سارة شمة في آرت هاوس

21 03

طربٌ روحي رقصٌ ودخان

لأكثر من أربعة سنوات أُتابع عروض سارة شمة ولكن أرفض التصديق، فما بين فنيّة اللوحة العالية وواقعيتها، ثمّة مخفياتٌ تحت رداء اللون أو عليه، تمنح اللوحة أبعاداً أخرى من مسموعات الروح، أو مرئيات البصيرة، أو عبث طفلة تمتلك ألعابها وحرية أن تتسلى في دائرة أحداقنا.
ما بين هذا الواضح والغامض مساحة من السؤال والشك، وهكذا كانت لوحة سارة بالنسبة إلي، وعندما رغبت في الكتابة عن سارة في جملة من يكتبون، أردت أن أتأكد أولاً من مدى تطابق تصوراتي عن هذه اللوحة مع تصورات سارة كي لا تتحول مادتي إلى معلقة غزل تختلط فيها سارة بلوحتها، لذا طلبت لقائها وهذا كان من شهور قليلة، ولكن بعد ساعتين من هذا اللقاء لم اخرج إلا بنتيجةٍ تزيد من شكي ومع ذلك كتبت عنها لأحدى الصحف «البناء» ويمكن الحديث عن المادة بأنّها عبارة تساؤلاتٍ وتبريرِ هذه التساؤلات تحليلاً، وعندما سألتني سارة عن اللقاء أكان خرج إلى العلن مادة مكتوبة قلت: إنّه كان مجرد لقاء ولم يكن هو الهدف بل لأتأكد أن كنت استطيع الكتابة عنك.
هذا اللقاء الخاص بموقع «اكتشف سورية» لم يكن إلا فرصة أخرى لمحاولة فهم سارة أكثر وقطع هذا الشك لديّ بأيّ اتجاه كان، لذا حُدد اللقاء واتفقت مع سارة على أن يكون لساعتين «فاستمر لأربع ساعات»، لكن مع اللحظة الأولى لبداياته بدت سريعاً ملامح الأعماق التي رأيتها في لوحة سارة تتكشف إلي، فسارة هذه المرة كانت مختلفة ومختلفة لأنّها غير مرتابة.
ومن السؤال الأول غير المخطط له قررت أن اكتب عن سارة، ومعنى هذا أنك تكتب ليس لأنّ هذا عملك بل لأنّه جزءٌ من الجميل المختلف الذي تتمنى أن تكتب عنه، وتفعل هذا بكلّ الرغبة والمعرفة اللتان تمتلكهما، وليكون هذا اللقاء تعريفاً حقيقياً بسارة شمة الفنانة الطفلة.

صادف هذه المرة أنّ مجموع قراءاتي مؤخراً كانت عن التصوف بكلّ اتجاهاته كمعرفةٍ، واتحادٍ، ودورانٍ في النور، وخلاص، ونيرفانا بما فيها الطرق التي تعبر عنه ومنها المولوية موضوع سارة الأخير، لذا كان سهلاً طرح تساؤلاتي، لكنّ الأسهل كان إجابات سارة حتّى شعرت أنّ ما توصلتُ إليه بصعوبة المعرفة تعرفه سارة ببتولية الطفولية، لدرجة أنّ ما خطه الطاوي لو- تسي عن التأمل وشروط البداية فيه تعرفه سارة وتتحدث عنه بمنتهى البساطة، لا بل وترسمه بكلّ التأمل. هذه هي سارة وأكثر من هذا هي لوحتها.
يعتبر التأمل طريقاً إلى المعرفة، أو شرطا لإعادة التوازن ما بين المادي والروحي لبلوغ حالة السعادة، إلا أنّ شروطاً بعينها هي من تجعل هذا التأمل صحيحاً. كيف تتأمل سارة شمة.؟
أمتلكُ أساساً فطرياً للوصول إلى حالة التأمل، وأصلُ إليها عبر الرسم، والاستماع إلى الموسيقى، والطبيعة، وعبر الإنصات إلى رائحة الهواء، وبالحب والمحبة أصلُ إلى حالةٍ روحية عالية يمكنني تسميتها بما يشبه النيرفانا أو حالات التأمل الصوفية، وتلك الأحوال هي ما ترتديه لوحتي. فأنا أعمل بشكلٍ غير واعي أو لاشعوري، وهكذا تتمّ عملية الإبداع لديّ، فهي تخضع لهذا الاتحاد بكلّ شيءٍ ولا شيء، ومن هنا فأول من تفاجئه لوحتي هي أنا.
في لوحلتك نجد سارة «الكل شيء واللاشيء» تكرر نصف اغماضة عينيها، فهل يقودنا هذا إلى فهم.؟
عندما أرسُم لا أفكر، وبعد أن أُنهي عملية الرسم أنظرُ إلى العمل فأجد فيه حالة الوجد أو ذاك الهيام والتلاشي. أما نصف الإغماضة بالنسبة إليّ، فهي حالة الرؤية الكاملة، أو عدم الرؤية، أو الدخول في عتمة ما قبل الرؤية. أعتقد أنّ نصف الاغماضة هذه تمنح الأجفان حالةً من الشفافية، بحيث تحجب أو لا تحجب العالم، والعالم الذي اقصده هو هذا الاتحاد بجميع هذه العوالم، وأحب أن أضيف هنا أنّ كثيرون يعيشون الحال ولا يحتاجون إلى طريقة، واعتبر نفسي من هؤلاء، وهذا لديّ بشكل فطري. أما الوصول إلى الاسترخاء الحقيقي برأيي هي ليست بمجرد سلوك الأصول أو عبر الطرائق، برأيي يكون الاسترخاء «التأمل» بتصحيح الأرضية التي تنطلق منه، أيّ من الداخل. التصالح مع الذات هو البداية.
هل سبقك الإحساس أم الرسم إلى المولوية.؟
بدأت الحالة لديّ من الإحساس إلى الرسم، ثمّ إحساسٌ أكبر ورسمٌ أكبر وهكذا، تناوبت الحالة ما بينهما حتّى وصلت إلى ما هي عليه اليوم. ولا أعرف إن كنت توقفت عند هذا الحد أم أني سأستأنفها لاحقاً.
هل دخلت لوحتك دائرة الطقسية الشكلانية لبعض طرق المتصوفة أم أنك توافقين أحد أعلام التصوف عندما قال: «دعهم يرقصون انتشاءً بهذه المحبة».؟
اللوحة المولوية لديّ ليست حالةً طقسية شكلانية إنّما هي انعكاسٌ لحالة توحد مع الموسيقى والحركة الدائرية للجسد في فضاء الثوب المولولي الفضفاض، ومن ثمّ حركة هذا الثوب دائرياً وتحريكه للهواء، ومن ثمّ تحريك العيون التي تتابع هذه الحركة الدائرية. فوق هذا تعنيني حركة الهواء وصوته لثناء هذه الحركة كما القماش، إذ يشبه حركة ثنيات الجسد حتّى إنِّني أراه جسداً أخراً في فضاء هذه الدائرة.

منذ ستة سنوات ترسمين المولوية فهل قادت التجربة «الحالة» إلى حالة أخرى.؟
أنا لم أقض كلّ الوقت في رسم المولوية، بل تنوعت مواضيعي عبر السنوات الست. ولأبقى في نفس الإجابة أقول: إنّ هذه المولوية تشبه بالنسبة إليّ أيّ حالةٍ أُخرى من الوجد، ويتجلى في لوحتي بأبعادٍ أُخرى في الموسيقى، أو حركة الرأس، وتعابير الوجه، وكلّ هذا يدور في بؤرة حالة الطرب الروحي.
الخط العمودي في لوحة سارة تكنيك يتكرر أم حالة أخرى، ولماذا ليس أفقيا.؟
أهتمّ بهذا الخط المنفصل المتجرد عن اللوحة، كما أهتمُّ بضربة الريشة المتجردة عن سياقات حركتي اللونية في اللوحة، وأُحس بهذا الخط بأنّه يمنح العمل توازناً أخراً وبعداً أخر، أيّ عمق للوحة. أشعر أنّه يبعد اللوحة عن الخط مسافةً معينة، بمعنى أنّه يترك هذا الهواء ليعبر بينه وبين اللوحة. هذا في البعد التشكيلي المادي للوحة القابل للتفسير المباشر، إلا أنّ الأمر يتجاوز هذه الحدود ليشابه الموسيقى وحالة الوجد وحالة الشكل أو اللاشكل ليبعث على التأمل والتواصل، ولكلّ طريقته في سلوك درب هذا التواصل، وإن لا يكون لدي بمقابل هذا الخط العامودي خطاً أفقيا فهذا ما انتبهت إليه الآن منك، فكيف سأفسر هذا؟ لا اعرف الآن.
هل تستبطن سارة شعوراً أخراً بالانتشاء الداخلي بحيث عُكس مؤخراً دخاناً أبيضاً، فخرج من أصابعها.؟
الانتشاء الروحي لديّ معادلٌ للانتشاء الجسدي، بمعنى أنّ بلوغ حالات التأمل تفضي إلى حالةٍ أُخرى متممه على صعيد الجسد والأحاسيس المتوالدة عن ذلك. تشبه الاشتعال أو الطيران أو أيّ شيءٍ أخر. الدخان الأبيض على الأصابع في لوحتي هو هذا الشيء الأخر.
تتكرر الدائرة ذات الخطوط الملتفة وصولاً إلى نقطة المركز في لوحاتك كثيراً، إلا أنّ عدد الخطوط في كلّ مرة تختلف، ما أوقعني في مشكلة قراءة هذا الرمز، إضافةً لهذا فهي تتوضع على أمكنةٍ بعينها على مفردات اللوحة أو بأماكن متغيرة على الجسد.؟
ما اقصده أنّ هذه الدائرة ذات الخطوط الملتفة ترمز إلى اللانهاية والتي تكبر أو تصغر إلى اللانهاية أيضاً، وهي ترمز إلى الكمال في بعض ما ترمز إليه، وتتطابق مع كلّ خليةٍ في هذا الجسد.
التأثيرات اللونية لم تتغير لديك بقيت في دائرة حرارة اللون وحياديتها رغم تغير الموضوع إلى المولوية، ألا تعتقدين أنّ هذا الموضوع يفرض نسقاً لونياً مختلفا.ً؟
الألوان لديّ تتغير مع كلّ لوحة، فالأسود أو الأحمر ليسا ذات الأسود أو الأحمر في لوحةٍ أخرى. هذا إضافةً إلى أنّ اللون ليس اختياراً أو قراراً. يكون القرار لي أحياناً في اختيار الموضوع، أما بالنسبة إلى اللون فهو يأتي توافقياً مع اللحظة المعاشة وشكل الانطباع الشعوري المتوالد أو اللاشعوري العميق.
تتسم لوحتك بغلبة الألوان الحارة، لماذا ليست الغلبة للألوان الباردة؟
يشكل اللون بالنسبة إليّ مفهوماً نسبياً، وحسب توزيعه على سطح اللوحة يأخذ المفهوم من بارد إلى حار، فمثلاً يغدو الأسود وتدرجاته، وهو لونٌ حيادي، دافئاً على خلفيةٍ زرقاء. إلا أنّه يصبحُ بارداً بمقابل الأحمر، ومن هنا فالمسألة نسبية فعلاً. هذا في تقابلات اللون، لكن المحتوى التعبيري إضافةً أخرى تمنح اللون الحرارة أو البرودة.
أعيد السؤال بصياغة أخرى، لماذا لا ترسمين بمجموعة الألوان الزرقاء والخضراء.؟
صحيح أنّ أغلب أعمالي الأخيرة يغلب عليها اللون الحار «بالمعنى التقليدي لمفهوم اللون» إلا أنّ اللون الأزرق أو الأخضر موجدان في أعمالي ولكن بشفافيات معينة، وموجودان ضمن عائلتي اللونية الحارة، فالأسود لديّ ليس أسوداً كاملاً، بل فيه كلّ الألوان وهذا حقيقي فيزيائياً، وبتوضيحٍ أكثر يدخل اللون الأزرق، والأخضر، والأحمر في تركيبة اللون الأسود لدي.
للون في لوحتك بحةُ ناي، وأحياناً صوت طبلة، هل تعتقدين أنّ لكليهما خصوصية تعبيرية معينة.؟
لن أقول أنّ للموسيقى في داخلي كلّ الحضور، بل في داخل الموسيقى أكون، وإذ أنقطع عن السماع فثمّة موسيقى أخرى أبقى أسمعها، فأن يكون في لوحتي صوت أو أيّ صوت آخر فهذا طبيعي.
من أيّ زاويةٍ تُقرأ سارة شمة، كامتدادٍ لعملها، كتعبير مختلف عن سارة، أم أنّ سارة وعملها شيءٌ واحد.؟
أُحبّ أن أُختصر هنا، أنا ولوحتي واحد.

مقدرتك العالية على التصوير هل كلّ ما تملكه سارة للغد، أم أنّ ثمّة أشياءً أُخرى تضاف إلى هذه المقدرة.؟
مقدرتي على الرسم والتصوير هي أداةٌ إلى جانب أنّ لديّ ألواناً ومرسماً وقدرةً على الرسم، هذا كلّه في جانب الأدوات، إلا أنّ الاستمرارية في العمل الفني«كإبداع» يتطلب الكثير من الثقافة، ومعرفة الذات، وشكل الخصوصية التي تمتلكها، والمحافظة عليها، والانفتاح على مناخاتٍ معرفيةٍ وبصرية وروحية مختلفة للانتقاء بما يناسب هذه الشخصية، وبهذا يمكن الحديث عن إضافات تتوالد على هذه المقدرة.
الصورة بين يديك تتحول إلى ملموس «خبزاً، حبّاً، وزجاجاً»، وأحياناً تتداخل هذه الأشياء، آو تُكسر في وجه المتلقي، فهل تصيبك شظاياها.؟
نعم هذا حقيقيٌ بالنسبة إليّ، تتحول اللوحة إلى ملموسٍ ومحسوسٍ ومشموم، وأضيف أنّ لها طعماً أيضاً، ويسعدني ويرضيني أن يصل المتلقي إلى هذا عند قراءته لعملي وشكل التواصل الذي يبلغه المتلقي يعود إلي فيفتح لي آفاقاً أُخرى. وطبيعي أن أعكس المرآة إذ تكسر في داخلي«رمزياً» فثمّة مشتركاً بيني وبين الآخر، إذ لا بدّ وأن تكون له مرآة ما كسرت في داخله، ومن هنا أضيف أنّها ليست شظايا بالمعنى الحرفي، إنِّها مشاركةٌ لنواتج هذه الشظايا المشتركة.
إذا تثنى لي الدخول إلى فضاء دائرتك بكلّ ما تحتويه، فهل سأرى مشهداً أخر للوحتك.؟
لا اعرف.
قليلاً ما يكون الرجل داخل لوحتك، فهل ترين أنّه من العسير إدخاله إليها، أم أنّ بقائه خارجاً هو الحل الأسلم.؟
الرجل موجودٌ بلوحاتي بكلّ حالاته من الفرح إلى الحب والغضب، وجزءٌ لا ينفصل عني، ومن الطبيعي أن يكون داخل إطار لوحتي.
بمادتي الماضية عن معرضك الأخير ختمت «بتوماس بيتي» الرجل الأمريكي الحامل الذي أنجب للمرة الثانية مؤخراً. لوحتك الرجل الحامل ورغم بعض التفسيرات التي سقتها آنذاك إلا أنّ الصورة ما تزال لدي غير واضحة، هل تزيل سارة هذا الغموض.؟
بما أنّ معرضي ما قبل الأخير كان يتحدث عن الأمومة والطفولة، أحسست أن الرجل الذي يتوحد مع زوجته في الحب يشعر بالذي تشعر به لدرجة الافتراض إمكانية مشاركة هذا الإحساس أو ما ينتج عنه «الحمل»، وفي سياقٍ آخر أعود إلى الطفولة إلى تلك الأسئلة البريئة، لماذا لا يحمل الرجل؟ هي إعادة لهذا السؤال بشكلٍ ساخر.

أُلاحظ أنك توقعين أكثر من توقيع على لوحتك، وصلت في إحدى اللوحات إلى ثلاثة تواقيع، ألهذا دلالةٌ ما.؟

لا شيء أفعله على سطح اللوحة أقصد به دلالة ما، التوقيع مثله مثل الخط أو اللون، هو حركة تشكيلية على فضاء اللوحة، وهكذا تأتي ضربات اللون والتوقيع أيضاً.


عمار حسن

اكتشف سورية

Share/Bookmark

صور الخبر

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق

www.shababsyria.org:

اعمال رائعة للمبدعة سارة شمة وحوار جميل استمتعت بقراءته

Ashtar AlAhmad:

Oh man .. Great article
good Questions ;) & Sara ... I dunno wot to say.. You're a great & mooore than extraordinary person.... you are a reeeeally EXPENSIVE Goldes Syrian Treasure <3 <3 <3 <3 ...
3ammar , hope you write more stuff like that..
& keep it up ;)
All the Best

Great Syria