نورا مراد في حوار مع اكتشف سورية
11 10
في عرضها الأخير «ألف مبروك» تقدم المخرجة المسرحية نورا مراد طقساً جديداً من طقوس المسرح المعاصر، فمن خلال بحثها عن أصول الطقس الاجتماعي وتفكيك رمزيته، ندخل معها إلى عوالم الطقس الاجتماعي الذي نعيشه وننغمس فيه، منشغلين عن منشئه التاريخي وضرورياته الاجتماعية، فمن خلال عرضها السابق «إذا ماتوا انتبهوا» قدمت طقس العزاء في غاليري مصطفى علي، لتعود وتقدم طقس الزواج، وبطرق مسرحية مدروسة.
في بحثها عن أصول ومنشأ الطقس الاجتماعي تحاول الفنانة المسرحية نورا مراد اكتشاف تقنيات وطرق للتعبير الجسدي انطلاقاً من فن المسرح الحركي، تاركة لنا الباب مفتوحاً على مصراعيه في مهمة متابعة البحث في أصول الطقس الاجتماعي. ولنفكر كيف بدأت القصة وإلى أين نحن ذاهبون في طقسنا هذا.
في لقاء لـ «اكتشف سورية» مع المخرجة والممثلة المسرحية نورا مراد نحاول أن ندخل أكثر في تفاصيل بحثها في مشروع «هويات» الذي تقدم من خلاله مفهوم الطقس الاجتماعي، حيث كان لنا معها هذا الحوار الذي أجريناه في قلعة دمشق.
كان من المفترض أن يتم عرض العمل المسرحي الحركي «ألف مبروك» في 25 حزيران 2009 ما أسباب تأخيره إلى هذا الوقت؟
من المؤكد أنها كانت أسباباً خارجة عن إرادتنا، ومن المحبط ذكرها الآن، اعذرني، أفضل ألا أتحدث في هذا الموضوع.
اختلفت التسميات حول النمط المسرحي الذي تقدمينه، برأيك تحت أي مسمى نستطيع أن نُصنف هذا النوع من فنون الأداء؟
علمياً يندرج تحت مسمى المسرح الحركي، وهو يعتمد على البناء الدرامي في العمل المسرحي البحت بمعنى الاعتماد على فكرة وكتابة السيناريو وانتهاء بالمؤدي الذي هو أساساً ممثل أو مغنٍ ويمكن أن يكون راقصاً أيضاً. إضافة لتشابه نمط عمل المسرح الحركي بالرقص المعاصر لاعتماد الاثنين على لغة الجسد، لذلك نستطيع أن نقول أن المسرح الحركي يقع في منتصف المسافة بين المسرح والرقص الدرامي.
هل هنالك فِرَق مسرحية سورية تعمل في مجال المسرح الحركي؟
توجد الآن تجارب لهذا النوع من المسرح، ولكن فرقة «ليش» تعتبر أول فرق سورية خاصة منذ عام 1999، والوحيدة المستمرة في عروضها.
في كثير من الأحيان كانت عروض فرقة «ليش» المسرحية تٌقام خارج الفضاء الكلاسيكي للعروض المسرحية المعهودة، ومنها فضاء حمام فتحي بدمشق وغاليري مصطفى علي، من أين تبدأ فكرة البحث عن فضاء يلائم فكرة العرض؟
من العرض نفسه، ومن إمكانيات المكان بحيث يستطيع أن يساهم بمرجعياته، بجمالياته وتفاصيله في تحقيق دور فاعل في العرض.
قامت فرقة ليش المسرحية بالتعاون مع المركز الثقافي الفرنسي ومعهد غوته الألماني بتنظيم ورشات تدريب على تقنيات الإضاءة والصوت. كيف بدأت فكرة إقامة هذه الورش وما هو الهدف من إقامتها؟
بدأت الفكرة في أن تكون هذه الورش جزءاً من المشروع، وأن يكون العرض مادة يتم العمل عليها مع محترفين يعملون في مجال الإضاءة والصوت. وعلى هذا الأساس تم استضافة الفنانين باسكال لاجيلي المشرف التقني لفرقة «فيليب جانتي» الفرنسية، ونيلز لانز من فرقة «فورسايتس» الألمانية ليعملوا معنا على العرض. ومع تأجيل العرض لم نتمكن في الورش من أن نعمل سوى على مشهدين، لكن ذلك حقق فائدة كبيرة بما يتعلق بإمكانيات المكان وأعطى صورة واضحة ودقيقة عن كيفية إتمام العمل على كامل العرض، كما حقق الفائدة المرجوة للمشاركين بناء على الاستبيان الذي تم جمعه عند نهاية الورش. الهدف من إقامة الورش دائماً هو الخبرة العملية، وللأسف فإن القلة القليلة من المحترفين يؤمنون بضرورتها، فنسبة الهواة المشاركين هي دائماً أعلى من نسبة المحترفين. وبما يتعلق بالإضاءة والصوت في الأماكن البديلة، فلدينا مشكلة حقيقية، وأردنا من خلال الورش أن نساهم في حلها ولو بجزء بسيط.
لنتكلم عن رؤيتك الإخراجية للعرض المسرحي «ألف مبروك»، على اعتبار أن أي عرض مسرحي هو نتاج لفكرة أولية وتخيل مُسبق لرؤية كاملة يود المخرج طرحها بشكلها النهائي.
إن عرض «ألف مبروك» هو الثاني في سلسلة عروض مشروع «هويّات» وهي جزء من بحث فني/تقني يتمحور حول المفردة الحركية العربية، وإمكانية بناء أبجدية حركية تحمل هوية عربية من خلال طقوسنا الاجتماعية ذات الأصل الديني. حيث نتناول الطقس بمفرداته ورموزه ونظامه بحيث يكون أساساً للغة الحركية والشكل الفني الذي نطرح في إطاره موضوعاً معاصراً. وفي عروض «هويّات» توجه واضح، إن كان بما يتعلق بالأماكن البديلة، أو بإشراك المتفرج في العرض. في «ألف مبروك!» بنيت الفكرة الأولية على التعامل مع الغرض الذي ينتمي بالضرورة إلى الطقس، وعلى البحث في الدبكة. والتخيل المسبق هو نقطة انطلاق في البروفة قلما يتطابق مع النتيجة النهائية خاصة في آلية عمل تعتمد على البحث، لكن الهدف دائماً هو تشكيل صورة سمعية بصرية تحمل جمالياتها الخاصة و تحقق التأثير على المتفرج.
في عرض «ألف مبروك» قارب الممثلون الحاسة الحسية لطقس من طقوس الزفاف عبر أداء جسدي فاتن ومتقن، إلى أي مدى استطعت قيادة الممثلين نحو الاتجاه الذي تريدينه؟
آلية قيادة الممثل من أهم عوامل نجاح أي عمل فني، يوجد مخرجون مهمون يمتلكون نظرة إخراجية جميلة وواضحة ولكنهم يعانون من ضعف في قيادة الممثل، وبالعكس يوجد مخرجون لديهم ضعف بالرؤية الإخراجية فيستقدمون ممثلين أكفاء ليحملوا الجزء الأكبر من العمل. أنا أرى أن المؤدي هو جوهر العملية المسرحية لأنه الإنسان الذي سيقف ضمن هذا الفضاء المسرحي، القصة تبدأ من اختيار الممثلين الذي يعتبر 80 % من نجاح العمل الفني، كل الممثلين لديهم إمكانيات قوية، ولكن يوجد عدد محدود من الممثلين الذين يستطيعون الدخول في هذا النوع من العمل المسرحي، أنا لا أقول أنه لا يوجد لدينا ممثلون جيدون، ما أريد قوله أنه لا يوجد اهتمام من قِبل ممثلينا بلغة الجسد كلغة تعبيرية، فأغلب الممثلين ميالون للبساطة والسهولة بالمفهوم الذي يذهب باتجاه الاستهتار. ومن زاوية أخرى، يكمن نجاح العمل الفني باختيار الممثل الصحيح في الدور الصحيح. فمثلاً الممثلة فيحاء أبو حامد كانت لديها هذه الإمكانيات لتؤدي بشكل يقارب جوهر فكرة طقسنا المسرحي، فالمسرح يتطلب جهداً معيناً واستعداداً كبيراً، لذا تكمن المشكلة بالتوجه الذهني أو آلية التفكير التي يعمل بها الممثل المسرحي.
من أهم مقومات العمل المسرحي، جسد الممثل كأداة تعبيرية لها قواعدها المنهجية المرتبطة مع الشكل العام لمضمون العمل، هل استطاع الممثل المسرحي السوري فك شفرة الجسد المسرحي ليكون أداة تعبيرية حقيقية تخدم مقولة النص ورؤية المخرج المسرحي؟
بنسب قليلة و متفاوتة، وهذا لا يتعلق بإمكانيات الممثل فقط بقدر ما يتعلق بموروثنا عن الجسد، والثقافة التي نحملها تجاهه والتي تضعه ضمن قائمة المحرمات. لا يمكن لممثل الغوص في إمكانيات جسده ما لم يكن هذا الجسد حراً، ولا ينفصل الجسد عن آلية التفكير التي تقوده، وبالتالي يحتاج الأمر إلى أكثر بكثير من التدريب والتمرين. القلة القليلة من الممثلين المسرحيين السوريين يؤمنون أن الجسد لغة أساسية، كالصوت، في العمل المسرحي و بالتالي يظهر ذلك فيما يقدموه على خشبات مسارحنا، و على رأسهم الممثل المسرحي شادي مقرش.
من خلال متابعة عروضك المسرحية نلاحظ توجهك نحو نصوص موغلة في مضامين فلسفية أو تبحث في مواضيع إشكالية ينأى الكثير من المخرجين عن البحث فيها وتقديمها برؤية إخراجية مميزة وجديدة، وهذا ما كان في عرضك المسرحي «إذا ماتوا انتبهوا» سنة 2008. إلى أي حد يستطيع المسرح الغوص في هذه الإشكاليات وتقديمها بطرق إخراجية مبتكرة؟
إلى حد كبير، فما هو المسرح إذن إن لم يحقق ذلك؟! هنالك سؤال غالباً ما يُسأل الفنان المسرحي وهو ما مدى حبه وولعه بالعمل المسرحي، ولكن سؤالي هذا له مبرراته، وخاصة أنك تقدمين الخيارات الأصعب على مستوى الفكرة والرؤية الإخراجية. أنا بالعموم شخصية ميالة للخيارات الصعبة، أما مسرحياً فأنا مرتبطة بالمسرح ارتباطاً شديداً، فأثناء دراستي في المعهد العالي للفنون المسرحية كان هدفي أن أصبح ممثلة مسرحية أكثر منها نجمة تلفزيونية، فتابعت دراستي في فرنسا عن طريق منحة فرنسية، وتخصصت بدراسة المسرح الحركي، لأؤسس عند عودتي فرقة مستقلة تُعنى بالبحث باتجاهات معرفية أدق حول الحياة وماهية المسرح الحقيقية.
قدمت من خلال مشروع «هويات» عرضين مسرحين هما «إذا ماتوا انتبهوا» و«ألف مبروك» وهما عرضان مسرحيان يطرحان مفهوم الطقس الاجتماعي من خلال الجسد كلغة تعبيرية ذات صبغة عربية. إلى إي مدى استطعت أن تقاربي هذا الطقس العربي بشكل صحيح؟
صحيح أم خاطئ، الفن لا يخضع لهذا المعيار، الفن خيارات، وهذا ليس تبريراً للملاحظات التي أسمعها من الحضور في نهاية العرض، نحن في عملية بحث وتجريب لنعرف إن كنا نستطيع أن نصنع أبجدية حركية لهويتنا العربية. توجد آلاف الدراسات والمحاضرات التي تبحث في ماهية المسرح العربي، ما أبحث عنه في مشروع «هويات» هو إيجاد هوية عربية للمسرح العربي وليس تكريساً لجنسيته، فعندما جاء بيتر بروك إلى دمشق عام 2008، وقدم مسرحية «المفتش الكبير» كان يقدم ما يجول في خاطري وما يلامسني ونجح في ذلك أكثر من ما قدمته بعض العروض المسرحية السورية. البحث في مشروع «هويات» مفتوح لعام 2015 كعروض وكبحث، لا نعرف ما هي الخطوة التالية، ولكن المشروع فيه دراسات نظرية وتجميع لآلاف من المراجع التي لها علاقة بالحركة والطقوس وأصول الطقوس. وكمثال على ذلك، قرأت أثناء إعداد عرض «إذا ماتوا انتبهوا» الكثير من المراجع عن أصل فكرة طقس العزاء وكيفية تطوره من بدايات الإسلام إلى الآن. نحن نحاول أن نفكك الرموز ونحاول أن نستخدمها كأدوات في مسرحنا الحركي ولنطرحه كموضوع معاصر، وبرأيي من هنا يأتي النجاح من عدمه. في بداية مشروع «هويات» سُئلت هل سيكون لكل طقس عرضه الخاص، فكان جوابي بالنفي لأنه يمكن أن نعود لموضوع العزاء الذي قدمناه في «إذا ماتوا انتبهوا» لأننا لم نغطِ كل شيء عن هذا الطقس لأنه موضوع غني جداً، لذا يمكن يجبرنا الطقس بحد ذاته كي نعود إليه بطرق ووجهات نظر مختلفة.
وفي نهاية الحوار قالت الفنانة المسرحية نورا مراد:
أغلب التعليقات أو الأسئلة التي أتعرض إليها بعد عروض مشروع هويات هي شرح لمفردات وتفاصيل العمل بشكل مباشر، ما أريد قوله أن العروض المسرحية التي لا تعتمد على كلمة مباشرة هي عروض فيها مجال كبير للتأويل، فلكل مشاهد خلفيته الخاصة وذوقه الخاص لأن لغة الجسد لغة مفتوحة أكثر من لغة الكلام وبالتالي قراءاتها أكثر تعددية، والأهم أنني أحاول أن أورط المشاهد بهذا التأويل فنحن نعتمد على مخاطبة روحه وحواسه لذا نحن نحاول أن نوجه التواصل بهذا الاتجاه.
نورا سعيد مراد ألف مبروك على عرضك المسرحي «ألف مبروك».
شكراً لموقع اكتشف سورية.
ومن الجدير ذكره أن فريق عمل مسرحية «ألف مبروك» تألف من:
تصميم حركي: نورا مراد.
سيناريو: رضوان طالب.
أداء: رازميك غابرييليان، فرانسوا باير، فيحاء أبو حامد، نورا مراد.
سينوغرافيا: باربو بيجان.
التأليف والتوزيع الموسيقي: شادي علي.
تصميم الإضاءة: بسام حميدي.
تصميم الأفيش والبروشور: عمرباشا.
تنسيق: ميس شربجي.
يذكر أن العرض مستمر لغاية 20 تشرين الأول الساعة الثامنة والنصف مساء في قلعة دمشق.
.
مازن عباس
اكتشف سورية
من العرض المسرحي «ألف مبروك» |
من العرض المسرحي «ألف مبروك» |
من العرض المسرحي «ألف مبروك» |