الدكتور نائل حنون محاضراً في مجمع اللغة العربية

21 05

العلاقة بين اللغتين العربية والأكادية متجذرة في أعماق الزمن

شهد مجمع اللغة العربية مساء أمس الأربعاء محاضرة هامة للأستاذ الدكتور نائل حنون تناولت أصل العلاقة بين اللغة العربية واللغة الأكادية تحت عنوان «العلاقة بين اللغتين العربية والأكادية»، وقد تطرق الدكتور نائل في هذه المحاضرة إلى مسائل بالغة الأهمية تتعلق بالجذر اللغوي للغات هذه المنطقة القديمة منها والحديثة، وكيفية تطورها مع الزمن وجدلية العلاقة التي تنامت فيما بينها خلال أكثر من أربعة آلاف سنة.

قدم للمحاضرة الأستاذ الدكتور محمود السيد وزير الثقافة السابق، ورئيس لجنة تمكين اللغة العربية في مجمع اللغة العربية، وتحدث الدكتور السيد عن الدور الذي لعبته اللغة الأكادية التي انتظمت العالم القديم وسادت دجلة والفرات في العصور القديمة، وتطرق إلى مسألة تعاقب اللغات، حيث تجنح كل لغة إلى أن تكون اللغة السائدة لدى الناس كافة، إلا أن تلك المحاولات باءت كلها بالإخفاق، وظلت اللغة سمة حضارية لازمة لكل شعب متجذرة في روحه وطباعه وأخلاقه.

ثم عرف الدكتور السيد بالدكتور نائل حنون، وبمسيرته الأكاديمية وإنجازاته العلمية وأبحاثه ومؤلفاته، منوهاً بالعمل الكبير الذي قام به الدكتور حنون كشفاً وتوثيقاً، في موضوع نحن في أبلغ الحاجة إلى دراسته واستيعابه على أيدي علمائنا وباحثينا، كي نتمكن أكثر من التعرف على تاريخنا بعيداً عن التلاعب والتحريف والتزوير الذي قد يطرأ أحياناً ترجيحاً لنظريات سياسية أو وجهة نظر متطرفة، تريد تغيير حقائق التاريخ لمصلحة فئة معينة، كما حدث ويحدث مع أرض فلسطين، وما يفعله الصهاينة من تحريف لحقائق التاريخ.

بعد ذلك، تناول الدكتور حنون الكلام، ممهداً لموضوع العلاقة بين اللغتين العربية والأكادية بتساؤل حول المدى الذي تمتد إليه هذه العلاقة في جذورها التاريخية، بحثاً عن صورة شاملة لطبيعة هذه العلاقة، بعيداً عن الاجتزاء، فمفردة هنا أو كلمة هناك تدعونا إلى بحث أعمق في تاريخ هذه العلاقة الموغل في الزمن.

وقد قسم الدكتور نائل حنون محاضرته إلى محاور أساسية تناول فيها العائلة اللغوية للغتين العربية والأكادية وامتدادها الزمني، وتصريفات اللغة الأكادية وكيفية تطابقها مع اللغة العربية في النحو وبناء الجملة والمفردات، والكيفية التي تساعدنا بها دراسة اللغة الأكادية في فهم اللهجات المعاصرة، كما تحدث عن توثيق هذه اللغة في معاجم مناسبة، تمكن الدارسين والباحثين وعموم القراء من الوصول إلى المعلومات التي يحتاجونها بسهولة ويسر، والشوط التي تم قطعه في هذا المجال.

العائلة اللغوية للغتين ومخططها الزمني:
بنى الدكتور حنون على دراسة معمقة للصلات بين اللغات لتصوير مخطط زمني ينتظم اللغات التي تحدث بها سكان المنطقة الذين تجمعهم أصول مشتركة، بدءاً من اللغة الأم التي لا نعرف عنها شيئاً لأنها كانت قبل بدء التدوين، وصولاً إلى اللغات المعروفة التي قسمها إلى خمس مجموعات رئيسية:

- الأكادية: وتضم اللغات القديمة التي سادت بلاد الرافدين كالبابلية والآشورية والكلدانية الحديثة، وتعود إلى حوالي 3000 سنة قبل الميلاد.

- الآرامية: وضمت لغات سورية وبلاد الشام في مرحلة متأخرة، كالتدمرية والسريانية (وهي الآرامية الحديثة)، وتعود إلى حوالي ألف سنة قبل الميلاد.

- الأمورية (الكنعانية): وهي اللغات التي تحدثت بها شعوب شرق البحر المتوسط القديم كالكنعانيين والفينيقيين، وكذلك ما وجد في ماري وإبلا، مع التطور الذي طرأ عليها في هاتين الحاضرتين وخصوصاً لناحية استخدام الحرف الأكادي والكتابة المسمارية في النصوص المنقوشة على الطين.


جانب من الحضور

- العربية (الشمالية): ومنها نشأت اللغة العربية الفصحى.

- العربية (الجنوبية): وهي لغة أهل حمير القدماء، وقد تراجعت هذه اللغة وأفسحت المجال للغة العربية الشمالية كي تسود البلاد العربية.

وشرح المحاضر كيفية تطور اللغة الأكادية ونهايتها كلغة مستخدمة في مطلع القرن الأول الميلادي، حيث طور الأكاديون الكتابة المسمارية، بعد أن توصلوا إلى المقطعية، في سياق تاريخي متصل عبر آلاف السنين، وقد تلقف سكان سورية الأموريون/العموريون هذه اللغة واستخدموها في معاملاتهم التجارية ووثائقهم، وقد استعملت نصوص بلاد الرافدين تسمية الأموريين في دليل على عمق الصلات الحضارية، الثقافية التجارية والإنسانية بين هذين الشعبين.

وتحدث الدكتور حنون عن اللهجات الأمورية التي تم تدوينها بالأحرف الأكادية مثل الكنعانية والإبلائية، وهي لهجة أكادية استخدمها الأموريون في إبلا. ومن اللهجات الأكادية الأخرى التي سادت في المنطقة: الأدومية – العمونية – العبرية ..الخ. وأوضح الدكتور حنون اختلاف اللغة العبرية الحديثة التي تم تركيبها لإعطاء هوية لجماعة بلا هوية أو تجانس، عن اللغة العبرية القديمة التي تنسجم في تكوينها ومفرداتها مع اللهجات المنبثقة عن اللغة الأكادية.

اللغة الأكادية تظهر العمق التاريخي للغة العربية:
بيّن الدكتور نائل أن اختيار اللغة الأكادية لإيضاح عمق اللغة العربية، جاء لتنوعها ولكونها الأقدم في التدوين والأكثر ثراء من حيث مكتشفاتها الأثرية، حيث استخدم الأكاديون الطين المجفف في تدوين الرقم والمحفوظات مما لعب دوراً في حفظها عبر آلاف السنين.

وقد تم اكتشاف حوالي 300 ألف نص في العراق، وحوالي 70 ألف نص في سورية، مكتوبين باللغة الأكادية مما يعطي الباحثين إمكانية إجراء دراسات معمقة ومقارنات جدية بين اللغة الأكادية وأي من لغات الشرق القديمة أو الحديثة.

وأوضح المحاضر أن النحو العربي وضع لما مستعمل ومتداول بين الناطقين باللغة العربية، أما الأكادية فقد ولدت مع قواعدها، مما يجعل هذه القواعد واضحة بينة لكل دارس.

أوجه العلاقة بين اللغتين:
ثم انتقل الدكتور حنون إلى دراسة عملية تستحضر أوجه التشابه والعلاقة بين اللغتين في النحو وبناء الجملة والمفردات.

وتحدث عن تصريفات اللغة الأكادية من الصيغة البسيطة إلى الصيغة المفعّلة والاسم المشبه بالفعل وصيغة إضافة التاء والتاء والنون وغير ذلك من الصيغ. وبين أن عدد الاشتقاقات في اللغة الأكادية يبلغ 89 تصريفاً للفعل الواحد، وأن اللغة العربية تمتلك – نظرياً – كل هذه التصاريف، معطياً مثالاً وارداً في القرآن الكريم هو استخدام فعل «تسطع» بدلاً من «تستطع» وهو تصريف له شبيه في اللغة الأكادية.

كما تحدث عن تطابق بناء الجملة في اللغتين العربية والأكادية، من حيث البدء بالفعل والفاعل والانتقال إلى إضافة الصفات والأسماء وغير ذلك في نهاية الجملة.

وبالنسبة للمفردات، فقد تحدث الدكتور نائل حنون عن عمله المتواصل في المعجم المسماري، وأخذه لجذور الأفعال لانتقاء الأفعال المتطابقة بين اللغتين (مع الانتباه للتغيير بين الأحرف: السين والشين، والدال والذال ...الخ)، لاستخراج الأفعال التي يتطابق فيها المعنى وشكل الجذر بتكوينه الثلاثي، وبنتيجة الدراسة وصل عدد الأفعال المتطابقة إلى 347 فعلاً.


جانب من الحوار مع المحاضر

ودعم المحاضر نتائجه بأمثلة موضحة، مثل كلمات «بخس»: وتعني انتقص بالعربية، و«ختب»: وتعني ذبح بالعربية، و«خشَو» أو «خشى»: وتعني مر بصمت وهدوء وقرأها المحاضر «خشع»، و«حكى»: وتعني فكر، و«سفر»: بمعنى كتب كتاباً، و«سلق»: بمعنى تسلق جداراً أو سلق بالماء الحار، و«شقل»: بمعنى ثقل أو وزن، و«صرخ»: بمعنى الصوت، و«ضرح»: أي بنى عالياً، ويقابلها بالعربية صرح. وهكذا نجد مفردات بمعاني متطابقة تماماً، وقد تظهر الدراسات المستقبلية مفردات أكثر، تتطابق بين اللغتين.

من فوائد دراسة اللغة الأكادية:
هناك الكثير مما تساعدنا فيه اللغة الأكادية حسب الدكتور حنون، ومن ذلك المساعدة على فهم المفردات العامية، فجزء كبير منها هو تراثنا اللغوي، وقد تساعد الدراسات في وضع هذه المفردات تحت نظر المجامع العربية، لتثبت أصالتها اللغوية وتبين أوجه استخدامها.

وأعطى المحاضر بعض الأمثلة على مفردات دارجة في اللهجات العامية الدارجة في العراق، وكان يظن أن أصولها أجنبية، تبين له أنها ذات أصل في اللغة الأكادية القديمة. ومن ذلك كلمة بسبسو التي تعني الطائر بالأكادية، فيما يستعمل العراقيون كلمة الفسيفس للديك الرومي، ويمكن بذلك الربط بين هاتين المفردتين في سياق البحث اللغوي الشامل.

تعقيب وحوار:
وتلى المحاضرة تعقيب من الدكتور محمود السيد شدد فيه على الحاجة إلى تسليط الضوء على اللغة الأكادية وغيرها من اللغات القديمة، وعلى العمل على تكوين الأطر العربية المختصة بالبحث والتنقيب لما فيه الفائدة العميمة في دراسة تاريخنا وتراثنا الغني.

وفي النهاية أجاب الدكتور نائل حنون، عن تساؤلات الحضور الذي اتسم بالمتابعة الدقيقة لكل ما جاء في هذه المحاضرة من مواضيع مثيرة للتفكير والتساؤل، عسى أن تجيبنا عنها الأبحاث المستقبلية.


محمد رفيق خضور
تصوير: عبد الله رضا

اكتشف سورية

Share/Bookmark

صور الخبر

الدكتور نائل حنون في محاضرة عن اللغة العربية و الأكادية

الدكتور نائل حنون في محاضرة عن اللغة العربية و الأكادية

الدكتور نائل حنون في محاضرة عن اللغة العربية و الأكادية

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق

عدنان محمد مجلي:

الى استاذي العزيز اقدم شكري وتقديري واعجابي الى استاذي الفاضل الدكتور نائل حنون

العراق-جامعة ذي قار

مهندس ناجح حسن البديري:

الف تحية وتقدير لك ياابا يوسف من العراق ونتمنى ان تكون عودتك الى العراق قريبة جدا

iraq