شهبا.. التاج العربي على رأس الإمبراطورية الرومانية

12 كانون الأول 2015

.

شهبا تلك المدينة الصغيرة الواقعة شمال محافظة السويداء بمعابدها وحماماتها ومسرحها والتي تعود بمعظمها للحقبة الرومانية التي ازدهرت فيها هذه المدينة النبطية العربية خصوصا في عهد الأمبراطور فيليب العربي الذي جعلها تضاهي روما .

تبدأ حكاية الاستيطان البشري في شهبا من العصر الحجري الحديث حيث تم العثور في المناطق المحيطة بالمدينة مثل تل شيحان إلى الشمال و تلال الجمل والغرارة الواقعة في الجهة الغربية منها على بعض الأدوات الصوانية الصغيرة التي استخدمها الإنسان في حياته اليومية واستمر السكن في بعض المناطق المحيطة بشهبا بدءاً من الألف الثالث قبل الميلاد منها لبوة في عصر البرونز القديم و دوبو أو تل الدبة والكوم عند مصب وادي نمرة في عصر البرونز الوسيط.

بروز شهبا على الخارطة الحضارية الاقتصادية والثقافية والسياسية كان في العصر اليوناني حين احتل اليونانيون المقدونيون سورية عام 333 قبل الميلاد وتأثروا بالثقافة الشرقية السائدة في المنطقة لتبلغ شهبا أوج ازدهارها خلال الحقبة الرومانية ولا سيما في عهد فيليب العربي الذي ولد ونشأ فيه.

وعندما أصبح فيليب العربي إمبراطورا على روما عام 244 م منحت شهبا لقب مستعمرة رومانية وحملت اسم فيليبوبوليس نسبة اليه حيث استطاع أن يضفي على المدينة طابعاً معمارياً متميزاً تضاهي به كبريات المدن الرومانية في الشرق والغرب فأقام فيها مبانٍي دينية معابد ومدنية ساحات عامة و قصور وحمامات و أقواس نصر ومسارح وفي الوقت نفسه بنت العائلات النبيلة منازل فخمة غنية بالزخارف .

ولمدينة شهبا أهمية خاصة بين المدن الكلاسيكية في سورية المبنية في العهدين اليوناني والروماني فهي ذات مخطط نموذجي روماني الطراز محمية بسور دفاعي مستطيل الشكل يحتوي على أبراج دفاعية و لها أربع بوابات رئيسية أما المسرح الروماني فيقع ضمن تجمع معماري ضخم وسط المدينة يبلغ قطره 42 م يتناسب حجمه مع أهمية المدينة ويقسم إلى منصة للتمثيل مع مدرجات للجمهور .

ومن أثار شهبا الأخرى المدفن الإمبراطوري الفيليبون ويقع إلى الشرق من المعبد الإمبراطوري كليبة ويرتبط معه بساحة كبيرة مبلطة بالحجر البازلتي يتم الدخول إليه من خلالها وبني لعائلة الإمبراطور فيليب العربي من الحجر البازلتي القاسي أما المعبد الامبراطوري فيقع إلى الجنوب الغربي من الطريق الروماني الرئيسي وجاءت تسمية كليبة من اللغة اليونانية وتعني المسكن المؤقت ويبلغ عرض واجهته الرئيسية 20ر30 مترا.

وتضم أثار شهبا أيضا المعبد سداسي الأعمدة ويعود تاريخ بنائه إلى عصر فيليب العربي والحمامات الكبرى التي كانت تتصل ببعضها بقنوات مياه ضخمة لا تزال قواعدها محفوظة بشكل جيد وتجلب المياه إليها من قرية مجاورة تدعى الطيبة وكان يجاور الحمامات معبد لآلهة المياه كما توجد في شهبا كنيسة بيزنطية تعود للقرنين الرابع والخامس الميلادي.

ويتميز متحف شهبا الحالي بانه اقيم في مكان أثري يعود لدارة رومانية قديمة وحول ذلك بين رئيس دائرة الآثار في السويداء حسين زين الدين في تصريح لـ سانا أنه في عام 1962 تم العثور على بعض مكعبات من الفسيفساء الملونة فوق سطح إحدى الخرب الواقعة إلى الجنوب الشرقي من حمامات شهبا الأثرية وكانت تلك الخربة عبارة عن بستان زرع بأشجار الرمان والتين وجزء مجاور كان يستخدم كبيدر للغلال.05

وأضاف رئيس الدائرة “بعد القيام بأسبار في الموقع تم العثور على أساسات جدران يتراوح ارتفاعها بين المترين والسبعين سنتميترا مبنية بالحجر البازلتي وهي المادة المألوفة في أبنية هذه المنطقة البركانية كما عثر على أربع لوحات فسيفساء ملونة استخدمت كأرضيات تزيينية”.

وتابع زين الدين “اتخذت المديرية العامة للآثار والمتاحف عام 1968قرارا بإبقاء اللوحات في مكانها وإنشاء متحف شهبا في الموقع بشكل مشابه في أسلوب عمارته ومواد بنائه لأسلوب ومواد البناء المألوفة في المنطقة مع الحفاظ على مخطط الدارة الذي ظهرت معالمه كاملة مع إقامة الجدران الحديثة فوق بقايا الجدران القديمة”.

وأوضح أن الفنيين وجدوا حلا لمشكلة مشاهدة ألواح الفسيفساء بوضوح ودون وطئها بالأقدام بإقامة بناء بيتوني فوقها مع ترك فراغ بمقدار مساحة اللوحة تقريباً مع ممرات بين اللوحات مزودة بحواجز ينتقل الزائر فيها ويطل على اللوحات من ارتفاع مترين تقريباً.

ورأى زين الدين ان تحويل الدارة الرومانية إلى متحف من نوع خاص من أولى العمليات التي جرت في سورية في ذلك الوقت كان لها فوائد وميزات عديدة من النواحي العملية والواقعية حيث أن مشاهدة القطع الأثرية في مكانها الأصلي تعتبر أكثر جاذبية وخاصة أن الدارة الرومانية مبنية من الحجر البازلتي ومؤلفة من عدة غرف وبقيت على حالها دون تغيير منذ إنشائها في عهد فيليب وتتضمن أربع لوحات فسيفساء في مكانها الأصلي ولوحتين منقولتين من أحد المنازل المجاورة للمتحف.

واستوحت اللوحات الفسيفسائية من الأساطير اليونانية القديمة فاللوحة الأولى تمثل تيثيس آلهة البحر والثانية لوحة أعراس ديو نيزوس وآريان والفصول الأربعة واللوحة الثالثة تمثل الشاعر والموسيقار أورفيوس واللوحة الرابعة لوحة غرام آريس وأفروديت أما اللوحتان المنقولتان فالاولى لوحة النعم الثلاث والفصول الأربعة والثانية لباخوس آله الخمر عند الرومان.

كما يوجد في المتحف رأس تمثال الإمبراطور فيليب العربي المنحوت من الرخام الأبيض وعثر عليه عام 1970 أثناء التنقيب في حمامات شهبا مع قاعدة التمثال وقاعدة تمثال آخر يمثل زوجة الإمبراطور وهو معروض أمام الجدار الشرقي للمتحف.

وأوضح رئيس دائرة الآثار أنه تم الكشف خلال عمليات التنقيب التي قامت بها البعثات الأثرية في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي على مجموعة من اللقى الأثرية المهمة كما عثرت بعثة التنقيب الوطنية منذ العام الماضي لغاية شهر تشرين الثاني الفائت على باقي أجزاء لوحة فسيفساء الطاووس التي كانت اكتشفت أجزاء منها عام 1968 وهي لوحة غنية بالتزيينات النباتية والحيوانية .

ويمكن القول إن الامبراطور فيليب العربي رغم أنه حكمه لم يدم سوى خمسة أعوام ألا أنه أعطى للحضارة القائمة في مدينة شهبا مسقط رأسه الجانب الروحي والأخلاقي والمعنوي الذي يحكي لنا عن الإنسان السوري المبدع على مر العصور كواحدة من المواقع الأثرية التي تخبئ خلف حجارتها مكنزا للتراث الانساني يحكي قصة حضارة وابداع مستمرة.


ايناس سفان

sana.sy

Share/Bookmark

صور الخبر

شهبا.. التاج العربي على رأس الإمبراطورية الرومانية

شهبا.. التاج العربي على رأس الإمبراطورية الرومانية

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق