حي الميدان الدمشقي تاريخه وتطوره.. كتاب لأحمد بوبس

14 أيلول 2014

.

اختار المؤرخ أحمد بوبس حي الميدان موضوعا لدراسته دون أحياء دمشق الأخرى لكونه أولا ابن هذا الحي الذي ولد وترعرع وشب وشاب فيه وبالتالي فهو يعرف عنه الكثير لكونه تلقاه من منابعه ومن حكايات الجدات والأجداد ومن كبار السن إضافة إلى ما جاء في الكتب والمعاجم.

والسبب الثاني هو أن حي الميدان اكتسب أهميته الكبيرة من موقعه الجغرافي فهو بوابة دمشق ونافذتها إلى جنوب سورية والأردن والحجاز وفلسطين ومصر فشارعه الرئيسي كان مسلك الملوك والسلاطين والأمراء وقوافل الحج والقوافل التجارية أما السبب الثالث فهو الدور الوطني الذي لعبه الحي في النضال ضد المستعمر الفرنسي على امتداد ربع قرن مشيرا إلى أن ثوار حي الميدان كانوا الأكثر خوضا للمعارك ضد القوات الفرنسية من أحياء دمشق الأخرى والأكثر تضحية ودفعا للثمن فقد تم تدمير الحي تدميرا شبه كامل أكثر من مرة اضافة إلى مالاقاه من عنت وجور أيام حكم الولاة الأتراك لدمشق.

ويقول بوبس في مقدمة كتابه الذي يحمل عنوان «حي الميدان الدمشقي تاريخه وتطوره أن هذه الدراسة هي خلاصة عمل ميداني وجولات في حارات وأزقة الحي ومساجده ومقابره التقى خلالها أشخاصا كثيرين قدموا له العون والمعلومات القيمة ملتقطا الصور التي تشكل وثائق هامة في هذه الدراسة إضافة إلى المراجع التاريخية التي تبين الجذور الاولى لحي الميدان».

ويعرف الكاتب حي الميدان بأنه أكبر أحياء دمشق مساحة وسكانا وأقدم أحياء المدينة خارج السور وتعود بداياته الأولى إلى العصر الأموي حين كانت أرضه ميدانا لسباق الخيل والفروسية وكان يحضرها الخليفة الوليد بن عبد الملك كما كان يخيم بأرض الميدان زوار المدينة كالقوافل التجارية والقادة والأمراء ممن تضيق المدينة داخل السور عن استيعابهم.

وورد ذكر حي الميدان في العديد من كتب المؤرخين وكان أقدم ذكر للحي على لسان الموءرخ الدمشقي «ابي علي القلانسي» في كتابه «ذيل تاريخ دمشق» الذي يشير إلى أن أقدم معلم أثري في حي الميدان هو جامع الفلوس الذي يعود إلى العهد الفاطمي كما أورد ابن عساكر ذكر حي الميدان في كتابه «تاريخ مدينة دمشق» الا أن أكثر ذكر للميدان كان في كتاب حوادث دمشق اليومية للشيخ أحمد بديري الحلاق مثل خروج محمل الحج وتعرض حي الميدان للقصف والنهب والتدمير وغير ذلك من الحوادث.

ويقول بوبس إن هذا الحي غني بالأوابد الأثرية والمعالم الحضارية من مساجد وزوايا صوفية وأسواق تجارية متخصصة وحمامات وغيرها ما يجعله من أهم أحياء دمشق وأكثرها أصالة وغنى بحوادث التاريخ وتنبع هذه الأهمية من أن قافلة الحج الشامي كانت تعبر الحي في طريقها إلى الديار المقدسة في الحجاز وعند عودتها منه عبر الطريق الذي يعرف اليوم بشارع الميدان أو شارع السكة نسبة إلى سكة الترام الكهربائي والتي مازالت موجودة تحت الاسفلت الذي يغطي الطريق الآن كما عرف بالطريق السلطاني بسبب مرور الأمراء والسلاطين منه في طريقهم إلى الحج أو مصر أو فلسطين وهذا ما ساهم بانشاء أسواق لخدمة الحجيج ومن ثم انشاء الدور السكنية.

وفي العودة إلى أصل التسمية فقد كان يطلق على أرضه اسم «ميدان الحصى» وكان موقع هذا الميدان في باب مصلى حاليا ويعرف أيضا بالميدان التحتاني وشاعت التسمية لتشمل كل المكان الذي احتله حي الميدان وصولا إلى بوابة الله في موقع ساحة محمد الأشمر حاليا أما تسمية الموقع بالميدان فلأن أرضه مستوية واسعة تصلح لسباقات الخيل وأما الحصى فمصدرها أن أرضه كانت تربة لحقية مفروشة بالحصى التي يحملها فيضان فرعي بردى «القنوات والديراني».

وزين بوبس كتابه بصور وخرائط توضيحية تظهر أزقة الميدان وحاراته وأسواقه والطرق التي تمر فيه إذ يصل عدد الأزقة فيه إلى نحو ثلاثين زقاقا وكان لبعض الأزقة باب يغلق مساء كل يوم منعا لدخول اللصوص.

وأفرد الباحث فصلا للحديث عن اسواق الميدان كسوق الحبوب وسوق الغنم وسوق الجمال وسوق النحاسيات وسوق الجزماتية وسوق القبيبات وسوق الخيل ثم تحدث عن منازل حي الميدان التي لاتختلف عن البيوت الدمشقية الأخرى وعن سكان الحي الذين ينتمون إلى مناطق عديدة من سورية واستوطن معظمهم الحي بغية العمل أو لأسباب أخرى وتدل أسماء بعض الأزقة والحارات على أصول ساكنيها كما تحدث عن مساجد الميدان وجوامعها كجامع الدقاق وجامع باب مصلى وجامع النقشبندي مع صور لهذه الجوامع.

ويضم الكتاب فصلا عن كنائس الميدان مثل كنيسة القديس حنانيا وكنيسة سيدة النياح كما يضم فصلا عن الزوايا الصوفية كالزاوية السعدية والزاوية الرشيدية وتحدث بوبس عن شخصيات من حي الميدان كالمجاهد محمد الأشمر والشيخ عبد الغني الغنيمي والشيخ عبد الرزاق البيطار والشيخ محمد بهجت البيطار وميشيل عفلق ونازك العابد ثم انتقل للحديث عن الأضرحة في الميدان وحمامات الميدان ومقابر الميدان ليتطرق في الفصول الأخيرة إلى النضال الوطني ضد المستعمر الفرنسي في هذا الحي مختتما الكتاب بشهادات للأجانب الذين زاروا هذا الحي ومنهم الكاتبة الفرنسية بريجيت مارينو.


سلوى صالح

سانا

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق