محمد محسن وما يزيد عن ألف لحن

17 02

أول من عمل بالنوتة الموسيقية في زمن ساد فيه اللحن السماعي

صادف الرابع عشر من شباط ذكرى رحيل الملحن السوري محمد محسن الذي يقف على نسق واحد مع كبار الملحنين العرب من محمد الموجي إلى بليغ حمدي ومحمود الشريف ومحمد سلطان وغيرهم، وقد اختصر الملحن محسن بما يزيد عن الألف لحن الأصالة في الموسيقى العربية، وفي معظمها لاقت شهرة كبيرة وما زالت خالدة حتى يومنا هذا.
إذا ما حاولنا استثناءه من المكتبة الموسيقية العربية فسيبقى مكانه فارغاً، أي إن مساحته واسعة في ساحة الغناء العربي مع تفرده في خمسينات القرن الماضي كقارئ للنوتة في وقت كان السائد فيه هو اللحن السماعي.
تكريماً لإرثه الموسيقي، احتفى المركز الثقافي بالمزة بالذكرى السنوية لرحيله في مسرح الحمراء بدمشق في 17 شباط 2008، حيث تضمن الاحتفاء محاضرة تناولت حياة الملحن في مسيرته الفنية ألقاها الأستاذ أحمد بوبس إضافة إلى أمسية موسيقية لأوركسترا "طرب" بقيادة ماجد سراي الدين حيث قدموا باقة من ألحان الفنان الراحل.
قبل رحيله بثلاثة أشهر سجلت قصة حياته صوتياً على شريط فجاءت المحاضرة من هذا الشريط، مما أضفى عليها من وجهة نظر الحضور شيئاً من الحميمية والانسجام والدفء في الاستماع والمشاركة الوجدانية. وعن المحاضرة يقول بوبس «في هذه المحاضرة تحديداً أردت أن أقدم الملحن محمد محسن بأسلوب مختلف، وقد استحضرت هذا الكاسيت الذي سجلته له قبل وفاته بثلاثة أشهر وتناول فيه قصة حياته الشخصية والفنية من البدايات وحتى تاريخ توقفه عن التلحين مطلع عام 2003، وكنت هنا أقدم مقطعاً تسجيلياً بصوت الملحن ومن بعده أفند وأقدم بعض الإضاءة على الأمور التي لم يذكرها في النقطة التي تحدث عنها تسجيلياً، إن ما أردتُ قوله في هذه المحاضرة هو التعريف كما ينبغي بالراحل ولعلني طرحت سؤالي "من هو محمد محسن؟" والذي أجبت عنه، محمد محسن واحد من الملحنين العرب الذي لحن لكبار الفنانين الذين يختصرون اليوم حالة الفن العربي الأصيل، ومنهم فيروز، ونجاح سلام، ووديع الصافي، ونور الهدى، وسعاد هاشم، ونصري شمس الدين؛ إلا أن محطته الأهم كانت في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي مع سعاد محمد حينما لحن لها أغنيات لاقت شهرة كبيرة على المستوى العربي والعالمي، ومنها أغنية "مظلومة يا ناس"، لدرجة -وكما قيل عن لسان الفنانة سعاد محمد في إحدى مقابلاتها- أنها "أعادت الأغنية أكثر من أربعة عشر مرة بناء على طلب الجمهور في حفلة أحيتها في استراليا"، أضف إلى ذلك أنه أول من اكتشف وردة الجزائرية ولحن لها أغنية "دق الحبيب دقة" عام 1957، حينما جاءت من باريس إلى بيروت وكانت وقتها تؤدي أغنيات أم كلثوم، وكانت آخر ألحانه لوردة "روح يا هوى" عام 1976 في القاهرة، وهو أيضاً من اكتشف وقدم بألحانه المطربة فايزة أحمد للجمهور خمسينيات القرن المنصرم في أغنية "سيد الحناين"، أيضاً لحن للمطرب طلال مداح ومحمد عبده وشريفة فاضل ومحرم فؤاد، ومع كل هذا بقي الفنان الملحن محمد محسن مجهولاً تماماً في سورية».
بدأ محسن من سورية، وقد نهم واكتسب من مكتبتها الموسيقية الكثير ثم غادرها إلى مصر حيث تأثر كثيراً بأسلوب التلحين المصري وعلى وجه الخصوص برياض السنباطي، ولكنه استطاع أن يمزج بين الاثنين ويخرج بلون خاص هو لون محمد محسن، وفي هذا يقول بوبس «يتمتع محسن بألحانه ذات الأصالة العربية المبتكرة البعيدة كل البعد عن التقليد. مع أنه خريج رياض السنباطي وخاصة في تلحين القصائد، إلا أنه لا يتبع إلا أسلوبه حيث تمتاز ألحانه بأنها قوية وتحتاج إلى أصوات قديرة لأدائها، ولو لم يمتلك محسن هويته المميزة المتفردة التي تضيف إلى المطرب جديداً لما طلب منه عاصي الرحباني عام 1971 تلحين أغنية "سيد الهوى" لفيروز وعام 1996 لحن لها خمس أغاني».
الجدير ذكره هنا هو أنه واحد من ملحنين عربيين غير لبنانيين لحنا لفيروز، وكان الآخر محمداً عبد الوهاب.
يتابع بوبس «هذا هو محمد محسن والذي تعامل مع الفن العربي من سوري ومصري ولبناني وخليجي وبذلك أعطى هذا التلوين الغني في ألحانه، حيث أضاف إلى الأغنية العربية ما هو عربي ويغني اللحن العربي، إنه مبدع حقيقة، وأود أن أشير هنا أن أصالة ألحانه جاءت نتيجة عدم تأثره في اللحن الغربي حال عبد الوهاب وفريد الأطرش اللذين تأثرا في الإيقاعات الغربية واستخدما الرومبا والسامبا والبوليرو».
يذكر أن الملحن الراحل هو من مواليد دمشق عام 1922، وقد بدأ رحلته مع الفن مطرباً، وغنى ألحان صبحي سعيد ومصطفى هلال، وقبل أن يبدأ التلحين تعلم النوتة الموسيقية وأتقن فنون العلوم الموسيقية ثم اتجه نحو التلحين، فكان أول من عرف النوتة في وقت كان فيه القليل من الملحنين والعازفين العرب يعرفونها.