مهرجان طائر الفينيق المسرحي: قراءة درامية بانورامية متطورة للواقع في سورية

09 أيلول 2012

.

شكلت العروض التي قدمتها فرقة طائر الفينيق خلال مهرجانها السنوي الذي أطلقته للدورة الرابعة على مسرح الهواء الطلق على الكورنيش البحري في محافظة طرطوس بعنوان "تحية إلى جنود جيشنا العربي السوري الباسل" قراءة درامية بانورامية للواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي حيث عبر القائمون على العروض عن رؤياهم الخاصة لحركة الحياة من خلال المشاهد البصرية المكحلة باللون والديكور والموسيقا.

وتستدعي معظم الأعمال التي قدمت خلال المهرجان التوقف عندها مليا للتأمل بهذه التجربة الجريئة لرؤية الواقع ضمن سياق الحلم الشبابي للمستقبل الذين جسدوا العمل بحرفية فنية عالية حيث ان معظم وجهات النظر التي قدمت تركزت حول كيفية التعامل مع النصوص التاريخية السياسية بعيدا عن الكلاسيكية والنمطية.

ويختلف المهرجان في هذه الدورة عن الدورات السابقة بمجمل ما قدم من عروض حيث حاولت فرقة طائر الفينيق ان تغني هذا المهرجان بتقديم سبعة أعمال مسرحية جديدة شملت خمس مسرحيات واسكتشين كوميديين من تأليف واخراج وتمثيل اعضاء الفرقة انفسهم وبإشراف الفنان فؤاد معنا الذي بذل جهودا كبيرة لتحقيق الولادة وتوفير المناخ ليعزز هذا الفن المسرحي.

وكانت أكثر المسرحيات التي شهدت إقبالا جماهيريا واضحا وخاصة من فئة الشباب مسرحية مونودراما بعنوان ورشة رجالية للمخرج فؤاد معنا وتمثيل سناء محمود التي كانت تجربتها الأولى في التصدي لفن المونودراما التي تعتمد كأساس على خبرة الممثل وامتلاكه تقنية وتكنيك فن التمثيل والحضور على الخشبة لشد الجمهور لمتابعة حواراته وحركاته وآلية توظيفه لمهاراته في توصيل رسالته كممثل وماذا يريد المخرج أن يرسل عبر الفن المسرحي.

وأشارت الممثلة محمود إلى أن نص مسرحية ورشة رجالية اتخذ الطابع الاجتماعي عبر الحوار والحركة ومتممات العرض المسرحي لتحقيق صورة مشهدية مسرحية قادرة على تحقيق المتعة والفائدة للجمهور ويروي نص المسرحية قصة فتاة تتعرض لقوة المجتمع والنيل من روحها وجسدها وتحويلها إلى بائعة هوى من خلال وجودها في ورشة رجالية لغسيل ثياب الرجال فقط وتنتظر حبيبها الذي سافر خارج البلاد ليؤمن حياته لكنه يغيب ولا يعود وتبقى وحيدة تصارع الذئاب التي ترى في جسدها خير ما يلبي رغباتهم وشهواتهم.

ولفتت الفنانة إلى أن الكاتب والمخرج اعتمدا في هذا النص على مرونة الجسد لتحقيق تشكيلات مع الاكسسورات والديكور بإضاءة على بساطتها والمؤثرات الموسيقية كحلول إخراجية لاحداث فكرة وحوار ومعنى دلالي كاستخدام الثياب التي تعاملت معها الشخصية الأساس وحولتها من شيء جامد إلى شخصية من لحم ودم.

وجسد المخرج فؤاد معنا من خلال العمل الكوميدي السياسي بعنوان "بانوراما المؤامرة على سورية" الأحداث الأخيرة التي تمر بها سورية والثمن الذي تدفعه مقابل مواقفها الوطنية والقومية والعروبية وكشف الخطوط الخفية التي تستهدف الوطن والمواطن برؤية فنية جمالية تجسدت بالحوار والحركة لفريق العمل لتشكيل صورة فتية للأحداث.

كما استطاع معنا من خلال عرضه المسرحي وعلى الأرض أمريكا تجسيد مقولة أن العمل المسرحي يجب أن يقدم رسالة المحبة والسلام وقد تجلى ذلك بحسب الممثل وليد فاضل من خلال الحوار والحركة عبر الحلول الإخراجية التي استطاعت أن تقدم صورة مسرحية حملها النص المرتكز على الموروث الديني في المنطقة متمثلة برسالة السيد المسيح المجد لله بالأعالي وعلى الأرض السلام ودور شيطان الشر المتمثل بالقوى الغربية المتصهينة تحت لواء الأمريكان لتخريب أسس كل حضارة تتعارض مع مصالحهم غير الإنسانية والقائمة على استعباد وسرقة مقدرات هذه الحضارة المادية والمعنوية برمزية موضوعية استطاعت أن تشير بكل وضوح للهدف الإنساني الذي اعتمده الكاتب المخرج من عمله المسرحي المكثف بعنوان المسرحية.

وحملت مسرحية مشروع شيخوخة عنوان الطموح الشبابي المشروع في الفن المسرحي عبر تصويرها لمعاناة الشباب وخاصة العاطلين عن العمل حيث اعتمد معد ومخرج العمل الشاب هاني معنا على الكوميديا السوداء ذات البعد الاجتماعي الإنساني مدخلا إلى العمل بعض المصطلحات الشعبية التي تركت البسمة على الشفاه بل وتحولت إلى ضحكات صاخبة يرافقها إعجاب الجمهور واندماجه بالعمل.

وأوضحت الشابة اليانا سعد التي تخوض غمار الإخراج للمرة الثانية في هذا المهرجان إلى جانب دخولها تجربة الكتابة والتمثيل أن ما قدمته في مسرحية زنار شرقي على صعيد الإخراج استطاع تفجير خيالها في البحث عن الحلول الإخراجية التي تركت أثرها لدى الجمهور لافتة إلى انها قدمت خلال المهرجان اسكتشا كوميديا بعنوان مسرح ملتزم جدا حاولت فيه تكريس قراءة نقدية للواقع المسرحي الطرطوسي وإمكانية تطويره نحو الأفضل وخاصة انه يمتلك مواهب شابة تحتاج للتبني.

وكان للقفشات أو الاسكتشات الفنية الكوميدية ك مدير طرطوسي وإبليس عاطل عن العمل ومسرح ملتزم جدا حضورها الكبير في المهرجان بفكرتها ومضمونها وطريقة تعاطيها مع الواقع وخاصة انها تقدم لثاني مرة في طرطوس ولاسيما انها تعد من التجارب الجديدة بالكامل على مجتمعنا الثقافي وشاشاتنا الإعلامية لأنها تجربة مدخلة حديثاً على منابرنا الثقافية والإعلامية ومع كل هذا فقد اجمع الجمهور على براعة الممثلين في طريقة تقديمهم للأدوار وتعاطيهم من خلال هذا الفكر الجديد مع الواقع بطريقة اختصاصية والمتمثلة بهذه القفشات المسرحية.

وتخللت فعاليات المهرجان فقرة فنية راب لـهادي سلمان وجورج مسوح وراني معنا تضمنت رقصة بريك دنس والملفت بهذه الفقرة أنها رغم اعتمادها الإيقاع الغربي لكن كلمات الأغاني جسدت رؤية نقدية للكثير من المواقف والتي تمس المواطن والوطن حيث تفاعل معها الجمهور بشكل ملفت.

وأكد فؤاد معنا مؤسس فرقة طائر الفينيق ومدير المهرجان أن مهرجان طائر الفينيق المسرحي يقدم نفسه للمرة الثالث على مسرح الهواء الطلق لكي نكون على تماس مباشر مع أكبر قاعدة جماهيرية مهتمة بالمسرح كما في كل دورة داعيا إلى ضرورة تفعيل عمل المراكز الثقافية لتمارس دورها الريادي والثقافي لتكون مراكز إشعاع فكري ثقافي للناس جميعاً تساهم في نشر الثقافة الفكرية لمختلف الفنون المسرحية والغنائية مبينا أن إدارة المهرجان تعمل على تطوير فعالياته ونشاطاته من خلال توسيع دائرة المشاركة واستضافة المؤسسات والجهات المعنية بالثقافة والفنون لتبادل الخبرات وإقامة ورشات عمل متخصصة.

وفي كل ذلك كان المسرح يعمل ليقدم نفسه كمسرح حقيقي يحاكي همومنا وأفراحنا وكل مناحي حياتنا ويبحث ويقول باللسان وبالجسد اكتشافه الجميل.

يشار إلى أن مهرجان طائر الفينيق المسرحي بدورته الرابعة افتتح في السابع والعشرين من الشهر الماضي واختتم في الثلاثين منه وتضمنت فعالياته عروضا مسرحية واسكتشات كوميدية وفقرات فنية وفلكلورية شعبية وتكريم كل من ساهم في انجاح فعالياته إضافة إلى تكريم أعضاء فرقة طائر الفينيق لدورهم الكبير في النهوض بالحركة المسرحية.


سانا

Share/Bookmark

مواضيع ذات صلة:

اسمك

الدولة

التعليق