حوارٌ بصري بين جيلين متباعدين في أيام غاليري

تأويل الكائنات الساكنة من أسعد عرابي إلى عثمان موسى

«هل يكفي أن يشترك فنانان في موضوع الطبيعة الصامتة حتّى يتجاورا في عرضين متقابلين؟. لا شكّ بأنّ الجواب بالنفي، خاصةً مع التناقض الأسلوبي والتباعد في الجيلين. قد يكون المسوغ التشكيلي الوحيد على مستوى الحساسية الفكرية إنّ الطرفين يحاولان، كلّ بطريقته «أنسنة» عواطف هذه الجمادات الاستهلاكية، تجمعها صبوة إخراجها من عطالتها السكونية، وشخصنة كينونتها الأدائية سواءً بتحويلها إلى كائنات شبه تجريدية، أو بدفعها إلى مساحة الحلم والهذيان الميتافيزيقي» هذا ما قاله الفنان التشكيلي أسعد عرابي في حديثه عن التجربة التي جمعته مع الفنان التشكيلي عثمان موسى الذي يمنتمي إلى جيلٍ أخر.
ويضيف قائلاً: «لعل هذا ما جذبني إلى تجربته الشابة منذ اشتراك عثمان موسى ونجاحه في مسابقة "أيام غاليري" عام 2007، ثمّ ومع متابعة أعماله اليافعة ترسخ لديّ يقينٌ بموهبته في رفع العناصر الموصوفة من مواصفاتها الأكاديمية أو الواقعية إلى عالم فنيٍّ يقع بين الذاكرة والنسيان، بين الاندثار والأبدية».
هذه المشاعر والأحاسيس هي من دفعت بالفنان التشكيلي أسعد عرابي إلى إقامة معرضه المشترك مع الفنان التشكيلي عثمان موسى تحت عنوان «حوارٌ بصري» الذي يقيم بدوره معرضه الأول وذلك في صالة أيام غاليري.

وعن «حوارٌ بصري» بين جيلين، قال الفنان أسعد عرابي في حديثٍ لاكتشف سورية: «عند إقامتي لأيّ معرضٍ أضع أمامي دائماً احتمال الخطأ أكثر من الصح والفشل قبل النجاح، أما في هذا الحوار البصري اليوم فإنّي أُؤكد وأقسم على نجاحه لأنّ جانب "المفكر فيه" الذي تمّ العمل عليه في هذا المعرض قويٌّ جداً، عدا عن أن الذي قام بهذا العمل هو في الأصل قائدٌ ناجح لأوركسترا وهو خالد سماوي. فعندما قام بجمع اللوحات أصبح الكاتالوج الخاص بالمعرض بمثابة الوثيقة الحوارية النموذجيةۛ».
وحول شعوره في اختلاف طريقة معالجة قضية الطبيعة الصامتة بين الجيلين المتباعدين زمنياً والحاضرين معاً في حوارٌ بصري قال عرابي: «إنّ الطبيعة الصامتة في الحقيقة هي نوعٌ من البرزخ المتوسط بين التجريد وبين الموضوعات التشخيصية القوية، فإذا كان أحدٌ ما تعبيري يرتاح عند قيامه برسم الطبيعة الصامتة فيخرج بها بنفس القوة و التراجيديا والحالة المأزومة للون مع الثبات على الموضوع الحيادي بالتأكيد. فدائماً ما يستعير الفنان هذه اللعبة الماهرة ليقوم بخلق محطة راحة تجاه الموضوع. وتكاد تكون مواضيع الطبيعة الصامتة أحياناً في دلالتها أشد احتداماً وقوة في حركة الفرشاة واختيار اللون حتى من اللوحات التعبيرية القوية، فالطبيعة الصامتة هي تعويمٌ للأسلوب ليأتي التساؤل في أنّه هل هو قادر بلا موضوع أن يصل إلى نفس الحدة التراجيدية التي يقوم بعملها عادةً بأشخاص، وبملاءات سوداء وبالخنساء أيضاً، بطريقة أداءٍ تقنع المشاهد بوجود تراجيديا قوية من خلال التفاحة، والمهملات، والاستخدامات الإنسانية التي يقوم برميها».
وعن رسالة يريد الفنان عرابي إرسالها إلى الجيل الجديد من الفنانين الذي يقوم بمحاورته اليوم قال: «على الجيل الجديد النظر إلى أعمالنا جيداً ليقوم بعد ذلك بوضعها وراء ظهره، فلا يكررها أو يقلدها لأنّه يجب أن يكون أمامنا دائماً لكي نأتي بدورنا ونتعلم منه. وهذا أيضاً من جملة الأسباب التي دفعتني إلى إقامة معرضٍ مشترك مع شابٍ يصغرني بكثير لأن الحرارة التي يملكها تغذي لوحاتي كثيراً بمولد ربما يكون قد فاتني الحصول عليه، وربما بسبب الفارق العمري بين الجيلين».
وحول المغزى من التضاريس التي أضفاها الفنان عرابي إلى الكثير من لوحاته قال: «في إحدى لوحاتي التي أحضرتها معي من العاصمة الفرنسية باريس حاولت تحويلها إلى مختبر يسمى " موادّي" للتعبير من خلال تنوع الخامات الموجودة على اللوحة. التي تكاد تكون حلاً وسطاً بين النحت واللوحة، لأنك تستطيع لمس الشكل الذي يتنازع بين اللون وبين شكله».

ويقول الفنان موسى في حديثٍ لاكتشف سورية أنّ الفكرة كانت في البداية مخيفة بعض الشيء بالنسبة له، لأنّها المرة الأولى التي يقيم فيها معرض للوحاته، كما أنّ المسؤولية المفروضة عليه كبيرة من خلال الوقوف أمام هذه التجربة الفنية العالمية الممتدة لعقود عديدة والتي صنعها الفنان أسعد عرابي بنفسه.
وعن نظرته إلى هذا الـ «حوار بصري» بين فنانين ينتمي كلٌّ منهما إلى جيلٍ مختلف أكّد موسى على أهمية هذا النوع من التجارب الداعمة للحركة الفنية والمغنية للتيار الثقافي، متمنياً أن يكون بمثابة البداية لشيء جديد في هذا السياق.
وعن طريقة استخدامه للألوان في لوحات الطبيعة الصامتة قال موسى إنّ هذا الموضوع يعود إلى طبيعة كلّ عملٍ وإلى الشيء المرتبط بالعنصر الأساسي للوحة الذي يقوم بنفسه بطرح الألوان، وبناءً على ذلك يبدأ الفنان بمعالجة اللون الأساسي للوحة بتدرجاته محاولاً قدر المستطاع إبراز الحالة الإنسانية والارتباط من خلال اللون المحيط به لأنّه يعتبر أنّ بصمات الإنسان موجودة على هذه الأشياء، وهذا ما يربطنا فيها. وأنّ جودها في اللوحة بمثابة وجود أيّ إنسانٍ استخدم هذه الأشياء أو لمسها فهي في نهاية المطاف تمثلنا.
وعن رأيه في هذا المعرض الذي يحتضن حواراً بين جيلين قال الفنان التشكيلي خالد المز في حديثٍ لاكتشف سورية: «لاحظت تناقضاً عجيباً بين فنانين أحدهما يقوم بأخذ اللوحة ونقلها، وآخرٌ يقوم بوضع المساحات اللونية الجريئة وكلاهما جيد وجميل».
وأضاف قائلاً: «رغم الدقة الكبيرة التي نلاحظها في لوحات الفنان الشاب عثمان موسى، إلا أنّنا نجد لمسة وجرأة وعاطفة أكثر عند الفنان عرابي الذي قام بإدخال اللون بالعاطفة والعقل معاً، لأنّ الجمع بين هذين العنصرين سوية يجعل من العمل التصويري رائع».

حسان هاشم

اكتشف سورية

Share/Bookmark

صور الخبر

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق