اسكندر حبش في نصه المعنون «لا شيء أكثر من هذا الثلج»

11 تشرين الثاني 2013

.

الانهيارات والنهايات والكوارث، الخيبات ولحظات الأفول والدمار، ضياعك في الآخر وضياعه نهائياً، لحظات التماهي التي تعقبها دوماً انهيارات مفاجئة، لتكتشف ذات لحظة من زمن أنك زرعت الوهم، وحصدت اللاشيء، وأنك وصلت إلى لحظة من فراق كنت تضمرها أو يضمرها الآخر..

لم يجد معها قولاً، ولم تحفظها لحظة ذوبان كانت ولم تكن.. وكل ما بإمكانها فعله أن تعود إلى الداخل والعمق لتحقق متعة أو لتسبب جرحاً ينتهي عندما يذوب الثلج المكلل لجبل عال أو لحياة ممتدة، فلا تملك إلا أن تنزرع في الجرود النازفة ألماً وحزناً ومتعة مفتقدة لم يجد أحدنا الاستمتاع بها كما ينبغي..! مزيد من الألم الممض يبوح به اسكندر حبش في نصه المعنون «لا شيء أكثر من هذا الثلج» الصادر منذ أيام عن دار التكوين بدمشق.

خراب الكون، كلمة صغيرة لغلاف النص يكتبها وديع سعادة يحاول فيها أن يقرأ جوهر النص، ويعرف جوهر الكاتب: «لا يكتب خراب نفسه وحدها، أخاله يكتب خراب كل الكون، لا يكتب موته وحده بل يكتب موت العالم كله، الذي لم يستمع نهاية الحكاية، يكتب نهاية الحكاية» فهل نستمع؟ وهل نشهد؟ وهل نكتب؟ وهل نقدر على البوح؟ هل يملك أحدنا القدرة على أن يفرد ذاته وروحه وهو يقرأ بعينيه وقلبه وعقله؟ وهل يحتمل بعد أن يرى ذاته عارياً على ورق وطاولة؟ وهل يستطيع أحدنا أن يقرأ ويتقلب على الرماد دون أن يكون جمرة تحولت إلى رماد؟

الخراب الكلي والخراب الجزئي، رماد الكون ورماد الذات معادلة مؤرقة تقابلك وأنت تلوب بعينيك بحثاً عن مستنقع أردته بستاناً، وعجزت كل محاولاتك، وعاد إلى مستنقعيته!! وبحثاً عن أحلام زرعتها على الرمل، فعجزت جذور هذه الأحلام عن تحويل الرمل إلى تربة، وعند رحيل أول كثبان رملي طمرت الأحلام، ولم يعد منها ما يظهر مطلقاً! ويسأل المرء نفسه: لم كل هذا الكم من الألم؟ لم أبحث عن خراب والخراب أنا والآخر؟ لم يصر أحدنا أن يجعل النار في روحه ليميتها وهي بين يديه؟ لم يخضع أحدنا ذاته لامتحان يتحدى فيه ذاته، وهو يعلم أنه غير قادر عن النهوض من هذا الامتحان؟

الحقيقة والليل المحيط
«هو الثلج إذاً
لا شيء أكثر من هذا البياض
لا شيء سيبقى على الطاولة سوى آثار كفك
يدك التي تناولت الخبز والنبيذ، ذات يوم
يدك التي وضعتها على جسد امرأة
يدك التي لم تعرف أن تكتب سوى ليل أحاط بك من كل الجهات»

أي خاتمة يريدها إسكندر حبش؟
بل أي خاتمة قرأها؟
الخبز والنبيذ، يسوع والخاتمة، جسد امرأة مدّ إليه يده ذات يوم، وقد يكون عاجزاً عن تناوله، قد يكون جسداً مقدساً مجدلياً استحالت معه الملامسة، وقد يكون زهد يحيى وصل إليه على كبر فلم يعد قادراً إلا على قراءة آثار الكف، والليل المحيط به من كل الجهات، فلا يرى إلا ليلاً، ولا يقرأ سوى خيبة!

بياض ثلج ورؤية أم بياض روح؟
وهل يجتمع بياض وليل؟
وهل يتحجر الثلج إلا في ليل أليل يحيط بالثلج والجسد الممدد؟
«كله معلق على ذات يوم، والذات نكرة، واليوم مضى، ولم يبق سوى الألم الأبيض ملوناً بالليلّ».

بين الأنا والآخر، بين رماد الكون ورماد الذات يدون إسكندر حبش نصاً مؤلماً، ونصاً فيه من العفوية ما فيه، وفيه من التفلسف ما فيه إن أردت تحميله أفكارك وأنت تقرأ وتجوب في أنحائه، لكن الصورة تشبهنا، لكن لا نقولها، قد لا تسعفنا العبارة، وقد تغيب عنا جرأة المجابهة، وقد لا نقف في صحرائنا لنلتفت ونعرف مقدار الألم: «وهذا الوقت الذي يعود كل ليلة، هذه الموسيقا التي تنبعث منها أسماء تمحى مع مرور القصيدة، ولم يكن هناك أي شيء، فقط كأن موتاً ما، يلوّح من هذه الذاكرة، لوناً للغياب، لا بأس يمكنك أن تعتاد على الظلال، على هذه الحياة التي تنساب منك، لتدخل من دونك إلى عتمة الزمن، لا بأس، ستدخل إلى حضور آخر، والعالم من خلفك يكتب صحراء تشبهك» ما بين صحراء وخيبة.. رماد ذات ورماد وطن ينتقل إسكندر حبش ليحدد الأرض وماهيتها في لحظة من جنون وانتحار للأمنيات:

«وكانت الأرض من رمل.. وكانت مثل هذه النظرة التي تحمل كل ثقل الظلال..
أرض ضيقة كهذه الأصابع العمياء فوق جسدك.
جسدك أيضاً، كان مثل هذه الأرض الضيقة حيث ما من صباح، إلا وتسكنه مادة النسيان.
هي أصابعي إذاً؟ ألتقطها وأرمم بها ما تبقى من ظل لهذه الأرض..»

جميل هذا النص ومعبر، بسيط وعميق، ينفرد أمامنا ليتسع، ويضيق ليخرج هارباً ليصل إلى اصابع كاتبه، وهو ما أشار إليه سعادة، وإذ ننبش نحن، في حديقته، لن نجد رماد هذا الشاعر وحده، إنما سنجد أيضاً رمادنا.
نص يستحق التأمل بعد الاحتفاء
ذات شاعر وذوات محيطة
قد نصل العمق إن جردنا ذواتنا من ألم الخديعة.


إسماعيل مروة

الوطن السورية

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق