النادي السينمائي السوري

26 05

تجربة فريدة قدمت الفيلم السوري المثقل بالهموم الفنية والإنسانية

إن من المعلوم للجميع أن السينما خريطة عالمية عمرها أكثر من مائة وخمسة عشر عاماً، وتمثل جزءاً من الذاكرة البشرية العالمية حيث التنوع الثقافي واللغوي والحضاري، إضافة إلى احتوائها على مفاصل تاريخية مهمة في حياة البشرية.
تنبع من هنا أهمية الفيلم السينمائي ودوره في عملية التلاقح الثقافي والحضاري وتسويق القيم الفكرية، وهو الأمر الذي تعمل عليه الدول من خلال سفاراتها ومراكزها الثقافية المنتشرة في أرجاء العالم وأكثرُها فاعلية تلك المراكز المنتشرة في بلدان العالم الثالث وجنوب إفريقيا والشرق الأوسط، حال الأسابيع السينمائية والعروض الدورية الشهرية التي تقوم بها المراكز الثقافية الأوروبية والغربية في سورية وأهمها على الإطلاق التجربة السينمائية السورية الفرنسية التي ارتقت لتتحول إلى نشاط سينمائي سوري بامتياز بعنوان «نظرة سورية على السينما الفرنسية» ويتم من خلالها تقديم الفيلم السوري والتطرق إلى تاريخ السينما السورية من أوسع أبوابها بطريقة يسودها حوار مفتوح مع طاقم النادي ومخرج العمل السينمائي لتكون الغاية النهائية هي التسلية بقصد الرفاهية الراقية والجادة.
أطلق النادي السينمائي السوري نشاطه السينمائي الذي يقام في المركز الثقافي الفرنسي بدمشق صيف عام 2007م، بدعوة من مدير المركز الثقافي الفرنسي جوليان جوني رغبة منه في تطوير النشاط السينمائي الذي يقام كل يوم خميس ضمن برنامج المركز الثقافي ومنهجيته الموضوعة من قبل وزارة الخارجية الفرنسية والمعممة على سفاراتها ومراكزها الثقافية كافة في بلدان العالم وخاصة بلدان العالم الثالث وآسيا.
نشوء النادي
لم يكن النادي في هيكلية عمله وفكرته، مخططاً له مسبقاً بل وليد الحاجة التي برزت عندما قرر المركز الثقافي الفرنسي تفعيل نشاطه السينمائي وتجديد فيلمه من خلال دعوة سينمائي سوري يشارك في اقتراح برمجة واختيار الأفلام بحيث يستطيع هذا النشاط السينمائي الحصول على شعبية وجماهيرية وحضور أكبر باعتبار أن المخرج السينمائي السوري يمتلك مقدرة مضاعفة في معرفة حاجات المشاهد السوري ورغباته وبالتالي اختيار الفيلم الذي يستحوذ انتباهه ويتناسب مع ثقافته ويحقق ردود فعل لديه وبناء عليه يصبح بالإمكان تأسيس قاعدة حوار مع الجمهور بحيث يتحول هذا الجمهور خلال فترة من الزمن إلى جمهور متابع وخاص (وذلك ما حصل فيما بعد)، فوقع الاختيار على المخرج السوري أسامة محمد الذي في رصيده فيلمان سوريان هما «نجوم النهار»، و«صندوق الدنيا».
أراد السينمائي أسامة محمد أن يحقق أهداف المركز الثقافي في هذه الخطوة وأهدافه الأكثر شمولية من حيث وضع اللبنة الأولى باتجاه تظاهرة سينمائية تُعتبر الأولى من نوعها في سورية تحت اسم «النادي السينمائي السوري» ولتحقيق ذلك كان لا بد من نظرة جديدة لهذا النشاط السينمائي بما يجعل الموضوع والتجربة أكثر حيوية من خلال إحضار مهتمين سينمائيين من جيل الشباب، ليقع اختياره على ثلاثة أسماء: المخرج السينمائي الشاب جود سعيد، والناقد السينمائي أسامة غنم.
كانت بداية التجربة الجديدة الأولى لنشاط النادي السينمائي السوري في المركز الثقافي الفرنسي في شهري حزيران وتموز عام 2007م، إلا أن هذا النادي خلال هذين الشهرين اكتفى بالعرض وفق برمجة المركز الثقافي الفرنسي الذي يعرض أربعة أفلام في الشهر، وكان للمركز أحقية اختيار فيلمين وترك للكادر السينمائي السوري اختيار الفيلمين الآخرين.
حققت هذه التجربة نجاحاً كبيراً جميلاً عند جمهور الحضور، وانطباعاً جيداً عند إدارة المركز الثقافي الذي قرر في بداية عام 2008 ترك أمر النشاط السينمائي بالمطلق للفريق السينمائي السوري الذي عمل على برمجة النشاط السينمائي ضمن رؤيته الآنفة الذكر التي هي على شكلها الراهن اليوم.
النادي السينمائي السوري أسامة غنم
نظرة سورية
يقول الناقد السينمائي أسامة غنم «نعمل على هذا النشاط إدارياً وتنظيمياً، ويمكن تعريفه على أنه بالدرجة الأولى نشاط تثقيفي مدني فيه حب للسينما بالتعاون مع المركز الثقافي الفرنسي الذي أراد الاستفادة من خبرة السينمائيين السوريين وتجربتهم. وأعتقد أن التجربة قد حققت ناجحاً تنعكس مظاهره في ازدياد عدد الجمهور وقاعدة الحوار، فقمنا بافتراض عنوان له تحت مسمى "نظرة سورية على السينما الفرنسية".
«الجدير ذكره هو أن النادي السينمائي السوري مَثله مثل تجارب نوادي السينما في العالم التي نفتقدها للأسف. وقد استطاع هذا النشاط خلال فترة وجيزة أن يغطي حاجة جمهور مدينة دمشق من محبي السينما وعشاقها بالعموم ويلبي رغبة واضحة عنده، ومن جهة ثانية لِمن يحب حضور سينما منتقاة: سينما فنية لديها همومها الفنية والإنسانية الحيوية بنسخة وشريط سينمائيين. ومنذ مطلِع عام 2008 حتى اليوم قمنا بعرض أكثر من خمسة وعشرين فيلماً ولكن مدينة مثل دمشق تحتاج إلى عشرات النوادي السينمائية».
منهجية العمل
إن الأفلام التي تُعرض وتُختار خلال الشهر الواحد هي عملياً متقاربة من حيث الشكل الفني والفكري والمضمون وتأخذ مسمى شهرياً عريضاً مثل «السينما والأدب»، «السينما والتاريخ»، وفي ذلك يقول غنم «إن هذا الشكل من العمل يكرس عند الناس حس المواظبة ويخلق جمهوراً دائماً للنادي وفي الجهة المقابلة يحقق لنا الشيء الذي نطمح إليه.
لم نقدم خلال الأشهر الخمسة الماضية أي فيلم مبتذل بل جميعها جادة وتعتبر بمثابة تُحف، حال أفلام بريسون حاصدةِ الجوائز العالمية، وذاكرة التاريخ السينمائي أيضاً مثل فيلم «ثلاثة ألوان أزرق» لكشكوفسكي وجميل أن يفاجئك الجمهور بأنه يمتلك ثقافة سينمائية، بل ويعرف من هو كشكوفسكي وحضر بناء على اسمه، ما أعطانا حافزاً على الاستمرار».
شروط التجربة
يقول غنم «هناك شروط لهذه التجربة التي نقيمها بالتعاون مع المركز الثقافي الفرنسي بدمشق، آلية العمل تتم من خلال منهجيتهم وبرمجتهم التي تقوم على تقديمهم لنا مجموعة من الأفلام التي ترسلها وزارة الثقافة الفرنسية إلى مراكزها الثقافية في العالم، ثم يأتي دورنا في اختيار الأفلام التي ستُعرض وهم في نقطة الاختيار لا يتدخلون مطلقاً.
«أما منهجيتنا نحن أثناء الاختيار فهي انتقاء أكثر الأفلام تنوعاً من ضمن المجموعة مع المحاولة قدَر الإمكان بأن لا نبقى محصورين بالشيء الفرنسي البحت وإنما تقديم شيء مختلف قد يكون إنتاجاً فرنسياً ولكن في بلدان أخرى أو إنتاجاً مشتركاً، وبناء عليه يمكن القول إن النادي السينمائي يقدم مستويين: الأول هو السينما العالمية ومنها نقدم ثلاثة أفلام في الشهر، أما الفيلم الرابع فهو المستوى الثاني: السينما السورية.
«إذن من الأهمية بمكان القول إنه رغم أن المؤسسة فرنسية في نهاية المطاف إلا أن التجربة معها سورية بامتياز، فالحضور سوري والنقاش والحوار باللغة العربية، وما نتمناه هو أن تكون التجربة نموذجاً وحافزاً لمؤسسات ثانية لاستحداث نوادٍ تحقق خيارات عرض أوسع وتلبي حاجة الجمهور المتنوع».
علاقة الفيلم السوري بجمهوره
إن هذا النشاط فيه رغبة فعلية، ومن المؤسف أن الفيلم السوري لا ينال حقه الكافي من العرض والوصول إلى الجمهور، إضافة إلى ذلك بعض الأفلام قديمة نسبياً أو لا يكاد يعرفها إلا أبناء جيلها، ما يحرم الأجيال الأخرى الصاعدة من مشاهدتها والتمتع بتاريخ بلدهم السينمائي، ومن الأمثلة فيلم «حادثة النصف متر» الذي أنتج عام 1980 والذي أطل على جمهوره السوري في مهرجانات السينما وعرضٍ شعبي محدود وبعض المناسبات الاستذكارية النادرة أو المشاركات المهرجانية الخارجية، وبالتالي هناك أجيال نشأت ولديها رغبة في مشاهدة هذا الفيلم وغيره من جديد، والمؤسف هنا أيضاً هو كيفية الحصول عليه وهو غير مسوّق تجارياً ولا يوجد لدينا مكتبة سينمائية سورية (سينماتيك) حال الدول العربية الأخرى.
يقول غنم بناءً على ما تقدم «انطلاقاً مما ذُكر جاء النادي كحل جزئي، والشيء الإضافي الذي نصر عليه ليس فقط عرض الفيلم السوري وإنما إعطاء الجمهور فرصة الحوار المفتوح وسؤال مخرجه المبدع بحوار حر ديمقراطي مفتوح غير متكلف».
علاقة الفيلم السوري مع السينما العالمية
إن هذا التعشيق والتلاقح الثقافي السينمائي البصري الذي يقدمه النادي عبر تقديمه للفيلم السوري وعلاقته تأثيراً وتأثراً مع السينما العالمية خلق لدى الجمهور تقاطعات ظهرت بالحوار، وما هذا النشاط حقيقةً إلا جهد استعادي لجزء من تاريخ السينما السورية وخاصة أن جزءاً من مبدعيها المخرجين ما زالوا أحياء ومعطائين حتى يومنا هذا.
من جانب آخر، يمكننا القول إن الفيلم السوري يعزز رضا المشاهد عن الممثل السوري الموهوب الذي قولبه التلفاز واستهلكه بطريقة غير مرضية في حين نجده مختلفاً جداً فيما يصنعه في السينما ويتمتع بحضوره المتميز في العالم العربي.
النادي السينمائي السوري محمود حديد
وجهة نظر
محمود حديد مشرف سينمائي في المركز الثقافي الفرنسي يقول «النادي خلق جواً سينمائياً كالسابق فقد قدم أفلام السينما السورية القديمة الحديثة، كما قدم لمحة عن السينمائيين السوريين وما عملوه وقدموه للسينما، وما هي السينما السورية وكيف بدأت وتطورت، وأُجيب عن كل ذلك من خلال العرض السينمائي، وذلك ما يحتاج إليه جيل الشباب: أن يعرفوا تاريخ سينماهم».
يضيف المخرج السينمائي محمد قارصلي «لا يمكن مقارنة واقع السينما السورية اليوم مع أيام زمان فنحن خلال ثلاثين أو أربعين سنة فقدنا جمهورنا السينمائي، وبالتالي لا يمكن اليوم مقارنة جمهور سينمائي كان يترصد ويتابع ويناقش في الستينات والسبعينات من القرن المنصرم إذ كان هناك طقس سينمائي، مع ما يُقدم اليوم، إذاً نحن بحاجة إلى إعادة بناء هذا الجمهور وهذه قضية طويلة تحتاج إلى جهود فردية وقطاعات أهلية واقتصادية تساهم في محاولة إنعاش السينما السورية بعد سباتها الطويل، ولعل ما يقوم به النادي السينمائي السوري في المركز الثقافي الفرنسي قد يكون النواة الأولى والنموذج المحفز لمساهمة القطاعات الأنفة الذكر، على أنه بمفرده لا يلبي الاحتياجات وليس بمقدوره استنهاض السينما السورية وإعادتها».
النادي السينمائي السوري محمد قارصلي
يذكر أن المركز الثقافي الفرنسي في دمشق ينظم كما هي عادته كل عام، برعاية وزارة الثقافة وبالتعاون مع المؤسسة العامة للسينما في سورية، أسبوع الفيلم العربي الفرنسي، الذي صادف في العام المنصرم الفترة من الخامس عشر حتى الثلاثين من كانون الثاني.
تهدف هذه التظاهرة خاصة إلى التعريف بالأفلام التي استفادت من إنتاج فرنسي مشترك وبخاصة دعم صندوق الجنوب للسينما، الموجه لدعم الإنتاج السينمائي في دول الجنوب، والذي أُحدث منذ عدة سنوات من أجل تشجيع التنوع الثقافي، يقوم الصندوق بدعم المشاريع السينمائية لبلاد الجنوب وأفلام المؤلف خاصة.
كما تهدف أيضاً إلى تقديم الإنتاجات السينمائية السورية بجميع أطيافها منتهزة بذلك المناسبة لإظهار التبادل والحوار بين سورية وفرنسا. اختار المركز الثقافي الفرنسي عدم الاكتفاء هذا العام بتقديم الأفلام الروائية، فكرّس جزءاً من برنامجه للأفلام الوثائقية القصيرة والطويلة كي يدعو إلى التفكّر حول هذا النوع من السينما عبر عرض هذه الأفلام وتنظيم طاولة مستديرة بعنوان «الفيلم الوثائقي السوري في المشهد السمعي البصري الإقليمي».


رياض أحمد

اكتشف سورية

Share/Bookmark

صور الخبر

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق