«باب الحارة» يفقد بريقه واستثنائيته 10/أيلول/2008
لم ينل مسلسل عربي ما ناله «باب الحارة» من شهرة ومتابعة وترقب ومواكبة إعلامية منذ بدء الدراما التلفزيونية العربية في بداية الستينيات من القرن الفائت، وقد ملأ الدنيا وشغل الناس حتى عن صلاتهم في العام الماضي، وكتبت عنه مئات المقالات سواء التي كانت بصفه أم كانت ضده واهتمت به وسائل إعلام العدو وتابعه العرب المنتشرون في أربع جهات الأرض.
وعندما أعلن المخرج بسام الملا عن نيته الاستمرار بالمسلسل وإنجاز جزء ثالث وربما رابع، بدأ المشاهدون يلتقطون أنفاسهم انتظاراً وترقباً وفي الطريق إلى رمضان اعترضت العمل مطباتٌ كثيرة أهمها استبعاد أبرز أبطال العمل هو الفنان عباس النوري، ومن ثمّ فإن المسلسل خسر نصف أسهمه قبل أن يعرض، وخاصة لدى الأطفال الذين أحبوا شخصية «أبو عصام» لدرجة أن بعضهم حزن بالفعل لأنهم لن يروه مرة أخرى، ومن ثم انسحب من العمل بعض ممثليه كالفنانة الشابة والمتألقة تاج حيدر، وليلى سمور، وإيمان عبد العزيز.
وجاء رمضان وجلس ملايين العرب يستمعون إلى أغنية الشارة المميزة وكانت المفاجأة أن المسلسل فقد بريقه وفقد استثنائيته، وما كان محبباً إلى القلوب في الجزء الثاني جاء منفراً في الجزء الثالث، وشعر المشاهد أن الصدق الذي كان موجوداً حل محله التكلف وأن الشخصيات التي كانت من لحم ودم تحولت إلى شخصيات بلاستيكية.
وبدأ المسلسل يخسر مشاهديه واحداً تلو الآخر وحتى متابعيه لم يكن ولعهم السابق حاضراً أو كما قال أحد الطلاب الجامعيين: «أتابع العمل على أمل أن يتحسن فيما تبقى من حلقات»، ولم يخف هذا الطالب دهشته من الطريقة التي تعامل معها النص مع المرأة وخاصة عندما عُرضت بنات «أبو حاتم» بطريقة هي أقرب للنخاسة ويضيف: «رغم أني لم أعش تلك الأيام إلا أني أجزم أن أهل الشام لم يكونوا ليتصرفوا بهذه الطريقة عندما ينوون الزواج».
أحد المثقفين رأى أن الجزء الثالث جاء نسخة متطابقة عن الجزء الثاني، ولم يحمل أي جديد على صعيد الفكرة والمضمون ومن ثمّ فإن العمل فقد بريقه منذ الحلقات الأولى، ويضيف: «لا أدري كيف انقلب "أبو راغب" بهذه الطريقة بعد أن عاد إلى رشده في الحلقة الأخيرة من الجزء الثاني؟»، يبدو أن الكاتب لم يجد أمامه سوى ليّ عنق الشخصيات لكي يضع جزءاً ثالثاً ولكنه لم ينجح وحتى الخطوط الدرامية الجديدة جاءت باهتة وغير مقنعة.
ويرى آخر أن العمل مملوء بالثرثرة المجانية والمنفرة.
إحدى رباب البيوت أكدت أنها فوجئت بالمستوى الذي ظهر عليه العمل في الجزء الثالث وقالت: «ببساطة لم أستطع إكماله فقطعت المتابعة في الحلقة الثالثة». وأحد كُتاب الدراما أكد أن العمل لا يقدّم أي جديد للمشاهدين ولو كان القرار لي لما سمحت بعرضه لأنه ببساطة مسلسل مسيء نحن بحاجة إلى أعمال تلامس وعي المشاهدين وتعزف على أوتار لها علاقة بالهم العام وأشار نفس الكاتب إلى أنه ليس ضد الإهاب الذي يظهر به المسلسل سواء أكان بدوياً أم تاريخياً أم شعبياً، ولكني ضد المضامين التي لم ترق إلى مستوى معقول وتحاول مواكبة ما يجري في العالم من تغير وتبدل.
بينما يرى أحمد، وهو موظف حكومي أن مشاهدة «باب الحارة» ما هي إلا حرق مجاني للوقت والأولى أن نصرفه في شأن آخر. بعض متابعي العمل لهم آراء أخرى فأحد الشبان الذين تحلقوا حول جهاز التلفزيون في أحد الأكشاك المنتشرة في منطقة البرامكة يرى أن المسلسل «حلو وظريف وأنا لا أضيع حلقة واحدة منه»، وصاحب الكشك أكد أنه قد يهمل زبائنه إذا كان هناك مشهد مهم.
ورغم أن المسلسل ما زال في بداياته، إلا أن بعض الإعلاميين يرون أن المسلسل استنفد أغراضه منذ الجزء الثاني، وكان يحب التوقف عند ذاك الحد وعدم المغامرة بإنتاج جزء ثالث لم يضف جديداً، وطالبوا بإغلاق «باب الحارة» نهائياً والالتفاف إلى إنجاز أعمال أخرى والتطرق لمسائل أكثر أهمية، وخاصة أن المزاج العام في حالة تبدل دائم فما هو مطلوب ومتابع في هذا العام قد لا يكون كذلك في العام القادم وأن الظروف السياسية والاقتصادية تلعب دوراً محورياً في هذه المسألة، وإن أعمالاً كبرى عُرضت منذ أيام ونالت استحسان وإعجاب المشاهدين العرب لو عرضت في هذا العام لما وجدت أي صدى يذكر.
وقد جاء إخفاق الجزء الثالث برداً وسلاماً على قلوب بعض النقاد والمتابعين لأن هذا يعني انتهاء نوع درامي بالغنا في تدليله حتى فسد، ويقدمون أدلةً على ذلك أن هناك خمسة أعمال حاولت أن تنسج على منواله وكانت النتيجة ضياع أموال وجهود لو صُرفت في مسائل أخرى لكان أجدى وأنفع.
|