معهد التراث العربي: نقطة مضيئة في قلب جامعة حلب
26 آب 2010
في لقاء خاص مع د. مصطفى موالدي ود. علاء الدين لولح
يقع معهد التراث العربي، الذي يهتم أكاديمياً بمجال التراث العلمي وتاريخ العلوم عند العرب والمحافظة عليها، في قلب جامعة حلب، حيث يقدم المعهد خدمات عدة في سبيل تحقيق هذه الغاية منها ما هو أكاديمي ومنها ما هو بحثي. وللاطلاع على دور هذا المعهد والخدمات التي يقدمها والدرجات الجامعية التي يمنحها، التقى «اكتشف سورية» كلاً من الدكتور مصطفى موالدي -العميد السابق للمعهد-، والدكتور علاء الدين لولح -العميد الحالي له-، واللذين قدما معلومات شاملة عن المعهد.
كانت البداية من الدكتور مصطفى موالدي، الذي تحدث عن اهتمامات المعهد قائلاً: «نهتم في معهد التراث العربي بموضوع تطور تاريخ العلم. هناك نوعان من التراث: الأول هو التراث اللامادي مثل التراث الشعبي والممارسات الاجتماعية والحرف التقليدية البعيدة عن اهتمامات المعهد، حيث يهتم المعهد بدراسة آلية تطور العلم، وبالتالي فإن مهمتنا واسعة وكبيرة وليست مقتصرة على ما يتعلق بالحضارة العربية فحسب، بل ما يهمنا هو الجانب العلمي في البحث، حيث نهتم بالعلوم الأساسية والتطبيقية والطبية والتراث العمراني والآثار».
يشير الدكتور موالدي أن استيعاب مراحل تطور العلم يساعد الباحثين على متابعة التطور في ذاك العلم، حيث يقول: «يمكن على سبيل المثال لمن يدرس تاريخ الرياضيات أن يحاول وضع معادلات أفضل اعتماداً على ما درسه، والقيام بعملية تطوير لمعادلات تمت كتابتها في الماضي في عملية استشفاف للمستقبل، الأمر الذي قد ينطبق على أي مجال من مجالات العلوم الأخرى. كما أنه من خلال دراسة تطور العلم، يمكن إبراز دور الحضارة العربية في تطويره والإضافة إلى علومه المختلفة، حيث كان العلماء العرب أسياد الحضارة العلمية خلال فترة زمنية لا بأس بها، وذلك في عدة محاور علمية مثل الرياضيات والكيمياء والطب والفلك والتكنولوجيا وغيرها».
أما الدكتور علاء الدين لولح فيقول: «مذ تأسس معهد التراث في العام 1976، تم تحديد أهداف أساسية تتعلق بالبحث في تاريخ العلوم العربية، هذا التراث الواسع والمتشعب؛ فالمعهد يُعنى بتاريخ العلوم العربية وفق ثلاثة محاور: الأول هو تاريخ العلوم الطبية وما قدمه العرب في تاريخ الطب والأدوية، وهناك المحور الثاني في تاريخ العلوم الأساسية مثل تاريخ الرياضيات وعلم الفلك الرياضي والفيزياء والكيمياء وعلوم الطبيعة والجبر، أما المحور الثالث فهو تاريخ العلوم التطبيقية مثل العلوم الميكانيكية والهندسة، وحالياً هناك فرع رابع هو التراث العمراني والآثار».
ويتابع الدكتور لولح فيقول إن منشورات المعهد تتضمن مجلة «تاريخ العلوم العربية»، وهي مجلة محكمة يشرف عليها خبراء مختصون من العديد من البلدان العربية الأجنبية، حيث تعتبر واحدة من أهم منشورات المعهد، وتتضمن أبحاثاً أصيلة، إضافة إلى آخر ما توصل إليه البحث العلمي في مجالات اهتمامات المعهد، وتعتبر هذه المجلة واحدة من أهم المجلات العلمية المتخصصة على الصعيد العالمي وتشتريها فيها مكتبات معروفة عالمياً، كمكتبة الكونغرس في الولايات المتحدة ومكتبات المؤسسات العلمية ومراكز البحوث العربية والأجنبية. ويضيف بأن هذه المجلة هي مجلة نصف سنوية موجهة للمتخصصين للتعريف بالأبحاث العلمية التي يقوم بها المعهد، وأن هيئة التحرير الخاصة بها تضم عدداً من مؤرخي تاريخ العلم والمتخصصين في مجالاته المختلفة. كما تحتوي المجلة أبحاث المؤتمرات التي ينظمها المعهد التي تم نشرها بالكامل. ثم يشير الدكتور لولح إلى وجود نشرة إخبارية علمية تدعى «رسالة معهد التراث» تهتم بالأخبار العلمية ورسائل الماجستير والدكتوراه، ويقول: «اعتدنا أيضاً في كل سنة على تنظيم مؤتمرات سنوية متخصصة لدراسة المحاور التي ذكرتها في البداية، مع استقطاب باحثين متخصصين في تاريخ العلوم لتقديم محاضرات وأوراق بحثية فيها، حيث تُقدم لنا أوراق عمل في المحاور المحددة للمؤتمر، ونختار منها الجديد وتلك التي تركز على الكشف عن الجوانب المجهولة من تاريخ العلوم. كما نقوم أيضاً بنشاط آخر وهو إقامة ندوات عالمية خارج القطر العربي السوري بمعدل ندوة علمية واحدة كل أربع سنوات في دول مثل مصر، إسبانيا، تركيا، وألمانيا، حيث تلقى فيها أبحاث علمية مرموقة من قبل باحثين وعلماء ومختصين في التراث العلمي العربي تتعلق بتاريخ العلم العربي ومع دعوة العلماء والمستشرقين للمشاركة فيها. كما يرتبط المعهد مع العديد من المؤسسات ومراكز البحوث العلمية المهتمة بالتراث العلمي العربي باتفاقيات تعاون تنظم صيغة التبادل العلمي والبحثي بينها وبين المعهد».
أما عن الدرجات العلمية التي يمنحها المعهد، فيوضح لولح بأن المعهد يمنح درجات الماجستير والدكتوراه في اختصاصات المعهد التي تم ذكرها في البداية، حيث وصل عدد الشهادات الممنوحة حتى الآن إلى 230 شهادة دبلوم و40 شهادة ماجستير و20 شهادة دكتوراه. كما يحتوي المعهد بالإضافة إلى مكتبته الرئيسية التي تضم حوالي 30 ألف كتاب على مكتبة المجلات الدورية العربية والأجنبية ومكتبة المخطوطات والكتب النادرة، ومكتبة صور المخطوطات العلمية (الميكروفيلم)، ومكتبة خاصة بالمخطوطات الأصلية التي تضم 462 مخطوطاً أصلياً». من ناحية أخرى تم عقد 29 مؤتمراً لتاريخ العلوم عند العرب، كان آخرها في شهر تشرين الأول الماضي في رحاب المعهد برعاية من السيد الدكتور وزير التعليم العالي، وبحضور عدد من الباحثين والخبراء العرب والأجانب.
والجدير بالذكر أن المعهد قد شارك في المؤتمر الذي تم تنظيمه في تركيا بالتعاون مع جامعة أنطاكية والجامعة السلجوقية في قونيا واتحاد الكتاب الأتراك والذي كان عنوانه «تراثنا المشترك», والذي امتدت فعالياته من 22 وحتى 26 كانون الأول عام 2009، كما قام المعهد بالتنسيق مع العديد من الجهات العلمية التركية المهتمة بالتراث العلمي بتنظيم مؤتمر في ربيع عام 2010 عن الحركة العلمية في العصر العثماني وذلك بالتعاون مع مراكز بحوث علمية عربية وأجنبية، بالإضافة إلى تنظيم مؤتمر متخصص حول «جدلية التراث والمعاصرة» بالتعاون مع مؤسسات علمية فرنسية ومنظمة «مخططون بلا حدود»، وذلك بالتنسيق مع الجهات المعنية في سورية مثل كليات الهندسة المعمارية ومجلس مدينة حلب وغيرها من الجهات المعنية. وبالإضافة إلى ما ذكر، يقوم المعهد حالياً باستكمال إحداث متحف خاص لتاريخ العلوم تعرض فيه الإنجازات العلمية والحضارية للعلماء العرب والمسلمين.
أحمد بيطار - حلب
اكتشف سورية