نصر الدين البحرة يحاضر عن غوطات دمشق ذكريات وشعر في ثقافي أبو رمانة

14 نيسان 2011

أقيمت في المركز الثقافي العربي أبو رمانة، محاضرة بعنوان «غوطات دمشق ذكريات وشعر»، وذلك يوم الثلاثاء 12 نيسان 2011. قدمها الأستاذ نصر الدين البحرة، وحضرها الدكتور هشام تقي مدير المراكز الثقافية بدمشق وعدد من المفكرين والأدباء.

تعد غوطة دمشق إحدى جنات الدنيا، كما كان القدماء يعدونها من عجائب الدنيا، وقد وصفها كتاب عجائب البلدان بأنها الكورة التي قصبتها دمشق، وهي كثيرة المياه، نضرة الأشجار، متجاوبة الأطيار، استدارتها ثمانية عشر ميلاً، كلها بساتين وقصور، تحيط بها جبال عالية من جميع جهاتها، ومياها خارجة من تلك الجبال، وتمتد في الغوطة عدة أنهار، وهي أنزه بقاع الأرض وأحسنها.

يحدثنا الأستاذ نصر الدين البحرة قائلاً: «في حوار مع بعض الأصدقاء قلت إن هناك غوطات، والقول بغوطتين غير صحيح،‏ فاستغرب أحدهم ذلك وقال نحن نعرف الغوطتين فقط فلماذا جمعتهما. ‏

قال قبل الاسترسال والتفصيل في حديث الغوطات، فإن الأسمنت كاد يقضي حتى على الغوطتين، وعلى سبيل المثال أتذكر الطريق إلى الغوطة الشرقية قبالة الباب الشرقي بجوار القشلة القديمة، فقد كان هناك درب ضيق تحف به الأشجار، في جانبه ونهر بردى ينساب منخفضاً في وادي خير، ويتابع طريقه بين الأشجار المثمرة، ولم يكن هناك متسع لمرور سيارتين إلا بصعوبة».


الأستاذ نصر الدين البحرة

ويضيف قائلاً: «في شهري تموز وآب كان الناس يسيرون في ظلال الأشجار، فلا يحسون بالحر أو وقع الشمس، ويتواصل هذا المشهد إلى ما بعد بحيرة العتيبة، التي كان يقصدها الصيادون في الصباح الباكر، إذ هي حافلة بالمياه وإذا الطيور تتجول عند الضفاف وتطير في سماء البحيرة، فماذا بقي اليوم من هذا كله لم يبقى شي».

ليست الغوطة هي الربوة ودمر والهامة فحسب، فهناك النيرب والنيربان والحواكير والجبهة, وقد سمعت الكاتبة الدمشقية الراحلة إلفة عمر باشا الإدلبي، وهي تتحدث عن النزهات في الحواكير, ويقول عبد الله البدري الحواكير من محاسن الشام، وهي كالحدائق في سفح جبل قاسيون, فإن الفاصل بينها وبين جبل الربوة, عقبة قرية دمر، وأذكر أنني رأيت بعض هذه الحواكير في أيام الطفولة، ورغم أن المنطقة عمرت بالأبنية فلا يزال الاسم لاصقاً بها وهو الحواكير.‏

على ذلك فإن بعضهم يتصور إن الحاكورة هي بستان الصبارة فقط، لأن حواكير قاسيون والمزة تحفل بهذه الثمار الصيفية، ولكن القاموس يأخذنا إلى معنى آخر، فالحاكورة قطعة أرض تحبس لزرع الأشجار قريبة من الدور والمنازل الشامية, إما النيرب فهي كما يقول العلامة محمد أحمد دهمان قي رحاب دمشق، كلمة سريانية معناها الوادي، وكانت محلة عامرة بالسكان, تلي الربوة من جهة دمشق.‏

ويؤكد أن البحتري أبو عبادة ليس شامي الهوى فحسب, بل هو شامي النشأة أيضاً, فقد ولد في منبج وفي شعره يتردد اسم دمشق، وبساتينها ومقاصفها كثيراً, وكان الشاعر الناقد الراحل أحمد الجندي مفتوناً بقصيدته الدمشقية، التي يستهلها بذكر داريا في الغوطة الجنوبية، حيث أقام زمناً وهو يصف بنية دمشق ومناخها في ذلك العهد، إذ لا بناء اسمنتياً واحداً والاسمنت نفسه لم يكن قد اكتشف في هذه المدينة أو حولها، ولا شيء سوى الغوطات التي تحيط بها إحاطة السوار بالمعصم، والبيوت التي قامت من خشب وطين وكذلك القصور والدور.

وفي طبيعي الحال يكون طقس دمشق غاية في اللطف حتى في أيام التحاريق، وأن يزورها السحاب ليل نهار وألا تقع العين إلا على يانع أخضر».

ويختتم قائلاً: «كان لي أصدقاء في حي ركن الدين، وكنت أزورهم في بعض ليالي الصيف، عام 1957 وكان الشارع العريض المعروف حالياً قد شق، وافتتح قبل حوالي سنتين، لكن البساتين الكثيفة القائمة خلفه وقد اختفت جميعها وحلت محلها أبنية إسمنتية كثيرة شاهقة ومتلاصقة.

وهذا الأمر الوحيد لعودتي إلى بيتي في القيمرية, وهكذا فقد كنت أشق طريقي في الظلام في ذلك الهزيع من الليل, وسط أدغال من الأشجار المتعانقة, وفي بعض الأحيان كان يقشعر بدني للأوهام والرؤى التي تتخايل لي وإنا أحث الخطى, بين ذلك البحر من الشجر لعل هذا هو الذي جعلني لا أفاجأ إذا قرأت بعد ذلك ما كتبه أبو البقاء البدري، عن بعض المنتزهات والبساتين الواقعة في تلك البقعة جنوبي ركن الدين، أي شمال دمشق مثل أرض الميطور والسيلوق».


عبد القادر شبيب - دمشق

اكتشف سورية

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق