الدكتورة نجوة قصاب حسن تدرس الأغنية العربية على مدى قرن وتحلل مضمون 2800 أغنية

22 شباط 2015

في كتابها الصادر بدبي بعنوان هكذا تكلمت الأغاني

لم يسبق أن تناول احد من الباحثين العرب تحليل مضمون الأغاني العربية ومعانيها وتياراتها كما فعلت الدكتورة والباحثة السورية «نجوة قصاب حسن» في كتابها الجديد «هكذا تكلمت الأغاني» حيث بحثت في تحليل مضامين الأغاني الشائعة والدارجة عبر ما يقارب القرن من الزمن مركزة فيها على الكلمات والمعاني بهدف إظهار الخلفية الثقافية والقيمية والاجتماعية التي تكمن وراءها.

قدمت الدكتورة نجوة روءية وصفية تحليلية لمضامين كلمات الأغاني وشكلت بمجموعها إطاراً فكرياً ثقافيا وجه مسار التأليف والصياغة لاشعار الأغاني في تلك الحقبة والتي يتجدد حضورها وتتكرر ملامحها حتى وقتنا الحاضر.

وعملت الباحثة السورية على جمع وقراءة 2800 أغنية لتكون المادة المعتمدة في دراستها العلمية منتقاة من ست دول عربية وهي سورية ولبنان ومصر والعراق والأردن وفلسطين وهن الأغنيات الدارجة والشائعة في تلك الدول منذ بداية القرن العشرين وحتى عام 2012.

واعتمدت الدراسة على «منهج تحليل المضمون» الذي شاع استخدامه في ميادين العلوم الاجتماعية والسياسية والانتروبولوجيا والإعلام والأدب وغيرها كما يندرج هذا البحث في إطار كشف وتوصيف الخلفيات الثقافية والقيمية والاجتماعية وبيان عمق آثارها على ذهنية موءلفي الأغاني والمتلقين الذين يستمعون ويعيشون مجدداً المعاني المتضمنة ويتقبلونها أو يرددونها.

وعملت الدكتورة قصاب حسن على تقديم روءية جديدة لم تكن ملحوظة سابقا واشارت اليها بلغة الأرقام والحقائق ونسب تكرار الظواهر المتضمنة بكلمات الأغاني والتي تم كشفها تحت مجهر العدادات والحسابات لا عبر السمع والإحساس.

اما الهدف من الدراسة فأكدت الدكتورة نجوة في تصريح لسانا ضرورة ان تكون هذه الدراسة حافزاً للبحث في هذا المجال المعرفي ونواة لدراسات جديدة تشمل تحليلاً وتوثيقاً أوسع لجميع الأغاني العربية وقراءةً جديدةً لكلماتها لما لذلك من أهمية في تفهم الخلفيات المكونة لمخزوننا الثقافي وتأثيره في وعينا والمناخ الفكري المستقبلي الذي سيعيشه شبابنا .
وكانت الإشكالية الأولى التي ركزت عليها الدكتورة نجوة في دراستها هي ما يتعلق بصيغ المخاطبة للطرف الآخر في معظم الأغاني العربية والتي تتسم بالإصرار على تمويه وتغييب هوية المخاطب.

وتوزعت اغاني الدراسة حسب جنس المخاطب الى 753 مغنياً من أصل 2800 أغنية توجهوا في أغانيهم إلى المحبوبة بصيغة المذكّر وهذا العدد يشكل نسبة 55 بالمئة من أصل مجموع أغاني الذكور حيث اكدت الدكتورة /نجوة/ انه كان من المهم أن تطرح إشكالية المخاطبة في الأغاني كقضية لها أساسها السوسيولوجي ولها امتدادات في الجذور الثقافية والقيمية في المجتمع العربي وان تدرس خلفياتها وارتباطاتها بسوسيولوجية اللغة وبالمواقف المتعلقة بقضايا النوع الاجتماعي /الجندر/ وما يعكسه من نظرة المجتمع للأنثى وللحب وأساليب التعبير عنه.

وأشارت الدراسة الى ظاهرة ورود اغان خاطب بها المحبون أحباءهم ويبثون إليهم مشاعرهم بصيغة الجمع وعن ذلك تقول الدكتورة نجوة انه رغم تغير الظروف فيما يخص هذه المسالة وعدم التشدد من قبل المجتمع حول صيغ التعبير عن المشاعر والعواطف لا يزال التفضيل لاعتماد صيغٍ غير مباشرة في بث مكنونات النفس والتعبير عن العواطف من بينها اللجوء إلى المخاطبة بصيغة الجمع لإبهام المستمع وتحويل نظره عن المقصود بالحب تحديدا .

كما تبين الدراسة اتجاه المغنين في مناجاتهم وبث مشاعرهم إلى جهاتٍ أو مخلوقات أضفوا عليها الحياة والوعي وتصوروا أنها تشاركهم العواطف والشوق والحنين كالطيور وخاصة الحمام فهي تحمل المراسيل وتحتل المكانة المهمة في اللاوعي الجمعي حيث يسّلم المحبون رمزيا للطير رسائلهم وتمنياتهم فوردت 295 أغنية ذكرت فيها الطيور بأنواعها وسماتها وهي تشكل نسبة 10.5 بالمئة من مجموع الأغاني.

وعن طبيعة المشاعر التي عبرت عنها الأغاني ركزت الدكتورة /نجوة/ على تصنيف انواعها وبيان تكراراتها لتكون موءشرات دالة على صور الحب وحالاته المعاشة متوسعة في توصيف صيغ التعبير عن الحب وما كتب عنه في التراث والشعر والنتاج الأدبي والفكري كمدخل أو خلفية ثقافية مهدت لقراءة محتوى الأغاني من منظور تاريخي وسوسيولوجي.

ومن خلال مقارنة أعداد الأغاني التي غلّفتها مشاعر الفرح والسعادة والرضا والأمل والشوق والمسامحة والتي بلغ مجموعها 781 أغنية شكلت نسبة 8ر27 بالمئة من أصل عينة الأغاني ويبلغ عدد الأغاني التي تضمنت الصبر والعتاب والخوف والعذاب والبكاء والنار والاحتراق والنسيان والكره 1022 أغنية شكلت نسبة 5ر36 بالمئة من أصل العينة بزيادة بنسبتها 7ر8 بالمئة عن أغاني الفرح والسعادة اما مشاعر الطرف الآخر كما وصفتها الأغاني فاتسمت بالهجر والبعد والرحيل.

ويبدو أن موءلفي الأغاني بحسب الدكتورة نجوة استحبوا هذه الحالة المأساوية لتصوير عمق الحب ولهيب الشوق ومعاناة الحنين والصبر كما استساغها المستمعون فاستمر تكرار ذكر البعد والفراق في الأغاني عبر العقود الزمنية لتبلغ 251 أغنية وعن العقبات الاجتماعية كما تظهر في الأغاني تقصت الدكتورة /نجوة/ صور كتمان الحب واللجوء الى سرية العواطف وذلك تفادياً للضغوط الاجتماعية والأدبية وأبرزت حضور العاذل في الأغاني حيث أدرك موءلفو الأغاني والشعراء دور العذال في رسم حدود المشاعر والحواجز التي ينبغي عدم تجاوزها.

وعن ذلك تقول الدكتورة نجوة .. «إن اختراع العاذل كان كعائقٍ بشري افتراضي متحول ونافذ إلى عمق صميم العلاقات والمشاعر الحميمية ليقوم بدور كبح لجام الاندفاعات العاطفية كي لا تأخذ أقصى مداها في التعبير فمع حضوره الوهمي أو الواقعي يتم الالتفاف والتشفير والتلميح والتعميم أو الانكفاء في البوح والمناجاة وقد تمثل ذلك الزخم في حضور العاذل الذي يثير المخاوف والحذر في 580 أغنية من أصل العينة».

وتطرقت الدراسة عبر تحليل مضامين الاغاني لوصف الحبيبة ومميزاتها من زاوية السمات التي تسببت في نشوء العاطفة والصفات التي وصف بها المغنون من يحبون من خلال التكرارات التي وردت في العينة المدروسة فكان وصف العيون وجمالها وسحرها ولغتها ودورها من بين أبرز الصفات حيث تفنن الموءلفون في وصفها ووصف حالة الحبيب إزاءها.

واكدت الدراسة حضور الليل والقمر والطبيعة بكثافةٍ في الأغاني فهناك 1474 أغنية بنسبة 6ر52 بالمئة من أغاني العينة المدروسة تم فيها الإشارة إلى مكونات الطبيعة ومظاهرها وعلى سبيل المثال ورد ذكر الليل في مضامين 506 من الأغاني في حين ذكر القمر في 101 أغنية حتى أصبح جزءاً اساسياً في لوحة الاغنية كما تضمنت الأغاني إشارات الى النجوم والشمس والبحر ومكونات الطبيعة التي توحي بالجمال وتحرك المشاعر العاطفية.

يذكر ان اهمية هذه الدراسة تعود الى طبيعة الموضوع المدروس والمادة المعتمدة وهي العينة الضخمة من الأغاني المعتمدة والتي تمنح الباحث القدرة على تعميم النتائج واعتمادها كموءشرات ذات دلالات واضحة وما تعكسه تلك المضامين من مواقف واتجاهات فكرية وثقافية وفنية تم تبنيها عبر عقود عديدة وكذلك المنهج المعتمد وهو منهج تحليل المضمون الذي ندر استخدامه في مجال البحوث الاجتماعية في الوطن العربي.

واغتنى البحث بشواهد الأغاني وفق روءى جديدة ومن مناظير متعددة ابرزتها الأرقام والنسب المئوية في إحصاءات دقيقة ذات مصداقية تصور الواقع وتبرز الحقائق التي غيبتها البداهة والاستمرارية فكان من المفيد رؤيتها مجددا بعين متفحصة ناقدة يشار إلى أن كتاب /هكذا تكلمت الأغاني/ للدكتورة نجوة قصاب حسن وهي أستاذة علم الاجتماع جامعة دمشق وشغلت منصب وزيرة الثقافة سابقا صدر في دبي في 383 صفحة من القطع المتوسط.


رشا محفوض

سانا

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق