انطلاق فعاليات دمشق عاصمة الثقافة العربية 2008

12 01

مناطيد ملونة وموسيقا راقصة في ساحة الأمويين تعلن بدء الاحتفالية

رغم البرد الشديد، تقاطرت جموع السوريين إلى ساحة الأمويين كي تشهد الافتتاح الشعبي لاحتفالية دمشق عاصمة الثقافة العربية. هذه المناسبة التي توليها الجهات الرسمية والأوساط المهتمة بشؤون الثقافة والفن، الكثير من الاهتمام والترقب، وذلك تبعاً للنشاطات المنتظرة طيلة هذا العام حيث تتنوع بين الموسيقا والمسرح والغناء وإقامة الندوات المختلفة واستقبال الشخصيات العربية والعالمية الهامة في مختلف الاختصاصات.
دمشق أقدم مدينة مأهولة في التاريخ، بدت وكأنها تستعيد ألقها وشبابها من جديد، كي تجسد دورها التاريخي الشهير على صعيد لقاء الثقافات وامتزاجها ومن ثم تصديرها كرسائل إنسانية إلى البشرية جمعاء. فقد حاول المنظمون لحفل الافتتاح أن يتقاطع مع الكثير من مفاصلها التاريخية منذ فترات ما قبل الميلاد مروراً بالحضارات المتنوعة حتى هذه اللحظة الراهنة، وذلك عبر الخلفية الموسيقية التي كانت بمثابة محطات مستوحاة من تلك المراحل الموغلة والحديثة على حد سواء، إضافة إلى الإطلالة العالمية التي لوّنت مختلف الفقرات في إشارة إلى دور دمشق ورسالتها الحضارية إلى الإنسانية جمعاء.
فعاليات الاحتفال
عند الساعة السادسة تماماً مساء اليوم، انطلقت المناطيد الملونة من أمام مبنى الإذاعة والتلفزيون إلى الأعلى كي تضيء السماء وكأنها قناديل تشع بألوان العلم السوري، حيث كانت إيذاناً ببدء مراسم الاحتفال ترافقها الموسيقا السورية القديمة التي اشتهرت بها دمشق في العهود المختلفة، تخللتها فقرات من الموسيقا الكلاسيكية العالمية في إشارة إلى الانفتاح والمواكبة وحسن التواصل مع الآخر.
الفرق الشعبية التي تعزف على الآلات التقليدية وتردّد الأهازيج وسط تلويح السيوف الدمشقية، دارت الساحة عدة مرات، وفيما كانت المناطيد الملونة تتابع ارتفاعها، استطاعت الموسيقا أن تشكل خلفية مناسبة لجميع تلك الألوان، حتى إن كرات الهواء الضخمة التي تدحرجت هي الأخرى وبداخلها راقصون يؤدون حركات تعبيرية، لم تكن بعيدة عن الأجواء هي الأخرى، كذلك البهلوانيون على الحبال الممدودة على محيط الساحة وكأنهم يطيرون في الهواء، استطاعوا أن ينسجموا إلى حد بعيد مع ما يجري على أرض الساحة حيث تعددت الألوان والفرق والمعزوفات. وربما يكون من اللافت منظر تلك السفينة البيضاء الكبيرة التي راحت تتهادى بثقة فوق الجموع في إشارة الإنعتاق والانطلاق.
تواترت أجواء الحفل الذي استمر ساعة تماماً، بين فقرات الفرق الشعبية والراقصين ضمن الكرات والبهلوانيين على الحبال مترافقين جميعاً بموسيقا كانت حريصة جداً على التنوع الذي يناسب هذا المشهد الذي أراده المنظمون أن يختزل ما أمكن من ثقافة دمشق وتاريخها العريق.
من الفقرات المدهشة التي رافقت العروض، هي الألعاب النارية التي شكلت تناغماً بين ساحة الأمويين وجبل قاسيون، وكأن حواراً يدور بينهما، إذ امتدت الأسهم والنجوم على مساحة كيلومتر واحد في ساحة الأمويين، ولم تكن تهدأ هناك حتى تنطلق على قمة قاسيون الذي راح يضيء المدينة وقبة السماء على ألحان أغنية (موطني) التي لها تأثير كبير في وجدان السوريين والعرب بشكل عام.
الاحتفال الذي أريد له أن يكون شعبياً كرنفالياً فقط، لم تتخلله أي من الكلمات الرسمية أو الإشارة إلى حضور أحد من الوزراء أو الشخصيات الأخرى، فالاحتفال الرسمي كان قد حدد في التاسع من الشهر الجاري حيث من المنتظر حضور العديد من الشخصيات العربية والعالمية إضافة إلى الهيئات والشخصيات الرسمية، وذلك في دار الأسد للثقافة والفنون.
لقطات من أجواء الاحتفال
كان من اللافت حضور العائلات مع أطفالهم الذين حملوا بالونات تشير إلى الاحتفاء بهذه المناسبة، حيث تجمع الكثيرون في مكان إطلاق المناطيد قرب مبنى الإذاعة والتلفزيون، أو راحوا يتتبعون حركات البهلوانيين على الحبال وهم يؤدون حركاتهم المثيرة وكأنهم يطيرون في الهواء، وربما تكون فقرة الألعاب النارية صاحبة الحظ الأوفر في نيل الاستحسان عند الجميع وذلك تبعاً لتنوعها سواء على صعيد الألوان المستخدمة أم على صعيد الأشكال التي كانت ترسمها في الفضاء. وقد يكون من أكثر المشاهد الطريفة إذا صح التعبير، هو مشهد الأعداد الكبيرة من الناس وهم يرفعون أجهزة المحمول "الموبايل" كي يقوموا بتصوير اللحظات التي وصفوها بالجميلة جداً، أو لأجل أن يتبادلوا اللقطات التذكارية أمام فقرات العروض.
في كل الأحوال، فإن انتهاء فقرات الحفل على ما يرام ودون إشكالات تذكر، يعد بمثابة إنجاز بالنسبة للقائمين على الاحتفالية في الأمانة العامة، حيث وصفوا الأعباء الكبيرة في تنظيم كرنفالات وحفلات افتتاح من هذا النوع، لا يمكن الاستهانة بها أبداً، خصوصاً أن التجارب المحلية في هذا الإطار محدودة جداً، كذلك فإن الانتقادات الإعلامية لا ترحم أحداً كما يقولون.
الكثير من الإعلاميين يترقبون بحذر انطلاق برنامج الاحتفالية الخاص بالأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام، فالتنسيق لا يبدو جيداً بين الأمانة العامة من جهة، وبقية الوزارات والمؤسسات المعنية بإنجاز الكثير من تفاصيل هذا الحدث النادر كما يسميه الجميع. ففي حين يتقاذف الجميع مسؤولية التقصير في إنجاز وتهيئة دمشق القديمة كي تستقبل الوفود والزوار القادمين إليها من كل المناطق والأنحاء، تنطلق الاحتفالية دون أن تنتظر أحداً، حيث يحيي الفنان عابد عازارية حفلته الأولى في دار الأسد للثقافة والفنون، ومن ثم سيكون الجميع بانتظار السيدة فيروز وحفلاتها الست التي تبدأ في الثامن والعشرين من الشهر الجاري. فما يؤكد الجميع بأن أعمال الترميم والحفر في دمشق القديمة لا يمكن لأحد التكهن بها على الإطلاق.
وفي حين لا يبدو التنسيق على أشده مع الإعلاميين أيضاً، لا يستطيع أحد معرفة متى ستوزع بطاقات الحفلات، وما هي أسعارها، وكيف سيتم التعامل مع الصحفيين الذين عادة ما يكونوا معفيين من رسم الدخول إلى هذه الحفلات كي يتمكنوا من الكتابة عنها كما يفترض في مثل هذه التظاهرات، الأمر الذي دفع بالكثيرين منهم إلى القول: نخشى أن تكون الاحتفالية قد انتهت مع انطفاء الألعاب النارية في حفل الافتتاح الكرنفالي هذا، إذ ليس من الواضح حتى هذه اللحظة تفاصيل وآليات تنفيذ تلك الأجندة، التي لابد للجميع أن يتعاون في تنفيذها حتى تتمكن من تحصيل أكبر قدر من النجاح.
في كل الأحوال، فإن أياماً قليلة تفصلنا عن الحصول على معظم الأجوبة الشافية لاحتفالية يراد لها أن تجعل من دمشق مركزاً مهما وقبلة يتقاطر إليها الناس من جميع المناطق على مدار هذا العام. فالتجارب مع المهرجانات السنوية التي تقيمها بعض الوزارات، تدفع الكثيرين إلى التشاؤم أو الحذر في أفضل الحالات.
ولأن دمشق ليس مجرد مدينة عادية، ولأن تتويجها في هذه المناسبة يتجاوز كل ما اعتدناه في مناسباتنا السابقات، فإن الخطأ البسيط هنا قد يعني الكثير سواء على صعيد الوفود العالمية والعربية التي ستصل بعد أيام، أو على صعيد إعادة الاعتبار للثقافة والفنون وأيضاً تدعيم الثقة بعمل مؤسساتنا الرسمية بشكل عام.
يذكر أن الحفل تم بإشراف استوديو "فيستي" الإيطالي الشهير في هذا النوع من الاحتفالات.


زيد قطريب

اكتشف سورية

Share/Bookmark

صور الخبر

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق