الدراما السورية الملف الساخن المؤجل وجردة الحساب المنتظرة

07 نيسان 2014

خبا بريق الدراما السورية وفقدت الكثير من سحرها في السنوات الأخيرة وبات حضورها باهتاً وهي تمارس لهاث السباق إلى الشاشات بجعبة أصابها الترهل في سهام صدئة بعدما قطعت أشواطاً متقدمة أظهرت فيها مستوى إبداعياً عالياً على صعيد التأليف والإخراج وحضور نجومها بكامل الألق..

ودائماً كانت الأسئلة المطروحة أي فن درامي نريد وأية قضايا كان يجب على الدراما السورية أن تتصدى لها ودائماً كانت الأجوبة في غالبها الأعم أن الدراما السورية على الرغم من تصدرها الشاشات لسنوات إلا أنها لم ترق إلى حجم التلقي للمشاهد السوري ولم تمس كثيراً من قضايا جوهرية وهموم حقيقة لهذا المشاهد إلا ما قل وندر؛ ذلك أن أعمالاً درامية سورية كثيرة مارست الالتفاف على جوهر الهم والاهتمام وتهرّبت من الجوهري إلى العادي ومن المتن إلى الهوامش وسرقت من المشاهد عامة اهتماماته وجرّته إلى الاستهلاك في الحديث عن هموم أقرب إلى القشور والثرثرة في تسطيح للعقلية الناضجة وتصدير للذهنيات الهشة.

فتوات.. عشوائية ومرايا مهشمة

الدراما السورية عامة أغلقت على نحو فاضح باب الجدل بين الشارع والشاشة لجهة المضامين العالية والطروحات التي كان يمكن أن تشكل هواجس متناغمة بين صناع الدراما والمتلقي، فتحول النقاش والتعاطي من مخاطبة العقل إلى دغدغة الغرائز والعواطف على نحو مثير للاشمئزاز حيناً والتهكم حيناً آخر، فتصدرت إلى الواجهة ثقافة «صبايا» و«حارات»، و«نساء طبخ وثرثرة ورجال بعضلات مفتولة وشوارب وفتوّات وشبان عاطلين عن العمل والحلم» أشبه بـ«يوميات» مملة في أفكار «عشوائية» تأكل الشاشات على مدى ساعات لا تنتمي إلى المتألق من عقل المشاهد إنما إلى ذلك الوجه في ذهنية أقرب إلى فرجة على مرايا مهمشة وظلال محطمة.

سيف الرقابة وعرض الحائط

أيضاً الدراما السورية ابتعدت عن جرأة الطرح كما يفترض ويليق، وهربت إلى التاريخ والفانتازيا وأعمال السيرة، وبدت على جنوح واضح وقوي إلى التجاري واستمالات لعقليات الجهات المنتجة خارج البلد صاحبة اليد الطولى في البذخ والتسطيح، وأيضاً وبالدرجة ذاتها عدم خدش حساسيات العقل الرقابي المتشعب على غير صعيد داخل البلد والعمل على التناغم مع الذهنية الرقابية السائدة التي حاولت أعمال بعينها كسر هذه الذهنية بالتلميح والمواربة أو الإسقاط البعيد دون ضرب الحائط بشهر عسل التوافقات والأسباب هنا أيضاً إنتاجية في جانب كبير منها, قد يبدو ذلك حكماً قاسياً واطلاقياً عاماً خاصة أنه دون أمثلة لكن الأمثلة معروفة للجميع وأهل مكة أدرى بشعابها والمتلقي أيضاً؛ والحديث هنا يخص السمة العامة الغالبة ولا يخص استثناءات حاولت أن تضع يداً على جروح وأن تقدم نوعاً من التناول الراقي مع مراعاة التعاطي الإبداعي والمستوى الفني العالي والشروط الإنتاجية التي كانت غالباً سيفاً مسلطاً على رقاب بعض صنّاع الدراما فكان الخضوع أمراً واقعاً؛ الأمر- هذا وذاك - لم يكن له كل هذا الوقع ولي عنق الطروحات في الدراما المصرية مثلاً التي شهدت على مدى تاريخها تناولات على غاية في الأهمية والحساسية العالية لطروحات تقاطعت مع قضايا الناس ما جعلها تحظى بتقدير النقاد والشارع على حد سواء وطبعاً هناك الاستثناءات وهي تنتج عدداً كبيراً من الأعمال في الموسم الواحد الذي يفرز الغث والثمين.

جردة حساب

بالتأكيد فإن الحرب التي تعيشها البلاد تركت آثارها المدوية على الدراما السورية؛ لكنها الأزمة ذاتها التي فتحت أيضاً باب الأسئلة مشرعاً على هذه الدراما نفسها ومدى اقترابها من المشاهد قبل الحرب وفي أثنائها وأي شكل من أشكال القطيعة أو التناغم بينها وبين المتلقي الذي ابتعد هو الآخر عنها بحكم ما تعانيه البلاد مثلما ابتعد عنها نجوم وكتّاب ومخرجون بحكم ظروف العمل والإنتاج أو لظروف شخصية وكل في هذا له آراء واجتهادات ومواقف لسنا هنا بصدد الوقوف عندها أو فتح هذا الملف الساخن والمثير للجدل.

ملف الدراما السورية الذي لم يشهد يوماً جردة حساب على مستوى وطني كما ينبغي؛ جردة الحساب أو المراجعة أو الوقفة مع الأعمال الدرامية السورية هي أكثر من ضرورة ملحة مع مراعاة التوقيت المناسب نظراً للأهمية الكبيرة لهذا الفن الذي يحظى بمتابعة كبيرة وأثر هذا الفن في المستويات كلها.


علي الحسن

الوطن السورية

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق