فايز مقدسي في حوار مع اكتشف سورية

13 آذار 2011

بعد رحلة دامت أكثر من عشرين عاماً في العمل الإذاعي

بعد أن غادر الإعلامي والكاتب فايز مقدسي إذاعة مونت كارلو التي قضى معها أكثر من 20 عاماً، مقدماً العديد من البرامج التي نالت استحسان جميع المستمعين، يأتينا اليوم ضيفاً زائراً لمدينة حلب، حاملاً في جعبته الكثير من الشوق، والكثير من الأوراق التي يعمل عليها لتنشر في سورية.

حين زرته في مبنى إذاعة مونت كارلو في باريس عام 2006، كان أول سؤال يبادرني به: كيف هي حلب؟!
هو أبو شام، فالشام وبلادها لم ترحل من ذاكرته ونفسه، كما لم ترحل أيضاً عن كتاباته التاريخية، إذ نقّب في تاريخها ليكتشف أموراً ليست معروفة لدى الكثيرين.
ولد فايز مقدسي في دير الزور، أتم دراسته الثانوية في حلب، ثم أقام في باريس منذ عام 1972، يحمل دبلوماً في التاريخ العربي القديم واللغات السامية المقارنة من جامعة السوربون، والجامعة الكاثوليكية، عمل في الصحافة المكتوبة وأستاذاً للغة العربية.

في عام 1989 انضم إلى فريق إذاعة مونت كارلو معداً ومقدم برامج. ومن برامجه الشهيرة: «العوالم السحرية»، «أمواج»، «دروب القمر»، «مسافات»، «حكاية حجر»، «أفكار».
«اكتشف سورية» استضاف الكاتب والإعلامي الشهير فايز مقدسي ليحدثنا عن تجربته الإذاعية في مونت كارلو، وتجربته في الكتابة الشعرية والتاريخية، وكان هذا الحوار:


فايز مقدسي والكاتبة بيانكا ماضية

أستاذ فايز، بعد سنوات طويلة من العمل في مونت كارلو، كيف تقيّم تلك المرحلة التي عملت فيها؟
«عملت في إذاعة مونت كارلو التي أصبح اسمها اليوم مونت كارلو الدولية مدة واحد وعشرين عاماً، عرفت مونت كارلو في عصرها الذهبي، عندما كانت إذاعة مسموعة بشكل عجيب في كل أنحاء العالم العربي، وكانت إذاعة جديدة وذات أسلوب جديد، وبرامج جديدة.
وبصفتي كاتباً وشاعراً وباحثاً في تاريخ بلاد الشام القديم فقد عانيت بداية صعوبة في الحديث من وراء الميكروفون، فكنت أشعر أن هناك انفصاماً في الشخصية، شخصية المذيع، وشخصية الكاتب، وعلى الإنسان في هذه الحال أن يتأقلم وأن يكون ذكياً في التعامل مع الآخرين، بأن يقدم لهم الثقافة ولكن ليس بلغة ثقافية عالية المستوى، وإنما بلغة المخاطبة العادية في الحياة اليومية».

هل أغنتك تلك التجربة؟
«لقد أغنتني تجربة إذاعة مونت كارلو جداً، إذ تعرّفت إلى أناس كثيرين، وكنا من جيل الشباب، من مختلف أنحاء العالم العربي، والمجتمع العربي مختلف بلهجاته فلكل مجتمع خصوصيته وطريقته في التعبير وفي الكلام، فهناك أشياء كثيرة على سبيل المثال لم أكن أعرفها، من كلمات وتعابير وغيرها، فتعلمتها، فعندما تتصلين بضيف من السعودية مثلاً وتخبريه بأنك ستقيمين معه حواراً في اليوم الفلاني وفي الساعة الفلانية، يقول لك: أبشري، فلم أكن أعرف معنى تلك الكلمة وهي تدل على الموافقة، وتعلمت أن أتواصل مع الناس وأن أدخل إلى بيوتهم، وهذا كله بحاجة إلى جهد وعمل. فلست أنا من يحكم على تجربتي اليوم بعد أن أنهيت عملي مع مونت كارلو، وإنما الناس الذين عاشوا معي والذين استمعوا إلي هم الذين يحكمون».

من خلال عملك في تلك الفترة قدمت الثقافة العربية بشكل عام، كيف كان وقع تلك البرامج عند المستمع العربي المقيم هناك؟
« كان وقعاً جميلاً جداً، واكتشفت أنني أستطيع أن أقدم لهم مادة صعبة كثيراً ولكن بشكل سهل، وحتى في البرامج الجدية ما كنت لأستطيع التخلي عن المزاح والفكاهة والمرح، كيلا أكون ثقيل الظل على الآخرين حين أتحدث عن المواضيع الثقافية، لذلك كان علي أن أعرف كيف أدخل إلى قلب المستمع، وإلى بيته، فقدمت الكثير من البرامج الثقافية، عن الثقافة الأوروبية، وعن الثقافة العربية، وفي البداية كان الأمر صعباً قليلاً إذ كنت أتحدث وكأنني كاتب، أو مثقف، أو ناقد، ولكن فيما بعد اكتشفت أن هذا الأسلوب ليس صحيحاً، إذ لا يمكن الكلام كما يتكلم الجاحظ مثلاً، فهناك دائماً جانب النكتة والطرافة التي يجب أن تكون في تلك البرامج، وقد اخترعت للمستمعين الكثير من الكلمات والتعابير التي ارتبطت باسمي آنذاك، فعندما كنت أقول كلمة معينة أو جملة معينة، يدرك المستمع أن المذيع هو فايز مقدسي، حتى إذا لم أقل لهم "فايز معكم على الهواء" فبمجرد أن أقول تلك الكلمات المرتبطة بي وهي على سبيل المثال "ما حدا بعبّي مطرحك بقلبي" يعرف المتلقي من معه على الهواء».


الإعلامي فايز مقدسي والإعلامية كابي لطيف


أرغب في أن تتحدث عن شخصية معروفة استضفتها في برامج، وتركت أثراً معيناً في شخصك؟
«أذكر مثلاً منصور الرحباني، وقد كنت مسروراً جداً بلقائه، إذ شعر بالارتياح وتحدث عن أشياء لم تكن معروفة الجميع كان ذلك في عام 1995 أو عام 1996، وقد تكلم على تجربته الفنية مع أخيه عاصي ومع فيروز، وكيف كانوا يعملون، فاكتشفت أن الرحابنة فعلاً لم يكونوا يعملون بشكل منفصل، وإنما بشكل جماعي، وقد حدثني أنه أحياناً يكتب نصاً شعرياً فيأخذه عاصي ليلحنه فوراً، أو يحدث الأمر بالعكس، كأن يكتب النص عاصي فيلحنه منصور، ومن ثم تغنيه فيروز، فهذا اللقاء ترك أثراً جميلاً في نفسي لأن منصور الرحباني شخصية مهمة في تاريخنا وفي حياتنا، مثله مثل عاصي وفيروز».

ماهي البرامج التي قدمتها؟
«البرنامج الذي قدمني إذاعياً إلى العالم وأعطاني شهرة كبيرة هو برنامج "العوالم السحرية" وكان في الأصل عبارة أطلقتها على الهواء، وهو برنامج تواصلي مع المستمعين والمستمعات، من خلاله يرسلون إليّ الرسائل لأجيب عنها، وكان ذلك في تسعينيات القرن الماضي ومن خلال تعليقي على الرسائل أحبّ المستمعون طريقتي في التعليق، فأصبحتُ فيما بعد لا أتوجه إلى مرسل الرسالة وحسب، وإنما إلى والده وأخته وأخيه وعائلته. ثم عملت في البرامج الثقافية، وهناك برنامج "مسافات" الذي ارتبط باسمي، وفيه أستقبل الشعراء بشكل خاص، ثم برنامج "فصول" فبرنامج "سوناتا ليلية" للموسيقا الكلاسيكية الأوروبية، وأفتخر جداً بهذا البرنامج لأنني جعلت الكثير من الناس يحبّون الموسيقى الكلاسيكية، وكنت في ذلك البرنامج أحدثهم بشكل مبسط جداً عن المؤلف، وكيفية تأليفه القطعة الموسيقية التي يسمعونها، وكنت أختار المقطوعات الصغيرة الجميلة كيلا يمل المستمعون.
وهناك برنامج ثقافي عنوانه "أفكار" وفيه تبادل أفكار بيني وبين الضيوف، وهو عبارة عن طاولة مستديرة، نفتح فيها الحوار فيقدم كل ضيف رأيه، وكان هذا البرنامج صعباً قليلاً، لأنه كان يجري عبر الهاتف أما آخر برنامج فكان "حوار" أطرح فيه موضوعاً معيناً وأقدم شهادات من أشخاص عديدين، حتى من مستمعين عاديين، إذ يعطون رأيهم في فكرة معينة أطرحها عليهم، أو في موضوع معين، وهناك ضيف أو ضيفان يستمعان إلى الشهادات ويعلّقان عليها».

هل كان لتاريخ بلاد الشام حصّة من تلك البرامج؟
«طبعاً، إذ قدمت في عام 2000 برنامجاً عنوانه "حكايات حجر" وقد استمر لسنتين، وحقق نجاحاً كبيراً جداً، إذ كنت أتحدث فيه عن الأساطير القديمة، السورية أو المصرية، أو العراقية، إلخ، وعن التاريخ القديم أيضاً، ذلك البرنامج حقق نجاحاً كبيراً حتى أن الإدارة فوجئت بكم الرسائل التي كانت تصل إلى البرنامج، فما حصل أن الناس كان لديها تعطش لهذا الجانب، إذ لايعرفون عنه شيئاً، وماهو مكتوب عنه يعد بالقليل، ولكن وجودي في أوروبا ومعرفتي باللغات الأجنبية سمحت لي بالاطلاع موسعاً على كتابات دوّنت بالإنكليزية والفرنسية والإيطالية والألمانية، وهي كتابات مذهلة حول تاريخنا القديم الذي لانعرفه نحن نهائياً. وهذا ما أثار اهتمام المستمعين وأعطاهم معارف جديدة. وقد سرّ الناس لتلك المعلومات التي قدمتها لهم، فأحياناً يكون لدي ضيف مختص باللغات القديمة يقرأ نصاً باللغة البابلية، أو باللغة الفرعونية المصرية القديمة، من دون تصويت لأننا لا نعرف كيف كان الأقدمون يصوّتون الكلمات، فتعرّف الناس على أمور كثيرة، ومنها جلجامش، والملك حمورابي، وعشتار، وغيرهم».

ماذا عن تجربتك مع ضياء السكري الموسيقي المعروف الذي خرج من حلب ليصبح موسيقياً عالمياً؟
«عندما التقيت بضياء السكري - رحمه الله - كان متخرجاً حديثاً في المعهد الموسيقي الكونسرفتوار في فرنسا، وقد درس على يد أساتذة فرنسيين كبار في عالم الموسيقى، أذكر منهم المرحوم أوليفييه ميسيون الذي التقيت به عن طريق ضياء، وقد أجريت معه حواراً في عام 1978 على ما أذكر أو في عام 1979، وكان ميسيون قد قضى سنوات طويلة من حياته في الغابات وعلى شواطئ البحار بفرنسا ليسجل أصوات الطيور والعصافير، وهذه الأصوات كان يحوّلها إلى نوتات، وقد عمل منها سيمفونية وأذكر أنه عندما سألته - وكان متديناً جداً - ما هو العمل الموسيقي الذي لم تحققه إلى الآن وتتمنى أن تحققه ذات يوم، فأجابني جواباً جميلاً جداً، ومن سوء الحظ أن الزمن لم يسمح له بتحقيق العمل قال: أتمنى أن أقدم عملاً موسيقياً اسمه "رؤيا القديس بولس على طريق دمشق" وكما تعرفين فإن هذه الرؤيا هي التي نشرت المسيحية في العالم، فتعرفت إلى ضياء في ذلك الوقت وكان قد ألف عدة مقطوعات اسمها "يقظة" وفيها أشياء موسيقية جديدة، إذ استطاع أن يستنبط من الآلات العادية أصواتاً جديدة، فتكوّنت فيما بيننا صداقة، وأصبحنا نلتقي بشكل دائم. وذات مرة حدثني ضياء عن أن لديه رغبة في إنتاجٍ يعمل فيه على اللغة العربية، فهو عندما ترك سورية وذهب وأخيه نجمي في بعثة إلى فرنسا لدراسة الموسيقى كان عمره آنذاك اثنتي عشرة سنة عاش في أجواء فرنسية، حتى أن لغته العربية عندما تعرفت إليه كانت ضعيفة قليلاً، فأصبحنا نتكلم في هذا الأمر وأبدى اهتماماً باللغة العربية، ورغبة في أن يقدم عملاً باللغة العربية، فاستخرج أصواتاً موسيقية من العربية، وطلب مني أن أكتب له النصوص، وحينها اكتشفت العالم الموسيقي لضياء، وهو العالم الحافل بالغموض والألغاز، والسحر، فبحثت عن نصوص يمكن أن تتطابق مع عالمه ذاك، ووجدت أن نصوص المتصوفة المسلمين هي أفضل النصوص، كمحيي الدين بن عربي، والنفّري، والحلاج، والسهروردي ..إلخ، وكنت مهتماً جداً آنذاك بالمتصوفة المسلمين، فكتبت له بداية نصاً لي وهو عبارة عن أصوات، كلمات لا تدل على شيء ولكن فيها أصوات مختلفة، إذ تقرئين النص فتتكون لديك موسيقى، ولكن لاتخرجين بنتيجة إذ هي أصوات الكلمات فقط، ومن ثم أخذت نصوصاً مختارة لأولئك المتصوفة، ودرستها ونسقتها لكي تكون بشكل رحلة وكأن شخصاً واحداً قد كتب النصوص كلها وأخذت شخصية إبليس وجعلته هو البطل الرئيس، أي هو الذي يتحدث، فإبليس مهم لأنه الملاك المفضل الذي كان لدى الله، ومن ثم ارتكب خطيئته بعدم سجوده لآدم، فغضب عليه ربنا وطرده من الجنة، لذلك وجدت إبليس شخصية مهمة، لأنه يمثل أول تمرّد في تاريخ الكون، أو أول تمرد ميتافيزيقي، وأعطيت النصوص لضياء السكري وعملت كثيراً على النص، وشرحت له معاني الكلمات ومن ثم عمل هو عليه موسيقياً، وقد نجح العمل نجاحاً باهراً موسيقياً وكلامياً. واتخذنا عبارة من محيي الدين بن عربي لنسميه من خلالها "انسَ ماعلمت وامح ما كتبت" فأخذ الجزء الأول من العبارة "انس ما علمت" وألّف عليه العمل، والطرف الآخر من الأسطوانة أسماه "امح ما كتبت" مسجلاً العمل الأول بطريقة عكسية من الأخير حتى البداية، فظهرت الكلمات بلامعنى نهائياً، ظهرت مقلوبة ولكن لها موسيقى خاصة. وأذكر حينها أن أختي الأديبة ليلى مقدسي حين زارتني في باريس، وذهبنا لقضاء سهرة عند ضياء استمعت إلى العمل وأبدت إعجابها به، وكانت هي أول شخص يسمع ذاك العمل الموسيقي قبل انتشاره، وعندما أقيم مهرجان المؤلفين الموسيقيين الشباب في اليونسكو شاركنا بذاك العمل باسم سورية من بين سبعين دولة مشاركة من دول العالم، فنال الجائزة الثانية، واشترت حقوق البث والإذاعة للعمل حوالي خمس وعشرين إذاعة عالمية. وبعدها طلب مني ضياء أن نعمل على ملحمة جلجامش، وحاولنا كتابة النص باللغة البابلية القديمة كما هو مكتوب، ولكننا عانينا من مشكلة لفظ الكلمات إذ لا يوجد تصويت للأحرف، فكتبت أنا جزءاً من النص وحاول ضياء العمل عليه، ولكن مشاغل الحياة أخذتنا، ولم نتابع العمل لسوء الحظ. لقد كان ضياء واحداً من كبار الموسيقيين، ليس في سورية أو في فرنسا وحسب، وإنما على مستوى العالم أجمع، كان لديه قدرات موسيقية مذهلة، وكان يحب سورية بشكل عجيب، حتى أنه عمل على النشيد السوري فقدم توزيعات مختلفة له، وكانت رائعة جداً، كما أنه عمل على الأغاني التراثية والشعبية، "لما بدا يتثنى" و"ع الروزانا ع الروزانا" ووزعها توزيعات موسيقية حسب علم الموسيقى الكلاسيكية الحديثة، فأخرج أصواتاً جديدة جميلة جداً، وقد استطاع أن يدخل إلى هذه الموسيقى ذات الصوت الواحد عنصر الهارموني ليُخرج منها أشكالاً موسيقية مذهلة».

لننتقل إلى الجزء الخاص بفايز ألا وهو الكتابة، وديوانك «الحياة السحرية» يشير نوعاً ما إلى برنامجك «العوالم السحرية» فما هي قصتك مع السحر؟
«منذ طفولتي وأنا مغرم بالسحر وبكل شيء غامض، ولقد عشت في جو عجائبي فقد كانت جدتي لأمي تحكي لي الحكايات، وأحياناً كانت تعيد الحكاية مرات عديدة ولكن في كل حكاياتها كان يسود الجو العجائبي فقد يطلع الجن، أو يكون هناك أمر خارق للطبيعة، وقد كانت تحدثني عن تلك الحكايات كأنها حدثت فعلاً في القرية التي كانت تعيش فيها، ألا وهي قرية القنيّة، وقد عشت فيها فترة طويلة من طفولتي، وكانت هناك بعض المشاهد في القرية التي كنت أراها بشكل خارق للطبيعة. كما كانت جدتي تحكي لي أيضاً بأن جدي كان يعمل في السحر ولذلك دخل السحر عالمي الخاص وعندما بدأت بالكتابة حاولت تقديم شيء فيه قوة سحرية، فتصورت في ذلك الزمن أن بإمكاني الوصول إلى كتابة تؤثر في الآخر، مثل كتابة الحجاب في مفهومنا الشعبي فأردت الكتابة بهذا الشكل، أي أن أخترع لغة جديدة يمكن أن تؤثر في الآخر، أن تغير له أفكاره ولكن نحو الأفضل، ولكن اكتشفت أن هذه الأمور هي عبارة عن تجارب أدبية، فالسحر صعب جداً ولايمكن تحقيقه. أول ديوان نشر لي في فرنسا كان بعنوان "سيمياء" و"أبجدية الأفعى" وقد طبع بداية بالعربية، ومن ثم ترجم إلى الفرنسية. وفي بيروت صدر لي ديوان "الحبل بلا دنس" ثم "الحياة السحرية"، ومنذ سنة ونصف السنة تقريباً صدر لي ديوان "الساعة الناقصة". وفي مجال الأبحاث صدر لي كتاب مترجم، وقد ترجمت فيه الملاحم الكنعانية التي عثروا عليها في مدينة أوغاريت إلى العربية بعد أن اطلعت على النصوص بلغتها الكنعانية الأصلية، لأنني مختص باللغات القديمة. وفي هذا المجال أيضاً أصدرت كتابين الأول بعنوان "بعل وموت" وهي قصيدة أوغاريتية كنعانية مهمة جداً ومن ثم كتاب "الأصول الكنعانية للمسيحية" بعد أن درست النصوص الكنعانية والمسيحية بشكل جيد من خلال الكتابات الموجودة، كما درست التوراة واكتشفت أن هناك الكثير من الأمور الموجودة فيها مأخوذة من نصوص أوغاريت. فمن خلال هذه الأمور أحببت تسليط الضوء على الديانة المسيحية، لأن هذه الديانة ليست رومانية وإنما هي سورية مئة بالمئة. وفي أساطيرنا القديمة هناك إله شاب يسمى البعل كما هو المسيح الشاب، ذلك الإله البعل يولد ويقدم أشياء جميلة للناس، ومن ثم يدخل في صراع مع الموت، ويموت. مثل حكاية السيد المسيح تقريباً، ومن ثم يبعث حياً من جديد مع دورة الطبيعة، يولد في الربيع، فتزدهر الطبيعة، ويموت في الصيف فيصير الجفاف. المسيحية فيها ما في هذه الأساطير فالسيد المسيح ولد وقدم أشياء رائعة للعالم، ومن ثم مات، ومن ثم قام من الموت، والشيء الغريب أن عيد القيامة يكون في الربيع أو في نيسان، بما معناه أن التاريخ لم يتغير. وإذا انتقلنا إلى الأساطير البابلية كان لديهم أكبر عيد يتم الاحتفال فيه هو عيد "أكيتو" وكان يأتي في الربيع ويستمر لمدة عشرة أيام. في البداية عندما يتعرف المرء على هذه الأمور يجد فيها أشياء غريبة، فما معنى كلمة "أكيتو"؟، ولكن يكفي أن تقربي الكلمات وتدرسيها لتجدي أنها دخلت إلى اللغة العربية، فليس أصلها عربياً وإنما دخلت إليها أو احتفظت العربية بها، فكلمة "أكيتو" هي "أقيتو" والأوروبيون لايستطيعون أن يلفظوا حرف القاف، فيكتبونها بلغتهم، ونجد في النهاية أنها كلمة "قوت" أي الأكل، فكان هذا هو معنى عيد "أكيتو" أي عيد الأكل. وهناك أغنية "الروزانا" ويظن الناس أنها أغنية شعبية، ولكنها أغنية عمرها حوالي أربعة آلاف سنة قبل الميلاد، فالروزانا في اللغة السومرية القديمة معناها "بيت المؤونة"، ونرى أنها دخلت فيما بعد إلى اللغة العربية، وأصبحت تعني "رزقنا"، فبرأيي أن هذه الأغنية كما قلت قديمة جداً ولذلك اشتغلت عليها مع ضياء السكري.
وماعدا الدواوين والكتب، أنشر دراسة عن تاريخنا القديم بشكل شهري في مجلة المعرفة السورية، أتعرض فيها لتاريخنا القديم في محاولة لمعرفة ماذا بقي موجوداً من ذلك التاريخ في حياتنا اليومية، وأحياناً أصل إلى اكتشافات مذهلة، لا أحد يعرفها، ولانهتم بها كثيراً، وهي اكتشافات تغير مفهومنا بشكل كامل عن الحياة.
فعلى سبيل المثال ومنذ فترة بسيطة كنت أشتغل على اللغة الحثية،
فالحثيون السوريون عاشوا في منطقة الفرات، وأسسوا المملكة الحثية التي أصبحت إمبراطورية تمتد إلى حماة ودمشق وساحل البحر الأبيض المتوسط، والناس يظنون أن الحثيين غرباء أو يعدونهم شعوباً هندوأوروبيين، وهذا خطأ تاريخي فقد اكتشفت أن الحثيين هم أجدادنا، لأننا عندما ندرس اللغة الحثية وخاصة في منطقة حلب والفرات، نجد أننا نتكلم اللغة الحثية، فأغلب الكلمات التي يستخدمها أهل حلب، قد أخذوها عن دير الزور منطقة الفرات الشرقي الأكبر، لأن العاصمة كركميش كانت هناك، أما الجملة التي أتاحت للعلماء فهم اللغة الحثية، وهي جملة أساسية في حياتنا أو بشكل خاص في تاريخ المسيحية، فهي كجملة السيد المسيح: "خذوا فكلوا هذا هو جسدي، وخذوا واشربوا هذا هو دمي" فهذه الجملة التي اكتشفوها عن اللغة هي التي سمحت - بعد أن فك رموزها أحد العلماء - بفك رموز اللغة الحثية: "هذا خبز كلوا، وهذا خمر اشربوا" فتاريخنا بعيد جداً ولكننا لا نعرفه.
فكثير من الناس لايعرفون أنه في الإمبراطورية الرومانية كانت سورية تلعب دوراً كبيراً، فعدد كبير من الأباطرة الذين جلسوا على عرش روما كانوا سوريين، وبشكل خاص من حمص فجوليا دومنا أنجبت ثلاثة أبناء جلسوا على عرش روما، ما عدا فيليب العربي وأباطرة آخرين. ومن هنا جاء اهتمامي بالتاريخ، فقد أصبحت أعرف من أنا بشكل أفضل».

