التشكيلي إياد ديوب في حوار مع اكتشف سورية

26 شباط 2011

على هامش معرضه في آرت هاوس

يقدم التشكيلي إياد ديوب من خلال معرضه الأحدث، والذي أفتتح في غاليري آرت هاوس 15 شباط 2011، أربعة عشر عملاً تشكيلياً بحجوم كبيرة، كانت وليدة تلاقح ما بين الدراسة الأكاديمية الناهلة من كنوز المعرفة التشكيلية العالمية والمحلية، وما بين صدقه في تعاطيه مع نتاجه التشكيلي بألوانه المتعددة التي صبغت لوحاته التشكيلية وشخوصها المتقوقعة بذاتها، مشكلاً من خلالها فضاءات مفتوحة على الذات وما يختلجها من مشاعر ناكرة للواقع سطوته، وللذاكرة قصصها وأحداثها، فألوانه التي استسلمت لريشته كانت ناقلة لأهواء اللحظة وانفعالاتها، فغدت أعماله جريئة الطرح ببرودتها وحرارتها المتناقضة، مستسلمة للرواية البصرية التي أرادها التشكيلي إياد ديوب، فكانت أعماله التشكيلية أكثر قرباً والتصاقاً بهموم الذات، تتحدث وتعتصر الألم لوناً على شخوصه التي حورها بمبالغة لونية عبر ضربات ريشته، ليشكل في النهاية توليفة لونية صادقة لا تتجزأ عن دواخله الحسية، فقدم شخوصه المهدومة والمسحوقة بما تحمله من آسى يوشي بقصة الأمس والحاضر، عبر استدلالاته اللونية الحاضنة لشخوصه والصارخة في وجه المتلقي.


من أعمال التشكيلي إياد ديوب

«اكتشف سورية» التقى التشكيلي إياد ديوب وعن سيرته الذاتية يقول لنا: «تخرجت من كلية الفنون الجميلة عام 2006، وأنا الآن معيد في كلية الفنون الجميلة في السويداء في قسم التصوير الزيتي، قدمت معرضي الفردي الأول في 17 كانون الثاني 2009 في آرت هاوس، وبعض المشاركات الجماعية في المركز الثقافي الفرنسي و غاليري أيام - المسابقة الأولى للشباب- وغاليري كلمات بحلب ومتحف الفن الحديث في اللاذقية وغيرها».

وعن الترابط بين قديمه وما يريد تقديمه كتجربة جديدة تنهل من الإنسان موضوع لها يقول التشكيلي ديوب: «النتاج الفني لأي فنان على اختلاف مادته وأدواته، يخضع بلا أدنى شك للبحث المستمر، متبنياً منهجاً أو أسلوباً ما، حاملاً أفكاره وأحاسيسه منذ الطفولة، كما مخزونه البصري وذاكرة الطفولة وقصص ما قبل النوم التي ترويها الأم، مستعرضاً إياها بين الفينة والأخرى كشريط الفيديو. فتراه متبحراً في عالمه اللوني، هائماً في تشكيل خطوطه وعناصره، سابحاً في بحر القَلق - قلق البحث المستمر عن أجوبة لأسئلة لا منتهية-، تتقاذفه أمواجه في كل مرة إلى ضفاف جزيرة جديدة، لا يلبث غروره أن يجعله يغادرها بعد وهلة من الزمن. فتراه كالمحارب حتى آخر نفس».


التشكيلي إياد ديوب

ويضيف التشكيلي ديوب: «تصبح هذه القماش البيضاء كدفتر الذكريات يدون عليها دائماً الوقائع اليومية مشبعة بالماضي والحاضر، مشبعة بحس اللحظة. فكل لوحة يعمل عليها الفنان هي بمثابة لوحة جديدة ومتباينة عن سابقاتها، فالعين الممعنة في فضاء اللوحة دائماً ما تكتشف بين دروب الفرشاة ومكنونات الألوان، ذكرى أو انطباع جديد يستغله الفنان في عمله الفني».

وعن حضور العنصر الإنساني كعنصر أساسي في تجربته التشكيلية يتابع التشكيلي ديوب «العنصر الإنساني أقدمه ضمن فضاء محيط، كعالم خاص بهذه الشخصيات التي تعيش وتتنفس بداخله، وهذا المنهج ليس إلا استمرارية لما قدمته بالسنوات الأخيرة في كلية الفنون، مع اختلاف كل تجربة من حيث مقارنتها بمحوري إحداثيات الزمن والخبرة العملية».

وعن الألوان التي بنى وشكَّل بها شخوصه وعوالمه والمدرسة التي ينتمي إليها يقول:
«بالرغم من أن الحديث عن المدارس الفنية اليوم بات مضجراً وقليل الدقة، إلا أنني أعتبر نفسي منتمياً إلى المدرسة التعبيرية بمفاهيمها وقواعدها المبنية على اللاقاعدة سوى قاعدة التعبير عن الانفعال الداخلي خاضعاً للحظته الزمنية. فإن كانت الألوان حارّة أم باردة، سميكة أو لزجة شفافة أو ضبابية، فإن الفرشاة تغوص بهذه الألوان وتتمايل على القماشة، بمزاجات وأحاسيس مختلفة خاضعة لملكوت اللحظة والمشاعر الآنية وفق لمسات وخطوط هادئة في بعضها وثائرة همجية في أخرى. أو قد تكون هذه اللمسات مبنية أو متراصة ضمن خطوط ومساحات اللوحة».

وعن مصدر هذه المشاعر الإنسانية بما فيها من حزن وتشاؤم الواضح في أعماله يعلق الفنان إياد ديوب: «أنا أرى بأن هناك فارق شاسع بين الحزن والتشاؤم، قد يرافق التشاؤم في كثير من الأحيان الحزن ولكنهما باعتقادي شيئان منفصلان. وأنا بالعموم لست بالإنسان التشاؤمي ولا ينقصني التفاؤل أو الأمل، ولكن لكل إنسان على وجه العموم مشاعره الخاصة التي هي وليدة لواقع وزمان يعيشه، إضافة لعلاقاته مع الآخرين ومع المحيط. فكيف بهذا الفنان على وجه الخصوص الذي اتصف بالإحساس المرهف أن يكون منسلخاً عن هذا الواقع المعاش بما فيه من ألم وحزن مستمر من سنين طوال. ثم كيف به أن يعبِّر في مثل هذا المحيط المليء بالحروب والدمار والفقر بألوان الانطباعيين المشرقة الزاهية».


من أعمال التشكليلي إياد ديوب

الحوادث والمآسي هي مصدر إلهام للتشكيلي، وهي المحرضة لعمل التشكيلي أكثر منها الأمور الجيدة. «كما يسمه أصحاب المذهب الابداعي (الرومانتيكي) في الأدب "الألم العبقري"، ولكن بلا شك هذا اتجاه ورأي من بين عدة آراء واتجاهات. إذ ليس هنالك من قالب أو قاعدة تؤطر ذلك على الإطلاق، ولكن أتصور بأن لحظات السعادة تكون عابرة بسرعة أكبر بكثير من الحزن والألم الذي يترك أذياله في قلب الإنسان لفترات أبعد من تلك السعيدة. ولكن أعتقد أيضاً أنه من الأهم للفنان أن يعبر عما يجول في داخله من مشاعر وأحاسيس بكل مصداقية ودونما تأطير. فتكون لوحته أكثر صدقاً أو بمعنى آخر أن تشبههُ».

ولكن هل يستطيع التشكيلي أن يماثل مستوى الألم أو التعبير عنه ضمن إطار اللوحة؟:
«هنا أذكر المستشرق الفرنسي الفنان دلاكروا قبل وفاته وقوله "عملت وعملت ولم تستطع فرشاتي أن تنقل كامل ما بداخلي إلى اللوحة" لذا ليس من السهولة أن ينقل التشكيلي كامل مشاعره ضمن إطار اللوحة، أو أن يعبر عنها بشكل مطلق، ولكنه يبذل أقصى طاقاته لهذه العملية، كما أن اللوحات التي ينتجها الفنان التشكيلي قد لا تكون بنفس مستوى التعبير أو السوية التي يعمل عليها، فبالنسبة لي كما لغيري من الفنانين وحسب اعتقادي طبعاً».

ولكن ماذا عن إشكالية كسر القواعد الأكاديمية لصالح العفوية التشكيلية، أو ما تمليه المشاعر اللحظية عند الفنان، وأين تقف أنت كفنان بين هذين الأمرين؟
«لا أعرف إذا كان الإنسان يستطيع تسميتها بالإشكالية!. ولكن برأيي هما أمران يسيران على التوازي مع بعضهما البعض لا تعارض بينهما، حيث أن القواعد والعلوم الأكاديمية والثقافة الفكرية المكتسبة والممارسة الدءوبة تصبح مع الوقت جزءاً من آلية العمل والأسلوب لدى الفنان، وتصقل موهبة الفنان وتنميها. وحتى اللحظات العفوية اللاواعية تخرج على سطح القماش من نافذة التكنيك والأسلوب، الذي هو بصورة أو بمعنى آخر الكم المتراكم من الخبرة التقنية والأكاديمية التي تعلمها واكتسبها من جراء ممارسته العلمية والعملية».

وعن لحظة إقفال العمل الفني لدى التشكيلي إياد أيوب يجيب: «كم من مرة تُهدم اللوحة الواحدة كلياً ويعاد بناؤها من جديد، لتغدو لوحة أخرى، منتهية في لحظة مجهولة للفنان ودونما أي تخطيط مسبق، ففي حالة من اللاوعي، تتشكِّل في كثير من أجزاء اللوحة إن لم يكن بكليتها عامل المفاجأة التي يقف عندها الفنان».


مازن عباس - دمشق

اكتشف سورية

Share/Bookmark

صور الخبر

من أعمال التشكيلي إياد ديوب في غاليري الآرت هاوس

من أعمال التشكيلي إياد ديوب في غاليري الآرت هاوس

من أعمال التشكيلي إياد ديوب في غاليري الآرت هاوس

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق