مسرحية هوى وطني لوحة بانورامية عن سياسة القطب الواحد
03 12
يُعتبر المسرح التونسي من أهمّ المسارح العربية، حيث يحتفل في هذا العام على مرور مئة عام على تأسيسه، وبرزت أسماء لامعة من مخرجين وممثلين مثل موفق الجبالي وجليلة البكار، وساهم هذا المسرح في أغناء المسرح العربي، ومن المعروف أنّ المسرح التونسي كان موجَّهاً إلى طرح القضايا الوطنية والمصيرية، حيث لُقّب «بالفن الرابع» في تونس لأهميته كمنبر إعلامي مهم على المستوى التونسي.
ومن هنا نأتي إلى آخر العروض المسرحية التونسية التي قُدِّمت في دمشق، وهي مسرحية «هوى وطني» للممثلة التونسية رجاء أبو عمار، حيث يُعتبر هذا العمل صفحة مشرقة في تاريخ هذه الفنانة القديرة، التي استطاعت ومن اللحظة الأولى لدخول الحضور أن تأخذنا إلى عالم ليس من السهل الدخول إليه، عالمٌ نشاهده في التلفزة العربية والعالمية، ولكن نقف مكتوفي الأيدي وننتظر.
في فضاء متحف القطار بمحطة القدم للقطارات جنوب دمشق عُرض هذا العمل، في الساعة الثامنة مساءً، وقبل الدخول بدأ العرض وكأنه عالم جديد من الانعزال حيث الغربة والمنفى والوحدة، وما إن دخلنا حتى أزداد هذا الشعور، حالة من الاختناق والصمت الذي اعتدنا عليه في كل ما نشاهده يومياً في نشرات الأخبار من قهر وظلم للإنسان، تشكيلات من الدمى قُدّمت بطريقة سريالية موحشة، معذبة لها دلالاتها في المشهد المسرحي.
الممثلة التونسية رجاء أبو عمّار قدّمت في مسرحية «هوى وطني» تجربةً رائدة في المسرح التجريبي، حيث قدّمت لوحة بانورامية عن سياسة القطب الواحد، وما أثارته من دمار وخراب في المنطقة العربية وباقي دول العالم، وبطريقة من طرق التعبير المسرحي وبشخصية الحكواتي سردت لنا مآسي العراق من وجع وألم ودمار.
أرجعتنا إلى فلسطين وما حمله الاحتلال للإنسان من انكسار وعبودية، أعادتنا إلى أيام الطفولة حيث كان الضرب عقوبة مُشَرّعة من الكبار بحجج الحب والخوف على الطفل، وما كان له من تداعيات على نفسية الطفل منذ نشأته وهو الخوف من الكبار كائن من يكون، وهنا جاء الربط بين هذه التربية الخاطئة للطفل وما يريده الغرب من أطفالنا، حيث ساهم هو أيضاً في تعميق هذه الحالة منذ زمن أفلام الكاوبوي الأمريكية، فنشاهد البطل الأمريكي ذو الشعر الأشقر على صهوة جواده وهو يُحارب الهندي البدائي والمتخلف.
إنّ تعميق مفهوم البطل الأميركي كمنتصر هو دائماً هدف أساسي للسياسة المبرمجة، التي تتبعها سياسة القطب الواحد والمشاركة لها بعض وسائل الإعلام العربية، التي تبث تفاهات تبعدنا عن القضايا التي تمس ماضينا وحاضرنا.
تُثبت الممثلة رجاء أبو عمّار في هذا العمل أنّ المسرح يستطيع أن يدخلنا إلى عالم السياسة بمفهومه الخاص لسياسة الدول، فالمسرح ليس منبراً لطرح المشاكل الاجتماعية والنفسية وتحليلها فقط، بل هو اشمل من ذلك، فيكون مرآة حقيقية صادقة لما يجري في فلسطين والعراق، وبطرق مسرحية جادة بعيدة عن البكائية والادعاء والبهرجة التي وقعت بها الكثير من الأعمال الفنية.
مازن عباس
اكتشف سورية