علي عقلة عرسان.. يباس تحت يباس والشعر فضاء

18 نيسان 2014

.

علي عقلة عرسان مسرحي ومخرج سوري من الطراز الفريد، وقد عرف مخرجاً مسرحياً متفوقاً، وكاتباً مسرحياً أغنى المكتبة المسرحية بعدد من المسرحيات، منها ما هو شعري، وعلاوة على ذلك فهو ناقد ودارس وكاتب مقالة متابع.. وإن كان قد لحق به ظلم شديد من المذاهب السياسية المتنوعة، فكان كما يقول في شعره طعين القلب، لكثرة ما اجتمع ضده أنصاف المثقفين، فتارة هو مثقف السلطة! وأخرى هو مثقف تراثي! وأخرى وأخرى!

وفي كل الحالات كان عرسان مثقفاً قومياً عروبياً، لا يعلي فوق عروبته أي شأن، وبقي مدافعاً عن هذه القناعات، ولا يزال متمسكاً بقناعاته لا يغادرها بعد أن وهب عمره وجهده وفكره للقومية العروبية كما يراها هو، خالف الكثيرين واحترم آراءهم، وخالفه الكثيرون، لكنهم لم يقفوا معه موقفاً مماثلاً..

الذي دفعني إلى ذلك التجاهل الذي لقيته جهوده المسرحية تأليفاً وإخراجاً، وهو من الأوائل في المسرح السوري المعاصر بل ممن أسهموا في رفعة المسرح في الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين إدارة وجهوداً، وعندما يقف أحدهم مع مسرحه يقف منطلقاً من رؤية مسبقة، ويحكم على النص من حكمه على التوجه الإيديولوجي والسياسي.

ولد علي عقلة عرسان في صيدا بدرعا 1940، ودرس حتى أتم الإخراج المسرحي، وتدرج في المواقع الإدارية حتى كان رئيساً لاتحاد الكتاب العرب بدمشق لمدة طويلة استطاع فيها أن يحقق للكتاب السوريين مكاسب عدة نقابية ومهنية.. وفي غمرة هذه الأعمال كان عرسان يقدم نصوصاً مسرحية، ويخرج هذه النصوص، ويقدم الدراسات والمقالات التي كانت رائدة في حينها، ولا تزال تتمتع بهذه الريادة إلى وقتنا.. والذي دفعني إلى الحديث عن الظلم الذي وقع عليه من المثقفين ذكرى الشاعر سليمان العيسى الذي حدثني عن نبل هذا المثقف الذي لم يفهمه إلا متأخراً، فقد حدثني عن موقفه من عرسان، ومن ثم ما قابله عرسان، فهو الذي أصرّ عليه بأن يتسلم البيت المخصص له من اتحاد الكتاب العرب، وبقي العيسى يذكر بوفائه هذا العمل، كذلك فإن عرسان عمل في أكثر من مناسبة على تكريم العيسى، ولعل أكثر ما أثّر في الشاعر العيسى هو ما قام به عرسان من تكريم للشاعر في قريته النعيرية، وما نظمه وقاله في العيسى كقيمة وطنية وقومية، ما ترك أكبر الأثر في نفس العيسى، وأذكر أنه مرة أشاد بعرسان شاعراً، وعندما استغربت رأيه قال لي :لم أكن قد قرأت شعره، وحين قرأت قرأت شعراً جيداً وعميقاً.

غطت المهام الإدارية التي قام بها عرسان على جوانب إبداعية مهمة في رحلته، ويكاد الكثيرون لا يربطون إلا بينه وبين رئاسة الاتحاد، وبصورة مقصودة، وهم لا يدرون أن ما حققه للكتاب مهم للغاية، ولكن وقبل هذا أبدع علي عقلة عرسان مجموعة من النصوص المسرحية التي كان بعضها علامة من علامات المسرح السوري الحديث:

- زوار الليل 1969.
- الشيخ والطريق 1971.
- الفلسطينيات 1968.
- السجن 95 1974.
- الغرباء 1974.
- رضا قيصر 1975.
- عراضة الخصوم 1976.
- الأقنعة 1987.
- أمومة 1989.
- تحولات عازف الناي 1989.

إضافة إلى رواية وحيدة تناول فيها حرب تشرين ما سبق وما تبعها، وعلاقة الإنسان بالأرض وتجذره فيها هي روايته علي عقلة عرسان مسرحي ومخرج سوري من الطراز الفريد، وقد عرف مخرجاً مسرحياً متفوقاً، وكاتباً مسرحياً أغنى المكتبة المسرحية بعدد من المسرحيات، منها ما هو شعري، وعلاوة على ذلك فهو ناقد ودارس وكاتب مقالة متابع.. وإن كان قد لحق به ظلم شديد من المذاهب السياسية المتنوعة، فكان كما يقول في شعره طعين القلب، لكثرة ما اجتمع ضده أنصاف المثقفين، فتارة هو مثقف السلطة! وأخرى هو مثقف تراثي! وأخرى وأخرىعلي عقلة عرسان مسرحي ومخرج سوري من الطراز الفريد، وقد عرف مخرجاً مسرحياً متفوقاً، وكاتباً مسرحياً أغنى المكتبة المسرحية بعدد من المسرحيات، منها ما هو شعري، وعلاوة على ذلك فهو ناقد ودارس وكاتب مقالة متابع.. وإن كان قد لحق به ظلم شديد من المذاهب السياسية المتنوعة، فكان كما يقول في شعره طعين القلب، لكثرة ما اجتمع ضده أنصاف المثقفين، فتارة هو مثقف السلطة! وأخرى هو مثقف تراثي! وأخرى وأخرى «صخرة الجولان» 1982 التي تعد من الروايات المهمة في تشريح البيئة الاجتماعية، وتأثير الحرب والاحتلال في حياة الشرائح البسيطة، ولم تأخذ هذه الرواية نصيبها من البحث والدراسة مع أنها ترجمت إلى عدد من اللغات، وحظيت بتقدير النقاد هناك.

وعلى صعيد الدراسات والأبحاث قدم عرسان دراسات غاية في الأهمية مثل: السياسة والمسرح 1987، الظواهر المسرحية عند العرب 1981 وهاتان الدراستان من الدراسات المؤصلة للمسرح العربي.. إضافة إلى عدد من الدراسات النقدية والمتابعات السياسية التي جمعها في كتب عدة والجانب الشعري لفت انتباهي ووقفت عنده ضمن نصوصه المسرحية، حيث الرشاقة واللغة الشعرية المعبرة، حتى أصدر عرسان مجموعته الشعرية الأولى: شاطئ الغربة 1986، والتي أظهرت ما لديه من رؤية شعرية، تلتها مجموعته تراتيل الغربة 1993، ثم قام بجمع أشعاره إضافة للجديد في الأعمال الشعرية 2002 ومنها: أورسالم.. القدس.

يتسم شعر علي عقلة عرسان بأنه حامل لفكره وآرائه، وباعتماده الأسلوب المسرحي الذي يطرح الأمر ويبحث عن حلول أكثر من اعتماده الغنائية الشعرية.

ومن افتتاحيته لشاطئ الغربة يقول:

وأظل أنظر في الظلام
علّ الجبال السود تقبل أن تعيد لي الكلام
لا شيء في بحر الظلام.... لا ضوء، لا مصباح
في زعزع الأرياح.... لا تركد الشمعة
يا غائبي صيرتني دمعة.... في بركة اللا شيء
عد لي، وخذني شيء
قيثارة تشدوك عبر الأبحر السبعة
يا شاطئ الغربة.... هل يرجع الملاح؟!
حليت كأس الراح..... هل يستقي شربة
في مهمه الرغبة
موج الأسى ينداح.... أفواجه في القلب لا ترتاح
في أبحر الرهبة.... ما عاد لي أفراح
هل يرجع الملاح... يا شاطئ الغربة
هل يرجع الملاح؟!

ومن قصيدته المؤثرة (عودة) الموجودة في أحد نصوصه المسرحية أختار:

ومن تعبي بنوا بيتاً
بأحلى الأرض.. من تعبي
وصار الكل تجاري
من التجار للحكام للحارس
أنا وحدي هنا السلعة
أنا المستهلك المسكين والسلعة
وكل الناس تجاري!
وحارت كل أفكاري
أفي داري، أذوق الغربة النكراء في داري؟!
وأحيا سلعة تشرى بأموالي ولا أشبع!
عجيب شرع من يفضي ومن يشرع
عجيب كل ما يجري وما يُسمع!
...
لنا كأس بهذا العالم الفاني سنشربها
ونمضي العمر في الأسر
على صبر كما الصبر
نرتق جرحنا المفتوح بالأشواك والصوان والإبرة
وننقش جبهة الذكرى
بوشم طيلة العمر
لتروي أننا عشنا
برغم الجوع والقهر.... ولم نركع
....
وحدثني الفتى مروان حدثني
وأرهقني ولم أفهم.... وعذري أنني فلاح يا سادة
وعذري أنني فلاح
لا أستطيع أن أفهم:
لماذا يصبح الإنسان ابن الأرض
ابن الفقر والعلقم
لماذا يصبح الإنسان دجالاً؟!
ولا يخجل؟!

ومن صوت سفح الشيخ، شيخ الجبال والزمن يقف عرسان أمام اللوعة:

خمسون أو كادت، ونحن قصيدة لمّا تتم
أرضاً.. كفن
كوني سفوح الشيخ أرضاً أو كفن
رحماً يعطّل خصبها خصب المحن
كوني الوطن.... أو لا نكون ولا تكوني
ما كنت بكاء الحياة لكي تكوني
بل عشت أبني، كي أكون.. لكي تكوني
ما أنت إخفاقي ولا خوفي، ولا أنت سجوني
ما أنت شجو في حلوق إن صدحن بحبهن
بلغن حدّ المسّ أو حدّ الجنون
....
ظمئت وازدهرت ظنوني
وأنا أخاف من الظنون إن ازدهرن
فلقد بشمت من الظنون
فلقد بشمت.... وتاق روحي للحقيقة لليقين
فكن، يا صوت سفح الشيخ
كن يوماً يقيني

ومن رسالته إلى أبيه يقول:

أبي.... آسن ماء شطي
وبحري فقير، وبري يباب
أبي والسماء بعيدة
ولا يبرز البدر بين السحاب
وحولي وجوه يموء بها الحقد ينمو العذاب
تمرّغ بالوحل وجه النقاء
وتحثو خدود المها بالتراب!
أبي والضباب.... يلف حياتي
يلف ضلوعي..... يزيد العذاب
وداعاً أبي.... وداعاً وداعاً، ليوم الإياب
إذا كان في العمر يوماً إياب!
وأختم بحزيرانية مؤثرة:
يا حزيران الحزين
أفما يكفيك أن جئنا حبالى الوهم حيناً بعد حين
ونهلنا من كؤوس مترعات بالأذى
وشربنا عكر الماء وأشلاء القذى
وتنحينا عن العليا لقوم آخرين؟
أفما يكفيك حين في حمانا كل يوم إذ يحين؟
صرت فينا عيشنا الممرور، والليل المسجى في العيون
حشوة الذكرى، وداء وفتون
أفما يكفيك تصهالاً وتعريضاً بنا؟!


إسماعيل مروة

الوطن السورية

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق