التشكيلي الفنان أحمد معلاّ يعرض في غاليري مارك هاشم في بيروت

08 كانون الأول 2014

كل لوحة لعبة خاصة وأسلوب خاص

على وقع قصيدة أبي فراس الحمداني «أمَا لِجَمِيلٍ عِنْدَكُنّ ثَوَابُ»، افتُتِح معرض الفنان التشكيلي السوري أحمد معلاّ في غاليري «مارك هاشم» (وسط بيروت)، وقد علّق أبيات القصيدة في لوحة خاصة، لتكون خير معبر عما يصور في لوحاته التي ينتابها الوجع واليأس ورثاء الحال التي آلت إليها الأوضاع في بلده.


من أعمال التشكيلي أحمد معلا

13 لوحة مشغولة بأكريليك على القماش، تتباين في مواضيعها وعناوينها، لتغطي جزءاً من التنوع الإبداعي الذي يسم شخصية معلا الفنية، فعدا كونه تشكيلياً بارزاً، يبدأ نتاجه باللوحة ولا ينتهي عند التجهيز الفني، هو فنان سينوغرافيا المسرح والدراما التلفزيونية والأفلام السينمائية، وقد شارك في أعمال سورية وعربية شهيرة، وإلى ذلك هو ناقد وشاعر، وقد أدخل في لوحات معرضه هذا الكثير من النصوص المختارة من قصائد لابن زيدون وجميل والقيرواني والمتنبي والمعري وأبي نواس وطرفة وسواهم... فتنوعت اللوحات بين واحدة حروفية مشغولة تماماً بالحرف العربي من دون أن تشبه ما جاء في كتب الحروفية، وثانية يدخل إليها النص ضيفاً خفيفاً، وثالثة يعود بها إلى تجربته المعروفة بمسرحة حركة الناس في اللوحة.

ما يمكن قوله للوهلة الأولى أننا أمام أعمال ليست منفذة بخبرة فنان عريق وأستاذ رسم وتصوير صارم وحسب، إنما بقدرة إبداعية تدهشك وأنت تتنقل من لوحة إلى أخرى، حتى لو كانت اللوحتان من عائلة واحدة أو مجموعة واحدة، فلكل لوحة لعبة خاصة تجذبك من سطحها حتى أعماقها. فهو وإن كان فنان حدث أو مضمون أو صاحب موقف، غير أنه يشتغل على لوحته بدقة متناهية، كأنما يطرز ألوانه طبقة فوق أخرى، ما يجعلك وأنت تنظر إلى مقطع صغير جداً من اللوحة تنتبه إلى أنك أمام لوحة مصغرة هي مدماك من مداميك بناء اللوحة الكل، وأمام تفاصيل مشغولة بإبرة العين. ومع ذلك هو ليس زخرفياً بمعنى التجميل الخارجي، أو بتكرار المفردة الهندسية، إنما يشعرنا بحضور زخرفة بصرية جديدة وفاتنة، تعتمد على تنظيم فوضى ضربات الريشة وشدها إلى بعضها بأنساق متناغمة. هذا ما نراه في اللوحات الحروفية التي كلما اقتربنا من تفاصيلها أكثر شعرنا بأن الأحرف مشغولة بأجساد كأنها ضحايا الكلام أو حمّالة أثقاله. أو كأن اللغة ماء الجسد والجسد حياة اللغة.

ويتفنن معلاّ في تلك اللوحات المشبعة بأشعار المشاهير، تلك التي اختارها ليبرهن حياتها في أجسادنا، ومع كل قصيدة أسلوب آخر وطقس جديد. ويتفنن في بناء علاقة الحرف بالضوء، حتى أنه يتعامل مع رسم الأحرف بحساسية عالية، فيخيط علاقة الضوء والظل من دون أن يتوقف عند مستوى اختيار الألوان فقط، إنما يذهب أيضاً إلى مستوى تفاعل الألوان أو جسد اللوحة مع الضوء الخارجي.

هو تكثيف بلا حدود، ممسوك بسلطة تجمع بين حنكة المهنة وتشكيل الفكرة. تكثيف نراه أيضاً في النوع الآخر من لوحاته التشخيصية، التي يحول فيها المساحة إلى مسرح يتحرك فيه ممثلون، يختلفون في المكان والزمان، فلكل مجموعة منهم حيز خاص من اللوحة تحتله، حتى لكأن اللوحة مجموعة حقول أو أحداث مشغولة بنسيج مساحة واحدة. أو أن اللوحة مسرح واحد لمسرحيات كثيرة، تتوالف وتتصارع، بحركة درامية كثيراً ما تنحو في اتجاه نفس ملحمي، فالأشكال تتحرك بآلية سردية تطل عبرها الخرافة مرة والأسطورة مرة أخرى، ويجتمع فيها الحاضر الساطع بمفرداته والماضي الذي يأخذ التشخيص إلى بعض سمات الإيقونة. يستدعي الفنان ملاّ التاريخ بروحيته وأسراره لا بشكلانيته الفجة، ليلاقي الحاضر بكل ما فيه من تداعيات القلق والخوف والارتياب والحزن المعتق، تماما مثلما استدعى في لوحات أخرى الشعر من أعماق تاريخنا ليتنفس من جديد في صدورنا، ويكون تنهيدتنا الجارحة.

لوحات فاتنة تغري الذائقة الفنية، وهي في الوقت نفسه مؤلمة تنكأ جراحنا وتلهبها.


أحمد بزون

نقلاً عن صحيفة السفير اللبنانية

Share/Bookmark

صور الخبر

من أعمال الفنان أحمد معلا المعروضة في غاليري مارك هاشم ببيروت

من أعمال الفنان أحمد معلا

من أعمال الفنان أحمد معلا

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق