بعد أن كاد يندثر: محاولة لإحياء فن العينتبلي في حلب

02 أيلول 2010

من بين البرامج التي تقوم بها مؤسسة الآغا خان للخدمات الثقافية في حلب القديمة، برنامج إحياء الحرف اليدوية والمشغولات القديمة خصوصاً بين السيدات، حيث يتم إقامة دورات لتعلم بعض فنون التطريز اليدوي التي كادت أن تندثر، مثل فنون «الأورفة» و«العينتبلي» (العنتابلي، العينتابي) وغيرها من التي كادت أن تندثر بسبب المجهود الذي يستغرقه إنتاج القطعة الواحدة من المشغولات، وعدم وجود من يتعلمها أو يعلمها من ناحية أخرى. لهذا، بدأت مؤسسة الآغا خان للخدمات الثقافية، وهي إحدى وكالات شبكة الآغا خان للتنمية، بعملية إحياء لهذا الموضوع حيث تقول لنا المهندسة زكاء كرزون مسؤولة البرنامج: «من خلال إقامتنا لمعرض "لوز"، وهو أحد المعارض المخصصة للمشغولات اليدوية التي تقوم بها سيدات المنطقة، لفت نظرنا وجود طلب كثيف عن المشغولات اليدوية التي تنتمي إلى فن العينتبلي. هذا الأمر أدى إلى أن نحاول إحياء هذا الأمر من جديد، حيث وجدنا سيدة تعرف هذا الفن جيداً وعرضنا عليها أن تساعدنا في نشره، ووجدنا عدداً من الشابات ممن أحب العمل والتطريز ما أدى إلى أن نطلق فكرة استرجاع وإحياء هذا الفن».

وتضيف بأن كل من المدربة والمتدربات هن من أهالي منطقتي الجلوم والمنطقة القريبة من قلعة حلب وهما منطقتان تعمل ضمنهما مؤسسة الآغا خان للخدمات الثقافية، مضيفة بأن المدربة كان قد مضى عليها مدة 25 عاماً لم تقم خلالها بالعمل في هذا النمط من التطريز، حيث بدأت حالياً بتدريب عدد من الشابات حول هذا الموضوع وتضيف: «هناك حالياً من يقوم باتباع هذه الدورة. وحتى إن لم تكمل هؤلاء الشابات العمل ضمن هذا المجال، إلا أنهن على الأقل حظين بفرصة معرفة مقدار الجهد اللازم للقيام بتطريز قطعة واحدة منها، وبالتالي تقدير واحترام هذا الفن».

وهؤلاء الشابات - كما تقول المهندسة زكاء - هن فتيات مجموعة «حياة أفضل»، وهن الفتيات المقبلات على الزواج حيث يتعلمن عدداً من الأمور والمهارات المختلفة من أجل تكوين أسرة صالحة ومثالية.


وسادة مشغولة بفن العينتبلي

ساعات من العمل:
ربما لا يعلم الكثيرون بأن القطعة الواحدة تستغرق عدداً كبيراً من ساعات العمل وذلك كما تقول لنا السيدة خيرية شغالة معلمة حرفة شغل العينتبلي، والتي تقول بأنها تعلمت هذه المهنة منذ كانت في الخامسة عشرة من عمرها على يد معلمة في هذا المجال حيث تشرح لنا فكرة هذه المشغولات بالقول: «في البداية نأتي بقطعة قماش خاصة لهذا الموضوع، تكون إما من قماش الساتان أو القطن، ومن ثم نبدأ عملية "تنسيل" قطعة القماش هذه، بحيث نبقي خيطاً ونزيل ثلاثة خيوط لفوق وثلاثة لتحت، ويتم عمل ذلك بالشفرة، حيث أن أي خطأ قد يؤدي إلى تدمير قطعة القماش والبدء من جديد. ويجب أن يكون على ذلك حسب "الطعنة" و"الخيط" الخاصين بقطعة القماش هذه».

وتضيف أنه بعد ذلك يجري تجمع الخيوط الباقية كل خيطين أو ثلاثة مع بعضهم البعض ما يؤدي إلى تشكل مربعات، حيث يتم ذلك عن طريق خيط يلف حول هذه الخيوط لكي لا «تنسل» (أي تتقطع بدورها)، ومن ثم يتم ملء الفراغات برسوم جاهزة جرى تحديدها وفقاً لعدد المربعات التي نتجت على قطعة القماش. وتتابع السيدة شغالة بأن الرسوم تكون جاهزة حيث يتم نقلها من الورقة إلى القماش كما هي، حيث تلعب الخبرة دوراً كبيراً في عملية نقل الرسم إلى قطعة القماش مضيفة بأن هناك رسوماً وأشكالاً يعود عمرها إلى ما يقارب 45 عاماً: «عندما كنا صغاراً، كنا نتعلم هذه الأمور من جداتنا أو من معلمات مختصات بهذه المشغولات، حيث تعلمت إضافة إلى شغل "العينتبلي" كلاً من شغل "الخيال" وشغل "الإيتامين" وهي فنون تطريز يدوية أخرى».

أما عن الوقت اللازم لإنهاء القطعة الواحدة فهو طويل جداً بحسب ما تقوله السيدة خيرية حيث أن القطعة التي طولها متران على سبيل المثال، يمكن أن يستغرق صنعها شهراً بمعدل ساعات عمل يومية تبلغ 4 إلى 5 ساعات وسطياً، وتضيف بأن الخبرة تلعب دوراً كبيراً في سرعة الإنجاز حيث تساهم في تخفيض زمن صناعة القطعة: «تحتاج الشابة فترة خمس أو ست أشهر لتعلم المهنة، وتحتاج إلى فترة إضافية هي من 7 أشهر حتى سنة كاملة لإتقانها، حيث يعتبر هذا الفن من فنون التطريز صعبة التعلم. فمثلاً مرحلة التفريغ لوحدها بالنسبة لقطعة قماش أبعادها 2×2 متر قد تستغرق ما يعادل 12 ساعة من العمل بالنسبة للمتدرب متوسط الخبرة، وهذه الفترة تزيد أو تنقص بحسب المهارة».

قطعة مشغولة بفن العينتبلي

أما عن سبب تسمية هذا الفن بشغل «العينتبلي» فيعود إلى منشئه في مدينة عينتاب التي تقع على الحدود التركية حث كان يستخدم على الوسائد والمفارش، إلا أن هذا الفن بدأ بالاندثار: «كانت هذه المشغولات تأتي مع جهاز العروس، وهو ما تحمله العروس من منزلها إلى منزل زوجها يوم الزفاف».

وكانت ابنتها الشابة سوسن شلحاوي من أوائل من بدأ بتعلم هذه المهنة، حيث تقول بأنها بدأت بتعلمها منذ فترة ستة أشهر، وذلك بعد رؤيتها لهذه المشغولات لدى والدتها إضافة إلى الإقبال الذي وجدته في معرض «لوز» تجاهها.

وتضيف سوسن شلحاوي بأن الموضوع صعب ويحتاج إلى تركيز، إذ لا يستطيع الشخص مواصلة العمل لمدة تزيد عن 3 ساعات، فيما يؤدي الاستمرار في العمل أكثر من ذلك إلى ألم في العينين. وتتابع القول بأن هذه المجموعة من الفتيات تحاول إحياء هذا الفن المنسي.

بقي أن نذكر بأن تسمية مراحل العمل في شغل العينتبلي هي كما يقال: 1- التنسيل (تقطيع خيوط من قطعة القماش والإبقاء على بعضها)، 2- التأريض (تفريغ قطعة القماش)، 3- التغربل (تحويل الفراغات إلى مربعات متناسقة)، 4- الفستون (تجميع الخيوط بخيط لكي لا تتقطع لاحقاً)، 5- لف الحبكة، 6- التفريغ، 7- التملاي (مراحل نقل الرسم والأشكال من الورق إلى القماش)، 8- السنفارة (حياكة ثنية القماش وتشطيبها لتظهر الأطراف بطريقة مميزة).


أحمد بيطار - حلب

اكتشف سورية

Share/Bookmark

صور الخبر

مراحل شغل فن العينتبلي

مراحل شغل فن العينتبلي

مراحل شغل فن العينتبلي

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق