نصر الدين بيبرس: الوجودية من عمر الخيام إلى ابن عربي

13 02

لا أحكام ثابتة وخالدة في العلم، ولابد من البحث عن روح الحقيقة

قبل كارد وميرلوبونتي وألبير كامو كان عمر الخيام وابن عربي الذي قال «لا إله بلا مألوه»، ليأتي بعده بزمن جون دوليير وهو من كبار العلماء ويقدم عبارة ابن عربي بمفردات معاصرة ويقول «الكون يهب الحياة للوعي، وبدوره الوعي يهب القيمة للكون». ولعل أعظم ما قدمه سلطان العارفين ابن عربي هو «الفكرة الجوهرية للصوفية» عبر كتابه «الفتوحات المكية» الذي بدأه في مكة المكرمة وأنهاه في دمشق، حيث أمضى أواخر حياته.
ومن دمشق مجدداً، يعود الاهتمام من المركز الثقافي بـ«أبو رمانة» في محاضرة «الوجودية من عمر الخيام إلى ابن عربي» في 13 شباط 2008، حيث تناولت المحاضرة مجموعة من الأفكار تعلقت بالعلم بوصفه نهجاً فلسفياً، وموضوع التفريق المطلق بين الوجود والوجودية، والمعرفة التي لا نهاية لها، والإنسان بوصفه سر استخلاف الله، كما تناول الإله بوصفه المطلق في كل شيء وعجز الإنسان عن إدراك الإله الحقيقة المطلقة، والله وجود نتحاور معه باستمرار.
يتأتى الهدف من هذه المحاضرة وفق ما يراه المحاضر نصر الدين بيبرس «هو الانتقال من فكرة الحقيقة إلى روح الحقيقة، فالفكر يمثله ويجسده العلم الكوني والفلسفة العقلية، وهذا دائماً مستمر في النمو وفي القيام والقعود، لذلك ليس هناك حكم خالد ثابت في العلم ولا في الفلسفة».
بمعنى آخر أراد بيبرس الانتقال من مظهر الحقيقة في الوجود المطلق، ثم التفريق المطلق على لسان ابن عربي وعمر الخيام بين الوجود والموجود. وفي هذه النقطة يقول بيبرس «إذا لم نستطع أن نتذوق الفرق فإن المسألة تبدو عبث في عبث لكني واثق من أننا سنشهد هذا الفرق المطلق».
يضيف بيبرس «عمر الخيام لقبوه في الشرق بالحكيم وفي الغرب بملك الحكمة، لأنه عالم وفلكي وكيماوي وفقيه وشاعر ويكفيه شهادة حجة الإسلام الغزالي العملاق الذي تعلم منه ديكارت، والذي قال فيه "أكثر الله من هذا الرجل وتنبأ له بالعبقرية"، إذاً كما ذكرت هو رجل أدرك الغرب قيمته من خلال رباعياته وهي أشهر كتاب في أوروبا بعد الإنجيل وكانت تترجم وتباع حتى بالذهب».
أما في ابن عربي، فيقول بيبرس «أوسع رجل في التاريخ من حيث الفكر وله أكثر من مئة ألف صفحة نسبت له، وقد لُقب بسلطان العارفين صاحب الفكرة الجوهرية للصوفية».
الوجودية عند ابن عربي في المركز الثقافي العربي بأبورمانة إذن أراد بيبرس أن يبدأ جدليات الوجود والموجود على ألسنة نماذج من أهل الجدل، جدل العلم والعرفان، جدل الذوق في النثر والشعر حيث يقول «نعم، أقول الجدل حيث لا ملعب سواه يتبارى عليه اللاعبون الكبار وحيث طاقات الوعي هي لياقة اللاعبين. ولعل النظام الحق لهذا المهرجان المطلق هي الحرية والتي تنبع من الفيض المطلق الأقدس والمقدس، فهي روح الطاقة وجسد المادة وهي روح الأرواح وجوهر علم وعرفان وذوق الإنسان بالمعنى الأعلى الأقدس هذا هو الإطلاق للوجود الأقدس المسمى الله وهو دائماً بالغيب المطلق».
يتابع بيبرس «هذا هو الوجود المتجلي به هذا العالم والكون والإنسان ولكننا أدركنا أن قمة كل علم أو ذروة كل عرفان أو سمو لكل ذوق ليس أكثر من أرض لقمة أعلى. وهكذا سوف يتوالى كشف العلم لأراض جديدة وسيتعالى كشف العارفين لقمم متجددة والكل شواهد الموجود للوجود وحيث الغنى المطلق للوجود والفقر المطلق للموجود»، وبمعنى آخر أراد بيبرس الإشارة هنا «بأن العلم والمعرفة لن تنتهي وستتوالى من طور إلى طور أعلى وأكثر تقدماً».
إذن جوهر الجدل -كما يجد بيبرس- انطلق بامتياز من عمر الخيام عندما قال «أوجدتني ياربي من عدم، أسديت فضلاً ماله مقدار، عذري بأني عند حكمك عاجز مادام يوم من ثرايا غبار»، ويقول أيضاً «أن حقيقة الكون ليست عند ناظرها سوى مجاز».
يُذكر أن عمر الخيام كان عالماً وفيلسوفاً ومؤسس علم الاحتمال، وصاحب حل معادلة الدرجة الثالثة، وأهم إنجاز له في الرياضيات على الإطلاق هو متتالية فيبوناتشي، نسبت إلى الإيطالي فيبوناتشي الذي قرأ أعمال الخيام، وهي المتتالية الأهم في الطبيعة والتي تحكم الكثير من ولادات وتطورات الكائنات الحية والتي تطبق الآن في الكمبيوتر لحساب التوابع التجريدية، وما يمكن ذكره أيضاً هو أن النسخة الأساسية لرباعيات عمر الخيام قد غرقت في التايتنيك 1912 وفق ماجاء في كتاب «سمرقند» لفوزي معلوف. إذاً هذا الرجل الموسوعي انتهى إلى اليقين «كما يخرج المرء من الدنيا يدخل إلى ربه».
يجد بيبرس «أن كل فيلسوف نهايته الفجر، بينما التصوف ينطلق من الفجر حال ابن عربي الذي ينظر إلى مقام الإنسان من حيث الجمع وجمع الجمع، فالجمع عنده أشهدك الحق ومن فعل بك حقيقة أو هو إثبات الخلق قائماً بالحق ونحن رموز الخلق، وأما جمع الجمع فهو الاستهلاك بالكلية أو فناء الإحساس بما سواه الله عند غلبات الحقيقة، وهو الفناء عن مشاهدة كل شيء سوى الحق».
  ويقول بيبرس إن «هذا الخلق مع عدمه الحقيقي الدائم ظهر به الحق وهذا يعتبر من أغمض ما يمكن في عملية الإدراك، بمعنى آخر كيف يقبل العدم الموجودية ويبقى عدم، هل في الوجود المطلق قيد، هل يوجد غير، كيف نقول مطلق ثم نقول هناك قيد وغير، إذاً هذا الإطلاق هو الذي شاء أن يكون الموجود، ولكن الموجود كما يقول ابن عربي لا يمكن أن يشم رائحة الوجود ومع ذلك له شعور ونفس ورموز له، إذاً هذا سر استخلاف الله للإنسان وهذا سر أن الإنسان دائما تنبع منه الأسرار وهو الذي يخلع على الكون الأسرار وهو الذي لا يرضى بأي علم يصل إليه ولا معرفة ولا فلسفة على الإطلاق لأنه روح قبل أن يكون عقل والله ليس فكرة يبرهن عليها، وإنما كما يقول أهل الله والعلم أنه وجود نتحاور معه باستمرار».
«إذن النتيجة التي وصل إليها ابن عربي ما عرف الله إلا الله فالعين واحدة والحكم مختلف، ويقول أنشتاين "أعجب ما في الكون أنه قابل للفهم والإدراك المستمر"، لذلك يبقى الإنسان دائم التفكير والتفكير في التذوق، وابن عربي عندما مارس هذا وصل إلى الوجود كما في العبارة الأنفة الذكر».
«إذن بالعلم نكتشف العظمة، ومن عظمة العظمة أدركنا أننا لا نفهم شيئاً وفي هذه النقطة يقول نيوتن "علمت أنني لا أعلم" ويقول أنشتاين "من أنا، أنا طفل في مكتبة لا يعلم ماهية الكتب" ويقول النقري الأعظم "أختم علمك بالجهل وإلا هلكت به"» وخلاصة كل ما ذكر هو أن ابن عربي وصل إلى التنزيه المطلق وفق ما يراه بيبرس.
لعل ما أراد الأستاذ بيبرس إيصاله لنا هو أن العلم في أزمة فلسفية وخاصة مبدأ الشمولية لنيوتن، وهذا المبدأ يهتز اليوم حتى بالنسبة إلى أنشتاين آخر الموضوعيين الذين ينظرون إلى العالم على أنه موجود، وأن القوانين تحكم العالم بشكل مستقل عن إرادات الناس وهذا فحوى النيوتينية، لكن أنشتاين نفسه يعود في كتاب آخر ليقول «لا توجد قوانين في الطبيعة، القوانين هي قوانين بين المركبات النفسية للعالم، هي إبداعات في فكر العالم تريحه عن تساؤلاته ولو إلى حين»، وله آراء فلسفية أيضاً «أن كل شيء جبري بما في ذلك خلق العالم».


رياض أحمد

اكتشف سورية

Share/Bookmark

صور الخبر

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق

سلام نصر الدين بيبرس:

هذا أبي و أفتخر

الأردن