هل تعمل اليوم على كتاب معين في هذا المضمار؟
«لديّ مشروع مع وزارة الثقافة لنشر جميع الأبحاث التي تم نشرها في مجلة المعرفة على مدى أربع سنوات، لضمها في كتاب بعنوان "تاريخ سورية القديم" كما أعمل على ديوان شعري جديد».

كيف ترى واقع الثقافة في سورية؟
«أنا أتابع مايكتب على الإنترنت ووجدت أن هناك اهتماماً كبيراً بالشعر، فجميع الذين يكتبون هم شعراء وأحياناً أقرأ بعض نصوصهم ولا أجد أحداً من هؤلاء الشباب قد كتب نصاً مميزاً جديداً فما هو منشور إما هو تقليد لقصيدة النثر وإما لحركة شعر التي سادت في الخمسينيات، وأحياناً أندهش لهؤلاء الشباب الذين لايزالون يكتبون القصيدة العمودية حتى يومنا هذا، مثلهم مثل شاعر فرنسي يكتب اليوم نصاً بلغة فرنسا التي كانت سائدة في القرن السادس عشر. أحب الشعر التقليدي ولكن هذا النوع من الشعر كتب منذ زمن بعيد، ومن المفروض - وخاصة أننا نعيش القرن الواحد والعشرين - أن يتم إبداع أشياء جديدة، فشعراء العصر العباسي الذهبي اكتشفوا أساليب كثيرة، كالحريري الذي كتب "المقامات" وفي هذا الكتاب سحر عجيب، ولذلك علينا أن نبتدع أشياء جديدة تتناسب وروح العصر، وخاصة الشباب الذين عليهم إبداع نص جديد يتجاوزون فيه سنوات الستينيات والسبعينيات».


بيانكا ماضية - حلب

اكتشف سورية

Share/Bookmark

صور الخبر

فايز في صورة تذكارية مع الكاتبة ماضيّة ومحرري مونت كارلو

فايز مقدسي في حواره لاكتشف سورية في منزل أخته الأديبة ليلى

الصورة لفايز مقدسي وكابي لطيف التقطتها الكاتبة في باريس

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق

ازهار الياسري:

انا من المعجبين جدا بشخصية الاستاذ فايز مقدسي

العراق

حرب سالم:

اريد موقع الاعلامي الكبير فائز مقدسي سوال خاص وعائلي ارجو الرد بي اسرع وقت

العراق

amrsied:

ربنا يعطيك طول العمروتضل منور على طول يا فايز

مصر

اااااااااااا:

الو مين؟.........فايز السحري يااااااااااااااااااا! الله يخليك استاذ فايز صوتك مؤثر و بيجنن رجعتنا عشرين سنة لورى بهيدا المقال ايام ما كانت مونتي كارلو بعصرها الذهبي شكرا عنجد شكرا

syria

المسعود خ.:

تحية و تقدير كبيرين للأستاذ المحترم فايز مقدسي الذي عشنا في عوالمه السحرية لسنوات طويلة على أثير مونتي كارلو. وشكرا جزيلا للكاتبة بيانكا ماضية .

الجزائر

نجوى فرج :

السلام عليك عزيزي فايز مقدسي والله عشت مع برامجك احلى سنوات عمري مشتاقون لك ولمونتكارلو وكل يوم بيزيد اكثر والله يوفقك عزيزي فايز /صديقتكم الوفية نجوى الموسوي /عراق وللتواصل معي /009647702395661

العرق

نجوى فرج:

تحية طيبة اهديها للورد فايز مقدسي ولكل محبي مقدسي /صديقتكم نجوى الموسوي وللتواصل معي 009647702395661

العرق

شحوتة السحرى-مصر-أسيوط:

وحشتنى يا دكتوووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووور

مصر

سلمى:

أرجو تزويدنا بحساب فايزمقدسي بتويتر أرجوكم,نريد أن يستمر التواصل معه للأبد..

السعودية

حسام الحيانى:

عزيزي الاستاذالقديرصاحب القلب العطوف والذهن الحاضر لك منى أسمى آيات الحب والتقدير وأنت دائما فى قلوبنا زهرة يدوم عبيرهاصديق برنامج العوالم السحرية (حسام الحيـــــــــــــــــــــانى)

مصر