دوسو يقدم أعظم هدية للعمل الأثري والتاريخي السوري..

27 آذار 2014

كتاب الطبوغرافية التاريخية لسورية يرى النور

نتحدث عن الآثار السورية كثيراً، ونسمع عن الكتب الجغرافية الخاصة بسورية، وكلما تصفحت كتاباً وجدته مجرد مقالات إنشائية، وخاصة أن الأغلبية ممن كتبوا عن الجغرافية السورية لا يتعدون أن يكونوا مدرسين أو من الأشخاص الذين تولوا مواقع في هذا الميدان وهم ليسوا من أبنائه المحترفين والعاشقين لذا كانت أغلب الكتب، وليس كلها، التي وقعت عليها اليد لا تقدم المطلوب منها، ولا ترقى إلى مستوى الأبحاث، بل إن أغلبها يقف عند التغني بالآثار وعهودها لا أكثر! وهذا ما جعل بعض كتابات المستشرقين المتخصصين أكثر علمية وصدقية، ومن خلال متابعتي لكتابات الراحل القدير الدكتور عدنان البني أحد القلة الخبراء في الآثار السورية قرأت إشارات إلى دراسات استشراقية، ولفت انتباهي ما حظي به «رينيه دوسو» من إشادة، ولكن ما كتبه دوسو بقي بعيداً، وحركة الترجمة لا توليه عناية لما يتطلبه من عناء وعلمية، وتتم ترجمة المقالات والدراسات الاستشراقية العامة التي لا تقدم ولا تؤخر! وكان حرياً بنا أن ننقل هذا العمل الكبير منذ أمد بعيد وخاصة بعد الإشادات التي حظي بها.. وكان من المفترض أن تتم ترجمته في غمرة الاهتمام بالآثار، لكن يبدو أن الاهتمام بعلم الآثار يختلف عن الاهتمام بتجارة الآثار!

الطبوغرافية التاريخية لسورية يرى النور

حين وصلت نسخ من الطبوغرافية التاريخية لسورية الذي حمل اسم (المسالك والبلدان في بلاد الشام في العصور القديمة والوسطى) إلى دمشق، كنت محظوظاً وأنا أرى التماع عيني المترجم السيد عصام الشحادات وهو يرى كتابه بحلته الأنيقة، وقد لفت الكتاب انتباهي، وتمنيت أن يكون بين كتبي لما سمعت عنه من قبل، وما سمعت عنه في هذه الجلسة من الأستاذ الشحادات الذي قضى في نقله من الفرنسية ثمانية أعوام، وخاصة أن الكتاب يقدم سورية الطبيعية أو الكبرى كما رآها ودرسها دوسو، ولا يكاد يغادر أمراً في البلدان والتاريخ، ومع إعجابي بالعنوان الذي اختاره المترجم، إلا أنني كنت أتمنى أن يبقى الكتاب تحت عنوان (الطبوغرافية التاريخية لسورية) مع ما يحمله من كلمة غربية، إلا أنه أكثر دلالة، ويبعد الوهم عن القارئ في التشابه بين الكتاب وآخر تراثي يحمل اسماً قريباً، وحين وصلتني نسخة من هذا الكتاب، أتعبني وأنا أقرأ فيه، وحرت ماذا أقول فيه، وماذا أكتب عنه؟ فأنا أمام كتاب مختلف تمام الاختلاف، وأمام مجهود يستحق الإشادة، سواء كان من المؤلف المستشرق، أو من المترجم الذي تصدى لعمل يحتاج فريقاً من العمل لما فيه من مشكلات وحاجة للتدقيق، ولكنني أجدني مدفوعاً بغيرة السوري أن أتناول هذا الكتاب تأليفاً وترجمة ومادة ونشراً، وأزعم بداية أنه من الواجب على مراكز البحث والمكتبات العامة، ومكتبات الجامعة، ووزارات الثقافة والزراعة والري والاقتصاد أن يكون هذا الكتاب عمدة مكتبتها أمام ما تحمل المكتبات من مؤلفات لا تقدم فائدة.. وأذكر أنني عندما أدرس النصوص لطلابي، أقول لهم: «إن كتاب "الأعلام" لخير الدين الزركلي هو أهم كتاب صدر بالعربية في القرن العشرين»، ولم أغال في ذلك، وحين رأيت الباحث بسام الجابي أخبرني بأن أحد الذين اطلعوا على الكتاب الجديد (المسالك والبلدان) وصفه بأنه كتاب العام، وبعد قراءة الكتاب على مدى أسبوع أرى أن هذا الحكم ظالم للكتاب، فقد تمر سنوات وربما يكتمل عقد أو أكثر قبل أن يصدر كتاب بأهميته وقيمته لسورية خاصة في ظل هذه الأزمة التي تعيشها، وهذا الرأي ليس مجاملة فأهمية الكتاب سياسية، جغرافية، تاريخية، آثارية، توثيقية، وفي الكتاب الكثير الذي يدحض مزاعم المحتلين في الأرض وأصحابها ومن عاش عليها.. يقع الكتاب في 750 صفحة من القطع الكبير في قسمه الأول، إضافة إلى خمس عشرة خريطة في القسم الثاني، فهل يمكن أن يختصر في كلمات؟ إنها إضاءات على عمل كبير يهم سورية، وكل السوريين، وعلى صناع القرار أن يطلعوا عليه، فما قرأته من أسماء ومواقع لم أسمع به من قبل، وتهمله خرائطنا، وإن كنت سمعت ببعضها، فقد سمعت ككل السوريين في الأزمة التي تعيشها سورية، ولو عدنا إلى الكتاب والخرائط التي قدمها دوسو نجد مفهوم سورية الطبيعية دون أي ادعاء سياسي! هكذا يرى المستشرق العلمي سورية، وفي هذه المساحة كانت جولاته في الكتاب فماذا نعرف عن الكتاب وسوريتنا؟ وهل الحب شعار أم معرفة أظن أن المعرفة في هذا المؤلف الضخم والجليل هي أعلى أساليب التعبير عن الحب لسورية وتاريخها وإنسانها.

الطبوغرافية ودوسو
أبدأ الحديث عن الطبوغرافية التاريخية لسورية من رأي يقوله دوسو، ونردده نحن، لكنه يقدمه بوعي نقدي تاريخي لم يصل إليه كثيرون من منظري أحزابنا الحاليين أو الذين عاشوا الحقبة التي عاشها، وقد يكون مستغرباً أن يقول مثل هذا مستشرق وفرنسي تحديداً، لكن عمق البحث، وإخلاص الباحث جعلاه يقف عند مجمل القضايا بعلمية قلَّ أن نجدها، ففي غمرة ما تعيشه بلداننا من شهوة التقسيم والتجزئة، وبعد أن عاصر المستشرق تقسيمات سايكس بيكو يقول حول حدود سورية كما يراها هو من واقع جغرافي وحياتي «لم يحدث لسورية الممتدة من حدود مصر حتى سفوح جبال طوروس، أن توحدت في كتلة سياسية واحدة رغم انها تقع بين حدود طبيعية واضحة نسبياً وجلية بين البحر المتوسط غرباً والصحراء ونهر الفرات شرقاً، هناك إجماع عندما يتعلق الأمر بإعطاء تعريف مجمل للأراضي التي تشملها كتلة سورية أو بلاد الشام بالمعنى الواسع للكلمة، أما إذا حاولنا تسمية تقسيمات هذا الكل، فسيُدب الخلاف لأنه من الصعب ألا نأخذ بعين الاعتبار إلا المعطيات الجغرافية، فالبعض، ومنهم إسطرابون، يتكلمون عن الظروف السياسية، وآخرون كما هو الحال مع بطليموس، يفضلون التقسيم بحسب العوامل الاقتصادية» 27 فنحن أمام باحث ينظر إلى سورية الكتلة الممتدة بالشكل الطبيعي منذ القدم، ويأخذ بآراء من بطليموس إلى اليوم، وهو إن فضّل النظرية الجغرافية للكتلة، فإنه لم يتعصب لها ويقف عندها، وعندما يأتي الكلام فإنه يشرح الرؤى الأخرى السياسية والاقتصادية، ومن ثم جاءت النظرية اللغوية والقومية وما شابه، ولكن هل وقف منظرو أحزابنا عند هذه النظريات الثلاث القادرة على تجاوز الإثنيات القومية والدينية، والتي تحقق ما هو في سورية كما يؤكد دوسو من تنوع كبير؟ وأين غابت هذه النظريات التي تملك مشروعية قيام كيان الدولة لتحل محلها نظريات تحمل احتمالات تفكك الدولة إلى دويلات؟ وها نحن نرى اليوم كيف توالدت النظريات التي تبناها سياسيونا ومنظرو أحزابنا السياسية لتخرج علينا بأفكار دويلات قومية وطائفية ودينية قادرة وحدها على تدمير وحدة الكتلة السياسية السورية التي رآها دوسو، ونظراً لأهمية هذه الفكرة، وإخلاص دوسو لها، ولسورية بدأت منها، وخاصة في ظل ما يعصف بسورية الطبيعية اليوم من أحداث تسعى إلى تغيير منظومة هذه الكتلة، وربما كان ما قاله دوسو رسالة لمنع تحقق هذه الكتلة السياسية، وفي عبارته ما يعطي معلومة مهمة للغاية: لم يحدث لسورية الممتدة أن توحدت في كتلة سياسية واحدة!! فهل نقرأ ونعي ونبحث في الأسباب؟!

الخريطة الطبوغرافية وغيابها
يتحدث دوسو بعلمية عن الخريطة الطبوغرافية وغيابها عن الواقع، وهو لا ينسى الجهود العربية من الجغرافيين القدماء، ومجمل ما قدم في القرون الوسطى من معاهدات ومواثيق دفعت لإنجاز خريطة طوبوغرافية، ويظهر ما تتعرض له سورية عبر التاريخ ويدفع لإنجاز مثل هذه الخريطة، فالأسماء إن حافظت على كينونتها في مناطق داخلية مثل منطقة حوران، إلا أنها في المناطق المتاخمة لتركيا فإن الأسماء تتغير، والمناطق تفقد هويتها الأصلية وأسماءها القديمة التي تمنع وضع الخريطة الطبوغرافية الجغرافية المستندة إلى العمق التاريخي للمنطقة والبلدان، ويثير الاستغراب أن تكون مناطقنا مجهولة للجغرافيين العرب قديماً وحديثاً، بينما هي غير مجهولة للمستشرقين والدارسين الغربيين، فهل هذا ناجم في فضول معرفتهم أم ناتج عن أن الجغرافيين العرب القدامى اهتموا بطرق التجارة والرسائل الدينية، والعرب القدامى لم يجدو ضرورة للتتبع؟! «وقد كان جبل لبنان غير المعروف جيداً من قبل الجغرافيين القدماء ومعظم الجغرافيين العرب، مثيراً جداً بالنسبة إلى وثائق العصور الوسطى من معاهدات ومواثيق، أما في أماكن أخرى فقد تمكنا من طرح أكثر منهجية لوجود قوائم أكثر مصداقية للتسميات المحلية مثلما هو الحال مع منطقة حوران.. وفيما يتعلق بأقصى شمال سورية فإن العدد الكبير من الأسماء التركية التي أطلقت حديثاً وحلت محل التسميات القديمة في أغلب الأحيان شكل عائقاً أمام محاولاتنا التعرف إليها، وإذا أمعنا النظر في كلام دوسو فسنجد أن جبل لبنان كان مجهولاً عند العرب مثيراً في المعاهدات والمواثيق، وفي هذا تعزيز للرؤية السياسية التي ينطلق منها، ويراها دافعاً لكتلة سورية واحدة، هذه الكتلة التي يتم قضمها بتغيير أسمائها، وتحويل هويتها في العصر الحديث وبشكل ممنهج..!

وفي تتبع الخرائط الطبوغرافية للمنطقة يجب أن نقف عند ملاحظات دوسو والأسماء وتتبع رحلة هذه الخرائط، فالجغرافيون العرب القدامى اكتفوا بما أخذوه عن سابقيهم وأضافوا القليل إليه، ومن ثم توقف الأمر لتكون الخرائط الطبوغرافية من صنع الغربيين والإيطاليين تحديداً، ويهولنا هول المعلومات التي يقدمها دوسو بمصداقية لا نتخيل أنها من الحقيقة والواقع، فهل يتخيل أحدنا أن تكون دمشق فقيرة حتى زمانه بهذا النوع من الخرائط؟ وفي الوقت نفسه، فإن أجزاء من سورية تحفل بالخرائط لأسباب دينية وسياسية، ولنتابع ما يقوله دوسو: «قال ماكس فان برشم: إن كان علم الطبوغرافيا في فلسطين القديمة والحديثة قد تطور بفضل الأهمية الدينية الخاصة التي تمثلها تلك البقاع، فإن الطبوغرافيا في سورية الشمالية لم تعرف ذلك التقدم. وكل من سافر إلى الشمال من دمشق يعرف كم تفتقر إلى الخرائط والأخبار عن تلك الأصقاع، والمعلومات التي لدينا معلومات ناقصة في أغلب الأحيان».

وبما أن دوسو يقوم بجهد علمي ليس له أغراض سياسية واضحة، أو سلبية في أسوأ تقدير، فإنه يعود إلى ما قام به القدامى من أسطرابون وبلينوس وبطليموس، ولا يغفل عن الإشادة بمصادره العربية «معجم البلدان لياقوت الحموي يبقى رغم عيوبه وأحياناً أخطائه، صرحاً ذا قيمة علمية لا يعلى عليها ولم يصنف ما يضاهيه في أوروبا العصور الوسطى. أما مصنف الإدريسي الضخم، فلم يتهيأ له أن ينشر نشراً كاملاً كافياً وافياً بعد» ويتابع الطبوغرافية السورية، وبداية نهوضها مع حملة نابليون وتحقيقات الكابتن كاميل كالييه، والمسوحات التي تمت، والمقاسات التي تمّ اعتمادها في رفع المسوح، وكل ذلك كان بصورة أشبه بالمغامرات القصصية في غمرة الأحداث التي سادت المنطقة في القرن التاسع عشر.

ويظهر دوسو بحسرة أن كل هذه الجهود لم تصنع خريطة طبوغرافية لسورية «لا تغطي أفضل هذه الأعمال سوى جزء أقل من القليل من البلاد، وما تبقى هو مجرد وصف للمسالك، أو تجميع معلومات اعتمدت على معطيات غير كافية البتة، وكان لابد من رسم خريطة لسورية باتباع نظام تثليث منهجي، وقد اضطلع بهذه المهمة وأتمها على خير وجه بما في ذلك خريطة تعريفية، الجنرال التركي محمد شوقي المتدرب السابق في قسم الجغرافيا في الجيش الفرنسي.. أعطى الجنرال شوقي الحكومة الفرنسية كل التسهيلات لإعادة طبع خريطة سورية بمقياس 200.000/1، وعليه شرع قسم الجغرافيا في الجيش الفرنسي بوضع خريطة لسورية تحت الانتداب وفق أدق المناهج».

هل هناك أهم من هذه الغايات للخريطة الطبوغرافية ودورها؟ ومع ذلك يغيب الجغرافيون العرب، ولا يولون مثل هذه القضايا عنايتهم كما يهتمون بقصيدة من الشعر الشعبي، أو بسباق للهجن والجمال، وربما بسباق للحمير بعد ذلك! علم تاريخي جغرافي سياسي اجتماعي تقوم عليه الدول والإمبراطوريات، وينجح من خلاله الاحتلال في بسط نفوذه وهيمنته، ونحن لا نجد أي إسهام عربي فيه، وهو لا يتطلب إلا الجهد والوقت وبعض البذل.. بل الأدهى أن يمر أكثر من ستة عقود على وفاة مؤلف هذا الكتاب المهم والخطير، ولا نجد ترجمة له بالعربية، وأظن أنه لولا قيام المعهد الفرنسي للشرق الأدنى بالتصدي لهذا العمل الضخم بالتعاون مع الأستاذ الشحادات مترجماً لبقي هذا الكتاب مجهولاً، وما نعرفه عنه مجرد إشارات نقلت عن الفرنسية!

في الكتاب صورة منصفة تستحق
لن أستطيع إعطاء فكرة تامة عن الكتاب وما يحتويه، ولا يجوز أن أقوم بتلخيصه بطريقة تشوهه، وهو مرجعية حقيقية كما يصفه الأستاذ الدكتور عدنان البني أحد مشايخ الآثار في سورية «هو أعظم هدية قدمها دوسو للعمل الأثري والتاريخي وللعاملين في هذا المجال. ولا نعرف أحداً من الباحثين في حقل الآثار السورية والتاريخ السوري سواء في سورية أو خارجها من عرب أو أجانب لم يرجع إلى هذا الكتاب أكثر من مرة وفي مناسبة اكتشاف كل موقع جديد واستقيت مواده من أكثر من ثلاثمئة مصدر ومرجع منها أكثر من ثلاثين مصدراً من أمهات الكتب الجغرافية والمعجمية العربية الإسلامية معززاً ذلك كله بالمخططات المفصلة، وفي هذا الكتاب ألف مسألة تاريخية وجغرافية» فإذا كان الآثاري الكبير الراحل عدنان البني وهو من هو في آثار سورية وعلى المستوى العالمي يقف أمام هذا الكتاب بهذا الإجلال، وهو لم يشهد ولادته باللغة العربية، وإنما أعطى رأيه في دراسة صدرت عام 2008 عن رواد الآثار السورية، إذا كان هذا حال البني الخبير، فما حالنا نحن الذين نتلقى مثل هذا الكنز المعرفي بعد عقود من تأليفه؟ وفي إشارة البني تأكيد أهمية هذا السفر الجليل في الآثار الجغرافية والتاريخ، خاصة أن دوسو هو من القلة من المستشرقين الذين أخذوا بعين الاعتبار الكتب العربية في هذا المجال.

يقع الكتاب في سبعة فصول، وتحت كل فصل عناوين مهمة ولافتة، فبعد المقدمة والتصدير يأتي الفصل الأول: فينيقيا الجنوبية وتحت هذا الفصل يقدم: الادعاءات الإسرائيلية حول فينقيا الجنوبية، صور ونواحيها، صيدا ونواحيها، من بيروت إلى البترون.. والفصل الثاني من طرابلس إلى القرنة، منطقة حمص ويضم: طرابلس وما جاورها، وادي الألثير، منطقة ماريام، منطقة حمص، والفصل الثالث، فينيقيا الشمالية، ويضم: من نهر الأبرش إلى كارنة، من كارنة إلى بالتوس، من بالتوس إلى لاوديقية، الطريق من اللاذقية إلى أنطاكية عبر جسر الشغور، الفصل الرابع منطقة أفاميا وحماة ويضم: روسا وحصن الروج، كفر طاب والكفر، دور كفر طاب ومعرة النعمان زمن الصليبيين، مواقع أخرى مجاورة لأفاميا، من ريحا إلى منطقة عفرين، حماة وأعمالها حتى الغزو الآشوري، الفصل الخامس: تدمر ومنطقة دمشق ويضم: طرق الصحراء، المنطقة التدمرية بحسب بطليموس والنقاط العسكرية الواردة في كتابه ،جبال لبنان الشرقية، السفح الشرقي لجبال لبنان الشرقية، وادي حلبون، وادي بردى الأعلى، الغوطة والمرج، وادي العجم.

الفصل السادس حوران، جبل الشيخ، البقاع، ويضم: البثينة، حوران، اللجا والصفا، الجولان والحرمون، الحرمون ومنطقة بانياس، البقاع، الفصل السابع: سورية العليا ويضم: من لاوديقية إلى مصب نهر العاصي، ضواحي أنطاكية، من سلوقية إلى الأبواب السورية، المدن التي يسقيها نهر الفرات الأوسط، المدن والطرق في منطقة السيرستيك، حوض الخابور..

هذه لمحة من الفهرس عن محتويات الكتاب، فهل هناك كتاب أغنى يتناول سورية من الجوانب الجغرافية والتاريخية، وقد أشار البني إلى احتواء الكتاب على ألف مسألة في التاريخ والجغرافية، وأمام هذا الغنى وهذه الأهمية يستغرب المرء أن يتأخر صدور هذا الكتاب بالعربية.

الترجمة والمستوى الرفيع
ربما كان من حسنات تأخر صدور الكتاب أنه لم يتم نقله بطريقة تجارية مبسترة، وقد تصدى للترجمة خبير باللغتين هو الأستاذ عصام الشحادات، ولا تستطيع أن تعرف هذه الخبرة وأهميتها إلا بعد أن تطلع على الكتاب وضبطه وشرحه وتصويباته، وهنا أشير إلى أن دور الأستاذ الشحادات لم يكن في نقل النص إلى العربية فقط، وإنما عمل في النقل والمقابلة والضبط والتصويب والشرح، وقد تعامل مع كتابه بحب وشغف، فكان أن مارس عليه عملية تحقيق دقيقة، وأضاف إلى فهارسه فهارس جديدة، وصوب الكثير من الأسماء التي حالت الترجمات دون الوصول إلى الحقيقة فيها، وحواشي الكتاب تشهد بطول باعه، وتعرّف القارئ بأن السنوات التي قضاها في ترجمته لم تكن سنوات مريحة على الإطلاق، وما قدّمه من ترجمة يمثل مدرسة في الترجمة تحتذى في مثل هذه النصوص العسيرة التي تحتاج إلى أناة وصبر، ولابد من الإشارة إلى أنه فات على السيد المترجم بعض القضايا، وهذا أمر جد طبيعي، وأذكر لذلك مثالاً واحداً، فقد دفعني فضول الانتماء إلى معرفة ما كتب عن قريتي معربا، وتتبعت الفهرس لأجدها مذكورة في مكانين 337 و418، وبالعودة إلى الصفحات كانت القرية في الأولى صحيحة التسمية والكتابة والتعريف، أما في الحاشية 10 من ص 418 فقد ذكر معربا بالرسم والضبط لقرية في حوران، وهذا غير صحيح، لأن القرية التي في حوران جاءت بعدها برسم وضبط ولفظ مختلفين، وعندما وردت ص 424 كانت مطابقة في التحديد لـ418، وكان الأولى أن تضم في الفهرس للتالية، وأن يكون رسمها في الحاشية وضبطها (معرّبة)، وربما أكون أنا المخطئ، ولكن لا أتصور أن يُضم موقعان في مكانين مختلفين، ولو اشتركا بالرسم في خانة واحدة من الفهرس، وهذه الملاحظات قد تكون نادرة، ولم أكن لأقف عليها لولا فضول الانتماء، وإن كنت على صواب فالأمر لمصلحة المترجم الذي كلّف نفسه فوق الطاقة في التعريف.

الخرائط وأهميتها
أشار المترجم في مقدمته إلى الخرائط والتردد في ترجمتها وطبعها، إلى أن قرّ القرار بترجمتها، وها هي مضمومة إلى الكتاب فيما يشبه المجلد، وأزعم أن طبعها من الأهمية الكبرى، وهي تضيف إلى الخبراء والدارسين والعسكريين الكثير، وإن كانت قد لا تعني القارئ العادي، علماً أن هذا الكتاب ليس موجهاً للقراء العاديين، وتستحق هذه الخرائط أن توضع أمام كل واحد من المعنيين لما فيها من معلومات، ومن يعد إلى الخرائط يجد أن دوسو لم يكرر أي شيء، بل كانت كل خريطة معنية بمنطقة، وعلى مقاييس محددة..

المسالك والبلدان لدوسو من أهم كتب القرن العشرين في سورية وآثارها، وإن تأخر نشره حتى اليوم، فذلك يعود إلى جهلنا بتاريخنا وجغرافيتنا وعدم تقديرنا للدراسات الجادة، وبعد هذه العقود يستحق دوسو أن يحظى باحترامنا وتقديرنا لعمله الآثاري التاريخي الجغرافي، وكذلك فإن عمل المترجم الأستاذ عصام الشحادات المضني يستحق أن يوقف عنده لما فيه من جهد وعلمية ودراسة وبحث، والشكر للهيئة التي قامت على ترجمته وتكلفت في سبيله الجهد والمادة، وهي التي قدمت من قبل روائع تخص تراثنا وتاريخنا.


إسماعيل مروة

الوطن السورية

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق