، فيستحيل كون اللوحة إلى أكوان الفنان، وتنعتق من تجزئتها المرتبطة بتعددية الواقع.

من خلال هذا الالتحام بين الفنان ومنجزه نستنبط ضرورة العمل ووجوده، وكيفية نشوء الفارق بينه وبين سواه من الأعمال على مستوى الدلالة والتوترات الحسية البصرية، التي تدفعنا للتصور من خلال الضوء، والتجلي البصري، الذي يشكل خطاب اللوحة المستقل، ومختلف تمفصلاته مع ما سواه من الأعمال. فالضوء عنصر طبيعي كثيف يتحول في العمل إلى فضاء له دلالته في انبثاق المرئي من ظلمته وتحويله إلى طاقة، كونه ينشأ على تخوم الظل، وهو الذي يمثل في الفيزياء الحد الذي يحدث فيه مزيج دينامي بين الضوء والعتمة، إنه الحد الذي يعتبر مميزاً في أعمال ياسر حمود، والذي يشع ببريق اللون فيترك آثاره على ما يجاوره من حقول لونية. وقد يكون البريق حداً، أو خطاً، أو نقطةً تتكثف فيها حالة السطوع، إلا أنه في مختلف أحوال وجوده يضحي منبعثاً وباعثاً بآن معاً، منبعثاً من ذاته الكاشفة، وباعث الضوء في المادة الكامنة في الألوان. ونزيد على ذلك ما يراه جاك فونتاني: بأن «الضوء–المادة يسمح بتدخل أنماط حسية أخرى في العالم المرئي، كالنمط اللمسي على وجه الخصوص: في هذه الحالة، يمنح الضوء أيادٍ للعيون، من أجل تخمين خشونة السطوح».

النظرة الشاملة التي يعتمدها الفنان موروثة من ثقافته التي توحد السماوي بالأرضي، والمادي بالروحاني، ليعيد صياغة التجريد المرمز الذي تكمن الطبيعة في بنيته التصويرية، وليتجسد المقدس في الأرضي، وفق ثنائية قادت جلجامش فيما مضى ليقف على الحد الفاصل بينهما، ويكشف سر الموت الذي يبحث عنه ياسر في رحلة موازية، لكنها هذه المرة ليست عبر عالم الأساطير، بل عبر الفن ذاته، رحلةٍ إلى المجهول الذي يمثله العماء، مانحاً كل الاحتمالات لمصيره المنعكس في الحركة العشوائية التي يمارسها بشعرية ليلتقط باطن العماء؛ مجسداً هذه الحركة بعلامات تشير مباشرة إلى محاولاته المتكررة لكشف الحجاب عن السواد والقتامة بالظاهر المتحرك الحي، وتفكيك التواشج القائم بينهما، ليس على مستوى الأعلى والأدنى، وإنما على مستوى المتقدم والمتراجع في سطوح العمل الفني؛ ما يعني أن السلطة المتبادلة بين هذه المستويات غائبة في عمله، كون السطح الفعلي للوحة خارج نفوذ الأعلى على الأسفل.

اللمع المفاجئ يعني الرحيل المفاجئ أيضاً باتجاه غموض اللوحة، وما تنيره البروق على هيئة مضيئة لا يمكن أن يتكرر بنفس الطريقة، فما نراه هو ما استطاع الفنان سحبه من لجة الغياب، أو من متاهة الكون. التقاط الومضة دون أن يبرز في سناها مكان «أو زمان» هو الصفاء الذي يميل لتظهيره بشكل فني مجازي، يوصله إلى ما يسميه بودلير ابتكار اللاواقع الذي يستنفر الجمال والرؤى الجمالية، لتقود اللوحة إلى ذاتها، وهي تبتكر الحياة الحلمية بأطيافها، وتجلياتها، وتصوفها، وألغازها. وبمقدار ما تحاول القصيدة استمالة العين، فإن هذه الأعمال في «إشراقات» تحاول أن تستميل الأذن. فثمة رعد يتردد صداه في غياهب القمة الخصبة التي تغني ذاتها من أجل سنىً، أو بصيص نور يكون منفذ الانتقال من حال إلى حال، أو معبراً نشعر بالحاجة إليه فنلجه بثقة، فكل ليلٍ على قِصَرِه الزمني يجعلنا نحلم ببزوغ الشمس.

رغم كل ما كتبته عن بواطن العمل الفني لدى ياسر حمود، إلا أن ذلك لا ينفي بأي حال من الأحوال أن هذا العمل جزء من الكون، وأنه ليس نصاً بصرياً عن العالم، بل جزء منه، باعتبار وجوده المادي الذي أشرت إليه فيما سبق. ولعل التساؤل عن قيمته مرتبط دون شك بمنطقه البصري الذي هو عليه، والذي هو أقرب ما يكون لصلة الحي بالروحي في الفضاء المفتوح، الذي يكشف عن نفسه دفعة واحدة لعين مشاهد يعيد صياغته دائماً بالاعتماد على خبرته، كمستقبل يسعى إلى استدرار الحوار الأول بين الإنسان وفضائه الذي يتجاوز وجوده. والإشارة إلى المشاهد كمُسْتقبلٍ لا تعني أن العمل الفني يقوم بدور الوسيط في إطار المقابلة بين المادة والمعنى، وإنما ذكرت ذلك لتوضيح الحدود الضيقة التي تقف حاجزاً أمام الكشف من خلال حاسة البصر، التي يتم من خلالها الربط بين مختلف جوانب القضية، لاستنتاج الدلالة من هذا السطح غير المعني بنقطة الزوال التي اعتادها البصر في عالمه الفيزيائي، أو حاسة اللمس التي تتضمن مختلف الحواس، أو سوى ذلك مما يمكن أن يخضع التجربة الحسية للمنظومة الذهنية، وكل ما ينتج عنها من تشابكات قد تؤدي أحياناً إلى فتور صلة الفكرة بالصورة. وهنا أرى أنّ على المُستقبل أن يطلق العنان لما يرى، بدل أن يسجن اللوحة في منطقه الخاص، للوصول إلى ما هو أبعد من التفاصيل التي يراها، والتي هي خاضعة بشكل من الأشكال لخبرة تراكمية إنسانية. فأعمال ياسر المفعمة بقوة التأثير والإحالة لابد من اعتبارها شرارة للانفتاح على تفكير بصري تجسده الألوان، فيمضي إلى ما هو أبعد من الهيمنة التي تفرضها موثوقية المادة، ومحدودية الأداء، لبناء حوار مع حقيقة العمل. فالغاية ليست التوافق مع ياسر فيما يطرحه، وإنما إعادة صياغة الجوهر الذي تطرحه مجموعة أعماله في «إشراقات»، فالفن كما يرى «أنتوني تابييس» بحاجة دائماً إلى إعادة اكتشاف معابده.

في عمق العمل ثمة أحمر يتوهج ويتوثب، وهو يحتاج إلى تلك الجاذبية التي تربطه بالعيون والقلوب لتكشف بعض سره على الأقل، السر الذي يكاد ينبثق عبر الضوء. ولعل من يعرف الفنان عن قرب يتمكن أكثر من التقاط سكونه، الذي ينقلب رأساً على عقب حين يكون في مواجهة تجربته، وفي المكان الذي يتحول فيه إلى باب للعبور إلى اللوحة، والمضي في أعماقها. بعد أن تغيب كل الأمكنة، ويضحي بمثل مايقول أدونيس: «ما أنظر إليه ينظر إلي» متجاوزاً ما يفصله عن ذكرى الشعلة التي تقوده لمحاربة الموت بالفن، أي بالحياة والتجدد، والإصرار على قيمة الخصب، والتطهر من الحزن والخوف والتردد. فالمبصور هو رسم تثبته الرؤية، وما نراه يمكن أن نتخيله، والعملية المتبادلة في النظر تستند إلى ماهية كل من الناظر والمنظور إليه، والمهم هو إرادة الناظر في أن يمضي إلى أقصى تخوم النظر، ليصل حدود الرؤيا التي تستمر حتى في غياب الفنان. وغالباً ما ينسى الناظر إلى العمل الفني مبدعه، لينحصر اهتمامه فيما أضافه إلى الكون، والواقع الظرفي الذي جمعه بهذه اللوحة أو تلك، وما الذي يدعوه لاختلاس النظر إلى هذا الجزء أو ذاك بعد أن باشرته اللوحة بتبيان ما فيها، وأغوته أن يكون شهادتها بدل أن يكون مشاهدها.

أخيرا لابد أن نتذكر ما كتبه أراجون: «الحرية هي الأولى أبداً، أما الموت فيأتي ثانياً»، وإذا كان ياسر قد باشر إشراقاته بما كتبه عن قتل الموت بالفن، فإننا نتذكر دائماً بأن الفن هو قوة الحياة، كلما استطعنا أن نرى له أعمالاً جديدة تساعد في صياغة الحقيقة التي يراها الفلاسفة قوة الحياة أيضاً.

إن من أهم أولويات الفنان التجديد المستمر، بقتل العمل المنجز، واعتباره في إطاره الجنائزي الذي وصل إليه كصورة. يقول باشلار: «الموت هو أولاً وقبل كل شيء صورة، وسيظل كذلك صورة».

الهوامش:
(1) هنري كوربان، الخيال الخلاق في تصوف ابن عربي، ترجمة فريد الزاهي، منشورات مرسم، المغرب، ص 167.

(2) د. سامي أدهم، ما بعد الحداثة، ص 71، دار كتابات، بيروت، 1994.

(3) ت. س. إليوت، الفصول الأربعة، بيروت.


طلال معلا